بعد سقوط تلكيف وبغديدا وكرملش ..فالصلوات والمؤتمرات لا تفيد يا سادة بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو

ها هو التاريخ يكرر نفسه في هبوب عاصفة كاسحة تهدف وجودنا وقلع جذورنا من ارضنا ، الأرض التي ولدنا وترعرنا فيها ، علينا مغادرتها او نبقى فيها تحت احكام ظالمة .

 لقد تكررت مثل هذه الأهوال والأيام السوداء في التاريخ ، وكان الشعب يتلقى الضربة بالمقاومة وببعض الخسائر واحياناً تكون جسيمة لكنها لم تكن تهدف انهاء الوجود ، لكن هذه الموجة تهدف الى قلع الجذور من تربة الوطن ، فبعد الأستيلاء على بغديدا وتلكيف والتوجه الى برطلي وكرملش وباطنايا وباقوفا وتسلقف وألقوش ، يعني استهداف الوجود المسيحي والإزيدي بالمنطقة .

لقد كانت هنالك محطات عبر التاريخ تعرضنا فيها الى الضيم والقهر والتهديد ، ففي سنة 1401 م توجه تيمولنك نحو القرى والبلدات المسيحية التابعة للموصل فقتل عدد كبير من الاهالي ودمر قراهم .

وفي سنة 1743 بعد فشل نادر شاه الفارسي في احتلال الموصل يتوجه بحملة ظالمة ضد القرى والبلدات المسيحية لينتقم من كرمليس وبرطلة وبغديدا وتلكيف وباقوفة وباطنايا وتلسقف والقوش ، حيث هدم الكثير من الكنائس وأخذ النساء والأطفال سبايا الى ايران .

وفي عام 1832 كان حملة محمد باشا الراوندوزي الملقب ( ميريكور ) اي الأمير الأعور وهجم على قرانا وبلداتنا وفي القوش وحدها قتل 370 رجلاً عدا النساء والأطفال .

وفي سنة 1933 كانت مصيبة اخرى حينما احيطت القوش بالقوات الحكومية وقوات العشائر لفرهدة القوش إذا لم يسلموا الأثوريين اللاجئين المختبئين فيها ، وفي ذلك الوقت لا اتصلاات هاتفية ولا موبايلات ، تمكن سائق من القوش وهو المرحوم ( يوسف متيكا صارو الملقب ايسف سرسروكي ) من الأنفلات الحصار المفروض على القوش والوصول الى الموصل ليتجه الى كنيسة مسكينتا مقر البطريركية الكلدانية ( البطركخانة ) انذاك ، وهو في حالة انفعال ، قائلاً للبطريرك (مار يوسف عمانوئيل توما الثاني ) إن القوش مهددة وهي في خطر ، فقال له البطريرك : لا تخف يا ابني إن القوش يحميها القديسين ومريم العذراء ، فما كان من يوسف إلا ان يجيبه بعفوية قائلاً  : يا سيدنا البطريرك وانا في طريقي عبر الكنود شاهدت مريم العذراء حاملة إزارها وحذائها وهي هاربة من القوش . فبادر البطريرك بإجراء تصالاته الضرورية لوقف الأعتداء على القوش .

اليوم تعصف الموجة الكاسحة حيث لم يقف امامها القوات الحكومية المسلحة بأحدث الأسلحة ، ولم يقف امامها قوات البيشمركة التي تعتبر قوات ذات حرفية كبيرة ، وكانت تحمي المناطق المتنازع عليها التي معظم سكانها من المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين ومن الإزيدية والتركمان والشبك ، ومنها مدن السنجار وتلعفر وتلكيف وبغديدا ومنطقة سد الموصل وغيرها من المدن والقرى والمناطق في سهل نينوى ، وجميع هذه المكونات مهددة لاختلافاتها الدينية والمذهبية مع قوات وتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) ذات التوجه الإسلامي السني المتشدد .

وفي سرعة كبيرة سيطرت داعش على مناطق مهمة من هذه المنطقة والمناطق الأخرى مهددة هذه المكونات التي تعتبر الحلقات الضيعفة في سلسلة المجتمع ، ومسألة احتلالها هي مسألة وقت إن استمر الأتجاه على هذا المنوال . فالأنسحاب من منطقة يجري بيسر وسهولة لكن العودة اليها صعب جداً ويكلف الكثير من الخسائر والضحايا .

إن هذا الوضع قد خلق وضع إنساني مأساوي تعرضت له هذه المكونات التي تمثل الأماكن الرخوة من نسيج المجتمع العراقي .

نحن البعيدين عن الساحة في الدول الأوروبية وامريكا واستراليا تظاهرنا ورفعنا اللافتات وشعلنا الشموع ، ودبجنا الكلمات والأشعار وصلينا في الكنائس ، لكن كل ذلك لن يجد نفعاً على ارض الواقع ، فما يتطلب في الوقت الحاضر هو استخدام الحكمة ، إن لم يكن بمقدورنا استخدام القوة .

في الوقت الحاضر فإن الدول المعنية والإعلام مشغولون بفلسطين واسرائيل وغزة ، وليس لهم الوقت الفائض ليصرفوه على مآسي الأزيدية والمسيحيين والشبك والتركمان . من هم هؤلاء قياساً بغزة ؟ إن الإعلام ايضاً مركز ومسلط على احداث غزة فلا احد يهتم بما يجري لهذه الأقليات المقطوعة من شجر ، مئات الآلاف منتشرين في العراءة يفرشون الأرض  ويلحفون السماء لا احد ينظر الى مأساتهم .

ونحن المسيحيون من كلدان وسريان وآشوريين ماذا امامنا لنفعله ؟ نحن نفكر في الدرجة الأولى بالهجرة وهذا شئ طبيعي ، لكن الهجرة ليست بالسهولة التي نتصورها ، وماذا عن املاكنا وحلالنا ؟ وماذا عن تراب الوطن وعن بلداتنا ومدننا ؟ نحن لنا مشاعر نفكر كبقية البشر .

واسئلة نبادر لطرحها عسى ان تجد اذان صاغية .

اولاً ـ

هل يمكن ان نتسلح وندافع عن النفس كآبائنا ؟ لقد دافعنا سنة 1963 وما بعدها عن مدننا وقرانا بوجه القوات الحكومية المدججة بالسلاح وتستخدم الطائرات والدبابات مع المشاة من الجيش والجتا ضدنا ومع ذلك استطعنا مقاومتهم ببنادقنا القديمة مستفيدين من التضاريس الجبلية ومن معنوياتنا العالية .

ثانياً ـ

هل يمكن ان نتسلح ونحارب الى جانب قوات البيشمركة الحليفة حيث ان اقليم كوردستان اصبح المكان الأمين الوحيد في المنطقة فيه الملاذ الآمن للمسيحيين وبقية المكونات اللاإسلامية .

ثالثاً ــ

هل يمكن نتفاوض مع داعش لترتيب سلامة مدننا وقرانا كأن ندفع لهم بعض المبالغ لقاء سلامة وجودنا في مناطقنا ؟

رابعاً ـ

هل يمكن لمرة واحدة ان يلم شمل السياسيين ورجال الدين وبعض النخب في اجتماع موسع ، لكي يتوصلوا الى قرار يخدم مصير هذا الشعب المسكين الذي نطلق عليه اسم ( الأمة ) ؟

ـ عزيزي القارئ برأيي المتواضع إن الصلوات لا تكفي بل لا تفيد لإبعاد الخطر ، كما ان الأجتماعات والمؤتمرات التي تعقد بهدف مساندة هذه المكونات ومن بينها المكون المسيحي فهي عبارة عن مؤتمرات نزهة وولائم وكلمات فارغة  ليس لها اي صدى على ارض الواقع ، إنها مضيعة للوقت وبذخ للاموال لقراءة وسماع اقوال وكلمات وخطب مكررة ومملة دون معنى .

تحياتي

د. حبيب تومي / اوسلو في 07 / 08 / 14

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *