القوقعة السورية.. فظاعات سجن “مسيحي إخواني”

المواجهات مع الإخوان كانت الفترة الأكثر دموية بتاريخ سوريا الحديث

المواجهات مع الإخوان كانت الفترة الأكثر دموية بتاريخ سوريا الحديث

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) —

لطالما احتل “أدب السجون” حيزاً كبيراً في المكتبة الروائية العربية، التي

عندما سعت لرسم صورة واقع المنطقة اصطدمت بأنظمة بوليسية حكمت

لعقود بقبضة فولاذية.


ولعل الرواية السورية “القوقعة”، للكاتب مصطفى خليفة، من بين الأبرز

ضمن هذا الإطار، إذ أنها تشير إلى الفترة الدموية التي عاشتها سوريا في

ثمانينيات القرن الماضي، وإلى التوق المتواصل للحرية، الذي يتكرر اليوم.

الرواية تبدأ مع عودة شاب سوري بعد سنوات دراسة قضاها في فرنسا إلى

دمشق، ليقبض عليه عناصر الأمن ويودعونه السجن، في الفترة التي كانت

فيها المعتقلات مزدحمة بآلاف المساجين من عناصر تنظيم الإخوان

المسلمين، الذي كان في ذلك الوقت يخوض مواجهات دامية مع الأمن

السوري.

وبمجرد دخوله إلى المعتقل تبدأ جلسات الضرب والتعذيب الوحشي لبطل

الرواية الذي يمضي على تلك الحالة 13 سنة، معظمها في سجن تدمر

الصحراوي، حيث يشاهد التعذيب اليومي والفظائع التي يتعرض لها

السجناء، وعمليات الاغتصاب والتنكيل والتجويع الذي يستمر لأشهر أحياناً،

وسعي السجان لإذلال النفس البشرية عند كل مناسبة.

وهكذا، يكون بطل الرواية – التي حظيت بالكثير من الاهتمام بعد صدورها –

شاهداً على أحداث مأساوية في المعتقل، بينها انتشار الأوبئة التي كانت

تحصد العشرات، ولحظات إنسانية مؤثرة، كاضطرار رجل عجوز للاختيار

بين أولاده الذين سيعدمون، قبل أن يفجع بإعدامهم كلهم.

وحتى هذه المرحلة، فإن الراوية تشبه العديد من روايات أدب السجون،

ولكن الفارق الأساسي فيها أن البطل لم يكن يحاول أن يثبت – لفترات طويلة

– أنه لم يتجاوز القانون بشكل يبرر سجنه وتعذيبه فحسب، بل كان يسعى

لكشف وجود خطأ مؤكد في النظر إليه على أنه من الإخوان المسلمين،

لسبب بسيط، هو أنه مسيحي.


ومع العزلة التي يعيشها من السجانين الذين لا يوفرون فرصة لتعذيبه

وإهانته، والعزلة الجديدة التي تنشأ حوله من قبل رفاقه في الزنزانة بعد

اكتشاف أنه مسيحي، واحتمال أن يكون “جاسوساً،” تتشكل تفاصيل المحنة

الإضافية التي عاشها بطل الرواية، والتي تدفعه فعلاً للعيش في “قوقعة،” لم

يخرجه منها إلا ثقب صغير في الحائط كان “يتلصص” منه لرؤية الفظاعات

في ساحة السجن.

ويصر مصطفى خليفة، في اتصال أجراه معه موقع CNN بالعربية على أنه

ليس هو بطل الرواية الحقيقي – وإن كان يعرفه بشكل وثيق – رغم كل ما

قيل عن ذلك في السابق، ويقول إنه خطأ نشأ بسبب تشابه ظروفه مع

ظروف البطل، لأن الكاتب أمضى بدوره سنين طوال خلف القضبان.

ويؤكد خليفة أن كافة تفاصيل الرواية حقيقية وموثقة، ويقول إنه لم يقم

بإجراء أي تحوير في الأحداث، إلا في مواقع محدودة خلال مسيرة سجن بطل

الرواية، الذي لم يخرج إلى الحرية إلا بعد نجاح أحد أخواله في الوصول

لمنصب وزير.

ويخرج البطل من السجن وهو شبه محطم، ويلتقي ببعض السجناء السابقين

الذين كانوا يسعون إما للانتحار أو السفر خارج البلاد، وتنتهي الرواية في

أجواء مظلمة يشير فيها الكاتب إلى يأسه الضمني من تفاقم الاستهانة

بالإنسان والحريات في بلاده.

وعن الرابط بين المشهد الأخير في الرواية والواقع السوري اليوم، مع

المظاهرات الحاشدة التي تخرج في المدن السورية يومياً مطالبة بالحرية

والتغيير الديمقراطي، قال خليفة: “حتى قبل 15 مارس/آذار 2011 كان

الوضع في سوريا كما هو في روايتي، بل أسوأ، ولكن منذ ذلك الحين يمكن

القول إن هناك ضوءاً صغيراً بدأ يظهر في آخر النفق، وهو الأمل في الناس

الذين ما يزالون في سوريا ويسعون لأن تكون بلدهم جميلة، وأن يتمكنوا

من عيش حياة حقيقية.”

وأعرب خليفة عن ثقته بتحركات الشباب في بلاده، قائلاً: “كنت دائماً أقول

إن الجيل الحالي أفضل من جيلنا، فرغم أنه أقل رومانسية، إلا أنه عملي،

وأتيحت له وسائل وإمكانيات ومصادر للمعرفة لم تكن متاحة سابقا.”

ولم يستبعد خليفة مواجهة الشباب لمصاعب في حركتهم، ولكنه اعتبر أن

الأمر طبيعي، وقال: “أنا مؤمن بهذا الجيل، الناس ليسوا ملائكة، سيكون

لهم مسيرتهم، وقد تكون فيها بعض الأخطاء، ولكنه القدر، والأخطاء لا بد

منها للتعلم.”

ورأى خليفة أن لدى المعتقلين السابقين نظرة خاصة لما يجري في سوريا،

وأضاف: “من يعتقل لفترات طويلة مثلنا تتغير نظرته للناس والحياة، ولا

يمكن أن يفهمه أحد بشكل صحيح إلا من عاش مثله هذه التجربة المروعة.”

ووجه خليفة رسالة للسوريين الموجودين في الشوارع اليوم، قائلاً: “أقول

للشباب السوري ما تفعلونه اليوم هو الشيء الوحيد الصحيح، ويجب ألا

يدخل الخوف إلى قلوبكم مثل ما دخل إلى قلوبنا، ولو أننا كنا أشجع في

الماضي لما وصلتم أنتم إلى هذه الحالة السيئة وهذه المآسي والآلام.. عليكم

مواصلة الطريق وعدم التراجع أبدأ.”

يشار إلى أن المنظمات الحقوقية الدولية تصدر على الدوام تقارير حول سوء

الأوضاع في السجون السورية، وتشير إلى وجود عشرات آلاف سجناء

الرأي والمفقودين منذ بداية حكم حزب البعث قبل نصف قرن، ولكن دمشق

تنفي ذلك.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *