الكلدان بين الأهل والغريب

برز الوجود الفعلي لتنظيمات كلدانية في العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية في شمال العراق بعد تمتّع أقليم كردستان العراق بنوع من الأستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد التي لم تكن تعترف بغير حزب البعث العربي الأشتراكي وحزب آخر كردي موالي للحكومة، فكان أول ظهور لحزب كلداني هو الحزب الديمقراطي الكلداني بمؤازرة حكومة الأقليم وبرئاسة الأستاذ أبلحد أفرام عام 1992، تلاه تنظيمات كلدانية أخرى منها جمعية الثقافة الكلدانية في مدينة عينكاوة عام 1998، والمجلس القومي الكلداني عام 2002، والمنبر الديمقراطي الكلداني عام 2004 في مدينة ديترويت الأمريكية وعُهِدَ بأدارة فرعه في العراق الى الأستاذ سعيد شامايا، الا أن هذه الأحزاب والتنظيمات لم تستطِع الصمود أمام الضغوط التي تعرّضت لها بعد تشكيل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري المدعوم من الأكراد ليكون عامل ضغط بيدهم على مسيحيي سهل نينوى لحسابات خاصة بهم وعن طريق عرّابه الأستاذ سركيس آغا جان القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولم يبقَ مَن يقاوم هذه الضغوطات مِن تلك التنظيمات سوى الحزب الديمقراطي الكلداني وظلّ محافظاً على النهج الذي أختاره كحزب كلداني مستقل عن أية محاور لا تخدم مصلحة الكلدان وثوابتهم القومية (المتمثّلة بالتسمية القومية ولغتها الكلدانية ووحدة الأراضي العراقية) ، أما المنبر الديمقراطي الكلداني فجرى أعادة تشكيله تحت تسمية المنبر الديمقراطي الكلداني الموحّد في أمريكا وكندا بعد أن تم عزل السيد سعيد شامايا ممثله في العراق أِثر ألتحاقه بجماعة المجلس الشعبي.

ونتيجة لأصرار الكلدان على ثوابتهم الوطنية والقومية فقد جرى تهميشهم وتعرّضوا لمختلف أنواع الهجوم والأنتقاد وصل الى حد الأقصاء والأرهاب الفكري الذي مورس على الكُتَّاب والناشطين الكلدان رضَخَت له معظم تنظيمات الداخل الكلدانية (عدا الحزب الديمقراطي الكلداني) التي نقدّر وضعها في الداخل وقد يكون لها بعض الأعذار نظراً للظروف المحيطة بها، ولكن الذي لا عذرَ له هم الكلدان الذين يعيشون في المهجر الذين ألتحقوا بمهمّشي قوميتهم ولغتهم لقاء منافع ماديّة أو رواتب شهرية أو أجوراً لأقلامهم المُسَخَّرة لمهاجمة وألغاء قوميتهم ولغتهم وتهديد وحدة أراضي وطنهم العراق.

لقد حاول فرسان تهميش الكلدان بألقاء اللوم على الأحزاب والتنظيمات الكلدانية، بل وحتى على الكلدان كأمة مُتّهمينها بضعف الشعور القومي لديها، ووصول حالة اليأس هذه لبعض الأخوة الكلدان الذين تمَيَّزوا بحرصهم وأخلاصهم لقوميتهم ولغتهم ووطنهم الى توجيه أنتقادات لرموز كلدانية جاعلين منها كبش فداء لحالة الأنحسار التي يعيشها الكلدان الآن، وهنا تذكّرت آيات من أنجيل يوحنا 9: 1-2-3 تقول:

((وفيما يسوع مجتاز رأى رجلاً أعمى منذ مولده *فسألهُ تلاميذه قائلين يا رب من أخطأ أهذا أم أبواه حتى وُلِدَ أعمى* أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه)).

ولهؤلاء الأخوة أقول ولا سيّما لحسنيّ النية: الخطأ والتقصير ليس من الأحزاب والتنظيمات الكلدانية، بل الخطأ هو في الظرف والحالة التي يعيش فيها العراق اليوم الذي فرّق وقَسَّم المحتل شعبه الى طوائف وقوميات، كل طائفة وكل قومية لها جذور وسند خارجي داعمٌ لها سواء من دول الجوار أو من أمريكا نفسها، وكل منصف لا غشاوة على عينيه سوف يرى من يدعم الشيعة في العراق، ومن يدعم السنة، ومن يدعم الأكراد ومن يدعم التركمان وحتى اليزيدية والشبك، وحتى أخوتنا الأرمن تدعمهم كنيستهم، وكيف أن بريمر عيّن السيد يونادم كنّا ممثلا عن جميع المسيحيين العراقيين رغم أنفهم ولا يزال، والأهم من كل ذلك هذا المال السائب المقدَّر بمليارات الدولارات والذي يُستخدم فقط في تثبيت وتركيز مواقعهم وشراء الذمم ولسانهم لا يملّ عن التكلّم عن الديمقراطية والأنتخابات، فقط الكلدان تُرِكوا وقيل لهم ((فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ)).

ولتدارس هذه الحالة جرت أجتماعات وندوات ومؤتمرات بين المهتمين والناشطين الكلدان في سان دييكو وديترويت كان الهدف الرئيسي منها هو توحيد التنظيمات الكلدانية وجمع الصفّ الكلداني ومعالجة التشرذم بين التنظيمات الكلدانية الى أقل عدد ممكن، وتم تتويج ذلك في مؤتمر ديترويت في منتصف مايس الماضي حين أنبثق (أتحاد القوى السياسية الكلدانية) من التنظيمات الكلدانية الأربع مضافاً اليها المستقلّون، وما تبعها من الدمج الذي حصل بين الحزبَين الديموقراطي والوطني الكلداني، رغم أنها أقل من الطموح الذي كان هدفه دمج كافة الأحزاب والقوى الكلدانية الأربعة، الا أنها خطوة في الطريق الصحيح طالما كان هدف الجميع هو التمسّك بثوابت الأمة الكلدانية (القومية، اللغة، وحدة العراق)، ولنتفائل بما حدث في مؤتمر ديترويت حتى في حدّه الأدنى، ولنعمل بالممكن، ولنستغلّ طاقات شعبنا الكلداني ولا سيّما العددية ولنتهيأ للأنتخابات العامة القادمة، بعد أن نكون قد أستطعنا جمع ما يمكننا من أموال حلال من عرق جبيننا كتأمينات دخولنا في المنافسة الأنتخابية، فأذا فاز مرشحينا الكلدان، فسوف يكونون مثالاً مُشَرَّفاً بين زملائهم النواب الآخرين، لأنهم بالتأكيد سوف يخدمون أمتهم الكلدانية لأنها موّلت حملتهم الأنتخابية بعرق أبنائها، وليس كزملاؤهم النواب المموّلين من جهات نافذة، والذين سوف يكونون حتماً منفّذين لأوامر وتعليمات تلك الجهات التي ساندتهم ودعمتهم وفاءً لدَينها عليهم.

بطرس آدم

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *