(الخَضار) .. في بلاد الكفار ! / ماجد عزيزة

قدر لي خلال الأسابيع القليلة الماضية أن أتنقل في عدد من دول أوربا هي ( بلا حسد) المانيا وهولندا والبرتغال واسبانيا وفرنسا ، وقبلها بسنة ( ايطاليا) .. لا أريد هنا أن أتكلم عن النظام السياسي أو الإجتماعي أو حياة الناس فيها ، ولا أريد ايضا أن ( أتناوش) سياسييها أو حكوماتها .. أو حتى ( العربنجية والحشاشة ) فيها .. بل وددت أن أتكلم عن شيء آخر وجدت فيه المقارنة مستحيلة حتى لو عصرت جميع مفردات الكلمات في القواميس العربية والأعجمية ووضعتها على طاولة التمحيص والفحص .. سيسأل أحدكم : المقارنة بين ماذا ؟ أقول : المقارنة بينها وبين بلدي الحبيب ( الأم) الذي يرفل بعز حكامه الديمو …ظ.. راطيين !

قيل : انك إن لم تر َ محاسن الآخرين فإنك لن تر َ مساوئك وعيوبك … في الباص حيث سار بنا بين البرتغال واسبانيا وفرنسا لأكثر من ألفي كيلومتر ، وفي باص آخر سار بنا بين هولندا والمانيا ، وقبل هذا وذاك في باص آخر سار بنا لمدة أكثر من ساعتين بين روما ومزار القديسة ريتا وكنيسة القديس فرنسيس الأسيزي .. كانت الأرض خضراء فقط ..( لا علاقة للّون الأخضر هنا بالمنطقة الخضراء في بغداد !!) .. فاينما تجولت بنظرك والتفت ( يسره أو يمنه) تجد أشجارا أو مزروعات ..والأرض خضراء في خضراء والصلاة عالنبي !

لسنين طويلة علمونا ، ولقنونا ، وقالوا هم وقلنا نحن وما زالوا يقولون .. بأن العراق هو بلد النهرين !! أنا أسأل : ماذا أعطى هذان النهران لأرض العراق ؟ ماذا قدم النهران ( دجلة والفرات) لبلاد ( النهرين والرافدين وشط العرب ..) للأرض العراقية .. وماذا استفاد العراقيون من النهرين .. والأرض اينما نظرت اليها عبارة عن ( جدب وصحراء وقفار ) واللون الرمادي يطغي على المشهد كله .. نهران عظيمان يهدر ماؤهما ويسير من شمال الوطن حتى جنوبه .. والناس عطشى ، والأرض عطشى .. والرمال تغطي ثلاثة أرباع مساحة أرض الرافدين والنهرين .. والمصيبة أن هناك أغنية قديمة تقول .. ( على شط العرب تحلى أغانينا وعلى البصرة ) ! ومائدة نزهت تصدح باغنيتها ( دجلة والفرات أشحلو ممشاهم ..)!

هؤلاء الناس من شعوب هذه البلدان وهم من ( الكفار ) بنوا بلدانهم خلال 400 سنة لا أكثر ، بعد أن عاشت أوربا فترة مظلمة في القرون الوسطى أيام صكوك الغفران والإضطهادات ، لكنهم استفاقوا واستغلوا ما قدمته لهم ( الثورة الصناعية ) لأوربا والعالم .. فبنوا وعمروا بلدانهم .. وزرعوها مستغلين كل متر من مساحاتها ، وكل قطرة من مياه أنهارهم .

هؤلاء ( الكفار ) الأوربيين من البرتغاليين والإسبان…) والذين كان ( الربُع) يستعمرونهم ، ويسمون ذاك الإستعمار بـ ( فتوحات) زرعوا ، وبنوا ، وعمروا ، ووو . لكنهم في متاحفهم ما زالوا يحتفظون بإرث من لونين ( أبيض وأسود) ..إرث زمن عمالقة الفن والعمارة في الكاتدرائيات والنصب والتماثيل ، وإرث صكوك الغفران والفتو …حات !

سالت السيدة التي كانت تشرح لنا تاريخ احدى الكاتدرائيات عن سر ( اللون الأخضر في هذه البلدان) فأعطتني معلومة كنت أجهلها وهي أن مدينة هامبورغ الألمانية اختيرت قبل سنوات ( 2003) لتكون ( عاصمة أوربا الخضراء ) لاكتمال اللون الأخضر في كل مساحاتها الخارجية ..! وقد منحت هذا اللقب من قبل المفوضية الأوربية وقد استفادت المدينة من هذه الصفة بأن دعمتها ( 700) شركة عاملة في أوربا ووضفت اموالها فيها !

بالمناسبة ..طوال الأيام التسعة الأخيرة التي قضيتها مع أخوتي وأخواتي في رحلة ( البرتغال واسبانيا وفرنسا) ونحن نقطع آلآف الأميال لم يصادف أن اهتز الباص بنا جراء التبليط .. اللهم إلا ( طسّة) واحدة في مدينة بورغوس جعلتنا ( ننخض) وتتعالى أصواتنا بعدة لغات ..( يا مريا … يا آلاها .. بسم الأب والإبن …و … أو ماي كود)!

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *