القيادة الكوردية وتعقيدات المشهد الجيوسياسي الى اين ؟

 

habeebtomi@yahoo.no 

 

يا تُرى كم هي المهارة السياسية للقيادة الكوردية  وهي تجتاز طريق معقد شائك في الساحة الجيوسياسية المفعمة بتضارب المصالح وتفاوت الأديولوجيات  والتوجهات السياسية والأقتصادية والمذهبية … ان الجغرافية السياسية المعقدة في المنطقة تحتم على القيادة الكوردية ان تمكث وتستمر  في حراك دائم على شتى المحاور لكي تقنع الجميع ان حراكها لا يهدف الى ضرب مصالح اي دولة في المنطقة .

في المساحة الجغرافية فإن إقليم كوردستان بمحافظاته الثلاث دهوك وأربيل والسليمانية يغطي مساحة ما يقارب الأربعين ألف كيلومتر مربع – فهو أكبر من هولندا وأكبر أربع مرات من مساحة لبنان ويبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة وفي إزدياد سريع مستمر. لكن يحيط في هذا الأقليم دولاً تتداخل في خرائطها القومية اقلية كوردية مهمة تكاد تكون متلاصقة الحدود الجغرافية مع المكون الكوردي في اقليم كوردستان العراق .

على هذه الخارطة تبدو واضحة معالم تداخل اجتماعي كوردي وعواطف كردية قومية متنامية متجاوزة وعابرة للحدود السياسية لهذه الدول (العراق وايران وتركيا وسورية ) ، فتركيا الأتاتوركية العلمانية والتي بدأت في الفترة الأخيرة تجنح لتبني مشروع اسلمة فوقية تفرضه الدولة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الأسلامية ، وفي الجانب الآخر تقف ايران ( الخميني ) التي تنزع الى فرض مذهبية شيعية ينص عليها الدستور الأيراني ، وإن كان بين الدولتين أيران وتركيا خلاف ايديلوجي لكن الوقائع على الأرض تفضي الى تقليد دأبت عليه الدول التي فيها المكون الكوردي الى اتخاذ موقف صارم من التطلعات القومية الكوردية ولا تتحرج الدولتان ، بشكل خاص ، للكشف  عن عدائهما السافر لاي حديث حول تطلعات تعني قيام دولة كوردية تقتطع أجزاء من أراضيها يقطنها المكون الكوردي في تلك الدول ، وما عمليات القصف المتواترة الى داخل اقليم كوردستان العراق إلا جزء من تلك الأجندة الثابتة .

 ونعود الى قيادة الأقليم التي افلحت الى حد كبير في إبعاد مدن الأقليم من وحل العمليات الأرهابية التي خيمت على سماء العراق ، وأفلحت هذه القيادة في جعل مدن الأقليم محصنة بحيث لم يقتل على اراضيها اي جندي من قوات التحالف . وليس غريباً ان تشكل مناخات الإستقرار والتعايش بين المكونات الكورستانية عاملاً حاسماً  في جذب الاستثمارت الأجنبية من شتى اقطار العالم ، وان تتجه للأستثمار في الأقليم ، دون ان يكون لهذه الشركات الأستعداد للاستثمار في مدن العراق الاخرى بدافع الخوف الذي يلف هذه المدن .

 ليس هذا فحسب فإن القيادة الكوردية قد كسبت ثقة كثير من الأوساط الدولية في المنطقة والعالم ، فكانت الزيارات المستمرة لكثير من الدبلوماسيين رفيعي المستوى من مختلف دول العالم لهذا الأقليم ، كما كانت دعوات للمسؤولين الأكراد لزيارة هذه الدول ، وكانت الزيارة الأخيرة للاستاذ مسعود البارزاني الى النمسا والمانيا وفرنسا وتركيا كرئيس اقليم تعتبر تطوراً مثيراً في هذا المجال .

ويصرح البارزاني :

انه تلمس خلال زيارته الاخيرة الى تركيا تغييرات كبيرة في الموقف السياسي، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي بدأ منذ فترة بالإصلاحات الإجتماعية والسياسية والديمقراطية، وأنهم يسعون الى توطيد علاقاتهم السياسية والاقتصادية والتجارية وتطويرها مع إقليم كوردستان، لذلك فإننا كإقليم كوردستان ندعم الإنفتاح الديمقراطي التركي، ونسعى الى تطوير العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية، بصورة تخدم مصلحة الطرفين، مؤكدا على وحدة الموقف لإقليم كوردستان.

بحق انها تطورات مثيرة  لكن ما مدى تضارب ذلك مع الموقف القومي الكوردي ومع الأديولوجية الكوردية والمتمثلة في استراتيجية بعيدة للاكراد والتي تهدف الى تقرير المصير للشعب الكوردي اسوة بالشعوب الأخرى في المنطقة . وفي هذه هذه النقطة يتولد منعطف تتشابك فيه المعادلة السياسية مع الأديولوجية القومية .

 الأولى في الحفاظ على اقليم مستقر متطور يسعى لمد جسور التعاون مع الجيران ومع المجتمع الدولي والذي يريد ان يرى أقليماً مستقراً  وبحكومة ديمقراطية دستورية تمنح الحريات الدينية والأجتماعية والثقافية والسياسية . والمنحى القومي الذي يتطلب الوقوف مع الطموحات الكوردية في دول الجوار لنيل حقوقها القومية اسوة بأخوانهم أكراد العراق ، في ظل التعاطف مع افكار الرومانسية القومية وتغلغلها في اوساط الأنسان الكوردي في وجود شعب كوردي واحد وله أرض كردية واحدة ينبغي ان يكون لها علم  يرفرف في المحافل الدولية ليكون للأكراد وجود  بين الموجودين من القوميات والشعوب في المنطقة والعالم .

والسؤال الذي يطفو على السطح : هل تفلح القيادة الكوردية في أيجاد مساحة من الحيادية بحيث تقف مع الجميع وترضى الجميع دون ان تثير مخاوف اي من الأطراف المتعددة والمتباينة في المصالح والأديولوجيات ؟ إنه حقاً موقف يتسم بالصعوبة والتعقيد .

إن القيادة الكوردية في اقليم كوردستان لا تريد ان تفرط بما حققته لشعبها على ساحة الوطن العراقي من إنجازات على ارض الواقع ، وليس من الحكمة بشئ في ان تفرط القيادة بتلك المنجزات ، وفي الوقت ذاته فإن تطلعاتها القومية وتاريخها النضالي والذي لا زالت بصماته ندية ولم يجف مداده من ذاكرة الأجيال ، وليس من السهل المرور عليها مر الكرام ، لا سميا في ضوء تيارات تعمل على شحن الهموم وتغذي الخطاب القومي الثوري بكثير من الأمنيات والتطلعات .

 وهذه تلقى استجابة كبيرة لدى الشباب الثوري وليس غريباً ان نلقى في جبال قنديل مزيجاً من الثوار الأكراد القادمين من العراق ومن تركيا وايران ومناطق اخرى ، وإن كان الخطاب الرسمي الدولي  يصنف عمليات هؤلاء  بأنها عمليات إرهابية ، لكن نصادف في الضفة الأخرى من ينظر اليها بتعاطف وأعجاب ومن لدن اوساط شعبية كثيرة من الشعب الكوردي  .

ويحدث امامنا في المشهد الجغرافي على الأرض قصف لأراضي عراقية داخل اقليم كوردستان من قبل القوات الإيرانية والتركية ، وفي نفس الرقعة من الأرض في المقابل نشاهد حركة تجارية مزدهرة ومتنامية على نفس تلك الحدود الملتهبة . اما الحكومة العراقية من جانبها تبقى في صمت عما يجري من خرق لحدود الدولة العراقية في تلك المناطق من قبل تركيا وأيران .

 ولو انتقلنا الى المشهد السياسي العراقي وسباقات المارثون لنيل اكبر قطعة من كعكة المناصب في مفاصل الدولة والحكومة التي باتت من الأحلام الصعبة المنال بالنسبة الشعب العراقي المنكوب ، فلا نحتاج الى تمحيص وحشد الأدلة  للمصاعب امام القيادة الكوردية ، ولتجد لها مكاناً مناسباً فيما يجري من مشاورات واتصالات واتفاقات وتحالفات كثير منها يجري وراء الكواليس ، وفي الآونة الآخيرة كان الأتصال الثاني بين علاوي رئيس القائمة العراقية والمالكي رئيس قائمة دولة القانون ، وأن حدث تقارب جدي توفيقي بين الطرفين فلا شك ان الجانب الكوردي سيكون هو الخاسر في تلك المعادلة .

لكن قبل التكهن بأية نتائج لا بد للاشارة الى الموقف الداخلي ، وهو المهم ، داخل ائتلاف الكتل الكوردستانية  نفسها ، وما نعرفه ان جهود الأستاذ مسعود البارزاني قد افلحت في توطيد جبهة داخلية كوردية من اجل التعامل مع بغداد او في برلمان العراق ، ولكن الى اي مدى ستصمد تلك الوحدة فيما أذا كان طرف ما يعمل على دق اسفين في هذه الجبهة والى اي حد يمكن ضمان صمودها .

إن هذا اللوحة ليست سوداء قاتمة بقدر ما هي معقدة وشائكة وتحتاج الى نفس طويل وحنكة ومهارة سياسية للخروج بتلك المعادلة مع الأحتفاظ بكل المكتسبات ، ولكي لا يضيع حق الأقليم في متهاهات الصراع والتنافس من اجل المصالح ، ومن ثم ستجهض تلك التجربة الجميلة لاقليم كوردستان التي نتمنى ان تسود الوطن العراقي برمته وليس أقليم كوردستان لوحده .

ليس هنالك اية شكوك في حنكة ومهارة القيادة السياسية الكوردية ولها تجارب كثيرة فقد خاضت مخاضات صعبة وخرجت منها سالمة ولا شك انها ستعمل للخروج منها اليوم والسؤال هو : الى اي مدى ستفلح قيادة اقليم كوردستان في البقاء على الأستمرارية في نهجها الحيادي المتوازن امام المشهد الجيوبولتيكي المتداخل والمتشابك في هذه المنطقة من العالم ؟

 بقلم : حبيب تومي / اوسلو في 03/ 07 / 10

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *