الدلالات المستخلصة من البيان الختامي لسهنودس البطريركية الكلدانية وفي ضوء اللقاء الاخير لصوت الكلدان مع سيادة المطران مارابراهيم ابراهيم

 

 

تضطلع القيادة في المؤسسة أو اي تنظيم أجتماعي دورا كبيرا الى جانب العوامل الاخرى الذاتية والموضوعية في التخطيط والمتابعة لتحقيق الاهداف ،وفي مؤسستنا الدينية الكلدانية الكاثوليكية برز دور القيادة بعد تسلم غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو السدة البطريركية ،ففي فترة قياسية لا تتجاوز الخمسة أشهر تمكن بجدارة في التهيئة لعقد السيهنودس الكنسي المقرر أقامته سنويا ولكن مرت اربعة سنوات من دون انعقاد ،وعليه ظلت العديد من المسائل الكنسية الهامة معلقة بدون أجراء .

وبعد أن وضع غبطته برنامجا شاملا لمناقشته مع الاباء الاساقفة كما أشار اليه سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم في لقاء أجراه الاستاذ شوقي قونجا في أذاعة صوت الكلدان مع سيادته أثر عودته من بغداد ، وجه الدعوة لهم لحضور السينودس للفترة بين5 – 11 من شهر حزيران الحالي ،وقد تلبى الدعوة جميعهم باستثناء راعي ابرشية مار بطرس سيادة المطران مارسرهد جمو لاسباب غير معلنة ،في الوقت الذي كان حضوره مهما جدا لتقديم مقترحاته ومشاركته في المناقشات بشكل مباشر ليكون هناك التأير المتبادل والوصول الى تحقيق المطلوب.

ومن الدلالات المستخلصة من السينهودس من وجهة نظري يمكن أجمالها كما يأتي :

عكس أنعقاد السينهودس عدة رسائل عامة موجهة للجميع ومن أبرزها ،

أولا : عقدُ السيهنودس على ارض الوطن وفي العاصمة بغداد في الظروف الامنية السيئة دليل واضح ورسالة الى الشعب العراقي بكل مكوناته لتؤكد ، نحن مسيحيو العراق، سكان البلد الاصليين ولا يمكننا التخلي عن ارض الاجداد مهما تعرضنا اليه من أضطهاد وبؤس وظلم،فبالرغم من تشتتنا ،لكن نعود لنطلق رسالتنا في السلام والاستقرار والعمل والبناء من ارضنا العراقية.

ثانيا :تشير تلبية الاباء الاساقفة لدعوة غبطة البطريرك لحضور السيهنودس في بغداد ،دليل واضح على مدى تمتع البطريرك مارلويس ساكو بشخصية كارزماتية مؤثرة في استخدامه الحكمة واساليب الاقناع وتغيير الاتجاهات والمواقف لان بعض من الاباء الاساقفة انفسهم لم يبادروا وبل رفضوا سابقا الحضور الى بغداد لعقد السيهنودس .

ثالثا : مشاركة القادة السياسيين العراقيين وتلبية الدعوة الموجهة لهم لتناول عشاء المحبة والسلام من غبطة البطريرك مار لويس أمر في غاية الاهمية ، اذ تشير الى تمتع ابينا البطريرك بمكانة رائعة وقيمة وتقديرواحترام عند الاطراف السياسية المختلفة في العراق وتعكس في أهمية دوره لصنع السلام والتوفيق وايجاد سبل المصالحة والتكافل من أجل الشعب العراقي وانقاذ الوطن من شر الحرب الطائفية المدمرة ، ومن ثم يُفهم ان هذه الامكانية هي دليل على تمتع الكنيسة الكلدانية بدور تاريخي انساني ومرتبط بالوطن لتحقيق السلام العادل والشامل والمحبة وبغض الانانية في السلطة وادارة البلد .

رابعا : عبرت نتائج السيهنودس عن عدم صحة التفسيرات والتكهنات لبعض الكتاب من شعبنا التي أزدادت في الفترة الاخيرة لتفسير أقوال أبينا البطريرك وما سوف يتمخض عنه السيهنودس ،مما يدل بوضوح اخفاقهم لتفسير المعطيات لافتقارهم لاساليب الفن الصحافي ،أو التحليل العلمي الاستقرائي السليم ،بل أن أغلب تفسيراتهم تعتمد على المنطق الاستنباطي القديم في تفسير النصوص أو الظواهر ، والذي من ميزاته تدخل العوامل الشخصية للكاتب في التفسيرات والتحليلات مثل ، الاسقاطات الشخصية والعلاقات وتاثير العواطف التي تبعد الانسان من التفكير العقلاني مما تؤثر على نتائجه .وكذلك أخفق بعضهم في تفسير محتوى البيان الختامي للاعتماد على التحليل المتأثر بالعوامل الذاتية ،فقد غاب عن ظنهم بان هناك مقررات قد تكون سرية ولم تعلن الى يوم دراستها وحسمها ،وما أدلى به سيادة المطران ابراهيم ونوه أليه في جوابه للاخ شوقي في مقابلته لسؤال عن قضية المطران مار باوي،حيث أجاب مار ابراهيم أنها كانت من أولويات البرنامج ودرست القضية وفقا للقوانين الكنسية وان هذه القوانين واضحة وسيعلن في حينه عن النتائج .لايعد هذا الادلاء الا مؤشرا على أخفاق من هتف بفرح على عدم ذكر قضية مارباوي في البيان الختامي مما فسروا ذلك على أنها حُسمت سلبا ولكن ظهر العكس. وهذا ينطبق على ما تكهنوا به بالنسبة الى المسائل القومية والهوية.

وأما ما يمكن استدلاله من البيان الختامي للسهنودس فتشمل من وجهة نظري بما يأتي :

أولا : كانت اهتمامات الاباء الاساقفة منصبة في ترتيب البيت الكلداني الذي انهكته الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والاقليمية التي سادت المنطقة منذ عام 1992 وزادت بؤسا وقساوة بعد 2003 . ومن الامور التي نوقشت وفقا للبيان ومقابلة سيادة المطران ابراهيم هي :

1 – التأكيد على الوحدة ، وحدة كنيستنا الكلدانية لكي نتجاوز الاختلافات الابرشية ،فانها تمثل جسدا واحدا ،وثم تعمل بتوجه اداري وفقا للقوانين الكنسية التي تنظم العلاقة بين الاكليروس مع بعضهم من جهة ومع المؤمنين من جهة اخرى، وركزت التوصيات على ألتزام الكهنة بالاصول الادارية في تنقلاتهم والانصياع الى القوانين الكنسية والمركزية وعدم تجاوز لهذه الاصول الادارية ،التي تعكس تنظيما أداريا يحقق اهداف الكنيسة الروحية وراحة الكهنة ،وفي الالتزام الاداري ستنبذ المزاجية والانانية الشخصية والعلاقاتية في التعامل بين الاكليروس .

2 – التأكيد على الطقوس الموحدة في كل الابرشيات بعدما ظهرت في الفترة الاخيرة المزاجية في انتقاء الطقوس وممارستها من قبل الاساقفة وبل من قبل الكهنة ايضا .

3 – تطوير المعاهد الاكليريكية التي تهتم بتنشئة الكهنة وفتح ابوابها وتقدم خدماتها لكل الطوائف المسيحية في العراق ، تلك الخطوة الهامة برأيي التي تفتح آفاق التقارب والتكافل ووحدة الايمان بين الطوائف جميعا عندما يشترك كهنتها في تنشئة ودراسة موحدة .

4 – التأكيد على الابرشيات الشاغرة وترشيح المؤهلين لدرجة الاسقفية لاشغال هذه الابرشيات،وثم تقديم الطلب الى الفاتيكان لاستحداث أبرشية في اوربا باعتبارها خارج الحدود الجغرافية للبطريركية الكلدانية .

5 – كانت من أولويات الاهتمام بالدوائر المالية في الكنيسة وأعادة تنظيمها ،ونتمنى بان تكون واحدة من هذه الامور المالية هي النظر في مسالة التكافؤ المالي بين الابرشيات ،وبين الكنائس في الابرشية الواحدة.

ثانيا : رسالة واضحة على تمسك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعقيدتها الكاثوليكية بشراكتها مع كنيسة روما . مما يدل على ان اية محاولة للوحدة مع الكنائس الاخرى بما فيها الكنيسة الشرقية الاشورية ستكون وفقا على هذا المبدأ الروحي والاداري . والتبعية واضحة لكرسي البابا في الفاتيكان وهذا ما أكده السيهنودس كما نوه أليه سيادة المطران ابراهيم في اذاعة صوت الكلدان ،الامر الذي لا يستسيغه الاطراف غير الكاثوليكية في هذه التبعية ، وعليه ان أية محاولة للوحدة لا بد أن ترافقها تنازلات أدارية بالدرجة الاساس وألا ستكون الوحدة متوقفة في حدود التكافل والتضامن ولاحترام المتبادل .

ثالثا : ركز الاساقفة المجتمعين على القضايا الاجتماعية التي تخص المؤمنين في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ومن أبرزها:

1 – الحد من مشكلة الهجرة التي تؤثر سلبا في النمو السكاني للمسيحيين في ارض الاباء ، والتوجيه لتشكيل لجنة من الاكليروس والعلمانيين لدراسة الموضوع بجدية ، وبهذه المناسبة ادعو البطريركية بأن تشكل اللجان من المختصين في شؤون الهجرة واوضاع المجتمع لكي تحقق الدراسة نتائج موضوعية مبنية على الاسس العلمية .

2 – أناط السيهنودس بحسب البيان الختامي تعليم اللغة وتطويرها ونشر الوعي القومي الى العلمانيين ،مما يوحي الى أهمية هذه المسائل بالنسبة الى الكنيسة ولكن أن يتحمل مسؤوليتها العلمانيون لكي لا يحيد الاكليروس عن واجباتهم ومسوؤلياتهم الروحية الايمانية التي هي رسالتهم لكل البشرية بدون استثناء، وأيضا أدعو البطريركية الى التعاون مع المختصين في اللغة وعلم النفس والانثروبولوجية وعلم الاجتماع في مسالة تطوير اللغة وأن لاتقتصر على اناس مجرد يعرفون بناءوتصريف اللغة الكلدانية أو تحت اي مسمى آخر .

3 – التأكيد على ارتباط وتواصل المؤمنين المنتشرين في جميع أنحاء العالم مع الكنيسة وبطريكيتها في البلد الام لانهم أحفاد أولئك ألذين نشروا الايمان في اقاصي الارض ،وعليم الثبات في ايمانهم وأن لايتزعزع أمام المغريات المادية .

4 – عكس البيان الختامي ، وهي الهوية الكنسية ،فجاء فيه “تفتخر كنيستنا بهويتها الكلدانية لانها تعود بتاريخها الى زمن الرسل ،الى مارتوما وأدي وماري “مما يدل بوضوح بان الرسالة المسيحية التي بدأتها كنيستنا كانت وتاسست على يد الرسل في “كوخي ” في بلاد الكلدانيين على ارض بلاد النهرين ،وعلينا أن نفتخر بهذه الهوية التاريخية .

5 – دعوة صريحة وتأكيد على أن العمل السياسي والقومي هو متروك للعلمانيين المقتدرين ، نعم فهو الموقف المطلوب من الكنيسة والاكليروس مهما تكن درجته الكهنوتية ،لكي لا يمتزج العمل السياسي والقومي مع الرسالة الروحية التي كرس حياته من أجلها لخدمة كل البشرية ،وفعلا أثبتت التجارب من تدخل بعض رجال الدين في مثل هذه المسائل بانها فاشلة وحدث نوع من التخبط واللامسؤولية والتدخل بشؤون العلمانيين السياسيين وبل حتى في شؤون الكتاب والمهتمين بالشأن القومي وذلك من خلال انعكاس السلوك الفردي في التعامل مع الاخرين أسقاطا من الفكرة التسلطية لرجل الدين كما هي سائدة في المؤسسة الكنسية , وبهذه المناسبة أُثمن الموقف الرائع والمسؤول الذي أبداه سيادة المطران مارابراهيم راعي ابرشية مارتوما في مشيكن على وقوفه بمسافة بعيدة ومكوثه في مكتبه وبعيدا عن جلسات المؤتمر الكلداني العالمي الذي اقيم في مشيكن للفترة من 15 – 19 من الشهر الماضي ،فاقتصر وجوده على مباركة للمؤتمر في افتتاحيته وثم الختام بقداس الهي اقامه بالمناسبة .

رابعا : ولما كانت الكنيسة وشعبها المؤمن محاطة بالبيئة السياسية والاجتماعية والدينية كونتها العوامل التاريخية والدينية والسياسية بمرور الزمن ،فلابد من تحديد نمط العلاقة والتعامل مع الوضع القائم والمستجدات والاوضاع المتغيرة ،فجاء تأكيد الاباء الاساقفة على الوعي العميق في اهمية العلاقة المسيحية والاسلامية في الشرق لحاجتها الى الدعم والمساندة والمبنية على الاحترام المتبادل ،الامر الذي سيؤدي بمسيحي الشرق بالتمسك والارتباط بأرضهم التاريخية .

وعلى هذا الاساس أيضا لتضطلع الكنيسة الكلدانية بدور مهم في نشر ثقافة السلام والمحبة والتآخي بين جميع مكونات الشعب العراقي وتلعب دورا مهما في المصالحة الوطنية للحد من سفك الدماء في بلدنا العراق والعيش بسلام ووئام .

وأخيرا أقدم التهاني لاساقفتنا الاجلاء لنجاح السيهنودس الكلداني الذي طال ترقب الجميع لانعقاده ،وتمنياتي للنجاح دائما الى مخطط ومعد البرنامج السيهنودسي الذي كان شاملا في محتوياته وواقعيا ومستخلصا من الوضع الخاص لكنيستنا والوضع العام لمجتمعنا العراقي البطريرك مارلويس روفائيل ساكو الاول .

د. عبدالله مرقس رابي

استاذ وباحث اكاديمي

كندا في 16/6/2023

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *