الكـلدان بـين طـموحات حـبيب تومي – وتـلميحات داود برنو


نـُـشِر مقال للأخ حـبـيب تومي بعـنوان ( ملا مصطفى البارزاني و جـون ﮔــَـرَنـْـﮒْ …  ) في 16 تموز 2011 يتساءل فـيه هل تـنتـظر الشعـوب قادة أمثال البارزاني وجـون ﮔــَـرَنـْـﮒ ام تسلك سلوكاً آخـرأً للمطالبة بحـقـوقها ؟ نـقـول ما من شك أن البرزاني الأب كان تلك الشخـصية الكارزمية التي إستـطاعـت إستـقـطاب الشعـب الكـُـردي وتوجـيهه بإتجاه الكـفاح من أجـل إستحـصال حـقـوقه حـتى أصبح رمزاً لنضاله القـومي ووصل إلى طـموحه . وهـكـذا كان القائـد جـون ﮔــَـرَنـْـﮒْ ذي كارزمية ألهمَـتْ الشعـب السوداني لمواصلة النضال لعـقـود ثلاثة من السنين المأساوية حـتى حـصل عـلى مُـبتغاه بالإستـقلال في دولة ذات سيادة في التاسع من تموز 2011 بإسم دولة الجـنوب السوداني .

اليوم نهـضنا صباحاً لنعـمل نهاراً فـماذا سنفـكـّـر به مساءاً لنـنجـزه غـداً ؟ إن البذور العـشائرية لم تــَـنبتْ في حـقـولنا ولم تـُـطـَـعـَّـمْ جـذوعـنا بأقلامها فـلم تـظهرْعـلى أغـصانـنا براعم الولاء الجـماعي الأعـمى ، كـما تـراجـعَـتْ عـندنا النشاطات القـومية أمام إشعاعاتـنا العـقائـدية الروحـية فـلم نـتـوشَّـح بردائها بل غـطاها غـبار الزمن رغـم وجـودها في أعـماقـنا ونـتيجة لذلك لم نشعـر بالحاجة إلى الإعلان عـنها وبالتالي لم تـعُـد هـناك حاجة إلى إقـصاء غـيرنا من أبناء جـلدتـنا قـومياً بل تلألأتْ عـندنا في مقـدّمتها وبجلاء القـيم الدينية الأممية فـصارت هـوية لـنا وبها نشعـر بأنـنا كـلنا واحـد بنيات صافـية وهـذا هـو رصيدنا المكـشوف والمضموم نحـن الكـلدان .

إن جـغـرافـية وادي الرافـدين بالدرجة الأولى وخـيراته ثانياً التي أغـدقهاَ الله عـلى سهوله وهـضابه وجـباله وبالتالي عـلى الساكـنين فـيه إستـنهـضتْ قـدرات شـعـبنا الكـلداني منذ القِـدَم مؤدية به إلى الإبداع في كافة مجالات الحـياة وتأريخه يشهـد عـليه ولكـنها في الوقـت نـفـسه حـفـَّـزَت شهـية أقـوامٍ كـثيرين فـتعاقـبوا عـلى إحـتلاله كل في حـقـبته الزمنية مؤدياً دَوره بـبراعة إنْ كان للأخـذ منه فإغـتـنموا وإنْ كان للعـبث به فـخـربوا ، وهـذا واقـعـنا منـذ أكـثر من ألفي سنة ولم يـبقَ للشعـب الأصيل إلاّ الأنـقاض والقـشور فـكانت النـتيجة أنْ خـسر شعـبنا وعَـبر التأريخ أعـداده البشرية الهائلة في قـنوات شتى وفـقـد ثـقافـته ولغـته بشكل عام لا بل ألغِـيَـتْ هـويته الوطـنية الأصيلة وأمسى من بـين الأقـوام المقـهورة ( لا ، وﭽـمالة دفع الجـزية للأجـنبي وإحـنا أبناء الوطن – هاي لـتـُـكُـتـلـَـكْ ) .

إنّ فـكـرة قـيام دولة قـومية دينية يهودية المذكـورة في مقال الأخ حـبـيب لم تأتِ في خـمسين أو مائة سنة وهي ليست وليدة العـصر الحـديث وإنما آيديولوجـيتها ترجع إلى ما قـبل المسيح بمئات السنين إنْ لم نـقـل أكـثر وهم يتميَّـزون بترابط ديانـتهم مع قـوميتهم ويسمّـون أنـفـسهم شعـب الله المخـتار ، وما الشخـصيات الكارزمية التي ظهرَتْ بـينهم في العـصر الحـديث إلاّ تلك البادئة للتحـريك والدفع مثل بادىء الحـركة في محـرك السيارة ( سْـتارتــَـر – نـﮔـرة سِـلـﭫ ) كـما أنّ العـرب ذوي النزعة القـبلية ربطوا دينهم الجـديد والقـرآن الذي جاء بلسانهم العـربي والهادف للوصول إلى سـدّة الحُـكـم بالقـوة الحـربـية ربطوه بقـوميتهم العـربـية فأمسوا خـير أمة أخـرِجَـتْ للناس ، لكـن الكـلدان والآشوريون والسريان وبسبب الظروف التأريخـية ومتغـيّـراتها التي فـرضتْ نـفـسها عـليهم بالقـوة وهم معـتـنـقـين دين المحـبة والغـفـران وموجّهـين أنـظارهم نحـو المملكة السماوية تـسَـبَّـبَ في تراجـعـهم عـن الواجهة الحـضارية وباتوا كأنهم لا يملكـون تأريخاً فالمناهج الدراسة التـقـليدية في وطنهم المُـحـتل غـيَّـبَـتهم عـن كـرّاساتها ، والمؤسسات الثـقافـية فـيه حـجـبَـتْ لغـتهم المكـتوبة عـن أروقـتها ، وقـنواته الإعـلامية تـنـكـّـرَتْ لأصواتهم في ستـوديوهاتها ، فـلم يحالفهم الحـظ  في أن يكـونوا من أفـضل الناس أسوة بغـيرهم بل أضحـوا مترنحـين في نهاية موكـب الناس .

أما السيد داود برنو فـقـد كـتب مقالاً في 10 / 7 / 2011 عـن تقسيم العـراق هـل هـو واقع أم خـيال ؟ وذهـبَ فـيه أبعـد من الأخ حـبـيـب حـين أشار إلى مخـططات رهـيـبة عـند القـوى الدولية لتـقـسيم العـراق بـين الكـتل الرئيسة السنة والشيعة والأكـراد منذ زمن بعـيد ناسين لاأباليّـين أو متـناسين متـعَـمـِّـدين أن هـناك شعـباً أصيلاً وريثاً شـرعـياً لأرض العـراق وهـو الشعـب الكـلداني الذي وإنْ بقي منه العـدد القـليل ولكـنه أصيل ، ومن وجهة نـظره فإن ملامح وبوادر فـكـرة التـقـسيم بدأتْ بالظـهور من الآن ، بل أن إسرائيل لها بُـعـد ستراتيجي بهذا الشأن وأنّ محاربة شعـب بـيث نهـرين هـو واحـد من بـين أجـنداتهم أساساتها ممتـدة في عـمق التأريخ ومستـمـدّة من كـُـتبهم .

فأين نـقـف نحـن الشعـب الكـلداني ومعـنا الشعـب الآشوري وكـذلك الشعـب السرياني – وليس من مانع فالأرمن معـنا – بأفـكارنا الخلاقة وبصائرنا البرّاقة وإمكانياتـنا العـملاقة ومشاعـرنا الرقـراقة ، أقـول أين نـقـف جـميعـنا عـلى الطريق الذي يصل بنا إلى الحد الأدنى من حـقـوقـنا أو عـنـد مَـشارِف طموحاتـنا الطبـيعـية دون أن نـفـكـّـر بتأسيس دولة كـلدانية أو إقـليم كـلداني ( عـلى أرض العـراق كـله ) بل نطالب بالحـقـوق القـومية المدرجة عـلى الأقـل في لوائح حـقـوق الإنسان والمواثيق الدولية العـصرية والأمم المتحـدة ضمن الوطن الواحـد وشعـبه الواحـد ؟ وفي الوقـت نـفـسه فإنـنا نحـن الكـلدان لا نـرضى أن يُـعـمَـل لنا قـفـصاً أنـيقاً يُـتاح لصانعه فـتحه لكي – يكـمش – العـصـفـور الذي بداخـله متى شاء ، ولا نـقـبل بـكـوخ – كـولِـكـْـثا – نـحـتمي به من حـرارة الشمس ولكـنه لا يحـفـظـنا من لدغات العـقارب والأفاعي وهـذه خـبرتـنا ونحـن صغار في حـقـول البطيخ في ألقـوش ( وَرزانِ ) فأين مفـكـّـرينا وفـطاحـلنا اليوم بعـد تـراكم خـبرات الآباء والأجـداد ؟ نحـن في فـجـر اليوم نعـمل بالممكـن بما يحافـظ عـلى سلامة شعـبنا وتـثبـيت أقـدامه عـزيزاً في وطـنـنا الأصيل ونـفـتح الطريق نحـو شروق الشمس ، أما طموحات نهار المستـقـبل إنْ وُجـدتْ فالأبواب مفـتوحة لجـيل المستـقـبل . إنّ المساحة الملوّنة في خارطة وادي الرافـدين  والتي تـمـثـل مركـز ثـقـل الكـلدان فـيها اليوم ، لا يمكـن مقارنـتها بخارطة دولة الجـنوب السوداني ولا بإسرائيل أو لبنان ويمكـن القـول ولا بإسكـنـدرية مصر عـلى الإطلاق لأسباب واضحة عـلى الخارطة في حـدودها الشمالية والجـنوبـية والشرقـية والغـربـية واللبـيب تكـفـيه الإشارة .

إن تـوحـيد صفـوف أية مجـموعة بشرية وضمان ولاء أعـضائها في نسق واحـد أو رتل واحـد لتـنـفـيذ إيعازات أو أجـنـدة خاصة بها تـتـطلب ( عـريفاً للفـصيل ) شخـصية قائدة كارزمية جـذابة قـدوة مضحّـية أمينة شفافة تستـقـطبهم ثم يـلتـزمون وينـفـذون التوجـيهات عـن طيب خاطر حـباً بالهدف والقائد عـلى حـد سـواء . فـعـلى الصعـيد الوطني مثلاً كان المرحـوم عـبد الكـريم قاسم قائـداً نموذجاً في مطلع ثورة 14 تموز 1958 بالمعـنى المشار إليه بدليل هَـبّة الجـماهـير العـفـوية إلى الشارع ضد مؤامرة الشواف في 7 / 3 / 1959 ثم عـند محاولة إغـتـياله في شارع الرشيد مساء 7 / 11 / 1959 وحـتى يوم 8 / 2 / 1963 الغادر وأهازيجها – يا زعـيم إنـطينا سلاح إحـنا نحارب وأنـتَ إرتاح – أما عـلى الصعـيد المحـلي وأنا لا أزال في صدد النموذج فـقـط ، كان المرحـوم توما توماس الشخـصية الكارزمية في ألقـوش بالدرجة الأولى بدليل كان هـناك مِن أتباع حـزبه يقـول – أنا لا أعـرف الفـلسفة الفلانية بل أنا أعـرف عـمّي توما ! لأنه متأثـر بشخـصية المرحـوم المؤمن بمبادئه والمضحّي الذي لم يضع في رصيده المصرفي دولاراً .

فإذا كان العـصر الحـديث وتـكـنولوجـيته وتـتابع أحـداثه السريعة والمفاجـئة يوحي لـنا بأنه قادر أن يُـغـنينا عـن الرجـل القائـد للجـماهـير ، لكـن الحاجة تبقى إلى هـذه الشخـصية كـقـطب جامع وعامل قـدحٍ لإطلاق الومضة الأولى للشعـلة المنيرة التي تـلهم الجـمهور وتـُـلهـِبُ حـماسه لا من أجـل ثورة مسلحة بل من أجـل نهضة قـومية تـُــثير المشاعـر وتوقِـظ الأحاسيس وتـنبـّه الخـمول ، وتبقى هـذه القـيادة الكارزمية جـزيرة آمنة في وسط البحـر متى ما هاجـت أمواجه يتوجّه إليها البَحارون ، فـتكـون لشعـبنا القـدرة عـلى المطالبة بحـقـوقه سلمياً وقانونياً مستـنـداً إلى المنطق والحـق الإنساني وشرائع الأرض والسماء ومتـشبّـثاً بالمؤسسات الدولية وقـوانينها المُـعـترف بها بالإضافة إلى رجالاتها القائمين عـلى إدارتها والذين في تـفـكـيرهم يتـحـكـّـم ضميرُهم الحي وإيمانـُهم بحـرية الشخـص في الحـياة وحـق الشعـب في العـيش بكـرامة محافـظاً عـلى إرثه التأريخي ومعـتـزاً بقـوميته ، فاليوم هـو يوم الوعي والمنطق والإدراك والتـفاهم ، نعـم ومعها الصراخ بصوت عالي والمطالبة المستـمرة والطرق عـلى الأبواب حـتى تــُـفـتـَـح ، فأين تلك الشخـصية الكارزمية الكـلدانية يا إخـوان ؟.


You may also like...