اللصوص لا يبنون دولة؟


     كنا نحلم ونأمل جميعا ان تبدأ حقبة جديدة طاهرة ونقية ونظيفة في بلادنا بمجرد سقوط نظام صدام حسين بعد عقود من الظلم والطغيان، لكن هول ما حدث والطريقة التي أسقط بها، ربما أنسانا إن ذلك النظام كان يجلس على بيض مئات الآلاف من الحرامية والرشوجية والانتهازية والمجرمين، التي تفقست اثر سقوطه وبدأت تتناسل كالقطط الشتائية تحت عباءة الديمقراطية والانفتاح وإعمار العراق، بقيادة واحد من أكثر الشخصيات الأمريكية فسادا وشبهة الا وهو برايمر وطاقمه من الإدارة المدنية والعسكرية!؟

     والانكى من كل ذلك انهم ( مغنطوا ) الكثير من عناصر النظام السابق وادغموهم في طواقمهم، إضافة إلى النكرات الاجتماعية التي تم احتواؤها وإعادة تصنيعها لتأخذ لها أدوارا مهمة في المال والسلطة، حيث نجحت هذه المجاميع لاحقا  باجتياز كل الحواجز واختراق صفوف النظام الجديد، لكي تعشش في مفاصل الدولة الجديدة برعاية الحاكم الجديد برايمر ومجموعة الجنرالات وملحقيهم الذين ورثوا بقدرة قادر تاج المال والسلطة في بلاد الرافدين الآيلين للنضوب والجفاف!؟

     وعلى مدى سنوات طويلة نشأت وترعرت تلك المجاميع من الطفيليات واللصوص والانتهازيين والنكرات تحت عباءة الاحتلال ومساعدته لهم، بل ان الكثير منهم لعب لعبا مزدوجا بينهم وبين العمليات المسلحة من بعض ما كان يسمى بالمقاومة، حيث تحول الكثير منها إلى قومسيونجية بين السلطة والإرهاب تارة وبين الإرهاب والأمريكان تارة أخرى، ناهيك عن تلك الأعداد الكبيرة التي التفت حول الكثير من المسؤولين رفيعي المستوى على شكل حمايات ومرافقين ومستشارين، وشكلت حلقات من البطانات التي نمت وتطورت لتأخذ مسارها في اتخاذ القرار وتوجيه كثير من مفاصل الدولة؟

     لقد أكدت الأحداث وما وصلت إليه البلاد منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا، إن من يحكم اليوم لم يثبت انه يمثل تلك الطموحات والآمال التي حملها العراقيون عقود طويلة من حكم الدكتاتورية، ولا يمت بأية صلة إلى نضالات الشعب وتضحياته من اجل نظام ديمقراطي نزيه ينشر العدالة الاجتماعية ويرتفع بواقع البلاد وحاجياتها الى ما يليق بتاريخها ونضال شعوبها، إن حال البلاد بوجود هذه الوفرة المالية الفائقة ( مئات المليارات ) يؤكد بما لا يقبل الشك إن الفساد لم يعد محصورا في مفاصل إدارية متوسطة وصغيرة، بل انه يمتد إلى قيادات رئيسية ورأسية في السلطات الثلاث، حيث لا يسرق الصغار إلا المبالغ الصغيرة، أما تلك المليارات الضخمة التي ادعت السلطة التنفيذية إنفاقها على الكهرباء والماء والأعمار والصحة والمواصلات والأمن والدفاع، فقد ( لغفها، اختلسها ) كبار موظفي الدولة الذين ما زال الكثير منهم رغم إدانته من قبل القضاء أو النزاهة يتمتع بحصانة شركائه النافذين في الحكم.

     وقراءة أولية لتوزيعات ميزانية هذا العام فقط تؤكد هول ما يسرق ويختلس من أموال البلاد من قبل الحرامية وشركائهم ومساعديهم ومن لف لفهم، وليس للقارئ الا ان يقارن بين هذه الأرقام وبين ما تحقق على ارض الواقع على ان يتذكر ان ميزانيات السنوات السابقة لم تختلف كثيرا في حجمها وقيمتها عن هذه الميزانية:

     إجمالي مخصصات الميزانية بلغت 117 ترليون دينار عراقي، كانت حصة الأمن والدفاع اكبر الحصص حيث بلغت 17.16 ترليون، أما الطاقة وتعني البترول والكهرباء فقد بلغت 20.46 ترليون، بينما كانت حصة التعليم 11.47 ترليون والصحة 5.71 ترليون، يقابلها الماء والمجاري 3.86 ترليون، بينما انخفضت تخصيصات الزراعة ( 2.41 ترليون ) والصناعة ( 1.42 ترليون ) والتشييد والإسكان ( 1.14 ترليون ) في بلاد تعاني تدهور كارثي في الزراعة والصناعة والسكن.

     هذه أرقام أولية من تخصيصات موازنة 2012م وهناك ما يقابلها في الضخامة للسنوات الماضية، ومن مقارنة ميدانية بين ما تحقق من انجازات مقابل هذه الأرقام الرسمية نقترب كثيرا من عنوان مقالتنا:

     اللصوص لا يصنعون دولة، بل يصنعون أمجادهم على أنقاض بلدانهم؟

كفاح محمود كريم

 


You may also like...