الخيط الرفيع بين السياسة ومهام الكنيسة

في المرة الثالثة لظهور الرب يسوع المسيح لتلاميذه بعد القيامة المجيدة سأل الرب سمعان (بطرس) ثلاث مرات , هل تحبني ؟  وكان جواب مار بطرس دائما نعم يارب , وبعد كل جواب بالأيجاب كان يسوع يقول له (( أرع خرافي )) وبذلك سلّم الرب خرافه الى الراعي القدير مار بطرس ومن بعده الى من يخلفه على كرسي روما ومن ثم الى رعاة الكنائس في كافة أنحاء العالم وبذلك أعطى الرب مهمة عسيرة الى هؤلاء الرعاة لرعاية أبناء كنائسهم كرعاة صالحين الذي من أهم صفاته أن يبذل نفسه من أجل الخراف الذين هم بعهدته لأنهم أساسا خراف للمسيح وليس خرافه هو .

أنفردت الكنيسة الكلدانية دون بقية المرجعيات الدينية الأخرى سواء المسيحية أو المسلمة بتعرضها لنقد الأقلام التي غايتها التفريق بين الكنيسة الكلدانية وبين الشعب الكلداني لأنها تعلم جيدا مدى قوة الرابط بين الكلدان وكنيستهم وأن قوة الرابط هذا هو الذي يُفشِل مخطط التهميش الذي يسعى نحوه أعداء الكلدان , ومن الغريب أن هذه الأقلام التي تتّهم الكنيسة بالتدخل في الشؤون السياسية هي نفسها سبق وأن باركت أشتراك مسؤول رفيع من الكنيسة الكلدانية في المؤتمر الذي عُقِد في منتصف عام 2003 لغرض الأتفاق على تسمية موحدة والتي وافقت الكنيسة الكلدانية المعروف عنها حسن نيّتها عن طريق ممثلها في المؤتمر على تسمية ( المجلس الكلدو آشوري القومي ) التي سرعان ما تراجعت الأحزاب الآثورية عنها بأصرارها على عدم تغيير تسمية أحزابها لما يوحي بالشراكة الجديدة التي أتُفِقَ عليها.

لقد أوضح أكثر من مسؤول في الكنيسة الكلدانية بأنها تنأى بنفسها من شؤون ودهاليز السياسة وأن ما يعتبره البعض سياسة أنما هو من صُلب واجبات الكنيسة تجاه أبنائها فالراعي الصالح الحريص على رعيته التي كُلّف بها عليه الدفاع عن رعيّته اذا ما تعرّضت للأضطهاد والقتل والتهجير وتهميش حقوقه في وطنه , وأن الأيمان المسيحي يعارض السلطة المستبدّة وأن مفهوم الخضوع للسلطة لا يعني القبول بكل شيىء أذا كان معارضا للقيم الأنسانية والألهية , والمجمع الفاتيكاني الثاني يؤكّد من خلال توجيهاته أن الأختلاف في وجهات النظر لا يعطي الحق لأيّة جهة الأستحواذ على سلطة الكنيسة في رعاية مصالح أبنائها الذين هم مؤتمنين عليهم من الرب يسوع المسيح , وفي عالمنا الحاضر من حق الكنيسة  تقديم أعتراضات وتوجيه أنتقادات للبرامج السياسية أنطلاقا من صفتها كراعية للأيمان وصائنة للأخلاق , ورفع شعار(لا علاقة للدين بالسياسة) أنما هو شعار مغلوط أذا ما قُصِد به أبعاد الكنيسة عن أعطاء رأيها في قضايا المجتمع والأخلاق والحقوق , أن الكنيسة لا يمكن أن تتهرّب من مسؤوليتها وأن تصمت تجاه من يعمل على الأنتقاص من كرامة الأنسان الذي خلقه الله على صورته , وعلى الكنيسة واجب وطني يخص كرامة وحقوق الأنسان لتسود العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لتأمين الخير العام للوطن من ناحية سلامة أراضيه وسيادته وأستقلاله .

أن تقوقع وتقصيرالكنيسة عن القيام بما هو واجبها كما ذُكر أعلاه أنما هو أبتعاد عن دائرة القرار والتوجّه نحو التهميش الذاتي والى التنازل عن حقّها وواجبها في المطالبة بحقوق أبنائها وأقامة مجتمع أكثر عدالة وأنسانية , ومن واجب الكنيسة أن تتحفّظ وتوجّه أنتقادات أذا ما شابت البرامج السياسية أية شائبة , وقد يكون دور الكنيسة بعيدا عن التدخل بالسياسة بالمفهوم الحرفي , الا أن عزل نفسها وتقوقعها تجعل شعبها عرضة للتشرذم والوقوع ضحيّة الجهات ذات الأطماع السياسية غير المشروعة والمتناقضة مع مصلحة رعيتها سيّما وأن المنظمات والأحزاب والقيادات الكلدانية رغم تعددها , الا أنها حديثة العهد بالسياسة قياسا للأحزاب الأخرى ذات الأمكانيات المادية والتنظيمية والأعلامية .

لقد آن الأوان لكنيستنا الكلدانية التي تظم أكثر من 80% من مسيحيي العراق أن تأخذ على عاتقها بأعتبارها الأخت الكبرى , وتتحمل مسؤوليتها في أخذ المبادرة من أيدي بهلوانات السياسة الباحثين عن مكاسب مادية شخصية لأنقاذ ما يمكن أنقاذه بعد أن أوصلوا هؤلاء السياسيون حقوق وطموحات شعبنا الكلداني الى حدود لم تصلها في أي زمن مضى , وأن ما يتأمل الكلدان من كنيستهم ليس أكثر من ممارسة رسالتها الأيمانية في فضح المظالم التي تُلحَق بأبنائها وأنتهاك حقوقهم القومية أذا ما قَصّرَت أو تَعَمَّدتْ أية جهة كانت من النيل من هذه الحقوق , لسنا ندعو الكنيسة الى تأسيس أحزاب سياسية أو أن يقوم رجال الكنيسة بمنافسة السياسيين في أطماعهم , ولكننا نتأمل من الكنيسة أن تفضح الممارسات التي تؤدي الى غبن حقوق أبنائها في ما يجري من تجاوز على الحقوق القومية , وأن تكون صوتا قويا يدعو للعدالة لمن تمّ أبعادهم أو تهميشهم .

لقد فتح المؤتمر الكلداني العام الذي عُقِدَ في ( سا دييغو ) للفترة من 30\3 لغاية 1\4\2011 الباب واسعا أمام جميع الأخوة الكلدان الذين أضطرتهم ظروف معينة للأبتعاد عن أمتهم الكلدانية تحت تأثيرات معيّنة , لا شك هي زائلة , للألتحاق بركب أبناء أمتهم الكلدان , وهي الوحدة التي ننشدها جميعا لنعود الى قوتنا التي ستُمهّد الطريق نحو الوحدة والتعاون والتكاتف بين الكلدان وبقية القوميات المسيحية .

ونداء آخر للبعض من آبائنا الروحيين , أن أبنائكم الكلدان يتطلعون الى الحكمة التي نلتموها من الروح القدس يوم رسامتكم الكهنوتية , ومسؤوليتكم أمام الله في رعاية شؤون أبناء كنائسكم , وجميعنا يعلم أن الكنيسة الكلدانية وأبنائها الكلدان هما كالتوأم السيامي لا ينفصلان أبدا , وأن أية محاولة لدق الأسفين بينهما بحجة عدم التدخل في السياسة ,أنما هي محاولة لفصلهما عن بعضهما  لمحاربتهما والقضاء عليهما لا سامح الله , وبوحدة الأمة الكلدانية ( الشعب + الرعاة ) سوف تكون من أقوى العوامل في وحدة كافة كنائس كنيسة المشرق لتعود الى سابق عهدها كنيسة رسولية واحدة موّحدة بأذن الله .

بطرس آدم
تورنتو – نيسان 11 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *