الراحل يونس أودو مسافر زادُه الصبر والآمال

   

habeebtomi@yahoo.no 

 

نودع اليوم صديقاً عزيزاً هو يونس اودو الذي استطاع ان يكسب احترام ومحبة من تعامل معه وعرفه ، لقد كانت قلوب اصدقائه تهتدي ببوصلة وجدانهم ، فيرون فيه الشفافية في دوخله ولتبدو جلية واضحة تلك الأعماق على ما فيها من النقاء والجمال والصدقية والمحبة .

أكتب عنك صديقي يونس اودو والكلمات جامحة تستبق قلمي لتتحدث عن ورعك وعن نبلك وعن خصالك في ان تكون قنوعاً ومتفائلاً ، إنك كنت دائماً ترى الجزء المملوء من القدح ، وهذه الخصال كانت  مناراً لشخصيتك امام تجملك بالصبر الجميل في نهر الحياة .

نعم كانت الأبتسامة مرافقة لشخصيتك ،والتي لا تفارق ثغرك حتى في اصعب المحن . كما كان حرصك ووفائك لأبقاء اواصر المحبة والصداقة مع الجميع ،  مع البقاء دائماً وفياً مثابراً للوقوف مع عائلتك الكريمة ، إذ كنت تسهر وتعمل وتكد من اجل ان يسمو اولادك كامران وغسان ومروان وابنتك كارولين بين اقرانهم وأن يتفوقوا في دراستهم لنيل الشهادات الجامعية ، وليتسموا بأسمى الأخلاق في المجتمع .  

إن ما يثير الدهشة والإعجاب هو رحيل يونس اودو المفاجئ ، إنه يرحل وكأنه يقول : لا اريد ان اكلفكم معاناة مرضي او تحمل ثقل مطالبي  ، فلم يتمرض ولم يحمّل غيره ، ومن اعز الناس اليه ، ان يطلب العون ، إنه رحل من بيننا كالطائر الحزين يغادر ويترك احبائه وأصدقائه وعشه الدافئ ليسمو بعيداً محلقاً في الأعالي . في اشد لحظات مرضه كانت المسافة الزمنية بين طلب شريكة حياته ، الزوجة الوفية جميلة عيسى وبين تسليمه الروح والأمانه الى ربه لا تتعدى سوى دقائق معدودات ، إنك يا يونس اودو حتى في تلك اللحظة قنوعاً وكريماً ومضحياً ، فرحلت بهدوء .

 إنه شئ جميل ان نتعلم من يونس اودو ، لقد علم طلابه التربية الأخلاقية قبل التربية االرياضية وهكذا كان محل احترامهم وصداقتهم فكانت الوشائج معه كإنسان محب للحياة وكصديق اكثر من علاقاته الدراسية ، وإضافة الى طلابه كان صديقاً لمجايليه من المدرسين والأدياريين .

 إن الراحل يونس اودو رغم انه لم يكتب شيئاً نقرأوه ، لكنه لم يغادرنا دون ان يترك بصمات واضحة فضرب امثلة في سلوكه وعلاقاته ومن خلال احاديثه ومناقشاته وحججه .

قد يكون من الواقعية بمكان لاصف يونس اودو بالتصوف والتزهد ، ومن سماته التي يؤيد هذه الرؤية هي مصداقيته مهما كانت النتائج فهو لا يخالف القوانين ، وهو راض بما يمنح له دون ان يطلب المزيد ، ودون ان يأخذ شيئاً ليس من استحقاقه ، وهو يحاول ان يكيف حياته ويتأقلم مع محيطه ومع إمكانياته مهما كانت متواضعة .

 في بغداد عمل في شتى المهن وهو مدرس ثانوي ، فالعمل هو شرف ، وإن القيام بمهمة معيشة العائلة هي من صلب واجبات الوالد ، وكان يونس اودو يطبق الليل مع النهار في ظروف الحصار حينما كان راتب الموظف يعادل اربعة او خمسة دولارات ، ولهذا كافح وعمل الساعات بعد دوامه لكي يضمن استمرارية اولاده في دراستهم فمستقبل اولاده لا يمكن التهاون بشأنه ، فراحته لا تساوي شيئاً امام المسؤولية الأبوية التي كان يقدسها .

حينما هاجر وشد الرحال في النرويج ، أسكن في مدينة صغيرة نائية يلفها الصقيع معظم فصول السنة ، ومع ذلك لم يتذمر او يتشكى كغيره ، فكان قانعاً بمصيره فكيّف نفسه وتأقلم مع جوها واستطاع ان يقيم جسور الصداقة مع مختلف الشرائح من النرويجيين والأجانب في هذه المدينة ، وهو لا يتقاعس في تقديم اية خدمة لاي اجنبي لاسيما من ابناء وطنه العراق وهكذا برع كصديقاً حميماً للجميع ، وحينما كنا نحثة الى ترك المدينة والأنتقال الى اوسلو ، يجاملنا ويقنعنا بأن الحياة في هذا الصقيع ليست موحشة ما دامت هنالك علاقات صداقة دافئة .

إن نظرة التفاؤل التي تميز بها هذا الأنسان هي قمينة بأن تعلمنا درساً بليغاً ، إن كان محل إقامته بعيداً وبارداً ، فيورد مثال العوائل الذين نقلوا الى مناطق ابعد وأبرد من مدينته . ، وإن كان سكنه بنظر البعض بأنه متواضعاً ، لكن بنظره بأن هذا المسكن هو افضل من العيش في معسكرات اللاجئين ، وهو يحمد الله ان اولاده قد اتيحت لهم سبل الدراسة وفرص العمل . نعم اقول دون تردد : إن يونس اودو كان الأنسان الممتلئ بخصال القناعة والتصوف والتزهد .

كان الوطن العراقي المرفأ الذي تستقر عليه احلامه ، وفي نقطة صغيرة من هذا الوطن كانت مدينته القوش تدغدغ وجدانه ، وهو يحدث زوجته وشريكة حياته جميلة ، وبعد ان اطمأن على مستقبل اولاده ، ان تكون القوش المرفأ الأخير لمركبه ، وأن يعود الى عشه كالطير المهاجر الذي يقطع البحار والبراري ومن ثم يعود الى عشه وموطن اجداده .

الراحل يونس اودو أراد ان يكحل عيونه بمنظر مدينته وأن يشتم من عبق التاريخ في دروبها وجبلها ووديانها وبيادرها وأهلها ..  كيف لا  وفي ترابها رفات اجداده ، الذين كان لهم تاريخ مشرق في هذه المدينة التاريخية ولعل البطريرك يوسف اودو الذي كان نجماً مشرقاً في إرساء دعائم الكنيسة الكلدانيـــة وفي إبقاء واستمرارية اللغة الكلدانية ، والطقس الكلداني والتراث الكلداني ، ولعل تسمية احدى محلات القوش باسم محلة اودو يدل على عراقة هذه العائلة وفي حبها وإخلاصها لألقوش الكلدانيــة .

 حبيب تومي / اوسلو في 02 / 06 / 10

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *