الى أي حد سوف يقبل الكلدان الاهانة؟!

في كلمة لرئيس اقليم كوردستان مسعود البارزاني التي القاها يوم الجمعة المصادف 11/5 /2012 في المؤتمر الاول للتجمع العربي لنصرة القضية الكوردية اهمل وتغافل ذكر الكلدان كشعب ليشارك في الاخوة التي تجمع الاقوام الاخرى، حيث في عبارته (لذا نحن نعمل بكل ما نملك لتعزيز الاخوة العربية والكوردية والتركمانية والاشورية) بكل وضوح تبين انه اسقط الكلدان ولماذا ياترى؟.

ان القائد هو الشخص الذي يتميز بخصائص وقدرات ذاتية يمتلكها وراثيا وقدرات مكتسبة يتزود بها بالتعليم والتجربة من البيئة والظروف التي يعيشها. أعتقد واني جازم ان الجميع لاينكرون أهلية مسعود البارزاني للقيادة بالمستوى الدولي وذلك لانه عاش حياة اجتماعية وسياسية منذ طفولته في احضان عائلة كرست حياتها لحمل الشعلة الاولى للثورة الكوردية وقيادتها على عقود عديدة من السنين، وقد تراكمت لديه الخبرة في القيادة واصبحت جزءا من شخصيته، فامتلك مهارات انسانية قيادية لتمكنه من التنسيق مع مرؤسيه، والقدرة على التعرف وتشخيص المشكلات ومواجهتها، وذلك لتفهم حاجات الاخرين ومشاعرهم.

القائد الناجح هو الذي يُشعر (بضم الياء) المرؤوسين باهميتهم فلا يقلل من شأنهم، ولهذا يتجه الاتباع اليه ليتعرف على رغباتهم ويعمل على تحقيقها ويقتنعون بأنه سيحقق آمالهم وطموحاتهم، وعليه ان القائد الحكيم هو الذي يتمكن من قيادة الآخرين من أجل تحقيق انجازات متميزة ويكون له السبق في فهم الوضع الحالي وما يؤثر عليه من المستجدات.

كما اشرت أعلاه ان القائد البارزاني الذي يتقلد قيادة اقليم كوردستان توفرت الخصال المذكورة في شخصيته لخوضه تجربة سياسية عريقة لمواكبته التطورات التي حصلت في قيادة الكورد بصورة مباشرة ونجح في قيادة مسيرة الاقليم بالرغم من الصعوبات التي تواجهه محليا واقليميا مع الدول المجاورة.

الا اننا على استغراب من موقف القائد البارزاني في تعاطيه مع الكلدان، ذلك الشعب الاصيل والعريق في بلاد النهرين، وبمثل من هذه المناسبات يضعنا في مواقف تجعل من حقنا التساؤل لماذا اصرار حكومة ورئاسة الاقليم ابداء تجاهلها لمكون الكلدان؟ فعندما نقول القائد الناجح لا يقلل من شأن اتباعه ويتعرف على همومهم وآمالهم وتطلعاتهم، لكن تبين ان القائد البارزاني قد أهمل تطلعات الكلدان بالرغم من انهم تكرارا ومرارا وعلى كل المستويات الدينية والعلمية الاكاديمية والسياسية تقدموا بصيغ علمية مدروسة وسياسية وتوصيات على ان الشعب الكلداني قوم يعتز بتسميته ويرفض اية تسمية مفروضة عليه من احزاب سياسية اخرى، أو من أشخاص لهم القدرة على التأثير في قرارات الاقليم بشكل وبآخر. فما هو تبرير القائد الكوردي وحكومة الاقليم ياترى؟

لو كانت حجتهم عدم تعرفهم على شعب باسم الكلدان، فانه شعب عريق عاش تاريخيا جنبا الى جنب مع الشعب الكوردي، ففي السابق لو قلنا لم تتبلور المفاهيم القومية، فكان من يسمونهم اليوم اشوريين، عرفوا عند الاكراد البهدينان (تياري) كما قيل من قبل آبائنا ومن قبل كبار السن الكورد بعد قدومهم من ولاية حكاري التركية، وقصتهم معروفة لديكم تماما، حيث بعد أن لعب الانكليز لعبتهم السياسية ليكونوا هؤلاء ورقة للتعاطي مع الحكومة العراقية وحققوا اهدافهم الاقتصادية في العقود التي ابرمت مع حكومة بغداد آنذاك، وقبلها قيدوا من انتشار تبشير الأباء الفرنسيين من الرهبان والكهنة في المناطق الوعرة الجبلية التي كانت تعيش فيها عشائر التياري، فتنكرت لوعودها مع هؤلاء القادمين في تحرير آشور فانتشروا في المحافظات الشمالية كركوك، الموصل بما فيها دهوك، اربيل، السليمانية ومن ثم تدريجيا اتجه بعضهم الى بغداد العاصمة وقسم منهم رجعوا الى اورمية في ايران كما تشير الكتب، ولم تظهر التسمية الحديثة لهم الا في الثمانينات من القرن الماضي عندما تبلورت الافكار القومية لبعض من عاشوا جنبا الى جنب مع الكورد وهم في ايام نضالهم ضد الحكومة العراقية المركزية في جبال كوردستان.

وقبل مجيء الاشوريين المعاصرين من ولاية حكاري، عرفوا المسيحين الساكنين في بهدينان عند عامة الكورد (فلا) تحويرا من الكلمة الموصلية (فليحي) التي ترادف عندهم اهل القرى الذين يعملون بالفلاحة، ولكن عند الكورد كانت تشير الى كلمة المسيحيين. وأما على مستوى الرسمي فالشعب الكلداني كمكون عراقي اثني اصيل كان معروفا عند الحكومة العراقية، الا انه كان تعاطيها مع رجال الدين لعدم ظهور احزاب كلدانية سياسية في العراق آنذاك. ولكن عند الكورد اصبحت التسمية الاشورية معروفة استنادا لما بثته الاحزاب الاشورية المشكلة حديثا من الوعي القومي.

واما اذا بررت الحكومة الكوردية ان المجلس الكلداني السرياني الاشوري الذي تشكل هو الآخر حديثا، وأقر التسمية المركبة للتعاطي معها فليس تبريرا واقعيا لانها أصبحت مرفوضة من الشعب الكلداني سياسيا ودينيا ومدنيا وعلميا كما اشرت اعلاه. وقد قدمت عدة احتجاجات على هذه التسمية ولكن الحكومة الكوردية اصرت على تثبيتها في اقليم كوردستان بتأثير من اشخاص متنفذين فيه.

فاذا كانت هذه مبررات القائد البارزاني وحكومة الاقليم في التغاضي عن ذكر الكلدان في مناسبات عديدة كما في هذه المناسبة، اعتقد انها غير كافية. وعليه لكي يشعر الكلدان في كوردستان العراق ان القائد يتطلع الى طموحاتهم ويحقق رغباتهم وآمالهم، ويكون له السبق في فهم الوضع الحالي للكلدان وما يؤثر عليه من مستجدات، فهو الدليل والقدوة والمرشد، أن يضع حدا لهذا التعاطي غير المرغوب من قبل الشعب الكلداني الذي يتطلع دائما الى التعايش السلمي مع المكونات الأثنية جميعا في اقليم كوردستان وبقية انحاء العراق على مبدأ احترام وقبول الاخر.

ولكي يحقق انجازا متميزا نحو الكلدان يوجه بتشكيل لجنة من الاكادميين والسياسيين الكلدان ومشاركة الاختصاصيين والسياسيين الكورد لوضع صيغة للتعاطي معهم لكي يشاركوا في بناء كوردستان وعراق اليوم .

د. عبدالله مرقس رابي
بروفيسور في علم الاجتماع

You may also like...