تركيا في مهب الريح – بقلم محمد مندلاوي

محمد-مندلاوي

في بداية شهر تموز الجاري, توقعت, أن رئيس جمهورية الأتراك؟, رجب طيب أردوغان, سوف يقدم على مغامرة مجنونة, تجر المنطقة لدوامة من العنف أكثر مما هي فيه. والهدف غير المعلن من هذه المغامرة الرعناء الطائشة, هو تقويض عملية السلام الهشة, والتي تسير كالسلحفاة منذ أعوام بين الجمهورية التركية, وحركة التحرر الكوردستانية بقيادة حزب العمال الكوردستاني المعروف اختصاراً بـ” P K K” أو من تعتبرها تركيا ذراعه السياسي في الداخل التركي. بناءاً على هذا التوقع, كتبت في الرابع من شهر تموز الجاري مقالاً تحت عنوان ” رايات هولاكو العصر بانت تلوح من أنقرة ” مما لا شك فيه , أن من يقرأ العنوان, سيدرك المغزى المقصود منه, حيث أنني استنتجت, أن هناك عملاً عدائياً ما سيحدث على أيدي الأتراك المتعطشين للدماء. وفي سياق المقال قلت بصريح العبارة, أن تركيا بدأت تلعب على المكشوف, بعد أن خذلها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ولم يستطع هذا التنظيم الدموي, أن يحقق لها ما طلبتها منه, ألا وهو لجم الحركة التحررية الكوردية في غربي كوردستان, بل حدث العكس, حيث دحرته فتيات وفتيان الحركة التحررية الكوردية في كافة الجبهات, فلذا لم تبقى أمام الجمهورية التركية إلا خوض الحرب القذرة بنفسها ضد الشعب الكوردي المناضل, وسرعان ما بدأها جلاوزتها بالاعتقالات العشوائية المتسرعة في داخل المدن التركية, وكذلك في المدن الكوردية في شمالي كوردستان المحتل من قبل الكيان التركي, حيث تم زج المئات من الوطنين الكورد الغيارى وغيرهم من اليسار التركي في المعتقلات الأمنية التركية الرهيبة, وعبر الحدود المصطنعة, قامت طائراته المقاتلة التي تزوده بها أمريكا, بشن غارات عدوانية جبانة على مواقع الثوار الكورد في جبال جنوبي كوردستان. ولم تسلم من تلك الغارات التركية الهمجية, حتى القرى الكوردية في إقليم كوردستان, حيث أحرقت مزارعهم بالقنابل التي تسقطها الطائرات التركية أو القذائف التي ترميها مدافعهم عبر الجبال, وجرح نتيجة لهذا القصف العشوائي, العشرات من المزارعين الكورد بجروح بليغة, ونقل الإعلام الكوردي, أن أحد القرويين فقد إحدى ساقيه. وعلى صعيد الموتى, حتى أن القبور لم تسلم من القصف التركي الهمجي, حيث شوهدت وهي مدمرة نتيجة النيران التي أطلقتها الطائرات التركية بطريقة عشوائية.

عزيزي القارئ الواعي, قبل القيام بهذا العدوان التركي السافر على الشعب الكوردي, قام أزلام النظام التركي ببعض الأعمال الإجرامية, لكي تتذرع بها تركيا عند شن عدوانها البغيض على الشعب الكوردي الأعزل. وما العمل الإرهابي الجبان, الذي وقع في مدينة (برسوس) الكوردستانية إلا إحدى هذه الذرائع المخطط لها في دهاليز أجهزة مخابراتها السيئة الصيت المعروفة اختصاراً بـ”ميت”. ثم, لكي يشوه صورة الشعب الكوردي الصامد وأحزابه الوطنية, لقد ساوى المدعو أردوغان في إحدى تصريحاته التحريضية, بين تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ (داعش) والشعب الكوردي المسالم, حين زعم: أن حزب الاتحاد الديمقراطي المعروف اختصاراً بـ ” P Y D”  أخطر من داعش. مما لا شك فيه يا أردوغان, أنه أخطر من (داعش), لكن ليس على أحد, سوى على النظام التركي المحتل لشمال كوردستان, والنظام السوري المحتل لغرب كوردستان, لأن تركيا تعرف جيداً, أن “داعش” محكوم عليه بالزوال و الفناء, لأنه كيان غير قابل للحياة, لكن حزب الاتحاد الديمقراطي و الأحزاب الكوردية الأخرى, بدأت رويداً رويداً تثبت أقدامها على الأرض الكوردستانية, وتحقق ما تربوا إليها, وفي نهاية الأمر سوف ينتهي كل شيء, وما على الكيان التركي والكيانات الأخرى التي اغتصبت أرض كوردستان, وفق معاهدات استعمارية بغيضة والتي جزأت الأمة الكوردية الواحدة والموحدة, أن تفك ارتباطاتها القسرية مع أجزاء الوطن الكوردي المغتصب. ومن الأعمال العدائية التي قام بها النظام التركي قبل أيام معدودة, رغم وجود عملية السلام بينها وبين الشعب الكوردي, هو استعداده العسكري لشن عدوان غاشم على الشعب الكوردي, من خلال إرسال طائراته التجسسية, بدون طيار, التي شوهدت في سماء جنوبي كوردستان وهي تحوم فوق معسكرات الثوار وتصورها تأهباً لشن غارات عدوانية غاشمة عليها. وعلى نطاق علاقات تركيا مع الأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان, وتحديداً مع قيادة حزب الديمقراطي الكوردستاني التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع جمهورية تركيا, بلا شك أنها أطلعت من الجانب التركي على ما تريد أن تقدم عليها من تحركات عسكرية أو عدوان جوي على أراضي الإقليم. يظهر للمتتبع, على غرار المعلومات التي زود بها الحزب المذكور من الجانب التركي, طالب الرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الكوردستاني, نيجيروان بارزاني, وهو ابن شقيق رئيس الإقليم, من حزب العمال الكوردستاني, ترك أراضي إقليم كوردستان!. وسبقه في هذا مستشار أمن الإقليم, مسرور بارزاني, وهو نجل رئيس الإقليم, حين طلب من حزب العمال الكوردستاني, إخلاء منطقة جبل قنديل في جنوب كوردستان!.ألا أن نجله الآخر, وهو اللواء منصور البارزاني, لم يدلي بأي تصريح يذكر حول هذا الموضوع. نرجو أن لا يتصور البعض, أن التنظيم الآخر, المنافس للحزب الديمقراطي الكوردستاني أفضل منه في هذا المضمار, بل هو الآخر مطية للـ (جارة) الشرقية, تملي عليه من الشروط… ما تحلوا لها دون معارضة منه تذكر؟ وما معاداتها لسياسات تركيا العدوانية الآن, إلا تطبيقاً لما تريدها ولي أمره منه, إيران, التي لها عداء تاريخي مزمن مع الأتراك, وليس من أجل سواد عيون حزب العمال الكوردستاني.

 قيل قديماً, أن الإنسان ابن بيئته, يتأثر بها وتترسخ مفرداتها فيه. عزيزي القارئ, نحن هنا نقصد تكوين خصوصية الإنسان, التي يتربى عليها, وهي عبارة عن مجموعة مُثل و قيم وعادات وتقاليد وأعراف ومعتقدات متوارثة, يتعلق بشخص دون غيره, أو جماعة دون سواها. قد يقول البعض, ما علاقة هذا الكلام بمضمون المقال, بَلا عزيزي, له علاقة بما يأتي أدناه, وهو, لماذا بعد أن أصبحت أمريكا قوة عالمية عظمى وتواجدت في الشرق الأوسط بشكل دائم اقتربت من تركيا وتحالفت معها قبل غيرها؟ ألم يقل المثل: “شبيه الشيء منجذب إليه”. يا ترى ما هو الشيء المشترك بينهما, الذي جذبهما للبعض؟ خاصة أنهما يختلفان في العرق والدين واللغة والجغرافية, ألا في الوطن, كلاهما أستوطن في أرض غير أرضه, استولى عليها بالقوة دون وجه حق. أن تاريخ ما يسمى بالشعب الأمريكي حديث, لا يتجاوز قروناً بعدد الأصابع في اليد الواحد. وكذلك الأتراك الأوباش, الذي وفدوا إلى ما يسمى اليوم بتركيا قبل ثمانية قرون ونيف, ومنذ الوهلة الأولى لتدنيسهم أرض هذه البلاد بدأوا باضطهاد شعب عريق فيها, الذي مر على وجوده فيها أكثر من خمسة آلاف عام, ألا وهو الشعب الكوردي. لهذا السبب وأسباب أخرى, تدعم أمريكا الأتراك الأراذل الأوباش, لأنهم في الهوى سوى. ما من شعب على كوكبنا استوطن أرضاً وأسس عليها كياناً دون أن يكون له جذور تاريخية فيها سوى أمريكا وما يسمى بتركيا الكمالية ربيبة الإمبريالية العالمية. وآخر دعم جاء من الولايات المتحدة الأمريكية  الدولة العظمى في العالم إلى الكيان التركي اللقيط, كان بالأمس, حين قالت على لسان مسئوليها, أن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات الـ ” P K K”  التي تصنفها أمريكا ضمن المنظمات الإرهابية. كأن حزب العمال الكوردستاني هو الذي دمر برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقتل ثلاثة آلاف إنسان بريء, ولم يخرجوا أولئك القتلة الأوباش من مملكة “نفط ابن الكعبة” الحليفة والعدوة في آن واحد للولايات المتحدة الأمريكية. أو أن حزب العمال الكوردستاني هو الذي قتل السفير الأمريكي في ليبيا, وليس أصدقائها من أولئك الأعراب قساة القلوب. أو أن الـ ” P K K” هو الذي قتل المئات من قوات الماريز في لبنان في ثمانينات القرن الماضي, وليس مجموعة الأراذل, الذين يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي. أو  أن الحزب العمال هو من قام بتفجير سفارات أمريكا في الدول الإفريقية, أو هو الذي ضرب الفرقاطة الأمريكية في المياه اليمنية وقتل الجنود الأمريكيين, وليس أولئك حفاة الأقدام والعقول, مدمني القات, الذين يغطون عوراتهم وعاناتهم المتقملة بوزرة رثة لا تلامسها الماء إلا ندراً, أو أو أو. يا حبذا تقول أمريكا وأوروبا للعالم, ما هو العمل الإرهابي الذي قام به حزب العمال الكوردستاني ضد مصالحهم الحيوية في العالم؟؟؟. لكن ماذا نقول لمن يتخلى عن آدميته, أن كان شخصاً أو دولة, ويدوس بأقدامه على كل القيم والمثل العليا خدمة لمصالحه الآنية الضيقة, حفاظاً على بعض المنافع المادية؟!. لقد نست أمريكا وإسرائيل إنهما اختطفا بعملية… مدانة, رئيس الحزب العمال الكوردستاني (عبد الله أوجلان ) عام (1998) وسلماه إلى تركيا الكمالية, نتيجة لهذا العمل العدائي السافر, الذي قامت بها الدولتان, أضف له قتل اثنين من المتظاهرين الكورد على أيدي حراس السفارة الإسرائيلية في ألمانيا بعد تسليم (أوجلان) إلى تركيا. واليوم أن الأتراك أحفاد تيمور لنك السفاح, يقومون بقتل الكورد الأبرياء بطائرات الفانتوم الأمريكية الصنع, وكذلك بالمدافع التي تأتيها من بعض الدول الأوربية, التي تتشدق بحقوق الإنسان!. رغم كل هذا العمل العدائي, لم يقدم حزب العمال الكوردستاني بأي فعل تجاههم قط, وهذا هو نهج عموم الأحزاب الكوردية في عموم كوردستان وخارجه, إنها تنبذ الأعمال الإرهابية نبذاً باتاً. ألم يشاهد العالم من خلال قنوات التلفزة حين اختطف (عبد الله أوجلان) بعملية قرصنة وسلم إلى تركيا, كيف أن ثلاث وسبعون عضو فعال في الحزب العمال الكوردستاني قاموا في بعض بلدان أوروبية بإحراق أنفسهم بالنار, رفضاً واستنكاراً لذلك العمل العدواني, الذي قامت بها المشار إليهم ضد رئيس الحزب وملهم شعبهم (عبد الله أوجلان). لقد ضحى هؤلاء الأشاوس بحياتهم حرقاً بالنار, إلا أن قيمهم الكوردية السامية, لم ولن تسمح لهم أن يقدموا على عمل مشين ضد الأبرياء, يلطخ صفحات نضالهم البطولي الناصع من أجل الحرية والانعتاق من براثن الاحتلال البغيض. اليوم, أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسئولة الأولى والأخيرة أمام شعوب العالم لبقاء هذا الكيان التركي المجرم على قيد الحياة لحد الآن, لأن لولا دعمها المادي والمعنوي له, لا تستطيع هذا الكيان المصطنع الذي أوجدته معاهدة لوزان الظالمة, من البقاء على قيد الحياة شهراً واحداً. فعليه, أن جميع الجرائم التي قامت وتقوم بها هذا الكيان المنبوذ ضد الشعب الكوردي  والشعوب الأخرى في الشرق الأوسط, ستحتفظ بها شعوب المنطقة في ذاكرتها كنقاط سوداء في سجل الولايات المتحدة الأمريكية, التي تعتبر مركز الديمقراطية في العالم والمدافعة الأولى عن حقوق الإنسان.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *