المسيحية عِماد وحدتنا وليس القومية

لقد برهنت الأعوام الماضية التي تلت حركة التغيير السياسي في العراق

وما صاحبها من أحداث مأساوية عان منها الشعب العراقي بشكل عام

والمسيحيون بشكل خاص ومتعمَّد، حيث تعرضوا لمختلف أشكال

الإضطهاد كالترهيب والقتل والإبتزاز والتهجير من قبل الجماعات

الإرهابية التي لم تميِّز بين المسيحي الكلداني أو السرياني أو الآثوري،

معتبرة إياهم كياناً واحداً ما داموا يدينون بالمسيحية وهذا يعني بأن

المسيحية هي التي توحدنا وليس القومية. وكُلُّ مَن إدَّعى بأنه مضطهد

بسبب قوميته الكلدانية أوتسميته السريانية أوالآثورية هو منافٍ للحقيقة،

لأن الجميع مضطهدون لكونهم مسيحيين.

ألا يجب إذاً أن نكون واقعيين في تفكيرنا ونعترف بأن المسيحية هي التي

توحدنا وليس القومية، ومن العـبث أن يعمل البعـض ضدَّ تيار الواقع

بإصراره على صهر الموروث القـومي الكـلداني بالموروث التسموي

للآخر. وبالرغم من اختلاف مشاعرنا وتباعدها، فإننا نشترك في

الطموحات من حيث المصالح وقد يُوحدنا أحياناً الأمل والألم، وهذا هو

واقع حالنا شئنا أم أبينا. لذلك نَـدعـو إخوتنا بالمسيحية من الآثوريين

المتزمتين أن ينبذوا التطرف العنصري المستحوذ عليهم بسبب عقدة

شعورهم بالنقص لشدة ضآلتهم الديمغرافية، إذ لن ينفعهم بشيء ولن

يُحقـق لهم مأربهم بإلغاء الكلدان أو احتوائهم، إنه جنون ما بعده جنون،

ومردوده تصعيد الكراهية وانعدام الثقة بين الأطراف المسيحية .

أليس من الأجدر بنا أن نرسخ وحدتنا المسيحية، ونسد الدرب أمام

المتصيدين في المياه العكرة ذوي المنافع الشخصية الأنانية والإنتهازيين

المنادين بالوحدة القومية المزيفة، التي جعلوا منها شعاراً للمتاجرة وخدع

البسطاء من أبناء الشعب المسيحي والحصول من ورائه على المناصب

والمراكز، وقد تنطلي ألاعيبهم هذه على الكثير من الراغبين بالوحدة

المبنية على أسس الحـق والعدالة والواقع. فحذاري أيها الإخوة من

الإنخداع بوسائل اعلامهم المتعددة التي تحلل كُلَّ ما لا يتفق مع مصالحهم

ويُخالف نهجهم الذي يفرضه تفكيرُهم المريض .

لا أعتقد أن هنالك مسيحيا واحداً كلدانياً كان أم سريانياً أم آثورياً لا يطمح

أن يكون للمسيحيين كيان خاص بهم، يتميَّز بحضور قوي في الساحة

السياسية العراقـية يقوده أفراد مخلصون لا يترددون في التصدي للدفاع

عن حقوقهم، دون أن ينظر الى هذا الكيان من قبل مكونات المجتمع

العراقي الأخرى بأنه كيان انعزالي، وإنما كيان فاعل اسوة بالكيانات

العراقية الأخرى وقادر على ضمان حقوق شعبه المسيحي والحفاظ على

كرامته وأمنه واعتبار أبنائه مواطنين أصلاء في بلدهم العراق الذي يدين

بمجده وحضارته لآبائهم وأجدادهم .

لماذا يُحظر على الكلداني أن يعتز بقوميته الكلدانية، والسرياني بتسميته

السريانية، في حين يحق للآثوري الإعتزاز بتسميته الأشورية المنتحلة،

وينادي بفرضها على الآخرين، هل هذه عدالة؟ لا تقوم الوحدة برفع

الشعارات ولا بحسب أهواء النفعيين الذين يحللون لذواتهم ما يحرمونه

على غيرهم، لا تقيم الوحدة الحقيقية إلا التنظيمات المسيحية التي تعمل

وتدعو الى التقارب بين الإخوة المسيحيين بروحية بعيدة عن الإنتهازية

والأنانية الذاتية.

الشماس د. كوركيس مردو

عضو المجلس الكلداني العالمي في مشيكان

في 7 / 6 / 2011

You may also like...