امنياتي وطموحاتي الوطنية والسياسية والقومية عام 2014

عام 2013 يلفظ انفاسه الأخيرة ليودعنا ، وقافلة الأيام سائرة في قانونها الأزلي غير مكترثة بادعاءاتنا ، بوجود وقت جميل ووقت تعيس ، إن وقتنا هو انتاج صناعتنا نحن نصنع الزمن الردئ ونحن نصنع الزمن الجميل ، الوقت من شروق الشمس الى غروبه ، شئ محايد لا يزرع الحروب والبغضاء والأحقاد ، أنما نحن نزرعها ، فالكينونة ماضية عبر الزمن لتغدو صيرورة يخلد ما يكتب عنها في التاريخ وما يبقى فوق الخرائب والأطلال بعد القرون في قادم الأزمنة .

قبل سنين وصلت الى بريدي مجلة باللغة النرويجية وزينت على كامل غلافها الأول رقم 60 سنة (60år. year) ومعها بطاقة دعوة لحضور احتفال في أحدى القاعات الكبيرة في مركز مدينة اوسلو ، حضرت الأحتفال ورأيت الحضور يتكون من الأعمار 60 سنة فما فوق من رجال ونساء . وتكلم بعضهم عن مراحل العمر . وقال احدهم :

ان العمر بعد الستين يكون المرء قد تخلص من مسؤولياته ، إن كان بالشأن الدراسي فقد حقق آماله الدراسية ، وإن كان في المجال الأسري فقد انتهت مسؤوليته بتربية الأولاد وتخرجهم واعتمادهم على انفسهم ، وإن كان في المجال التجاري فقد حقق طموحاته المالية وبنى له مسكناً ملائماً .. هكذا ينبغي بعد الستين ان يعيش المرء حياته دون قيود او مسؤولية وكما كان طفلاً حيث يعيش ليومه دون هموم او تعقيدات الحياة .

في الحقيقة ان الحياة لا تقف عند حد معين مادام الفكر فاعلاً ونشيطاً ، وليس هنالك حدود او حالة معينة تمثل السعادة والفرح ، انها اشياء نسبية ، إن السعادة برأيي المتواضع ان يبقى الإنسان حاملاً لهدف يسعى الى تحقيقه ، فبعد بلوغة قمة عليه ان يسعى لغيرها ، وكما يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور : الدنيا ليست محلاً للسعادة بل للانجاز ، هكذا هي الحياة .

بعد ايام سوف نودع عاماً ونستقبل عاماً جديداً ، والأيام تنتظر ما يضاف اليها من جهود ومنجزات لتضاف الى التراكمات المنجزة عبر الأجيال ، الحياة لا تتوقف ، وكما يقول فولتير ( 1694 ـ 1778) (ول ديورانت “قصة الفلسفة ” ص249) :

من لا يعمل لا قيمة لحياته ، وكل الناس أخيار إلا الكسالى . لقد ذكرت سكرتيرته عنه انه لم يكن بخيلاً بشئ سوى بوقته . وهو يكتب :

كلما تقدمت في العمر اكثر شعرت بضرورة العمل اكثر ، واصبح العمل لذتي الكبرى ، وحل في مكان اوهام الحياة ، إذا اردت ألا ترتكب جريمة الأنتحار ، أوجد لنفسك عملاً .. وفي مكان آخر يقول فولتير عن نفسه : إنني اعبر عن آرائي بوضوح كاف ، وأنا كالجدول الصغير الشفاف ترى ما في قاعه لقلة عمقه ..

اجل ان الحياة عمل ومثابرة وفرح ومحبة وإنجاز .. علينا ان نقتدي بهؤلاء الفلاسفة العظماء ، إنهم قد اعطوا معنى حقيقياً للحياة وكانت إبداعاتهم التي تفتق عنها الذهن البشري وبأفكارهم النيرة توصلت الشعوب والأمم المتقدمة الى ما هي عليه اليوم من تقدم ورقي .

بعد هذه المقدمة التي لم تكن مملة بالنسبة لي ، لأنني استمتعت بتصفح كتاب عزيز الى قلبي وهو وول ديورانت ” قصة الفلسفة من افلاطون الى جون ديوي ” الذي اغيب بين صفحاته اللذيذة في احيان كثيرة .

اعود الى عنوان المقال امنياتي وطموحاتي للعام المقبل .

اولاً : ـ

ـ الشأن القومي لشعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين

من المؤسف ان اقول اننا لا زلنا في نفق أُدخًلنا به عنوة من قبل الأخوة في الأحزاب الآشورية التي استطاعت ان تأخذ بيدها مسؤولية المكون المسيحي من الكلدان والسريان والآثوريين ، في العملية السياسية ، بعد سقوط النظام في 2003 . هذه الأحزاب مجتمة دون استثناء ، بدلاً من تتبنى صيغة وحدوية اخوية تحترم كل الأطراف ، عوظاً عن ذلك تبنت نظرية إقصائية مكروهة بحق الكلدان والسريان ، في البداية جربت التسمية الآشورية فقط وحينما لاقت تلك التسمية الرفض القاطع من قبل الكلدان والسريان لجأت تلك الأحزاب على إعداد طبخة سقيمة في مطابخهم السياسية الحزبية ، وهي التسمية الهجينة ( كلدان سريان آشوريين ) لتكون بديلاً لوحدة حقيقية بين هذه المكونات .

كان تسخير المال والإعلام والإغراء بالمناصب لكي يصار الى تشويه المفهوم القومي الكلداني ، وفعلاً ثمة طبقة من الكلدان تأثرت بتلك المغريات وبتلك المناصب وبذلك الإعلام ، فأنا اعرف اشد المنافحين عن القومية الكلدانية ينتقلون بين ليلة وضحاها الى الضفة الأخرى لإحراز بعض المكاسب الشخصية على حساب المسالة القومية ، بل الأنكى من ذلك تطوع بعض هؤلاء ، الملقبين بالمتأشورين ، تبرع هؤلاء بمناوئة اي شخص او تنظيم يفتخر بقوميته الكلدانية ، وانا شديد الذهول من هؤلاء ، كيف يدعون بأحقية تمثيلهم للشعب الكلداني في حين يستهزئون ويستهجنون طموحاته القومية الكلدانية ، وتاريخه ، وأسمه ، وحتى تعبير لغته الكلدانية يعملون على محوها من الوجود ، فهل مثل هؤلاء مدافعين عن حقوق الشعب الكلداني ام مناوئين له ؟ حقاً إن من له مثل هؤلاء المدافعين لا يحتاج الى اعداء .

املي في العام المقبل ان نجد صيغة واقعية مقبولة لتعاوننا نحن الكلدان والسريان والآشوريين وأن نطور علاقاتنا لكي نستطيع صنع شكل مثالي ، ليس للعيش المشترك فحسب بل لأيجاد اسس راسخة من التفاهم وقبول الآخر لنتمكن من بناء علاقات اخوية حقيقية مع نبذ وإجهاض اي افكار إقصائية بحق اي مكون من مكونات شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن ومع كل مكونات الشعب العراقي .

ثانياً :ـ

ـ الشأن الوطني

ثمة المسألة الملحة وهي استتباب الأمن والأستقرار في المدن العراقية التي يلفها العنف والصراع الدموي ، حصاد السنين العشرة الماضية كان له نتائج مؤلمة وكارثية لا سيما على الأقليات الدينية وفي المقدمة يأتي المسيحون من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن وكذلك الأخوة المندائيين وبعد ذلك الإيزيدية ، وبات الأنسان يتعامل بفرضية إما قاتل او مقتول ، وهنالك الأكثرية الساحقة من الشعب العراقي التي تريد ان تنتهي هذه الحالة المأساوية ، لكن يبقى القرار بيد الطبقة السياسية التي يبدو بالظاهر انها تتحاور وتتفاوض وحينما لا تتوصل الى قرار تنقل صراعها الى الشارع وتتحاور بلغة المفخخات والأحزمة الناسفة والأسلحة الكاتمة للصوت .. الخ ، والى جانب ذلك ثمة القاعدة التي لا تريد ان تقبل ان يسود القانون والنظام ولا تقبل ان تبسط الدولة سلطتها وهيبتها في المدن العراقية ، فتعمل على إفشال مفهوم الدولة ليكون لها السطوة في الشارع العراقي .

إن اقليم كوردستان قد عالج هذه المسالة وإن الحكومة هناك قد بسطت معالم الأمن والأستقرار في مدن اقليم كوردستان ولهذا يشهد الأقليم نهضة في البناء والتقدم .

وفي الشأن الوطني هموم كثيرة ، لكن جميعها تبقى معلقة دون توفير الأمن والأستقرار ،الركن الأساسي لبناء مقومات دولة ناجحة وفاعلة في كل مفاصل الحياة .

فهل سيكون عام 2014 عام عودة الأمن والأمان على المدن العراقية ؟ وإن استقرت الأمور سوف يصبح بالأمكان وتأسيس مشاريع استثمارية للقضاء على البطالة ويكون بالإمكان الأهتمام بالبنية التحتية وبالخدمات العامة وبالتعليم وبالزراعة والصناعة والسياحة والثقافة والفن والموسيقى … كل ذلك سيكون ممكناً حينما تخرج مدن العراق عنق الزجاجة ومن دائرة العنف الدموي .

ثالثاً : ـ

ـ اما الشأن السياسي

برأيي المتواضع ان العراق اليوم ، حكومة وشعباً مثقلان بتبعات صراعات اقليمية وطائفية ، وإن هذه التركة تنعكس كلياً على الوضع السياسي ، فالعملية السياسية لا تشبه العملية السياسية المألوفة في البلدان المتقدمة بل وحتى في دول العالم الثالث ، فالعملية السياسية عندنا هي محاصصة طائفية مفضوحة ، وهي متأثرة بشكل كبير بضغوطات الجيران ، إن هذه الحالة تنعكس سلبياً على الشارع ، فليس من المعقول هذا الكم الهائل من العمليات الأرهابية اليومية ، وكأنها عمل روتيني وهي تطال تجمعات السكان في الأسواق والمطاعم والمناسبات الدينية والمآتم ومجالس العزاء وغيرها كالتي تقع في مدينة او منطقة ذات طابع سكاني سني ويعقبها تفجيرات مماثلة بمدن ومناطق ذات طابع شيعي .

إن الغطاء الطائفي للعملية السياسية قد افرز الفسادة المالي والإداري وتفشت المحسوبية والقبلية والمناطقية والمذهبية والتفرقة الدينية كل ذلك نتيجة العملية السياسية العرجاء فلم يعد مكان لمفاهيم : الشخص المناسب في المكان المناسب ، ولم يعد مكان لسؤال المسؤول : من اين لك هذا ؟ يا هذا ؟

نأمل ان ان يكون الشعب العراقي قد استفاد من خبرته وتجربته لمدة 10 سنوات وأن يقبل على الأشتراك بالأنتخابات القادمة بشكل كثيف وجدّي ، وأن يتمعن في اختيار الناس المؤهلين لكي تفرز الأنتخابات القادمة طبقة سياسية مهنية ، وربما من المناسب ان نستفيد من العملية السياسية في اقليم كوردستان ، وحسب رأيي انه قد تجاوز مسالة التوزيع الطائفي للمناصب والمسؤوليات فأمامنا طبقة سياسية تمثل الأحزاب السياسية وليس احزاب طائفية .

نتمنى ان يكون عام 2014 عام خير وسلام ووئام للعراقيين قاطبة .

د. حبيب تومي / اوسلو في 22 / 12 / 2013

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *