المشروع التآمري

منذ التغيير السياسي الذي حدث في العراق عام 2003، دشن الحاكم الأمريكي بول برايمر السيء الصيت الحُكمَ الطائفي والمذهبي من خلال الأحزاب الدينية وخاصة الشيعية منها التي تسابقت بكل ما اوتيت من القوة على اقتسام كعكة العراق التي حرموا منها لأكثر من ثلاث عقود ونيِّف، فجرت المصادمات الدامية بين الشيعة والسنة سعياً لإستحواذ كُلٍّ منهما على النصيب الأكبر، ونتيجة هذا التطاحن المرير تعرَّضت المكونات الصغيرة للوقوع تحت طائلة هذا الصراع الذي لم يكن لها أيُّ دخل فيه ولا سيما المكون المسيحي بغالبيته الكلدانية التي لم تحظى برضى الحاكم الأمريكي ذي الأصل السكسوني، فلكي يكفِّرعن جريمة تنكر أجداده الإنكليز للوعد الذي قطعوه لنساطرة اورمية وهيكاري بإقامة وطن قومي لهم على جزءٍ من أرض العراق الحالي في حالة نبذهم لأصولهم الكلدانية وتبنيهم لتسمية آشوريي التاريخ الذين كانوا قد سكنوه يوما بقرون عدة قبل انقراضهم في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، أنعم عليهم بتمثيل المسيحيين بشخص أعتى عدوٍّ للكلدان في مجلس الحكم الإنتقالي الذي أقامه والذي هو يونادم كنا .

ومنذ ذلك الوقت استغلَّ هذا الموقع وبدأ بالتآمر على الكلدان على طمس هويتهم القومية مستخدماً كُلَّ السبل الإفترائية الملتوية، وإذ فشل بسبب تنبِّه الكلدان الى مؤامراته ودسائسه، حيث وقفوا له بالمرصاد مفندين كُلَّ إدعاءاته الكاذبة، عندها أُسقط في يده، فعمد الى تغيير اسلوبه التآمري الى اسلوب توددي نحو الكلدان مشوب بالمُراوغة العلنية منها والمستترة سعياً منه لكسب أكبر عدد من الكلدان لتأييد طروحاته بهدف تحقيق إيديولوجية حركته العنصرية الشوفينية المعروفة باسم (زوعا) التي تحلم بإحياء الوعد الإنكليزي القديم الكاذب الذي أشرنا إليه أعلاه وإن هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق بدون تأييد الكلدان ذوي الديمغرافية الأكبر بين المكونات المسيحية، ولكن الكلدان بحكم مراقبتهم لتحركاته المريبة وتقلباته المضطربة لم يروا فيه أدنى قدر من المصداقية وإن كان قد أفلح وأعضاء حركته باستمالة بعض ضعاف النفوس من أبناء الكلدان والغالبية منهم كانوا مِن أتباع الفكر الأممي الذين وقعوا في الفراغ والحيرة بعد سقوط ذلك الفكر الشمولي، فرأوا في فكر الحركة الزوعاوية شموليةً من نوع آخر شبيهاً ولم يكن هنالك فكرآخريتسم بالإعتدال، فمالوا إليه سداً لذلك الفراغ .

فاستمرَّ الصراع بين نساطرة اورمية وهيكاري الناجين من انتقام السلطنة العثمانية وخليفتها تركيا الأتاتوركية الحديثة الذين أتى بهم أسيادهم الإنكليز الى العراق كلاجئين في منطقة بعقوبة وبين الكلدان العراقيين الأصلاء أصحاب الدار، حيث كانوا ينظرون إلى الكلدان كألدِّ أعدائهم، لمجرد أنهم نبذوا المذهب النسطوري واستعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الكاثوليكي. وإذ لم يُفلح الإنكليز في إعادة هؤلاء اللاجئين الى ديارهم في تركيا وايران رغم كُلِّ محاولاتهم، ساعدوهم على البقاء وبكل ما يؤمن لهم الإستقرار في العراق، وانتقلوا من مخيماتهم في منطقة بعقوبة الى أماكن اخرى مثل منطقة سميل وضواحيها، وشكلوا من شبابهم شبه جيش سُمي بـ” قوات الليفي” لكي يقوم بقمع أيِّ تمردٍ أو عصيان ضدَّ الهيمنة االإنكليزية الإستعمارية من قبل مواطني البلد العرب والأكراد، واستمرَّ الحال على هذا المنوال حتى قيام الإنكليز بتحريضهم للتمرد على الحكومة العراقية والمطالبة بإحياء الوعد الإنكليزي الكاذب، وفي الوقت ذاته أبلغ الإنكليز الحكومة بما حرَّضوهم عليه وهو اسلوب الخداع المزدوج، وهكذا بادرت الحكومة للإقتصاص منهم في السابع من آب 1933 .

إذاً المشروع المُنادَى به الآن ليس وليد اليوم بل قديماً، ولكنه بمصطلحٍ مختلف وقد تبلور وظهر الى العـلَن بدفع ودعم من الإخوة الأكراد، حيث يعتقدون بأن قيام هذا المشروع سيكون بصالحهم لأن المكونات الصغيرة المنضوية إليه وأكبرها المكون المسيحي، ستقف الى جانبهم في حالة التصويت على عائدية المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والعرب السنة ومن أجل هذا الهدف أوجدوا عام 2007 حزباً بقيادة أحد منتحلي التسمية الآشورية المزيفة العضو المتقدم في الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد سركيس أغاجان لكي يعمل على تهيئة الشعب المسيحي سِراً وليس علناً لقبول هذه الفكرة وإنجاز المشروع، عن طريق إغراء الكلدان بعدم معارضتهم للمشروع وإذا لم يُجدي بهم الإغراء وتطلب الأمر الضغط عليهم بكل السبل والأساليب مهما كانت قاسية فليكن. وهذا الذي جرى فعلاً، فقد حُرم الكلدان الأحرار وتنظيماتهم من كل عون مادي ومعنوي واعلامي، وهُدِّد الكثير منهم بقطع أرزاقهم إن لم يمتثلوا لأوامر المجلس الشعبي المؤسس من قبل السيد سركيس أغاجان. وبالإضافة الى كُلِّ ما تقدم ذِكره، علينا أن لا ننسى الصراع الدائر بين أقطاب تنظيمات النساطرة (آشوريي اليوم المزيفين) ولا سيما بين القطبين الرئيسيين السيد سركيس أغاجان قائد المجلس الشعبي والسيد يونادم كنا قائد زوعا، وهما غريمان لدودان ويصبحان صديقين حميمين في معاداتهما للكلدان، يسعى كُلٌّ منهما لفرض إيديولوجيته على الشعب المسيحي بكلدانه وسريانه ونساطرته غير مباليين بما يعانيه من مختلف أنواع الإضطهاد والقتل وشظف العيش في الوطن .

وما إن وقع الهجوم الإجرامي على كنيسة سيدة النجاة في بغداد في الشهر العاشر من عام2010 والذي أسفر عن مأساةٍ إنسانية فظيعة رنَّ صداها المدوي بين الأوساط الشعبية العراقية وامتدَّ الى الأوساط الإقليمية والدولية مستنكرةً وشاجبةً لهذا الفعل الجبان والشنيع، وأعلنت تضامنها وتعاطفها مع الشعب المسيحي العراقي المقهور، عندها وتحت التنديد الذي وجهه أبناء شعبنا الى القوى السياسية التي تتشدَّق بعملها في المجال القومي ولا سيما التنظيمان النسطوريان المجلس الشعبي وزوعا، فقاما بدعوة جميع تلك القوى الى تشكيل تجمع سياسي وعلى إثر ذلك تم تأسيس التجمع الذي أطلق عليه< تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية >ولكن للأسف فإن هذا التجمع خيَّب أمل الشعب المسيحي الذي كان يأمل منه القيام باستثمار التعاطف الشعبي الداخلي والتضامن الإنساني العالمي من حيث تقديم أنواع المساعدات العاجلة إليه، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث وبذلك برهن عن عجزه وفشله بسبب عدم وضوح الرؤية المستقيمة لدى قادته المهيمنة عليهم مصالحهم الفردية الأنانية والولاءات الفئوية ولذلك لم يسمع منهم الشعب إلا جعجعة رحاهم ولكن بدون طحين! !

وبدون خجل غطت هذه التنظيمات على فشلها، وصرفت أنظارها عن معاناة الشعب المظلوم، وتابعت السعي الى تحقيق مشروعها التآمري، وبحسب المخطط المرسوم جاء تصريح الرئيس جلال الطالباني < بأنه لا مانع لديه بإقامة محافظةٍ للمسيحيين في سهل نينوى> فتشبثوا به ووضعوه في المقام الأول من اهتمامتهم دونه أي اهتمام آخر . إن هؤلاء القادة الذين فرضوا أنفسهم فرضاً أثبتَ واقعُهم بأنهم عديموا القابلية والمقدرة لقيادة الشعب المسيحي لأن رؤيتهم الموضوعية غير صائبة بتقييمها لظروف العراق الشائكة سياسياً وأمنياً واقتصادياً بسبب تحكم الطائفيين والمذهبيين بزمام الأمور وتصارعهم نتيجة تضارب مصالحهم فهم في وادي ونحن في وادي آخر . أما بعض القوى التي تدفع بشعبنا الى تبني هذا المشروع الخطير فإنها تسعى من وراء ذلك لتحقيق مآربها الخاصة والفوز في الصراع الدائر، ولا يهمها احتراق شعبنا بأتونه ! !

إن الكلدان هم أصحاب الرقم الأصعب بين أبناء شعبنا في المعادلة قومياً ومسيحياً وما يتبع ذلك ديمغرافياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، فكُل ما يُرسم خارج إرادتهم هو مرفوض و لا يمكن أن يُنفذ، فبالنسبة الى هذا المشروع الخيالي الخالي من الثوابت الواقعية المقترح من قوى خارجة عن نطاق شعبنا، يرى الكلدان فيه تمزيقاً للنسيج الإجتماعي والوطني العراقي، وحرمانهم من العيش في كامل تراب وطنهم الأصيل العراق،ولذلك يرفضون ويشجبون كُلَّ محاولات تجريده من كامل جذوره وحصره في منطقة محددة غير مأمونة . وإني أسأل: لماذا التركيز على سهل نينوى ولماذا لا يمتد هذا المشروع غير الواقعي الى منطقة فيشخابور وضواحيها لكي يبادر الأكراد الى إعادة القرى المسيحية المستولى عليها! !

إن ما يسمى بـ < تجمع التنظيمات الكلدانية السريانية الآشورية > لا علاقة للكلدان به، لأن بعض الكلدان الممثلين به هم انتهازيون انتفاعيون انقلابيون على امتهم الكلدانية ولذلك لا يحق لهم أن يدَّعوا تمثيلهم لها، وبالإضافة الى ذلك فهم مهـمَّشون وأتباعٌ للتـنظيمات النسطورية المنتحلة للتسمية المزيفة “الآشورية” وإثباتاً لقولنا هوعدم قدرتهم الوقوف بوجه التوجه المريب والعدائي الصارخ الذي يُحاول قادة التجمع النساطرة رفع إسم قوميتـِنا الكلدانية المدرجة مستقـلةً في الدستور العراقي الإتحادي وإحلال محلها تسمية مركبة هجينة مخالفة للتاريخ ولا يُقرها الواقع، وكأن تسميات المكونات البشرية التاريخية هي لعبة بأيدي السياسيين النفعيين يستبدلونها كُلما تطلبت مصلحتهم ذلك . وأي عاقل يمكنه تصديق إدعاء هؤلاء الجهلاء بأن إلغاء هوية أكبر مكونات شعبنا”الكلدان” يؤدي الى توحيد هذا الشعب! وهل إلغاء الهوية الكلدانية أو بترها أو عطف أسماء أخرى إليها لإخراجها من معناها يُحقق مآرب هؤلاء العابثين بمصير شعبنا المغلوب على أمره؟ ليكن معلوماً لهؤلاء الدجالين المتاجرين بمصير شعبنا والمتطاولين على قوميتنا الكلدانية المجيدة، بأن نجوم السماء أقرب إليكم من نيل مأربكم الشرير بالحاق الضرر بالكلدان وستلقى محاولتكم البائسة خزياً وفشلاً. إننا نعلم بأن ديدنكم قائم على الكذب، لأنكم تكذبون أكثر مِمّا تـتـنفسون! ! !

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 22 / 9 / 2011

You may also like...