الدكتور برخو بين الصحافة والاكاديمية وكُتاب المقاهي الشعبية

 المقدمة

من الحقول المعرفية التي تدرس الصحافة هو علم الاجتماع الاعلامي الذي يركز في دراسته على عمليات الاعلام والاتصال وتحليل مضامين الرسائل الاعلامية، سواء كانت احداث أو مقالات أو معلومات حول ظاهرة ما ،ومدى تأثير المواضيع الاعلامية على الفرد والمجتمع.ويشير علماء الاجتماع الاعلامي ان التاثير الاعلامي يعتبر من الظواهر الاجتماعية التي يمكن مراقبتها وتوظفيها لنقل المعارف الى الفرد ،وبما ان الفرد ينفعل لتأثره بالمادة الاعلامية فيحاول المختصون تحويل هذا الانفعال الفردي الى سلوك جماعي يُستغل في تنمية القدرات الاجتماعية .

الدافع الى كتابة المقال

ان السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال،هو العبارة التي جاء بها الدكتور ليون برخو في تعقيبه على المعقبين في مقاله الموسوم”نعم تسمياتنا صنيعة الاستعمار ،ولكن ليس لغتنا وموروثنا – تعقيب على البطريرك مار لويس روفائيل الاول”والعبارة هي”واخيرا كوني اكتب في منتديات شعبنا،هذا معناه انني لا أرى نفسي الا مثل اي واحد من القراء والكتاب ،المنتديات هي مقاهي شعبية ،والذي يرتاد المقهى معناه حاله حال الكل وان حمي الوطيس لا تفيد في المعمعة الشهادة أو المكانة العلمية،كلنا سوى”. واما الهدف من المقال هو الاجابة على السؤال الاتي : ماذا نصنف كتابات الدكتور ليون برخو ،صحفية أم أكاديمية أم كتابات المقاهي الشعبية؟وما هو نمط كتابات كُتابنا؟. ولدراسة الموضوع استخدمت منهج تحليل المضمون والمقارنة فهما من المناهج المهمة التي يستعين بهما الباحث الاجتماعي لدراسة ظاهرة ما.هذا وكانت مقالاته المنشورة على مواقع شعبنا هي موضوع الدراسة.وقبل الولوج في الموضوع لابد من توضيح ما المقصود من بعض المفاهيم التي وردت في عنوان المقال وهي:.

الصحافة:

تُعرف الصحافة بانها مهنة الصحفي في تجميع الاخبار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،ويحللها وينشرها في وسائل الاعلام المختلفة .وتُحقق الصحافة وظائف اساسية هي ؛نقل الاخبار والاحداث العامة وتحليلها ،الاستطلاع أو مراقبة البيئة ،توثيق الاحداث لتصبح مصدرا للتاريخ،تكوين المواقف وتوجيهها لبناء الرأي العام حول ظاهرة ما ،التحليل للظواهر المختلفة ،الاعلان والدعاية ،ووظيفة الترفيه والتسلية.

وأما الصحفي :هو كل من اتخذ الصحافة مهنة له، يمارسها بعد اجتياز المتطلبات العلمية التي تؤهله لهذه المهنة،فهو لايكتب من فراغ ،ولا يوجه رسالته الى المجهول ،بل يسعى لتحقيق هدف معين من خلال وظائف الصحافة المذكورة.

بينما الصحافة الاكترونية

هي تلك الصحافة التي تُمارس عبر الشبكة العنكبوتية ،وقد ترتبط بالصحف الورقية المطبوعة فتكون نسخة منها ،او قد تكون منشورة في مواقع الكترونية يمتلكها افراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية وغير رسمية متنوعة.

الاكاديمية :

يرجع الاصل اللغوي لهذا المصطلح الى اللغة اليونانية ،وقد أُُطلق على المدرسة التي انشأها الفيلسوف اليوناني افلاطون سنة 386 قبل الميلاد في حديقة اكاديمس المسماة على اسم الاله اكاديموس في مدينة اثينا،وثم حافظ تلاميذه على هذا اللقب ،وظلت التسمية تُطلق على المجامع العلمية والادبية والفنية فانتشرت في جميع انحاء العالم،بينما تعرف الاكاديمية كمصطلح على انها تلك الدراسات والبحوث والاعمال التي يؤديها حاملي الشهادات العليا والدرجات العلمية وبمختلف الاختصاصات في الاقسام العلمية او المراكز العلمية التابعة للجامعات.

واما الاكاديمي

فهو الذي يحمل المؤهلات والدرجات العلمية المتدرجة من المدرس والاستاذ المساعد وثم الاستاذ بعد ان يقضي فترة زمنية وله مجموعة من البحوث القيمة أو الاصيلة ومقيمة من اكاديمي يحمل درجة علمية اعلى بين كل درجة من هذه الدرجات العلمية ،والاكاديمي هو الذي مارس أو يمارس العمل التدريسي في الجامعات والمراكز العلمية التابعة لها ويستمر في العطاء والانجاز العلمي، وقد اوقف حياته للتحصيل المعرفي من اجل الوصول الى الدرجة العلمية لتؤهله للبحث العلمي المستوفي للشروط المنهجية وتطوير المعرفة الانسانية لخدمة المجتمع البشري ،فهو لا يعرف الراحة وانما غارق في البحث والاستقصاء في المكتبة أو في المختبر ،مما يؤدي ذلك الى تميزه بحياة تختلف عن غيره،فاصبح الاكاديمي في هذا العصر الذي يُطلق عليه عصر الاختصاصات الدقيقة محركا لخطط التنمية للموارد البشرية والاقتصادية في المجتمع ،وعليه يتمتع بدور خطير في المجتمع البشري . وعلى هذا الاساس عندما يطلق احد الكتاب على نفسه، أو اطلق على كل من يحمل شهادة الدكتوراه والماجستير انه اكاديمي وهو يعمل خارج الحرم الجامعي هو خطأ كبير جدا ،وكذلك تطلق التسمية خطأ على خريجي الجامعات ،فلا يجوز ذلك طالما لم يمارسوا التدريس الجامعي والاستمرار في البحث العلمي ،وعليه هناك فرق بين التحصيل العلمي والتحصيل الدراسي .

ومن هو الناشط السياسي

وهناك من يكتب ويتحدث في مناسبات معينة يُطلق عليه الناشط السياسي ،والمقصود به ذلك الشخص المهتم بالشؤون السياسية،وله افكاره وآراؤه حول القضايا السياسية المحلية والوطنية والدولية ،ولا يشترط ان يكون منتميا الى حزب سياسي ،ويتميز بالحيوية والبروز والعمل المستمر مقارنة مع غيره ويستمد افكاره ومعرفته من ما يقدمه الاكاديميون في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية واحيانا من حيث لايدري وليس لكتاباته او طروحاته قيمة علمية لعدم توفر الشروط المنهجية فيها ولاتحمل المصداقية ،وهي غير اختصاصية،فلايمكن الاعتماد عليها في التنمية والتخطيط . ومن تكرار وجود الناشط السياسي ضمن وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة ،قد يؤدي الى تكوين بناء نفسي من الاغراءات بالشهرة وثم يتحول الى نمط آخر في ادائه، يتمثل المحاولة لتحقيق مصالحه الشخصية اكثر من توصيل الرؤية ،وغالبا ما يتعرض الى الانتقادات لنيل منه ومن سمعته.

وأما المقصود بالمقاهي الشعبية

فهي تلك المحلات أو الاماكن التي يتردد اليها الناس بمختلف خصائصهم الديمغرافية من حيث العمر والتعليم والحالة الزواجية والاجتماعية والاقتصادية ،ولكن غالبا ما يتردد اليها العاطلون عن العمل ،وذلك للتسلية ،وقد تجري بين رواد المقاهي الشعبية حوارات ونقاشات حول مواضيع واحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية متنوعة واحيانا تكون حامية جدا بحيث تنتهي بالمشادة الكلامية والقذف والتشهير والاساءة الشخصية،لابل هناك حالات تصل الى الاعتداء البدني وشهر السلاح .

بعد هذه التوضيحات عن المفاهيم الواردة في المقالة ،فهل نعتبر المواقع الالكترونية من المقاهي الشعبية؟

لو اجرينا المقارنة بين رواد المواقع الالكترونية ورواد المواقع الشعبية سنصل الى نتيجة انه فعلا تعتبر مقاهي شعبية لبعض منهم ،فلا فرق بينهما ،فهم يكتبون ما لايعرفون به مثلما يتحدثون في المقهى الشعبي بمواضيع لا معرفة لهم بها فهي مجرد للتسلية والتنفيس عن مكنونات العقل الباطني لهم، وثم يغادر المقهى سالما هادئا أو منفعلا ومهموما فهي لحظة ومرت، وثم اللامبالات.وكذلك في المواقع الالكترونية تتكرر الحالة ،فيكتب بعضهم للتسلية والاساءة للاخرين ،والنقد من اجل النقد والعناد والاصرار على الرأي وعدم احترام اراء الاخرين، وكثيرا ما تحتوي كتابتهم من التناقضات ، تلك الحالات التي تعبر عن الخصائص الشخصية لهم وكما يحدث بين المتحدثين في المقاهي الشعبية تماما. . فتلاحظ المهندس او الطبيب والمحاسب والقانوني وبمستويات دراسية مختلفة فمنهم خريجي الاعدادية والمعاهد يكتبون فيما هو خارج عن اختصاصهم، وما كتاباتهم الا عبارة عن خطابات سياسية انشائية لاثارة عواطف القارىء ليكسبه الى جانبه والى مايفكر به الكاتب ،فكيف مثلا خريج معهد الادارة في المحاسبة او ادراة المخازن او المهندس او الفيزيائي يكتب عن قضايا تاريخية او اجتماعية وهو يفتقد الى ابسط مقومات المنهجية والطرق التحليلية في التاريخ او الاجتماع او اللغة او علم النفس لمجرد أنه يقرأ كتاب او كتابين عن الموضوع، في حين يحتاج المرء الى سنوات دراسية لاتقل عن اربعة اعوام لكي يتفهم اصول المعرفة تلك مثل مااتقن اصول الهندسة او المحاسبة او الفيزياء مثلا، وبل يقدم مقترحاته وتوصياته الى المؤسسات والاحزاب السياسية، فمهما يكتب هؤلاء لايمكن ان نعتمدها علميا وانما حديث المقاهي الشعبية، وهنا لا اقصد احدا انما الكل سواء كان عربيا او كرديا اوانكليزيااو فرنسيا او كلدانيا او اشوريا وسريانيا .فهذا مثال مقتبس من مقال لاحد كتاب شعبنا يقول ” لانها حالة مرضية يعكسونها على الاخرين بما هم عليه وهذا هو الاسقاط بعينه كما يسميه علم النفس السلوك”لاحظ ان هذا الفيلسوف والبحاثة والاستاذ الكبير كما لقبه احد المعقبين على مقالته لانه يعبر عن ما في ذهنه ،يفسر في ضوء علم النفس لكن لايدري أية مدرسة نفسية فسرت الاسقاط النفسي، اذ ان المدرسة السلوكية لم تفسره بل مدرسة التحليل النفسي التي يتزعمها سيجموند فرويد.

واين المصيبة

واين المصيبة الكبرى نفس الكاتب المفكر يقول في مقالته “وأنا الذي كنت قد انتقدته بشكل علمي ومضوعي وتاريخي” لاادري كيف يصرح هذا الكاتب الكبير انه موضوعي ولكن ليس له المام بالنظريات العلمية ،فمن قال في كتاباته اني اكتب بموضوعية وعلمية ومنهجية وشفافية صدقوا انه عكس ذلك لان الفرد لايمكن ان يقيم نفسه، فالكاتب لايمكنه ان يقيم كتاباته بنفسه انها موضوعية او علمية بل غيره يقيمون ذلك فلا احد يقول انا على خطا بل دائما كل ما يقوم به هو الصحيح وهو المثالي .وياتي غيره ويقول الكلدان منذ بدء الزمان او احدهم يقول الاشوريون او السريان منذ بدء الزمان ،اذا كانت كتاباتهم تتقدمها هكذا عناوين فكيف سيكون المتن ياترى ؟منذ القدم ولا اقول منذ بدء الزمان يناقش ويحلل الفلاسفة والعلماء متى بدأ الزمان ومتى سينتهى فلم يفلحوا فكيف هؤلاء حددوا بداية الزمن ؟

وأما عن الاقتباس فحالة كتابنا تؤلمنا كثيرا لانهم يقتبسون ويزورون بالفقرة المقتبسة، وقد قرات مقالات وفيها اقتباسات من كتبي الشخصية والتزوير واضح فيها واكتفي بهذا المثال البسيط كتب احدهم “منكيش قرية اشورية تقع شمال مدينة دهوك ويسكنها….الخ “ويذكر المفكر المزور المصدر المعتمد عليه في اسفل مقالته بصراحة “د.عبدالله مرقس رابي ،منكيش بين الماضي والحاضر “ما هذه الكتابات الموضوعية اذا كان اخينا في قرارة نفسه ان منكيش اشورية ليحتفظ ذلك لنفسه وان لا يأتي ويعتمد على مصدر والمصدر بريء من هذه المعلومة فأنا لم اكتب منكيش اشورية او كلدانية او سريانية فمن اين جاء بهذه العبارة ولصقها بمصدري الشخصي.وبل زُورت كتب كثيرة من هذا القبيل.لا مجال لذكرها.

التناقض

وأما عن التناقض ،فانها مليئة ومشبعة كتابات كُتابنا بها في المقال أو في التعقيبات، ففي تعقيب على احد المقالات يقول المعقب ” استاذنا الكبير — أنا بصراحة اوافقكم كليا على ما ورد في مقالكم ” وبالطبع هذا المقال يفند الكلدانية ويؤكد على الاشورية ،ولكن في مناسبات اخرى نفس المعقب يقول ” نحن شعب واحد واخوة ولنبدأ تاريخ جديد وصفحة جديدة وما شابه” وفي مقال اخر يقول احدهم ” وليس صحيحا ان نبقى اسرى لما نمتلكه من معلومات لم تستند على اراء ذوي التخصص في مجال تاريخنا كشعب وكنائس ومذاهب وغيرها” ومن جهة اخرى يمتدح من يؤكد على ان الاصل هو مكونه الاثني.وهناك من يعطي في الاونة الاخيرة وأحد خريجي معهد الادارة توصياته للبطريرك في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بان لايتدخل في الشؤون السياسية والقومية ،وبعين اخرى يبارك لبطريرك مار دنخا للكنيسة الشرقية الاشورية رسائله المحتوية على الاثارة القومية والغاء الاخر ويتغنى بنفسه بامجاد البطاركة الذين استشهدوا لتدخلهم بالشؤون السياسية، فله بنظر كاتبنا حلال ولغيره حرام .

ويلاحظ على معظم الكتابات انها مكتوبة بتاثير ايديولوجي واضح فالكتبة المنتمين الى الاحزاب السياسية من الكلدان والاشوريين والسريان لا يستطيعون الانفلات من سجن الايديولوجية فهم ملزمون بان يسايروا مبادىء أحزابهم وفلسفتهم ومواقفهم نحو الظواهر السياسية وغيرها فكثيرا ما يوظفون التاريخ في الصراع الاثني وهذه كارثة بحق شعبنا بمختلف مكوناته فالتاريخ لايكذب ابدا بينما الكاتب فيه هو من يصنع الكذب .

الجهل بالاختصاصات

وأما الجهل بالاختصاصات العلمية واضح جدا عند عموم كتابنا ولانهم كتاب المقاهي الشعبية فهم لايتمكنوا من التمييز بين الميادين وطبيعة الظاهرة التي يدرسها كل اختصاص ،لابل منظمي المؤتمرات والندوات يجهلون ذلك، فعلى سبيل المثال تأكيدهم على المختصين في التاريخ واللغة فقط.ويعد الاستعانة بدراساتهم وآرائهم حول اللغة والاصول الاثنية عمل غير صحيح، فهم يفتقدون الادراك ان العلوم متكاملة ومترابطة مع بعضها وان الاتجاه السائد في البحث العلمي هو تشكيل فريق من مختلف الاختصاصات لدراسة الظاهرة، فمثلا لدراسة اللغة يجب أن لا نكتفي بالمختص اللغوي فقط، بل اننا بحاجة الى اختصاصات تدرس اهمية اللغة ودورها في الاتصال الاجتماعي ووظيفتها الاجتماعية وكيف تؤثر في بناء الشخصية، وهي الاختصاصات الانثروبولوجية وعلوم النفس والاجتماع لمساندة المختص في تركيب اللغة وصرفها .

وهناك ظاهرة اكثر خطورة في هذا المجال واخص بالذكر لغتنا باية تسمية كانت ،وهي الرجوع الى بعض متقني اللغة ولكن ليسوا من المختصين في اللغة، بل لهم مؤلفات في الصرف والنحو فاصبح مختصا بها وهذا لايكفي مهما يمتلك من مؤلفات ان لم يكن اكاديميا لاننا نعيش في عصر الاختصاص والتزود بالمعرفة المنتظمة والبحث الرصين ،وهذا ينطبق على الذين يكتبون كتبا في التاريخ والاثار ولكن خلفيتهم الدراسية قد تكون في اختصاصات اخرى كالقانون والسياسة والهندسة والادارة وغيرها ومثل هذه المؤلفات باطلة علميا ما لم تكن اكاديمية ومن مختص قضى دراسته في ذلك الحقل، فالذي يقضي عشر سنوات في دراسته للتاريخ واصول البحث فيه يعترف انه لايتمكن من ضبط دراسته للتاريخ فيأتي غير المختص لمجرد اعتمد على عشرات الكتب والف كتابا في التاريخ،ويعتبر نفسه خبيرا أو مختصا في التاريخ،نعم كل واحد يستطيع العمل ذلك،لكن كيف وباية طريقة منهجية يتعامل مع تلك المصادر والمراجع ياترى ؟ وهنا يمكن ان نصنفهم ضمن كتابات المقاهي الشعبية وليس غير ذلك .ومن هذا المنطلق يفضل على كل من يكتب مقالا ان يذيل المقال باختصاصه حتى وان لم يذكر المستوى الدراسي لكي يتعرف القارىء على الخلفية الدراسية والعلمية للكاتب ويتمكن من تقرير مدى صحتها ومنهجيتها ويمكننا التمييز فيما اذا كان الكاتب مجرد ناشط سياسي أو كاتب هاوي أو صحفي أو مختص .

واكثر ما يؤلمنا هو فقدان اخلاق الصحافة والكتابة، ولكم امثلة قاسية جدا تشير وتبرهن على عدم الالتزام بابسط اخلاقيات الصحافة التي تُدَرس لسنة دراسية كاملة في قسم الاعلام في الجامعات ومنها: العاهرات، الكذاب،المتهور، السخيف، التافه،الوجه الاسود،المنافق،القومجي،الانفصالي،الطرطور،القزم،العربنجي، العراب، الدوني،المنحط ،وغيرها لاتحصى .

