تقرير”دجلة والفرات.. قبل أن تجف المياه!”


النخيل

سُمِّيَ العراق بأرض الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات، ولكن ربما بلاد النهرين بعد سنوات قلائل لن تعود كذلك مع احتمالية جفاف دجلة والفرات، والأسباب في ذلك كثيرة، منها: قطع روافد المياه عن هذين النهرين، وقيام بعض الدول المجاورة بتقليل حصة المياه الداخلة للعراق، أو القيام بمساومة العراق على كمية المياه مقابل منافع سياسية تارة واقتصادية تارة أخرى.

ولعل هذا الأمر ينطبق عليه المثل العراقي القائل: (لو سقط البعير كثرت سكاكينه)، والمقصود بذلك أن البعير أشم قوي صعب سقوطه على الأرض، ولكن بمجرد السقوط تأتيه سكاكين الطامعين بلحمه من كل حدب وصوب , وهذا ما يحدث الآن بالعراق؛ فعندما احتُل العراق صار مطعمًا لكل من هب ودب، وصار الكثير يتسارع إلى اقتسام الكعكة العراقية، إلى أن وصل الأمر إلى حجب المياه الداخلة إلى العراق، وفي ذلك خرق لكل المعاهدات والمواثيق الدولية.

ناقوس الخطر

نائب رئيس الوزراء العراقي روز نوري شاويس أشار ـ خلال ترؤسه اجتماعًا مشتركًا بين وفد متخصص من الأمم المتحدة وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وممثلين عن وزارات الزراعة والخارجية والموارد المالية وحكومة كردستان ـ إلى حدوث نقص في إمدادات المياه الواصلة إلى العراق، حيث سيكون المتاح من المياه في عام 2015 كمية (44) مليار متر مكعب فقط، وهي تمثل نسبة 55% من الإيراد الطبيعي، ولن تغطي الاحتياج المائي المطلوب عندئذ والبالغ (70) مليار متر مكعب, وأوضح شاويش أن العراق حاول، ومنذ أوائل الستينات من القرن الماضي، الدخول مع الدول المتشاطئة (تركيا وسوريا) في مفاوضات ثلاثية بغية التوصل إلى اتفاق يضمن حصص البلدان الثلاثة في مياه النهرين المشتركين، طبقًا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية، إلا أنها لم تثمر، ولحد الآن، بالتوصل إلى اتفاق يحدد حصة كل دولة.

وقال: إن هناك أكثر من 300 اتفاقية دولية حول اقتسام المياه في العالم، حيث توفر هذه الاتفاقيات أساسًا متينًا لأي اتفاقيات أخرى، بما في ذلك المتعلقة بنهري دجلة والفرات، وتؤكد هذه الاتفاقيات عدم جواز إلحاق الضرر بالدول المتشاطئة الأخرى، سواء من حيث كمية المياه أو نوعيتها.

وأوضح أن حوضي دجلة والفرات يشكلان جزءًا لا يتجزأ من البيئة والنظام الإيكولوجي في تركيا وسوريا والعراق، وكان أساس لحضارة وادي الرافدين، وقال: إن المعلومات المتوفرة تبين أن الأنشطة المتعلقة بالمياه والزراعة لها نتائج تمتد آثارها على نطاق حوضي النهرين، حيث إن مشاريع البنية التحتية الكبرى وتغيير استخدامات الأراضي والفيضانات والجفاف والتآكل والتلوث واستصلاح الأراضي وتصريف المياه واستخراج المياه وغيرها، قضايا متداخلة، وهي جميعًا ذات أثر مباشر على سلامة وسلوك النهر.

إن مشكلة تحديد كميات المياه الداخلة للعراق بدأت بالتحديد منذ عام 1966 عندما قامت تركيا ببناء سد كيبان الذي بلغ سعة الخزن فيه حينها إلى 30,5 مليار متر مكعب، وإنشاء محطة كهربائية قوتها خمسة مليارات كيلو واط.. أما سوريا فقد قامت ببناء سد كبير على نهر الفرات يسمح بتخزين المياه بحجم إجمالي قدره 11,9مليار متر مكعب ومحطة كهربائية بقوة 800 ألف كيلو واط.

وبذلك بدأت كل من تركيا وسوريا بتنفيذ مشاريعها باستغلال مياه الفرات دون مراعاة لحقوق العراق المكتسبة في مياه النهر، والتي قدرها الخبراء حينها بـ 18 مليار متر مكعب من المياه، مما دفع العراق إلى السعي لإجراء مفاوضات وعقد اتفاقيات لتحديد الانتفاع بمياه النهر بين الدول الثلاث، إلا أن جميع اللقاءات والمحاولات قد باءت بالفشل.

ومن جهته، قال عز الدين والدولة، وزير الزراعة العراقي: إن دراسات لحكومة بلاده تتوقع أن لا يجد سكان المحافظات مياهًا صالحة للشرب أو الزراعة في دجلة والفرات بعد 15 إلى 20 عامًا، وأشار إلى أن العراق يحاول إدخال وسائل حديثة في الزراعة والري لترشيد استهلاك المياه والتغلب على النقص.

ويؤكد مسئولون عراقيون أن نقص المياه يشكل تحديًا كبيرًا للعراق؛ بسبب زيادة السكان، ونضوب الموارد، وشح الأمطار، وازدياد التصحر.

جفاف دجلة والفرات في 2040

منظمة المياه الأوروبية توقعت جفاف نهر دجلة بالكامل في سنة 2040، حيث يفقد النهر سنويًّا ما يعادل 33 مليار متر مكعب من مياهه، بسبب “السياسة المائية الحالية التي تتبعها تركيا”، بالتالي فإن العراق – وفي حال عدم تمكنه من إتمام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية بشكل كامل- مقبل على ما أسماه بـ”كارثة حقيقية ستلحق بملايين الدونمات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق لجزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لن تتجاوز الخمسة وثلاثين عامًا المقبلة.

يشار إلى أن واردات نهري “دجلة” و”الزاب الأعلى” المسجلة للعام الحالي سجلت 12 مليارا و940 مليون متر مكعب، وتمثل نسبة 55 بالمائة من المعدل العام. وكانت حالة الجفاف قد استفحلت خلال العامين الماضيين بجميع محافظات البلاد بسبب سوء استعمال المياه في السقي وقلة الواردات المائية لحوضيْ دجلة والفرات، اللذين يعانيان أصلاً من انخفاض حصصهما بنسب بلغت الثلثين على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، فيما بلغت كمية التراجع المسجلة للعام الحالي 55 بالمائة عن معدلها العام، إذ بلغ إجمالي كميات المياه الواردة لأنهر دجلة والفرات والزاب الأعلى والأسفل وديالى والعظيم حتى الآن 21 مليارا و400 مليون متر مكعب.

جدير بالذكر أن وزارة الموارد المائية كانت قد حذرت نهاية العام الماضي من أن سد “اليسو” ضمن مشروع “الغاب” الهادف لتشييد 22 سدًا بسعة خزن تتجاوز 100 مليار متر مكعب، سيحرم العراق من ثلث مساحة أراضيه الصالحة للزراعة، بالتالي سيدفع بآلاف الفلاحين إلى ترك مهنهم الزراعية والاتجاه إلى المدن في هجرة معاكسة، إذ إنه بعد إكمال سد أليسو ستتم المباشرة بسد “جزرة”، مما سيؤدي إلى تحويل جميع كميات المياه إلى الأراضي الزراعية التركية قبل عبورها الحدود التركية ـ العراقية، إلا من كمية لا تتجاوز 211 مترًا مكعبًا من المياه التي وصفت بأنها ستكون بدرجة ملوحة عالية التركيز، ستتضاعف خلال مرور المياه بحوضه في المناطق الجنوبية التي تعاني أصلاً من ارتفاعها خلال السنوات الماضية, فهل من وقفة حازمة من قِبَل ما تسمى بالحكومة العراقية، لتدارك الأمر والجلوس مع دول الجوار للوصول إلى حل معقول وجذري لمشكلة المياه؟ وهل يتوقع من دول الجوار التي حرمت العراق من المياه أن تراعي حق الجيرة؟

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *