القوى القومية الكلدانية والمسؤولية التاريخية

منذ ما يزيد على اَلاف السنين والإنسان الكلداني يصنع تاريخه وحضارته العريقة على طول وعرض أرض بلاد ما بين النهرين” العراق ” ، تاركا بصماته وأثاره في كل بقاع المنطقة في الجبال وبطون الارض ومغاور ووديان وضفاف الانهر وبراري. تنوعت هذه الاثار القديمة بالمباني التي تزخر بالرسوم والنقوش بمختلف أنواعها والتي تجسد جوانب من حياة قدماء الكلدان من رعي وزراعة وحصاد وتشريع قوانين وحروب وغيرها من مظاهر وتجليات الحياة اليومية للإنسان الكلداني القديم وكذا معتقداته الدينية والروحية إلى جانب الرسوم والنقوش على الجدران والسقوف . ترك لنا الكلدان القدماء ما يحكي تاريخ الماضي الذي دون على اَلاف من الألواح الطينية وصفحات من جلود الحيوانات، وإذا كانت بعض التنقيبات والحفريات والمصادر التاريخية قد كشفت عن جزء من هذه الكنوز الاثرية والتي اعادت رسم خريطة جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لأجدادنا الكلدان، فإن مناطق عديدة ما زالت في حاجة إلى مزيد من الجهود لاستكشاف ما تبقى من المواقع الاثرية المطمورة تحت الارض لاستكمال ملامح تاريخنا القديم.
رغم تعرض الكلدان كمكون قومي اصيل في العراق للاستغلال والاستلاب والقهر عبر المراحل الزمنية داخل صرح جغرافية الوطن العراقي بدون ادنى شعور وطني أو انساني إلا انهم استطاعوا رغم الظروف غير الطبيعية التي مر ويمر بها بلدنا العزيز العراق نفض الغبار عن قضيتهم للدفاع عنها وإنقاذها من الطمس والفناء والموت البطيء الذي نخر درجة الوعي القومي لدى ابنائها بشكل كبير جدا في القرن الماضي على وجه الخصوص، والذي عرف حراكا كلدانيا لم يشهد له مثيلا في مسيرة حقوق الإنسان الكلداني ابان بداية القرن الواحد والعشرين بعد سقوط الصنم في ساحة الفردوس سنة 2003 ميلادية. وهكذا اضحت الكلدانية قضية حقوقية انسانية وأيدلوجية وفكرية ساهمت في ظهور توجهات متنوعة وتنظيمات كلدانية عديدة نتج عنها تباين الاتجاهات وتنوع في زوايا الرؤية وفي الفهم والمواقف داخل المجتمع الكلداني مما ضاعف من وتيرة النقاشات والحوارات وبناء التصورات في العمل القومي الكلداني، وفي المقابل ادى ذلك إلى نوع من الانقسامات والاختلافات وتشرذم الصوت الكلداني . لعلنا نستطيع القول أن تلك المشكلة جاءت من توجهات وأجندات فكرية معادية للوجود القومي الكلداني مغلفة بتلبيسة دينية بحجة أننا كلنا مسيحيون، هذا الشعار الذي انخدع الشعب الكلداني الصبور والطيب بظاهره المعسول دون أن ينتبه لباطنه المسموم ليصبح مقبولا جماهيريا.
ليس عيبا أن نعترف وفي نقد ذاتي بالواقع الذي نحن عليه، ونحن مع بداية مشروع النهوض القومي الكلداني، نواجه مشكلات مفصلية تتوقف على طريق مواجهتها في اقلاع المشروع أو تعثره، ولا تكمن تلك المشكلة في مصداقية المفاهيم والشعارات والمواصفات والأساليب وحسب، وإنما قبل ذلك وبعده تكمن المشكلة عبر المصداقية الذاتية في النهوض الكلداني من جهة وعبر المصداقية الموضوعية للقوى الكلدانية التي نعتمدها كحامل للمشروع من جهة ثانية، وكذلك عبر التمييّز الواضح بين الانطلاقة الجديدة والمرحلة التي انقضت والتي تمّ خلالها استهلاك وانتهاك المفاهيم القومية الكلدانية، بارتكاب الاخطاء والهفوات بل حتى إلى اصابة قطاع واسع من الجماهير الكلدانية باليأس والإحباط.
حينما اقلب بصري يمينا وشمالا، ارى أننا ” الكلدان ” نملأ الدنيا ضجيجا بالاحتجاج والاستنكار، وهذا حق مشروع ، لكن مطالبنا ما زالت لم تجد السبيل إلى التحقق، ومع ذلك ما زال البعض إلى اليوم يتخندقون في بعض الافكار والشعارات الصدئة التي فقدت بريقها، يجتّرون مصطلحات الخمسينات والستينات من القرن العشرين ويخلطونها بما تولد من مصطلحات جديدة دون أي وعي بالواقع، وعن ممارسات لم ينتج عنها سوى الفشل، وعن تنظيمات تشهد انهيارا في شبكة طرقها الداخلية، تناقضاتها الداخلية اكبر من جسمها السياسي، بتلك المواصفات غير المدهشة، كان من الطبيعي أن تتناقض وتتناقض، وتنهار طرقها الداخلية، وتنهار مع الاخرين . تلك بديهية باتت بفعل عوامل عديدة، ذاتية وموضوعية واصبحت مجرد هياكل عظمية . واحلى قسوة للنفس هي عندما نعاتبها ونلومها ونحاسبها بتقصيرنا، وفشلنا في المعترك السياسي، فنقول أن القضية الكلدانية تمرّ بمرحلة صعبة وخطيرة، وذلك لانه في كل يوم جديد اصبح مشهدا معتادا أن ترى انشطار القوى الكلدانية المتعددة إلى شظايا مضادة، قيادات حزبية ” الأنا ” فيها اكبر من القومية. لتظهر شمس الحقيقة ويضيئ الظلام، مما يمكن اعتباره بمثابة فضح سياسي حقيقي.
أن الشيء الفريد من نوعه عندما تتعرض الكلدانية لخطر داهم يهدد وجودها، تفرز من بين ابنائها الزبد إلى السطح الذي يلمع تحت ألضوء وتنشط خلاياها من الجذور لتقوم بدور المضادات الحيوية الدفاعية التي تحفظ للكلدانية كيانها وتقلب المعادلة لصالح الكلدان في نهاية ألمطاف، وهذا ما ادى بوضوح إلى ظهور التجمع الوطني الكلداني ذات تطلعات سياسية جديدة لتحقيق طموحات الشعب الكلداني . والطموح الى ازالة هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الكلدانية . ورغم ذلك كله، فانه اذا اردنا النهوض بالشعب الكلداني والخروج من المأزق هو التصدي للمشكلات والكف عن الهروب منها إلى التبرير وإلقاء المسؤولية على الاخرين ومؤامراتهم.. وهل يخطر على بال احد أن تكفّ القوى المعادية عن استهداف الكلدانية!!؟؟ ولأخذ الخطوة الاولى والمبادرة تكون بالمراجعة الجّدية لكل ما جرى، ثم الانتقال لقراءة الواقع الكلداني الموضوعي كما هو الان وما هي الوسائل والبرامج والسبل، ثم وضع تجارب السنوات الماضية على طاولة الحوار، وما العبر المستخلصة التي يمكن الاستفادة منها؟ اين كانت محطات القوى التي يجب أن نركز عليها وندعمها؟ وأين كانت السلبيات والهفوات السابقة لتلافيها؟ والى متى يظل الصوت الكلداني على الساحة السياسية الوطنية غير مسموع دون ما يطمح اليه الشعب الكلداني من فعالية وحسم؟ لتظل مسألة التنظيم في معناها الشامل ضرورة ملحة وأكثر من أي وقت مضى، حتى يستطيع الكلدان لم شملهم الفكري والأيديولوجي بعيدا عن كل الحسابات الضيقة التي تضيع بها حقوق الكلدان. التنظيم الفتي السياسي العصري يستطيع اقناع الفرد الكلداني في ربوع الوطن وفي بلاد المهجر بنبل اهدافه السامية وحقيقة سعيه في بلوغها بكل امانة بعيداَ عن التعصب، تنظيم كتنظيم التجمع الوطني الكلداني استطاع محاورة دوائر صنع القرار من اجل رفع التهميش والإقصاء بحق المكون الكلداني والتأكيد على ما ورد في المادة 125من الدستور العراقي الدائم، التي تتضمن الحقوق الادارية والسياسية والثقافية للتركمان والكلدان والاشوريين وسائر المكونات الاخرى. وبالتأكيد هناك امور اخرى غير معلنة لتحقيق ما يصبو اليه الكلدان ونيل حقوقهم .
wadizora@yahoo.com
25 اَذار 2012

You may also like...