العراقيون أباة الضيم ، ولن يسكتوا طويلاً على الظلم / بقلم : نزار حيدر

 

 

   دعا نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، زعماء الكتل السياسية الى ان يكون الانسان (المواطن) محور حركتهم السياسية ومشروعهم الحكومي، بدلا عن المحاور الذاتية، الانانية، والصراع على السلطة وتحقيق الاهداف الحزبية الضيقة.

   واضاف نـــــزار حيدر، الذي كان يتحدث في الحفل التابيني الذي اقامته ليلة امس الجالية العراقية في العاصمة الاميركية واشنطن، في مركز الامام علي (ع):

   لقد كان الانسان هو محور حركة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، ولذلك كان مشروعه الجهادي ضد الاستبداد والديكتاتورية، مشروعا وطنيا لم يميز فيه بين العراقيين لا على اساس ديني ولا على اساس مذهبي او اثني او مناطقي او اي اساس آخر.

   ولقد سعى الشهيد الذي عاصر ثلاث مراحل من تاريخ جهاد وتضحيات الشعب العراقي والتي يمكن ان نقسمها، بفترة ما قبل الديكتاتورية وفترة الديكتاتورية والثالثة هي فترة ما بعد الديكتاتورية، مرحلة التغيير وسقوط الصنم، سعى خلال كل هذه الفترات الى ان يكون حاضرا في الساحة من اجل نصرة قضايا العراقيين من دون تمييز، فلقد اصر على ان يكون حاضرا، حيا او ميتا، فجاءت شهادته لتسجل له حضورا دائما ومستمرا في قلوب ومشاعر وحياة العراقيين شاهدناها ولمسناها في هذا العام، كما في الاعوام السابقة، في مجالس التابين التي شهدها العراق والعالم.

   كما انه سعى الى تثبيت اركان مشروعه الجهادي الذي يتمحور حول الانسان، المواطن، من خلال اهتمامه بمأسسة العمل، ان على الصعيد الاجتماعي او السياسي او الحقوقي او المعلوماتي، فشيد (مؤسسة الشهيد الصدر) للاهتمام بالقضايا الاجتماعية للعراقيين، خاصة ضعاف الحال اقتصاديا وماديا، واسس (المركز الوثائقي لحقوق الانسان) الذي وثق جرائم النظام البائد وضحاياه، ومنها جريمته في الاهوار، واسس (بنك المعلومات) الذي اشرف عليه الدكتور عادل عبد المهدي وحجة الاسلام المجاهد السيد محمد الحيدري، والذي يعد اليوم احد ابرز المراجع في المعلومة والتوثيق لكل الدارسين والمهتمين بقضايا العراق، كما انه شيد عددا من المؤسسات التي اهتمت بالجانب الحقوقي للقضية العراقية في عهد النظام البائد، اذ نجحت هذه المؤسسات، والتي تقف على راسها تلك التي كان يديرها الشهيد السيد علي العضاض في جنيف، في ايصال مظلومية العراقيين الى الراي العام العالمي من خلال الحضور الفعال في المحافل الدولية الحقوقية، وعلى راسها هيئة الامم المتحدة.

   ولو امهل القدر الشهيد الحكيم ليبقى مدة زمنية اطول بعد التغيير، لاخذ على السياسيين اليوم غياب الانسان، المواطن، في مشروعهم السياسي، فان ما يؤسف له حقا هو ان هؤلاء انشغلوا بامتيازاتهم ومصالحهم الذاتية واهدافهم الحزبية الضيقة فاضاعوا مصالح المواطنين الذين يعانون اليوم الاميرين بسبب غياب الكثير من القضايا التي تدخل في صلب كرامة الانسان، فماذا يعني ان يعاني العراقيون من غياب الطاقة الكهربائية في شدة حر الصيف التي وصلت في بعض محافظات العراق الى (52) درجة مئوية كما هو الحال في البصرة مثلا؟ واين ثمار الـ (15) مليار دولار التي صرفتها وزارة الكهرباء خلال السنوات القليلة الماضية على مشاريع الطاقة التي وعدت بها العراقيين؟.

   واتساءل، لو قطعت (الحكومة) الطاقة الكهربائية على منزل السيد الوزير، وبقية المسؤولين، ليشعر بحرارة الصيف، هذا اذا كانت عائلة سيادته تعيش في العراق، هل كان سيتعامل بدم بارد مع معاناة العراقيين الذين يعيشون في وسط لهيب الحر القائض كما يفعل اليوم؟.

   واقول بصراحة، فان شعبا بلا كهرباء، هو شعب بلا كرامة، لان الكهرباء اليوم هي عماد الحياة، فعندما تغيب الكهرباء عن بلد ما تغيب معها الزراعة والصناعة والتعليم والاخلاق والتفوق والابداع وكل شئ، وتتوقف الحياة، ولذلك فانا اجزم بان الحكومة العراقية اليوم تتعمد سحق كرامة المواطن العراقي بتماهلها في حل مشكلة الكهرباء.

   تصوروا ان الامتحانات الوزارية للمرحلة النهائية للسادس الاعدادي، البكالوريا، ستبدا في الثالث من شهر تموز القادم، اي في لب الحر القائض مع انقطاع التيار الكهربائي، فاي جهل وتخلف هذا الذي يدفع بوزارة التربية وغيرها من الوزارات المعنية لاجراء الامتحانات بمثل هذا التوقيت؟ ثم ينتظرون من الطالب العراقي ان يتفوق وينجح ويبدع؟ اي منطق هذا الذي يديرون فيه البلد؟ واي منطق هذا الذي يردون فيه بعض الوفاء للمواطن العراقي الذي ضحى بكل غال ونفيس من اجل ان يصل هؤلاء وامثالهم الى السلطة؟.

   تصوروا، ان مدير التربية (الشهم) في احدى المحافظات اصدر قرارا يقضي بجمع الكراسي الفارغة من قاعات الامتحانات حتى لا تجلس عليها المراقبات، وبينهن حوامل لا يطقن الوقوف ساعات طويلة يراقبن الطالبات، خاصة وان بعض القاعات الامتحانية تم تنظيمها في الساحات العامة للمدارس، تحت اشعة الشمس الحارقة، مع غياب تام لنسمة الهواء، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، اي ان على المراقبة ان تقضي الوقت وقوفا تحت اشعة الشمس الحارقة والكهرباء مقطوعة، فاي تعامل انساني هذا؟ واي مرجلة هذه التي يبيعها السيد المدير العام على الجنس اللطيف والضعيف؟ واتساءل، لو كانت زوجته او ابنته او اخته او حتى زوجة ابنه او صديقه هي المراقبة في مثل هذه القاعات، فهل كان سيصدر مثل هذا القرار القرقوشي؟ ام انه كان سيبعث لها مولدة الكهرباء مع عرش مرصع من مكتبه الخاص؟.

   ايها المسؤولون، اتقوا الله في العراقيين، والا….فان اجل الله آت، وهو الذي يمهل ولا يهمل، وما مصير الطاغية الذليل صدام حسين ببعيد عنكم، وان {يوم المظلوم على الظالم، اشد من يوم الظالم على المظلوم} فاعتبروا يا اولي الالباب.

   انني احذر السياسيين، وبشدة، من مغبة التمادي مع هذا المنطق الاعوج، منطق النزاع السياسي الذي اضاع كرامة المواطن، او كاد، في ظل غياب مؤسسات الدولة كنتيجة للانتخابات التشريعية الاخيرة، وفي ظل غياب الامن الذي عاد يهدد حياة المواطن، وفي ظل غياب الخدمات الاجتماعية والحياتية وغياب البطاقة التموينية، وتنامي ظاهرة الفقر والمحرومية، فان ما شهدته محافظة البصرة الفيحاء يوم امس قد يكون الشرارة التي ستشعل فتيل ثورة شعبية عارمة تسقط عروش السياسيين بعد ان اتضح للعراقيين بانهم ليسوا اهلا لتحمل المسؤولية وانهم ليسوا اهلا للثقة.

   ان منطقهم اعوج ودليلهم افلج وردهم اهوج، فاذا سكت المواطن على حقه المضيع، وصفوه بالطيب الصالح الذي يسير الى جانب الحائط ويقول، يا رب السترة، الحال الذي يتمنونه من المواطن دائما، حتى لا يسبب لهم صداعا، واذا احتج او اعترض او تظاهر مطالبا بحقه الطبيعي في الحياة الحرة الكريمة، اتهموه بالخروج عن القانون وان قوى اقليمية ودولية، وربما سكان من الكواكب الاخرى، تحركه ضد الحكومة، ثم يزيدون الامر تعقيدا عندما يصوبون رصاصهم الحي الى صدور الاطفال المتظاهرين المحتجين من الذين راعهم ان يرون الشيخ الكبير يموت من الحر والطفل الصغير يختنق من الحر، فمالكم كيف تحكمون؟.

   يا زعماء الكتل السياسية، ويا زعماء الكتل النيابية، اين غيرتكم الوطنية؟ واين غيرتكم الانسانية؟ واين شعاراتكم؟ واين لافتاتكم الانتخابية؟ واين وعودكم؟ اليس فيكم رجل رشيد ينقذ البلاد من ورطتها قبل ان تعم التظاهرات كل العراق فتقلب الطاولة عليكم جميعا، وعندها {ولات حين مندم}؟.

   لقد حذرت من الطوفان قبل ثلاث سنوات، واخشى ان يكون الوقت قد حان حينه اليوم.

   واقولها واكررها بصراحة، فان العراقيين اباة الضيم، لن يسكتوا طويلا على هذا الظلم الواقع عليهم، فيما ينعم (الزعماء) و (القادة) بالنعيم والرفاهية في قصور الطاغوت امام مكيفات الهواء البارد التي لم ينقطع عنها الكهرباء لحظة واحدة.

   لن يسكت العراقيون على حقوقهم، ولن يصنعوا طاغوتا بعد اليوم، ولن يكونوا شياطين خرساء بسكوتهم عن الحق.

   تذكروا الفقراء والمساكين والمحرومين الذين يتضورون الما من حر الصيف، فلتعيشوا بعض معاناتهم لتبحثوا لهم عن الحلول المناسبة والعاجلة، فردود الفعل المتسرعة من جانب الحكومة لا تنفع كثيرا، وان تطييب الخواطر بقرارات متعجلة لا تغني المواطن ولا تسمنه من جوع، وان الشعارات واللافتات البراقة لا تحل مشكلة الكهرباء، التي بحاجة الى قرارات عملية تبدا اولا من رفع السيد رئيس الوزراء يده عن الوزراء الفاشلين واستبدالهم بآخرين يمكنهم ان ينجحوا في حل المشكلة، فالى متى يظل (القادة) يدافعون عن الفاشلين؟ والى متى يتسترون على اللصوص؟ والى متى يحمون المختلسين؟ والى متى المخادعة والتضليل الذي لم يعد ينطلي على احد؟. 

   20 حزيران 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *