انهم يشوهون القوش / الحلقة الثالثة

(أخ يمي , أخ خوري , وأخ ماثي … هر بدخاهن وبخازن ماثي , وبدميخن مبوخاح , وبدسوئن  من غزيثح , وبدشاتن من مايح , ……الخ ) ,أي بالعربي  ( أه أمي , وأه رفاقي , وأه بلدتي … هل ساحيا لليوم الذي أرى فيه بلدتي , وأشم هوائها , وأشبع من رؤيتها , وأشرب من مائها ….الخ) .

بعد انقضاء حوالي ثلاثين عاما منذ اخر مرة اجتمعنا سوية نحن مجموعة من الاصدقاء المقربين في  نادي بابل في بغداد , حيث كانت قد  اجبرتنا الضروف والاوضاع السياسية على ان نفترق ويأخذ كل طريقه الى منفاه القسري تباعا في مشارق الارض ومغاربها  …. بعد كل هذه السنين شائت الصدف ان التقي على الانتيرنيت بأحد الاعزاء من تلك المجموعة الكبيرة الرائعة , صديقي واخي العزيز كامل ساكو . كان لقاء رائعا وحميميا وجميلا والاجمل ما فيه انه فاجئني بان يتلوا علي احد الحوارات المهمة ( مونولوج)  التي كنت القيها في  مسرحية الارض والحب والانسان  (ارئا وحبا وبرناشا ) للكاتب والشاعر المبدع والانسان الرائع جلال عيسى يلدكو ,والتي كان قد اخرجها الفنان جوزيف الفارسي ومثلت معنا زوجته الفنانة المبدعة مريم الفارسي  , حيث كنت قد مثلت بهذه المسرحية  الشخصية الرئيسية ( يوسب ) وكان قد شارك معي فيها مجموعة رائعة  شيبا وشبابا  , واذكر منهم المرحومة اليزبيت حنا بلو بشخصية ( ماري ) والتي وافاها الاجل اثر حادث سيارة مؤسف  سنوات قليلة بعد مشاركتها معنا بذلك العمل , كامل ساكو , جرجيس قلو , سعيد وكيلا , باسل شامايا , حياة اسحق , فرج حلبي , أدور حنا كيكا  وكثيرين اخرين لا تحضرني  الذاكرة الان لاتذكرهم جميعا .

انضوينا جميعا تحت مظلة اللجنة الفنية لنادي بابل/ العلوية ,  بغداد , هذه المظلة التي كان يحملها وبكل محبة ونكران ذات واقتدار  الطيب القلب  والذكر جلال شامايا ,بمظلته هذه كان يحمينا من حر الصيف اللاهب ومطر الشتاء  كان كأخ كبير لنا  والمبادر دائما بكل محبة وحنية يسارع الى حل المشاكل التي كانت تجابهنا اثناء وبين الاعمال المسرحية والفنية العديدة التي كنا نقدمها,  كنا لا نتردد بالاسراع اليه في كل مشكلة صغيرة ام كبيرة فكان دائما يستقبلنا بابتسامته المعهودة وصدره الرحب…. شكرا جلال وشكرا جزيلا صديقي العزيز كامل ساكو (هاوت بسيما).

بدأت مقالتي هذه بهذه المقدمة المؤثرة ربما   مستحظرا ومستذكرا تلك الايام ونحن في سن المراهقة ومقتبل الشباب كلنا حيوية ونشاط وطموحات للعمل وبكل نكران ذات من اجل قضيتنا وشعبنا ومبادئنا السامية  , مرت السنين ومن خلالها الاحداث والازمات على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي , وها نحن اليوم نعيش احداث جسام اخرى على ارضنا وبلدات شعبنا , نقارن اليوم بالبارحة  ونستخلص من ذلك ان المعاناة والتهميش والخوف وبالتالي الهجرة والتهجير القسري  وضياع امة هو عينه لم يتغير الا في مسالة واحدة وهي في الحجم والخطورة, فقد زادت شدة وضراوة مع ازدياد شدة الاطماع والانانية لدى المتسلطين والحيتان الكبار محليا واقليميا , بالاشتراك مع من تلتقي مصالحهم الشخصية من داخل صفوف شعبنا الذين هم وللاسف الشديد محسوبين علينا سواءا كانوا ما يسمون ( رجال دين او سياسيين ) او حتى بعض من المحسوبين  على ملاك  الثقافة والادب .

أذا كان تراثنا ووجودنا في تلك الفترة معرضا الى التهديد والاندثار وبلداتنا واراضينا الى القمع  والسيطرة بالقوة والاستملاك من قبل الاخر , لا يمكن ان نقارنه بالحالة المتفاقمة والمرحلة الخطرة التي نمر بها الان . حيث نشهد اليوم وخاصة منذ سقوط النظام الديكتاتوري البائد تصاعد وتزايد وتكالب القوى المتنفذة من اجل السيطرة واحتواء مناطقنا وبلداتنا وبالتالي موروثنا الحضاري وتراثنا , يجري  كل ذلك حسب اجندات ومخططات موضوعة في اروقة ودهاليز مغلقة ومظلمة .

ما يزيد المشهد سوءا ان يسارع ويتكالب للمساومة اناس من المفترض بهم ان يكونوا اول المدافعين والمحافظين على وجود شعبنا وامتنا وارثنا  واول المضحين في سبيل ارضهم  وبلداتهم وخاصة في سهل نينوى الذي اعتبره اخر معقل لابناء امتنا وتواجدنا على ارض وطننا العراق , بعد ان تم تقريبا اقتلاعنا من المناطق الاخرى في الوسط والجنوب , هؤلاء الاشخاص من رجال الكنيسة والسياسيين وبعض المثقفين الذين احملهم المسؤولية الكاملة لهذا التشتت والتهميش وبالتالي الضياع لهذه الامة , طبعا هنا لا استثني قطاعات واسعة من ابناء  شعبنا من المسؤولية حيث اللاابالية ومحاولة تقليد ولعب لعبة  النعامة في ما يتعلق بمصير الامة ومستقبل الشعب !!!!

لذا فكل الادلة والاحداث تؤشر الى ان سهل نينوى سيكون المعقل الاخير لوجودنا لان الاستحواذ والتغلغل في هذه البلدات جار على قدم وساق  وعلى مختلف الاصعدة  , خاصة في شراء وتملك  البيوت والاراضي التي يجري تغيير طرازها واصالتها وهويتها  وذلك بالبناء عليها وبحجج واهية مختلفة على سبيل المثال البناية ( بناية دراكولا ) التي جعلت منها قضيتي ( قضية عمانوئيل) هذه البناية التي كما قلت في الحلقة السابقة زرعت بشكل صلف في محلة سينا / القوش بلدتنا الحبيبة والعزيزة على قلوبنا من دون المشورة والاستئذان ولو شكليا وأدبيا من لدن ابناء البلدة .

لذا فالكتابة والتذكير عن هذا الموضوع الخطير سيستمر من جانبي والعمل بكل ما في طاقتي لتوعية وتنبيه ابناء بلدتي الاحبة الاعزاء للخطر القادم وكذلك ابناء امتي وشعبي ان زرع مثل هكذا ابنية مشبوهة ومشاريع اخرى ذات اجندات بعيدة المدى  في بلداتنا انما هي واجهات لانشطة خفية ومخططات سرية  اخرى , ويتم ذلك بالمساومة وشراء الذمم والاتفاقيات مع بعض رجال الدين والمطارنة الفاسدين ( الذين يسيل لعابهم عند سماع ترنيمة الدولار ) والذين شائت الاقدار ان يجدوا انفسهم في مواقع المسؤولية  مستغلين طيبة وبرائة وايمان  ابناء شعبنا , يتم ذلك تحت ذرائع وحجج مختلفة وعناوين متعددة اخرها هذه البناية الغريبة التي تم تسميتها اخيرا ( دير الراهبات ) بعد ان تم شراء بعض الذمم من اصحاب الجبب الحمراء واخرين من خارج طابور الكنيسة الذين لا يغلق لهم جفن الا ورؤسهم على مخدة ملئى بالدفاتر الخضراء .

انني ادعو ابناء بلدتي الطيبين وابناء امتي وشعبي الى الانتباه والحذر من مثل هكذا انشطة وتغلغل وبالمساومة والتامر والتعاون من قبل بعض رجال الكنيسة والسياسيين الذين يشغلون مناصب هم اصلا غير مؤهلين لها لان الهم الوحيد لهؤلاء المطارنة ( القطط السمان ) وهؤلاء  (القادة السياسين, العاجزين اصلا ) هو الكسب الحرام والمنصب الوثير على حساب مصلحة شعبنا وامتنا وبالتالي وجود بلداتنا على ارض اجدادنا .

أن التاريخ سوف لن يرحم هؤلاء بل سوف تدخل اسمائهم في سجلاته مقرونة بالخزي والعار اسوة بكل من خان مسؤوليته وواجبه تجاه ربه اولا وبالتالي شعبه وامته وموروثه الحضاري , نتألم كثيرا لما حصل ويحصل لتواجد شعبنا على ارض الوطن , ياكلنا الحزن ويحز في قلبنا الالم لما يحصل في بلداتنا من تدمير لتراثنا وتاريخنا من تشويه في الهوية والتغيير الديموغرافي , ان المحاولات جارية وبمختلف الاشكال والطرق لتنفيذ ذلك المخطط في القوشنا الحبيبة والصامدة بعد ان تم لهم ما ارادو في بعض البلدات الاخرى لشعبنا وللاسف الشديد , الا انني اعود واقول لكل من يحاول ان يهدم ويشوه تاريخ القوش وتراثها وموروثها الحضاري ,انه سيفشل لان ابناء وبنات القوش واعين وحريصين دوما على ان لا يمسها اي مكروه او تشويه , ومعروف عنهم عندما تستدعي الضرورة ان تجدهم متراصين صفا واحدا وكتلة صلبة للدفاع عنها .

الكثير يتذكر في الستينيات من القرن الماضي  سواءا كان حاضرا او سمعها من ابائهم وامهاتهم او أقاربهم , عندما تهدد الخطر القوش في محاولة وضع اليد عليها وامتلاكها من قبل بعض شيوخ المنطقة مستقوين بعدد مسلحيهم , الكل يتذكر الوقفة المشرفة وقفة الابطال التي وقفها شباب القوش في حينها وكيف سارع وعلى الفور المئات من الذين كانو يعيشون في بغداد والمدن الجنوبية الاخرى لتنظيم باصات النقل في منطقة البتاويين  للذهاب الى بلدتهم العزيزة للدفاع عنها  الا ان الوضع تم السيطرة عليه انذاك من قبل الشباب الموجودين في البلدة وقدوم البطل توما توماس ورجاله الميامين من وراء الجبال البعيدة والسيطرة على الوضع لصالح البلدة . انا واثق ان البلدة التي انجبت مثل هؤلاء الابطال المتفانين ستبقى تنجب مثلهم بالالاف على مر الزمان ليقفوا دائما وابدا بوجه الظلم والتهميش وطرد المرتزقة (والواوية ) المتشحين  بالاردية الحمراء من بين ظهرانينا والسياسيين الفاسدين المتملقين  والمتلونين .

هذه الحادثة ومثيلاتها عديدة قد ادخلت القوشنا الحبيبة التاريخ من اوسع ابوابه , ولطالما نحن نتحدث عن التاريخ فانني انصح هؤلاء المرتزقة والمرابين من رجال الكنيسة والسياسيين المنتفعين ان احذرو التاريخ لانه لا يرحم , كما احذرو الشعب عندما ينفذ صبره فسيقول بكل صوته كفى وسيرميكم في مزبلة التاريخ . كما فعل مع العديد من امثالكم عبر السنين عندها لا تنفع دولاراتكم ولا حساباتكم البنكية المنتفخة  كانتفاخ كروشكم .

كما قلت في الحلقة الثانية من مقالتي هذه بانني قد بدأت الخطوة الاولى في هذه القضية ( قضية هذا البنيان الغريب والمشبوه ) وخطوات اخرى ستتبع بالتعاون والتكاتف من قبل اخوتي الطيبين الذين لا يرتضون الذل والهوان ولا يبخلون في الدفاع عن وجودنا وتراثنا وبلدتنا العزيزة القوش انني اتطلع الى مبادرات جميع الخيرين من الالقوشيين وغير الالقوشيين بل ومن جميع فئات ومكونات شعبنا العراقي التي يهمها احقاق الحق والحفاظ على تواجد مكونات شعبنا على ارض اجداده , ادعو الجميع الى الالتفاف حولنا ودعمنا من اجل الحفاظ اولا على موروثنا الحضاري لبلاد الرافدين متمثلا  ببلداتنا وحواضرنا التاريخية , اخص بالذكر القوش البلدة العريقة والتاريخية , لان خسارتها هو خسارة للوطن والارث التاريخي .

عندما رفعنا صوتنا ونحن شباب مراهقين بعمر الورود في السبعينات من القرن الماضي  , نادينا من على خشبة مسرح بغداد المقدسة ( أخ يمي , وأخ ماثي , وأخ خوري …. ألخ ) أه أمي  , أه بلدتي , أه رفاقي …..ألخ , وكان يتجاوب ويردد معنا المئات والمئات من الجمهور المحب والمتعطش ولمدة اسبوعين قبل ان توقف السلطات الدكتاتورية أنذاك العرض ولاسباب سياسية , لم يكن الجمهور فقط من الناطقين بالسريانية بل كان هناك المئات من الناس الطيبين المتعاطفين والمناصرين لقضيتنا وقضية كل المظلومين من ابناء الشعب العراقي , كان يجمعنا شعور واحد حب الوطن , حب الناس , التفاؤل بالمستقبل لكل الخيرين والطيبين  , الا ان الظلم منع عنا حتى تلك المشاعر والاحلام فطغى الظلم والتهميش  الجميع وخاصة المكونات الصغيرة والى يومنا هذا.

نعم كانت لنا قضية , هي قضية شعب , قضية وجود لحضارة عريقة , قضية ديمومة لغة , بل قضية مصير امة جذورها عميقة  في هذه الارض عمرها  سبعة الاف عام  …. فقط … , وها نحن اليوم لا زلنا على العهد لا زلنا ننادي باعلى صوتنا …. ان لنا قضية اينما كنا وتواجدنا داخل الوطن ام خارجه ,سواءا  سكنا بلداتنا ام لا , لنا قضية وهي الحفاظ على وجودنا على ارضنا ,في بلداتنا وخاصة القوشنا الحبيبة فليدرك هؤلاء المرتزقة من القطط السمان والمرابين وكل من يبيع ايمانه ومبادئه وتاريخ امته  وارضه من اجل المال والسلطة باننا سنكون لهم بالمرصاد وستبقى امال وتطلعات واحلام (الارض والحب والانسان ) الذين لا زالو شبابا بروحهم وتفانيهم واخلاصهم لقضيتهم / قضية شعب وقضية امة,  حية تعيش في قلوبنا ونفوسنا ماضين  على العهد والاخلاص لتراثنا وتاريخنا ومستقبلنا واخيرا وليس اخرا لبلدتنا العزيزة القوش .

عمانوئيل تومي

فنان وناشط ساسي

15/ 08 / 2011

You may also like...