ولكن ماذا عن الدكتور برخو،هل هو من رواد المقاهي الشعبية الالكترونية ؟

من مراجعتي لمقالات متعددة له المنشورة في مواقع شعبنا وبعض الصحف العربية تمكنت من تحليل محتواها،فاستنتجت ماياتي : انها فعلا مقالات اكاديمية يتبع في كتابتها المنهجية الصحفية تماما فهي مستوفية لشروط الكتابة الصحفية من حيث التوقيت مع وقوع الحدث والتاثير والوقع النفسي الذي يتركه على القارىء بسبب العنوان الذي يختاره لمقالته ،وانها تخلو من كلمات التجريح والتشهير والاساءة، وبل تخلو لابسط كلمات الاساءة مثل تلك التي يأتي بها بعض الناشطين السياسيين . وأما كيف نبرهن ذلك فهذه بعض من عناوين المقالات العائدة للدكتور برخو:”نعم تسمياتنا صنيعة الاستعمار….الخ” ،”مهرجان الجوقات والاخويات في السويد ضربة قاصمة….الخ”،” المدارس السريانية فخر لشعبنا والذي يعرقل عملها يقترف الخيانة الكبرى”،”تركة ثقيلة وملفات خطيرة تنتظر البطريرك الجديد”، “ملاحظات هامة جدا على شعبنا اخذها في عين الاعتبار”،”هل ستصبح الدول العربية دولا فاشلة”.

لاحظ العبارات او الكلمات

التي تثير انتباه القارى ويستدرجه للقراءة كما في عناوين مقالاته،”البطريرك يفجر قنبلة” “قنبلة مزلزلة” بطش الاستعمار” “لا اخشى المؤسسة ولا أخشى رجل الدين” والحبل على الجرار” ساقاومه” وأتحدى ” أجدادنا العظام” اقسم بالله ” الغالبية الساحقة” لفضح النهج المدمر “:ان له وقع الصاعقة “. ان مثل هذه العناوين والعبارات التي يستعملها الدكتور برخو في كتاباته لاتصلح ان تكون عناوين لبحوث علمية أو تتضمن البحوث والمقالات العلمية مثل هذه العبارات.فهي صحفية لا محال.ومن جهة اخرى تختلف عن مقالات التي تكتب من قبل الناشطين السياسيين التي تحتوي في مضامينها على الانتهازية والمراوغة وبروز الاهداف الشخصية والتاكيدات على الانا والتاثيرات الايديولوجية.

لان الدكتور برخو اكاديمي ويتعاطى مع البيئة الاكاديمية فنلاحظ دائما وقلما تخلو مقالته من التاكيد على الاكاديمية في الكتابة فيقول “احاول ان لا اكتب أو اتكلم في غير اختصاصي ” “الشعوب الحية تفعل العكس تماما تهمش ولا تعير أية أهمية لكل من يكتب في غير اختصاصه “،”وتعلين شأن المختصين وتسمع لهم وتعمل حسب نصيحتهم” “وعنوان احدى مقالاته كان ” الى الاستاذ ابرم شبيرا ومنه الى كل كتاب ومثقفي شعبنا قللوا من الكتابة في غير اختصاصاتكم رجاءا”الدليل العلمي والبحث الاكاديمي الرصين” ” الامم الحية ومثقفيها وكتابها يأخذون العلم والتجربة والبرهان والدليل الاكاديمي محمل الجد للرقي والحضارة “ويقول “لنتخذ ولو لمرة واحدة في تاريخنا المعاصر خطوة مهمة كهذه بطريقة حضارية ونترك شانها للعلماء والاكادميين والمختصين في صفوف شعبنا “.

مبادئه الصحفية

يتناول مقالاته وفقا للمبادىء الصحفية الاكاديمية ،لذا نلاحظ انه يتوقف عند تشخيص الظاهرة وتحليلها وفق السياقات المعتمدة في فن الصحافة ويترك المجال للمختصين في نمط الظاهرة التي حررها بعد ان اثار ولفت انتباه الباحثين عنها،حيث وضع المعالاجات ليس من اختصاص الصحافة ،بل تتحول الى المختص،فاذا تناول موضوعا عن ضعف القومي لدى مكون اثني مثلا ،أو موضوعا عن الجريمة يقتصر عمله في نقل القصة وتحليلها بشكل مبسط ومن ثم يُترك العمل للباحث المختص لدراسة الموضوع منهجيا وعلميا ليقدم المعالجات.

ولكن في تعقيبه على المعقبين في مقالته الاخيرة الموسومة “نعم تسمياتنا…الخ ” نسف الدكتور برخو كل ما يؤكد عليه من الاكاديمية والمنهجية عندما قال عبارته المشار اليها في بداية مقالتي هذه والتي توحي للقارىء ان الدكتور برخو حاله حال من يكتب في المقاهي الشعبية، فلماذا ينادي ويؤكد على الاكاديمية وفي نفس المقال يقول العبارة “التعقيب هو بمثابة نقاش بين اكاديمي واكاديمي ” اي يقصد بينه وبين البطريرك مار لويس روفائيل الاول .ولكن اخفق الدكتور برخو في ذلك كيف هو نقاش اكاديمي ويؤكد دائما على الاكاديمية ومن جهة يقول حالي حال من يكتب في المقاهي الشعبية طالما اني اكتب بها ،وهنا تساؤلي له، هل يعني ذلك يجب علينا ان لا نأخذ ما تكتبه بمحمل من الجدية وانه ليس ما تكتبه فكر اكاديمي طالما انك تساوي نفسك بمن ترجوهم الكفاية من الكتابة غير الاكاديمية ؟

من يتردد الى المقاهي؟

من المعروف يتردد الى المقاهي الشعبية الواقعة على طرقات المدن مختلف الفئات الاجتماعية بدأ من الأمي والى الاكاديمي ،ولكن هل سيتصرف الجميع على مبدأ واحد متشابه؟ ،بحسب رايي كلا ، لان الاستجابة للمؤثر وفق قوانين علم النفس الاجتماعي تختلف من شخص الى آخر بسبب الاستعداد الذي يمتلكه الفرد، أو تأثرا بالتنشئة الاجتماعية التي تلقاها من اسرته أو بحسب الطبيعة الشخصية وعقدها لمن يشترك بما يدور في المقهى، فهناك من يشتم ،والبعض ينافق ،أو يطلق عبارات الاساءة الشخصية تجاه الاخرين والبعض من يضرب ويعتدي ،وقد يكون هادئا في حواره وآخر ينتابه الصياح الهستيري،وهناك من يقبل الرأي الاخر ويحترم النقاش، وبالعكس هناك من يعاند ويلغي الاخر ولايسكت الا ان ينال منه بابشع الطرق ،وعين العقل تشبه مواقعنا بالمقاهي الشعبية هذه تماما، ولكن ليس كما تعتقد ان الاكاديمي هو نفسه الأمي، وليس الناشط السياسي كالاكاديمي، وليس المختص في الهندسة ويتناول موضوع تاريخي مثل المختص في التاريخ وليس مايوصي به خريج معهد الادارة حول ظاهرة اجتماعية ونفسية مثل ما يوصي به المختص في علم النفس وهكذا.

اعتقد ان الدكتور برخو كان منفعلا بسبب التعقيبات غير اللائقة احيانا وتحدث بهذا المنطق وان لم يكن ذلك فلا فرق بينه وبين كتاب المقاهي الشعبية ،بينما مقالاته وتأكيداته توحي غير ذلك تماما،لانه يختار عناوين ومواضيع اعلامية سياسية واجتماعية ويستخدم اسلوب التضخيم بدلالة العبارات والكلمات التي اشرنا اليها ،وعنصر الضخامة يرتبط ارتباطا وثيقا بالدلالة الاعلامية ومدى اهتمام افراد المجتمع بها.

ماذا نصنف مقالاته؟

ومن هذا المنطلق استطيع ان اصنف مقالات الدكتور برخو ضمن النظريات الاعلامية المتعلقة بالقائم بالاتصال التي تصنف على انها مرتبطة بالمرسل أو القائم بالاتصال وتحديدا تصنف مقالاته تحت نظرية ” الرصاصة أو الحقنة تحت الجلد ” اذ تعتمد هذه النظرية على ان وسائل الاعلام تؤثر تأثيرا مباشراوسريعا في الجمهور المتلقي ،وان الاستجابة لهذه الرسائل مثل رصاصة البندقية تؤثر بعد انطلاقها”،ويكون هذا التأثير السريع جليا في المجتمع الذي تسوده الصراعات مثل شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني اكثر من المجتمعات المستقرة .

الدكتور عبدالله مرقس رابي

باحث اكاديمي

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *