اين يقف اقليم كوردستان من مشروع تكريم المناضل توما توماس ؟

habeebtomi@yahoo.no

في المشهد السياسي العراقي الملبد بغيوم العنف وغبار الحرائق وتطاير اشلاء البشر والتناكف الماراثوني على الكرسي اللعين ، وسط هذا الوسط الكئيب  تبدو التجربة الكوردستانية علامة مضيئة في الطريق الصحيح إن كان على صعيد توفير الأمن والأستقرار او على صعيد المنجزات الديمقراطية ومظاهر التعايش المدني والأجتماعي ، وتنتظر الأقليم خطوات اخرى على طريق القضاء على البطالة ومكافحة الفساد وتطوير الخدمات وتعزيز التعامل الديمقراطي مع المكونات الكوردستانية بما فيها شعبنا الكلداني الذي يشعر بتهميش حقوقه في اقليم كوردستان رغم انفتاح الأقليم على المكونات الأخرى .

لقد اكرم الأقليم سابقاً عدداً من الراحلين ومنهم المناضل ناجي عقراوي ، كما بادر الأقليم الى تكريم الأحياء ومنهم الدكتور كاظم حبيب ، والشاعر العراقي مروان الدليمي ، واليوم ثمة نشاطات تبذل من قبل بعض الخيّرين وفي مقدمتهم منظمة الحزب الشيوعي في القوش في مبادرتها الى إقامة مشروع متنزه ونصب تذكاري للراحل توما توماس في مدينة القوش  ، والمنظمة تبذل جهوداً طيبة في الأتصال بمختلف الجهات العراقية لتعضيد هذا المشروع العراقي الأصيل .

سؤال مطروح : لماذا يجري تكريم توما توماس ؟ ما هي المنطلقات التي ترجح مثل هذا التكريم ؟

للاجابة نعود الى حياة هذه الشخصية ، وأعتبر نفسي شاهد عيان مع عدداً من زملائي لا زالوا على قيد الحياة في القوش واتمنى لهم طول العمر ، فنحن شهود عيان احياء ، بعد مرور حقبة تقارب من النصف قرن من السنين ، على حياة الراحل توما توماس في فترة كانت حافلة بالأحداث الدرامية في كوردستان العراق عموماً وفي منطقة القوش خصوصاً ولمدة خمس سنين ونيف ، فكنت قريب جداً مع الرجل لسنين طويلة كان فيها الصعوبات والمحن والجوع والتعب والسهر والخطورة والموت المحقق في اية لحظة .

المعروف عن توما توماس ، الملقب بأبو جوزيف ، انه تعاطف مع الفكر اليساري منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي ، وفي اوائل الستينات نتيجة المضايقات في كركوك اضطر الى ترك وظيفته في شركة نفظ كركوك والأنتقال الى احضان بلدته القوش ، وبعد شباط 1963 كان في طليعة من رفع السلاح بوجه السلطة الدموية .

 ونظراً لخلفيته العسكرية والنضالية والأجتماعية تبؤأ مركز القيادة لمجموعة كبيرة من المتطوعين في المنطقة ومن مختلف القوميات والأثنيات وأنا شخصياً كنت من الشباب اليافعين الذين التحقنا مع توما توماس .

وفي هذه الفترة لمسنا نحن الشباب بأن هذا الرجل يمتاز بهدوئه ودماثة اخلاقه ، وهو إنسان حقيقي متواضع يمخر عباب سنين العمر بمشاعر بعيدة عن اوهام التعالي والفوقية ، وكان يمتاز بشجاعة متدثرة بالتعقل والحكمة والتجربة ، وبتقدير واقعي سياسي واجتماعي لما يحيط به من الظروف في المنطقة وكنتيجة لهذه السمات تمكن من نيل وإحراز الأحترام بين انصاره .

 ازعم ان شخصية توما توماس رغم انتمائه السياسي والفكري اليساري ، فإن مركزه النضالي على الساحة السياسية العراقية والكوردستانية قد تعززت بعد التحاقه بالثورة الكردية ، وقد بذل جهوده لتوطيد العلاقات بين الثورة الكردية والحزب الشيوعي ، كما كان موضع احترام حتى من قبل قادة الجيش في المنطقة الذين لهم نظرة عسكرية مهنية التي تنظر بعين الأحترام الى الشجاع اين ما كان موقعه حتى لو في صفوف عدوهم  .

 في المسألة القومية فقد كان المرحوم توما توماس ينطلق من افقه الواسع ، ويؤمن بتآخي القوميات العراقية ويدعو الى احترام كل المعتقدات والأعراق والأديان والمذاهب ، وفي المسالة القومية لشعبنا المسيحي فقد ارتبط بعلاقات طيبة مع الحركة الديمقراطية الاشورية التي كانت تتزعم الى حداً ما المسالة القومية ، ولم يستسلم للمحاولات التي كان ترمي الى النيل من المكونات الأخرى وفي المقدمة تلك التي كانت تحاول تحويل القومية الكلدانيـــــة الى اللاقومية ، وقد وقف بشجاعة في وجه تلك المحاولات المناقضة لمبادئ حقوق الأنسان وحريته في العقيدة والأنتماء ، فكان يكن الأحترام لقوميته الكلدانيــــة دون تعصب ، ويسعى الى توحيد الجهود لخلق شراكة حقيقية ندية بين مكونات شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين لنيل حقوق شعبنا المسيحي في عموم العراق .

لقد عمل توما توماس بتواضع بين انصاره فأكسبه ذلك احترامهم وطاعتهم الواعية واستطاع ان يخوض معارك مع رجاله بشجاعة وكان مصدر اعتماد الثورة الكردية ، وقد كان هنالك تفاهماً وتعاوناً بينه وبين المناضل هرمز ملكو جكو ، وقد استمر هذا التعاون حتى بعد استشهاد هرمز ملك جكو في اواخر عام 1963 حيث خلفه الشهيد مامي طليا .

إن هرمز ملك جكو كان عضواً في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، لكن الى جانب ذلك كان سند كبير لجميع المسيحيين في كوردستان إن كانوا من الكلدان او السريان او الآشوريين .

 إن حكومة اقليم كوردستان تعترف بالجميل ولا تنكر رجالها وهكذا كانت كوردستان وفية للشهيد هرمز ملك جكو حينما اكرمته بإقامة نصب تذكاري له واعتباره من شهداء الثورة وتسمية شارع في دهوك باسمه .

 إن اقليم كوردستان اليوم امام شخصية عراقية القوشية كلدانية مناضلة خدمت العراق وخدمت اقليم كوردستان ، إنه المناضل توما توماس الذي قضى حياته في سوح النضال والكفاح من اجل عراق ديمقراطي ، ومطروح مشروع لاقامة نصب تذكاري ومتنزه في مدينته القوش وباسم توما توماس تخليداً له ، وبرأيي الشخصي ان اقليم كوردستان لابد ان يكون له بصمات في هذا التكريم ، وسيكون ذلك تكريماً لألقوش ايضاً ، وإن كان هناك بصمات لمساهمات اخرى من جهات حكومية او شعبية عراقية ، سيشير رمز توما توماس في القوش الى شمعة مضيئة تستشرف الى نافذة الأخوة بين العرب والأكراد والتركمان والكلدان والسريان والأرمن والآشوريين والأيزيدية والشبك وكل الفسيفساء الجميل في سهل نينوى وفي اقليم كوردستان وفي عموم العراق .

 حبيب تومي / اوسلو في 28 /08 / 10

 

You may also like...

1 Response

  1. توما توماس كان رجل خارج عن القانون اولا ثانيا كان رجل ملحد ثالثا لم يجلب لاالقوش الا المضرة واساءة السمعة اريد ان اعرف ما هي الخدمة التي قدمها هذا الرجل لنفسه اولا ولاولاده ولبلدته الم يقتل احد اولاده بسببه الم يتعذب سيبا في حياتة ارجو ان اعرف المحصلة من هذا النضال حسب علمي الشيوعية فشلت اليس كذلك ومن يلتزم بها اشبههم بالارهابين حينما كان الاطفال الشيوعين يقطعون طريق الاطفال الغير شيوعين عند ذهابهم الى الكنيسة يا للغرابة لقد اصبح الشيوعين الملحدين الان يصلون مع الاحترام للمرحوم توما توماس

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *