المذبحة المروّعة في كنيسة سيدة النجاة هل هي جزء من التسامح الديني ؟

اكثر ما نسمعه ونقرأؤه في وسائل الأعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة ، ومن مختلف

الأوساط الرسمية وغير الرسمية هو عبارة التسامح الديني ، ومن ان العراق هو ارض

الحضارات وواحة التعايش والتسامح بين الأثنيات والأعراق والمذاهب والأديان ، لكن اكثر ما

نلمسه ونشاهده على ارض الواقع هو صورة معاكسة لتلك المزاعم ، ومنها الصور المرعبة

 التي يقترفها الأرهاب والتطرف باسم الدين الأسلامي ، وأخرى ترتكبها الحكومة بالتمييز

والتفرقة الدينية في منحها الوظائف والمناصب والتي تحاول إبعاد المكون المسيحي من تلك

 الوظائف ، وفوق ذلك هنالك العنف المجتمعي فالجار المسلم يستقوي على جاره المسيحي

وفي حالات كثيرة يحاول الهيمنة او على املاكه او الحصول عليها بأبخس الأسعار ، ولا

ندري اين موقع وصية نبي الأسلام محمد بن عبدالله الذي يوصي برعاية سابع جار .

وهنا لابد من القول بأن حماية مسيحيي العراق ليس واجب الحكومة العرقية فحسب ، إنه

واجب المجتمع العراقي برمته ، إنه واجب السنة والشيعة على حد سواء ، إنه واجب قوات

الأمن كما هو واجب الجيش العراقي ، إنه واجب رجل الدين المسلم لكي يدعو بأعلى صوته

عبر المآذن بالتعايش والتسامح مع كل مكونات المجتمع العراقي وفي مقدمتهم المسيحيون ،

 سيكون وصمة عار في جبين المجتمع العراقي إذا اضطر المسيحيون الى الهجرة من اوطانهم

بسبب الظلم والعنف المجتمعي .

إن الدولة العراقية تسير وفق الدستور الذي ورد في المادة الثانية منه :

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور

. ثانياً :ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما

ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية،

كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين.

وفي هذه الحالة حتى لو تعمدنا اهمال شأن الفقرة ب بشأن الديمقراطية ، وتمسكنا بأسلامية

 العراق ، فهل يعني اسلامية البلد اجتياح الكنيسة وذبح المصلين بها ؟

هل هذه مبادئ الدين الأسلامي ؟

 وهل يقبل المسلمون في العالم ان يكون دينهم دين الترويع وقتل وذبح الأبرياء ؟

بموجب تصريح وكيل وزيرالداخلية الفريق حسن كمال بأن عدد القتلى من الرهائن بضمنهم

بعض افراد من الشرطة بلغ 52 مع 67 جريحاً ، ومن مصادر اخرى علمنا بالتمثيل بالجثث

بقع رؤوس الضحايا ، علما ان رواد الكنيسة من المصلين اغلبهم من النساء وكبار السن

والأطفال كما استشهد الكاهنان الشابان ثائر سعدالله ووسيم صبيح ، فكيف تسمح يد إنسان

يحمل ذرة من الشعور الأنساني ، كيف تراوده نفسه الى قتل هؤلاء الأبرياء بدم بارد ؟

وهنالك روايات اخرى تقول بأن عملية القتل كانت ترافق ترديد عبارة الله اكبر . هل ان الله

يقبل بقتل أناس يصلون ويتعبدون بخشوع في بيت الله ؟ إنه تصرف لا يقبله العقل ولا

يتصوره إنسان .

الأن نأتي الى دور الحكومة ومسؤوليتها للمحافظة على مواطنيها ، فالمسيحيون كما هو

معروف مستهدفون ، وهم يرفعون اصواتهم مطالبين الحكومة بحمياتهم وحماية دور العبادة

 والكنائس المستهدفة بشكل خاص ، وفي الحادث المروع الأخير الذي حصل لكنيسة سيدة

النجاة في الكرادة ، ما تسرب من اخبار ان الأسلحة والذخائر كانت قد رُتّب امر نقلها الى

الكنيسة قبل تاريخ الهجوم ، وهنا يتبادر الى الذهن السؤال : اين الحكومة ؟ وكيف استطاع

 المهاجمون اختراق نقاط التفتيش والوصول الى قلب المدينة ؟ إنها اسئلة كثيرة من واجب

 الحكومة ان تجيب عليها .

من السهولة التنصل من المسؤولية بإلقاء المسؤولية على تنظيم القاعدة ، لكن ماذا عن

الأرضية والتسهيلات التي تقدم للاهابيين في بلوغ اهدافهم ؟ فهؤلاء لا يهبطون من الفضاء

الخارجي ويعودون اليه بعد إتمام العملية ، إنما يدخلون عبر الحدود وعبر نقاط التفتيش التي

 تسيطر على منافذها مختلف القوات الحكومية ، وبعد ذلك تجد لها الملاذ الآمن والأدلاء

والتسهيلات لكي ينفذوا عملياتهم الأرهابية ، فأين الحكومة من كل هذه التنقلات والتحركات ؟

 وكيف استطاعت الوصول الى اهدافها ؟ وهنا يمكن التأكيد بأن القوات الحكومية ، إما هي

متواطئة مع المنفذين او مخترقة ، أو تكون قوات فاشلة لا تستطيع القيام بواجها على الوجه

الأكمل ، وفي كل تلك الأحتمالات لا نتمنى ان تكون تصوراتنا صحيحة .

لا ريب ان مثل هذه الأعمال الأرهابية والبيئة المجتمعية المتسمة بالعنف والقسوة ، وغير ذلك

 من الأسباب العامة الأخرى المتصلة بوضع البلد ، كل ذلك يشكل اسباباً مواتية لتشجيع

الهجرة بين هذه الشريحة العراقية الأصيلة ، والهجرة حصيلتها تفتيت العراق والإخلال

بتركيبته الديموغرافية والثقافية والسياسية ، بالأمس كان اليهود ، واليوم يصل الدور الى

المسيحيين وغداً من يكون ؟ ببساطة إنه فتح لأبواب الجحيم ، ومن يرى انه يستطيع غلق

 تلك الأبواب فالأوهام تلفه ، من السهولة فتحها لكن من الصعوبه غلقها .

أحب هنا ان اضيف فقرة اخرى وهو ما يعرف بأسلاموفوبيا ( Islamophobia ( اي

الخوف من الأسلام الذي يجتاح اوروبا والعالم الغربي ، ويعمل الخطاب الأسلامي المعتدل

جاهداً بأن يزيل تلك الصورة المرعبة للاسلام عن الذهنية الأوروبية ، وهنا اتساءل كيف

يستطيع هؤلاء الكتاب المعتدلون من إزالة تلك النقطة السوداء الملصقة بالأسلام عن ذهنية

 الأنسان الأوروبي ؟ ومن منا لم يعد يخاف من الأسلام ؟ أليس المسلمون أنفسهم في خشية

 كبيرة من العمليات الأرهابية الأسلامية ؟

 ماذا نقول عن تفجير المساجد في باكستان وفي مدن عراقية وأماكن أخرى ؟ من يفجر تلك

 المساجد والحسينيات ، إليست هذه عمليات انتقامية بين الأسلام انفسهم ؟

إنه طريق طويل ومعقد امام الذي يريد ان يثبت ان الأسلام لا يؤمن ولا يقبل بالأرهاب ، إن

العمل ليس بالكتابة والكلام ، إنه بالفعل والتطبيقات على ارض الواقع ، وفي العراق اليوم لا

نسطيع ان نقول ان كل المسلمين ارهابيين ، لكن نستطيع ان نقول ان كل الأرهابيين هم من

المسلمين .

إن الدين الأسلامي يعتنقه اكثر من مليار إنسان على وجه الأرض ، وليس معقولاً ان يوضع

مثل هذا الدين في خانة الأرهاب ، فينبغي على العقلاء والحكماء من اتباع الدين الأسلامي ان

يباشروا بتوعية الأنسان المسلم منذ طفولته ، بأنه كبقية البشر ليس افضل منهم او ادنى

منهم ، وإن عليه ان يحترم بقية الأديان والمعتقدات البشرية .

 إن الخوف من الأسلام في اوروبا وأمريكا وفي قارات العالم ، بما فيها الدول الأسلامية ،

سيبقى الخوف من الأسلام قائماً ما دمت العمليات الإرهابية يقترفها المسلمون تحديداً .

 
 نتمنى ان نتعايش في وطننا العراقي وفي كل بقعة من العالم مع المكون الأسلامي بمحبة

وتفاهم وأخوة بشرية تجمعنا جميعاً بقطع النظر عن الدين او القومية او لون البشرة او

العرق ..

 حبيب تومي / عنكاوا في 02 / 11 / 10

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *