الدكتور دنحا طوبيّا .. والإنسان في فلسفة الكلدان


كانت إفـتـتاحـية العـدد السابع من صحـيفة (عـمّا كـلدايا) الغـراء الصادرة في سدني لشهر آيار 2001، بعـنوان (الكـلدان أصالة وإيمان) وقـد جاء فـيها: إن عـبقـرية الكـلداني وقـبل آلاف السنين لم تـقـبل بالفـراغ الفـكـري ولم ترتض أن تستسلم للمصير الغامض ولكن هـذا العـقـل أعـجـب بالكـون وقـوانينه وإندهـش لدقة حـركاته لذا نسب كل ذلك إلى قـوى قـديرة تستحـق العـبادة فإفـترض أو ظن بوجـود آلهة فـصوّرها أصناماً ولقـبها أسماءاً، حـيث لم تكن قـد وصلتهم رسالة أو نبوّة نبي ليتعـرّفـوا عـلى السرمدي مبدع الكـون والحـياة . إنـتهى

وهـل من شك؟ إنّ وادي الرافـدين والكـلدان شعـبه، عـذب ماؤه خـصبة تربته، عالي نخـيله غـزير تـراثه، متـقـدّمة عـلومه وعـميقة فـلسفـته، فـبذلك فـرضَ عـلى التأريخ شـهـرته إلى أعـماق ماضيه. وهـل من شك؟ ها هي ستينات الثـواني تـنطق في دقائقه تجـمعها ساعاته والمسلة لائحة تعـلن شرائعه، وباب عـشتار خـصب في خـياله ومعانيه، ناهـيك عـن عـلوم الفـلك تحـتـفي برياضياته فـتـتلألأ النجـوم في سمائه، وهـكـذا فإنّ تراث السلـَـف وحاضر الخـلـَـف منارة مضيئة للتائهين الذين يجـهلونه.

بتأريخ 26 أيلول 2011 قـرأنا مقالاً للأستاذ د. دنحا تحـت عـنوان (الإنسان في فـلسفة الكـلدان) جاء فـيه الكـثير من شهادات مشاهـير الكـُـتــّاب والمؤرّخـين حـول الإنسان الكـلداني يؤيّـد ما ورد في تلك الإفـتـتاحـية من عـظمة عـلمية وفـلسفة فـكـرية وتأمّلات روحـية، فالكـلداني كان ولا يزال غـزيراً بأبحاثه طـموحاً بتـطلعاته. نعـم لقـد أبحَـرَ في عالم المدركات الحـسّـية حـتى إنـتـقـل إلى ما فـوق المقايـيس الطبـيعـية ليجـد لجـسد الإنسان نهاية حـتمية ولكـن روحه تبقى حـية.

إن ثلاثية المبادىء عـند الإنسان الكـلداني المذكـورة في مقال الأستاذ دنحا لم تأتِ من فـراغ وإنما هي قـناعة نابعة من ذهـنية متـقِـدة قادرة عـلى التأمل وإخـتراق اللامنـظـور في الحـياة. نعـم إنّ الروح الإلهـية هي الذات المدرِكة، والروح الفـكـرية هي الطاقة العـقـلية، أما الروح اللاعـقلانية فهي العاطـفة الفاعـلة في الأعـماق القـلبـية والمرافـقة لمادة الجـسد الفانية. إن هـذه الثلاثية البديعة والعـجـيـبة لدى الإنسان الكـلداني القـديم تـعَـبِّـر عـن آفاق عـقـل ممتـدة أفـقـياً وعـمودياً ويـوحي لنا بإمتلاكه غـريزة الحـدس والتـنـبّـؤ عـن شيء غامض عـليه فآمنَ بما لم يـرَه ولا حـدّد معالمه ولكـنه متيقـن من وجـوده. فالروح الإلهـية الأزلية هي فعلاً بمثابة الآب، والروح الفـكـرية العاقـلة هي بمنـزلة عـقـل الإله الإبن، وهـكـذا تكـون الروح اللاعـقلانية عاطفة فاعـلة بـينهما بحـيـوية الروح القـدس. إنها مقارنة رائعة تـدل عـلى أنّ هـذا الكـلداني كان حاذق الذكاء قـد سعى لسـبر طريق الحـقـيقة المجـهـولة لكـشـفها وإدراك نورها، وكان فعلاً أمـراً متعِـباً إلى أنْ إنـقاد إلى مسار الحـق النابض بذاته، في شـخـص الذي قال: أنا هـو الطريق والحـق والحـياة، يسوع المسيح ربنا وبه آمنـا، ومن أجـله شهادة قـدّمنا، وإلى الدينونة لا يُـدخِـلنا بل من الموت إلى الحـياة الأبـدية ينـقـلنا، فهـنيئاً لأبناء شعـبنا الكـلداني الذي تـَخـلـَّـد إسمه وتـوثـق في كـنيستـنا المشرقـية الذي يقـرؤه الجـميع في كـتاب الـ حُـذرا منذ القـرن الرابع الميلادي (نعـم القـرن الرابع الميلادي وليس عـندما صحّـحـنا مسارنا في عام 1552 ورجـعـنا إلى كـنيسة مار ﭙـطرس لنـكـون واحـداً بموجـب توصية المسيح !) وإلى اليوم وآباؤنا والمؤمنون يُـصَـلـّـون التـرنيمة: (( إن ملكَ العُـلى مع جـنده، كان في عَـون جمع المؤمنين، فـقـد صدر الأمر أن يُـقـتل الشهـداء الأبرار بحَـد السيف. بُهـتَ الكـلدان وهُم وقـوف، ورفعـوا الأصبع قائلين: عـظيمٌ إله المؤمنين، يُخـَـلصهم وإنْ هـو لا يُرى)). ويسرّني أن أخـتم مقالي بعـبارة جـميلة وردتْ عـلى لسان أحـد مسؤولي التـنظيمات الآثورية أثـناء مقابلة تلفـزيونية عـلى القـناة C – 31 الأسترالية الحـكـومية أجـراها الإذاعي ولسن يونان قـبل سنين، وإنْ لم تـخـني ذاكـرتي كان إسمه رامي! حـين قال: ((أخـْـنـَـنْ يَـطـِّـخْ خِـنـْـواتـَـن كـَـلـْـدايـي رابا مُـرْدِنـّـيـنا، رابا قِـرْيـيـنا – نحـن نـعـلم أن إخـوانـنا الكـلدانيّـين مثـقـفـون كـثيراً، متعـلمون كـثيراً) ) والمجـد لله دائماً.

مايكـل ســيـﭙـي
ســدني

You may also like...