الديمقراطية والحضارة الكلدانية

يركز الانسان على روح الديمقراطية التي ابرزته الضرورة البشرية ، ووضعت اساس علاقة الانسان بالانسان من احترام وعدم التعدي ، وهي تعتبر اصل وروح كل قانون ظهر في العالم ليقيم علاقات الانسان بالناس . الديمقراطية والمساواة تطلبان الوداعة والتواضع لتعطيان قدرة الوجود الى الحياة ليحملا للانسان سمو العلاقات لبناء الوطن على اسس متينة وواعية . فالعراق يحتاج الى الاستقرار والامن والسلام وتلاحم القوى السياسية في اطار الوحدة الوطنية العراقية ، ويحتاج العراق الى الانتقال الى الدولة العلمانية ونبذ الطائفية للوصول الى الديمقراطية عبر الطرق السلمية والتفاهم . ان العراق لاقى ولا زال يلاقي الصعوبات الكثيرة للتحول الى المسار الديمقراطي ولكن دون جدوى منذ عام 2003 ، في حين ان اوربا استطاعت بعد الصعوبات التي اعترضت طريق تطبيق الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية .

وفي المقابلة بين الديمقراطية الثقيلة ( ان جاز التعبير ) من جهة الفرائض المحدودة وتحميل احمال ثقيلة على الشعب وبين الديمقراطية النيرة التي هي استعلان سر الحياة من الديمقراطية الصحيحة في صميم حياتنا الخاصة وفي صميم حياتنا اليومية لانها ستطعم الجائع خبزا وستروي عطشه وستوفر السكن والطبابة والى جميع مرافق الحياة ، وهكذا سيسهل الانسان الانتماء الى الوطن والعمل الجاد من اجل البناء والنهضة والتعامل مع الاخرين باساليبب توقر الانسان من تواجده في صميم الحياة اليومية ، ليس الى مستوى إمكانياتنا وحسب ، بل والى أدنى مستوى يمكن ان نتعامل معه ، وهم المحتاجين والاذلاء والجياع والعريانين ، لنجعل نير الديمقراطية في يد الناس . ومن ثم التفكير باختراع ما تطلبه المرحلة المقبلة للنهوض بالعراق ليواكب العالم بتطوره وتقدمة ، سيما ان الامكانيات متوفرة لدى العراقيين بدليل ان العالم القديم قد شهد تطورا هائلا في النهضة الفكرية والعمرانية والعلمية ، حيث عرف العراقيون الكلدان القدماء التخطيط الهندسي وعلم المساحة منذ الالف السادس ق . م ، ومن المخططات المهمة التي وصلتنا خرائط المدن القديمة وتقسيماتها الادارية وخارطة تنظيم شبكات المياه وتوزيع الحقول والاماكن العامة والشوارع والمراعي . ان البابليين تميزوا بكونهم اول من رسم خارطة متكاملة للعالم بحسب تصورهم انذاك . قام الفنان الكلداني الذي نفذ الخارطة على شكل النجمة الثمانية الكلدانية البابلي برسم الارض بشكل قرص يطفو على البحر الذي يحيط بالارض ، وفي مركز الارض نقش الفنان مدينة بابل ويقطع مركز العالم من منتصفها نهر الفرات . ان من مجموعة انظمة السقي العملية التي ابتكرت في عراقنا القديم ، نظام السقي الذي يعتمد الرفع الهيدروليكي للمياه ، وما زال مستعملا حتى يومنا هذا بذات المواصفات التي لم تتغير خلال اكثر من خمسة الاف عام ، واخيرا نظام السقاية بواسطة النواعير الذي يعمل بقوة تيار المياه وهو ذات نظام المولدات الكهربائية التي تعمل بواسطة قوة تيارات المياه .

ينسب اختراع البطارية الكهربائية الى العالم إليساندرو فولتا عام 1799م ، ولكن في عام 1938م عثر الاثاري النمساوي الدكتور وليام كونك في سرداب المتحف العراقي صدفة على اناء سيراميكي بابلي اصفر اللون يحتوي على الاجزاء التقليدية للبطارية تعود الى عهد مثلث أساطين العلماء الكلدان ( كيدينو ونبورماني وسودينو ) بين القرنين الرابع والثالث ق.م ، مع ان بعض العلماء الاثاريين يرجحون زمن تصنيع هذه البطارية إبان العهد الامبراطوي الكلداني اي في حدود القرن السادس ق.م .

اتأمل كثيرا في الاختراعات والابتكارات الحاصلة قبل الاف السنين في عراقنا القديم ، ويبدو توفر الظروف الملائمة في انتشار الثقافة القائمة على الحرية وحقوق الانسان ، هي التي ادت الى تحقيق الطفرات السريعة من الرقي في الحضارة الكلدانية واستفاد العالم ولا زال يستفيد من هذه الاختراعات في شتى العلوم، فمزولة قطب المغناطيس وهي نمط معقد من الاجهزة الفلكية التي تجمع بين الساعة والبوصلة تفرد علماء الكلدان في اختراعها وايضا ابتكار المزولة الشمسية والمائية ، والحقيقة ان ساعة قطب المغناطيس تكشف عن عبقرية ومعرفة علاقة الشمس بالارض والقمر . ان الرياضيين البابليين تمكنوا من ابتكار طاولة او لوح خشبي يحتوى على مسارات محفورة طوليا ، يمثل كل مسار منها مرتبة عددية ( احاد – عشرات – مئات – الوف …. الخ ) ويقسم كل مسار الى عد محدد من الخانات توضع فيها خرز او حصى تمثل كل واحد منها رقما يتغير بحسب موقعه المسار ودرجاته ، ويمثل هذا اللوح الحسابي اقدم ابتكار معروف لحاسوب رقمي (كومبيوتر) . ( المصدر : عامر حنا فتوحى – الكلدان .. منذ بدء الزمان )

الديمقراطية والحرية تختلفان من وقت لاخر او من زمن لآخر ، اكيد ان الانسان الكلداني له الحق ان يأخذ دوره في الامبراطورية الكلدانية للحصول بحرية على حقوقه لتكون هناك علاقة مشتركة متبادلة تضمن التواصل لتوسيع اطار الثقافة والاقتصاد .

ان العراق اليوم يحتاج الى هذه الحرية والديمقراطية لتكون علاقة متبادلة بين الشعب والحكومة وهذا يتحقق من خلال توسيع وتطوير مفاهيم للحريات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ضمن اطار حقوق الانسان ليشمل امن الانسان وتوسيع حقوقه الى المستوى الجماعي .

 قرداغ مجيد كندلان

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *