الدِين والسياسة والفصل بينهما

  غالباً مايجري الحديث والنقاش حول السياسة وعلاقاتها بالدين وبالعكس وهل يجوز رجال الدين أن يتدخلوا بالسياسة ؟ أوالسياسين يتدخلوا بالشؤون الدينية؟ وهل الفصل بينهما  يخدم أبناء الشعب الواحد المتعدد المذاهب والأديان؟؟؟؟ سأوضح هذه التساؤلات وساُسلط الضوء على هذين المصطلحين .ودورهما في مجتمعاتنا الشرقية.

قبل أن نبدأ في تعريف مفهوم السياسة والدين  والربط بينهما. علينا أن نُعرف السياسة أو كما تم تعريفها :- اشتقت كلمة سياسة من كلمة ” ساس“ الأمر أي قام بالأمر و بالتالي تعني كلمة سياسة القيام بأمر من أمور الناس بما يصلحه.  والأمر هو الحكم أو الرئاسة. و تعني تدبير شؤون الدولة.

والتعريف الآخر للسياسة:- هى العلاقة بين الحكام والمحكومين وهي الدولة وكل مايتعلق بها من شؤون مختلفة.وهي السلطة الكبرى في المجتمعات الأنسانية وكل ماتعلق بظاهرة السلطة.

اما الدين فيتم تعريفه من ثلاث وجهات وهي:-

تعريف حسب المنظور الديني(رجال الدين): ينطلق هذا التعريف من الإيمان واليقين نفسه، حيثُ يرى هؤلاء أنَّ الدين وعي عميق وإدراك لوجود الإله والإيمان به، ويشمل اليقين المطلق بأن الكون والعالم والوجود كله قد وُجِد عن طريق قوة فوق طبيعية هي الخالق أو الإله يعُدّونها مظاهر ناتجة عنه وليست أساسًا له..

 تعريف علماء الاجتماع: ينظر هؤلاء إلى الدين على أنَّه مجموعة عادات وقيم ومثُل وخبرات تخضع لمراحل تطورية في منظومة ثقافية اجتماعية، فالدين في بدايته كان لصيقًا بالعادات الجتماعية لكل مجتمع ولا يمكن التفريق بينه وبينها، ومعَ مرور الزمن يتطوَّر ليغدو بعدًا روحيًّا مستقلًا ينتهجه الناس في حياتهم، وذلك حسب وجهة نظرهم

 أقوال اُخرى: يوجد بعض الأقوال التي تشيرُ إلى أنَّ مفهوم الدين هو نتيجة لخوف البشر من الطبيعة والمجهول وعجزهم لعدم قدرتهم على السيطرة على مصيرهم، ويستندون في ذلك إلى أن الإنسان القديم عبد النار في البداية ثم النجوم والريح فيما بعد، لكنه بعد أن استطاع السيطرة على هذه الظواهر تركها وتوجه إلى مظاهر طبيعية أكبر كان يبدو عاجزًا أمامها في تلك الأزمان، فالدين كما يقول الفيلسوف الألماني فريدريك شلايرماخر: الشعور بالعجز المطلق.

في الحقيقة بعد أن عرفنا وأعطينا مفهوم السياسة ومفهوم الدين. نأتي هنا لنرى ماهي العلاقة بين الدين والسياسة وهل من الممكن أن يكون أحدهم مُكملاً للاخر أو داعماً له؟.

أن العلاقة بين الدين والسياسة علاقة غير مستقرة ومثيرة للجدل وتختلف قوة هذه العلاقة ونوعيتها .بأختلاف طبيعة وثقافة  ووعي هذه الشعوب. . فيمكن تقسيمها الى ثلاثة أنواع:-

علاقة  ود.   فنرى هذه العلاقة يسودها الود والتصالح والهدف منها الى تحقيق مصالح الشعب ورفاهيتهم وسعادتهم. وبنفس الوقت يكون لرجال الدين مقامهم وحكمهم(كسلطة دينية) وكذلك رجال الدولة السياسين تكون لهم زمام  السلطة الدنيوية ويتم المشاركة بين الطرفين كلاً ضمن اختصاصهِ . وعادة ماتنجح هذه العلاقة عندما تكون الجهتين لها نفوذ قوي على الشعب وخصوصا قوة الدولة وقوة الحاكم. ولاتدوم طويلاً بسبب التغيرات السياسية والفكرية للحكام.

علاقة  طمع وأستغلال   وقد تكون من قبل رجال السياسة للدين ، من أجل تحقيق مصالحهم وأطماعهم. الشخصية . حيث يتم تسخير رجال الدين كما يريد هؤلاء السياسيين للبقاء في السلطة والتحكم بالمال. وقد يكون العكس صحيح حيث يحاول رجال الدين التدخل بالسياسة  واستغلال رجال السياسة من اجل مطامع وأهداف شخصية . وهذه الحالة موجودة في الحكومات الضعيفة ورجال الدين الأنتهازيين.

علاقة أختلاف وتعارض. وهنا قد تكون الكفتين متكافئتين في القوة والهيمنة بين رجال الدين والدولة . ويحاول كل طرف فرض سيطرتهِ على مقدرات الشعب والتجكم بهِ ،لذلك يحدث التصادم والمعارضة وتصل الى حد الأبعاد والعزل لرجال الدين من قبل السياسيين او أثارة الفتن والقلاقل بين ابناء الشعب للتمرد والعصيان على الدولة من قبل رجال الدين .

الفصل بين الدين والدولة

  تدخُل الدين بالسياسة أو الدولة ،إذا صح التعبير  هذه الحالة في المجتمعات الغربية  تكاد تكون معدومة أو ضئيلة نسبياً في العقود الأخيرة من الزمن .خصوصاً بعدما عانت هذه الدول من الويلات منذ عقود مضتْ، بسبب تدخل الدين في شؤون الدولة مما أدت الى أقتتال وحروب ومذابح بسبب تعدد المذاهب وأختلاف الرؤى والأفكار وهيمنة رجال الدين وابتعادهم عن رسالتهم الروحية وأنغماسهم في الأطماع الدنيوية الزائلة.وبالتالي كان القرار.الى لجوء هذه المجتمعات والدول الى فصل الدين عن السياسة(الدولة). ولكن في مجتمعاتنا الشرقية  لازال تأثير الدين على سياسة  هذه الدول واضح . ويتم صياغة دساتتيرها على أساس الدين أو المذهب للفئة ذات الأغلبية العُظمى. . وهذا مايخلق أحيانا الأضطرابات وعدم الأستقرار خصوصا في الدول التي تختلط شعوبها وتختلف أديانها ومذاهبها ومعتقداتها . وتكون هذه الدول فريسة سهلة في أية وقت ، لسياسات الدول الكبرى والقوية  لأثارة الفتن الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد وأحيانا الدين الواحد  (مختلفي المذهب)..

 أنا أقول ….(( أن الشعوب الشرقية تسير خلف رجال الدين معتبرة إياهُم أولى بتطبيق الشرع والدين وتسيير ألأمور الدنيوية للشعب ويعتبرونهم ممثلي الله على الأرض  ويجب إطاعتهم إطاعة عمياء. وقد يكون هذا التحليل  ممكنا من قبل البعض ولكن هل رجال الدين يطبقون فعلا  شريعة الله كما فعل انبيائه. . وقادوا شعوبهم للخلاص من الخطيئة وزرعوا السلام بين شعوبهم)) . وهناك مقولة للفيلسوف الألماني إمانوئيل كانط إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر ،  رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن ،  ورجل الإقتصاد يقول لا تفكر بل إدفع ، ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ،  ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك. إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف..

 التجارب التي مرت بها المجتمعات الغربية اثبتت فشل  هذه النظرية(خلط السياسة والدين) وكانت نقطة التحول أمام هذه الدول عندما أخذت قرار فصل الدين عن الدولة. وخطت فعلا هذه الدول خطوات كبيرة وأنهت حالة الأقتتال والفقر والأستغلال ووصلت الى ماوصلت اليه اليوم وبنفس الوقت هي لم تتخلى عن دينها أو مذهبها، بل اعطت أيضا كل الحقوق لرجال الدين ولبناء دور العبادة. والمدارس ووضعت دستور مدني يعيش تحت حكمهِ وقوانينهِ الجميع بأختلاف أديانهم ومذاهبهم وعروقهم تحت طائل هذا الدستور ،الذي يطبق على الجميع. لذلك نرى أن هذه الدول تفرغت الى الأعمار والتطور في كل مجالات الحياةو خطت خطوات كبيرة في مجال حقوق الأنسان وتوفير كل وسائل العيش الكريم لشعوبها وفي مجالات التكنلوجيا وكل العلوم الأخرى وهذا عكس مايحصل في أغلب البلدان الشرقية .التي لازالت تمر في نفس مامَرت به أووربا قبل قرن من الزمان .برغم كل الثروات والطاقات البشرية التي تمتلكها هذه الشعوب.  هنا ربما سائل يسأل متى ستستفيق هذه الشعوب وهذه الدول ويتم تطبيق حكم النظام المدني في دساتيرها الذي يساوي بين أبناء الشعب الواحد؟ . ومتى يتم ترك امور السياسة لرجال السياسة والشؤون الدينية لرجال الدين؟ .هل ستستفيق هذهِ الشعوب من سُباتِها وتلتحق بمسيرة الدول التي سبقتها بقرن من الزمان . بعد ما عانت من ويلات الأقتتال الطائفي والمذهبي الذي مر وتمر به الكثير من الشعوب العربية الى اليوم . أم لازالت هذه الدول والشعوب تعتبر الدول الغربية بلاد الكفر والفسق . وكل يوم الآف منهم يلتجؤون اليها لطلب اللجوء والعيش بكرامتهم .التي لم يحصلوا عليها بأوطانهِم.

ملاحظة المقال سينشر في مجلة بابلون /أستراليا/ باب ..كلمة نائب رئيس التحرير

هيثم ملوكا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *