الحاجة تـفـرض نـفـسها لإعادة صياغة نـصوص الكـتاب المقـدس / الحـلـقة الثانية  

 

 

ملاحـظة : في هـذا المقال وما يليه في هـذه السلسلة ، يُـقـصد بالـ كـتاب ( قـراءات العـهـد الـقـديم ورسائل مار ﭘـولس ) مترجَـم إلى اللهجة الكـلـدانية الـدارجة والمعـتـمَـد في كـنيستـنا مار تـوما / سـدني .

كانت ــ أولى الترجـمات ــ للكـتاب المقـدس عَـبـر الزمن بطيئة الإنـتـشار ، فلا قـواميس ولا طابعات ، ولا مكاتب ترجمة لتبادل المعـلـومات ، ولا وسائل تـواصل أو مواصلات … والمترجـمون الأوائل في كل المجـتمعات معـذورون لأن معـرفـتهم ( بالمفـردات اللغـوية أو المفاهـيم الشعـبـية ) كانت محـدودة فـيخـتارون الكلمة الأقـرب إلى المعـنى حسب فـهـمهم ، وينـسِجـون الـفكـرة أدبـياً وفـق مهارتهم .

أما الـيـوم فالمتخـصصون في حـقـل الترجـمة متـضلعـون بعـلم اللغات ، لهم دراية بثـقافة المجـتمعات ، تعَـرّفـوا عـلى تـقالـيـد الجاليات وإطـّـلعـوا عـلى أحـدث الإكـتـشفات … ولمّا كان كِـتابنا المقـدس ، مقـدسٌ بمبادئه السامية وأبعاده الروحـية ، وليس مُـنـزّلاً عـلى أحـد بطريقة ( إقـرأ بإسم إلهك الـذي ألـَـق ) في غار ، ولا هـو محـفـوظ في لـوح أو جـدار ! … فإن المترجـمين يُـوَظـفـون خـبرتهم في إعادة صياغة بعـض المفـردات الـواردة فـيه ( أو تهـذيـب عـباراته ) لإيصال فـكـرته وتـوضيح مغـزاه ، وذلك لأهـميته في حـياة الإنسان الملـتـزم بمبادىء يسوع المسيح مخـلـّـصه … وهـذا واضح حـين نـقـرأ عـلى الصفحات الأولى في أغـلب نسخ الكـتاب المقـدس ، ملاحـظات مثـل :

ترجمة المؤسسة كـذا ….. تهـذيـب وتـنـقـيح الأستاذ الفلاني ….. طبعة كــذا سنة  ……

إن مثل تلك الملاحـظات ، مـدوّنة عـنـدي في نسخة من ((( الإنجـيل / إعادة تـرجـمة من الأصل اليوناني / تـنـقـيح الأستاذ بطرس البستاني / طبعة كاثـولـيكـية خامسة / 1979 ! )))  ….. إذن ، لماذا الإستغـراب من إعادة صياغة الـنـصوص ؟

إن المجـتهـدين الـذين تهمهم رسالة المسيح ، ينـطـلـقـون من الإيمان أولاً ! فـينـقحـون الكـتاب المقـدس لتـنـوير العـلمانيـين ورجال الـدين ، وقـداسة الـﭘاﭘا فـرانسيس إمتـدحهم بالـيـقـين فـيستحـقـون منا الإحـتـرام أجـمعـين ، وكم من مرة ناقـشْـنا الكاهـن حـول معـلـومات مشـتـركة تخـصه وتخـصنا فأفـحَـمْـناه ! وقـبـِلها منا بتـواضع مُبـين ( مثـلما أعـجـب عـلماء البايـولوجي بقـوانين الراهـب منـدل في الوراثة ! ) فالعـلوم لم تعـد محـتـكـرة ! بفـضل العـم ﮔـوﮔـل Google وسخاء الأساتـذة العـباقـرة وبحـوثهم العـلمية واللاهـوتية الغـزيـرة المنـشورة في المواقع الإلكـتـرونية ، فـصارت بـديلاً عـن المقاعـد الـدراسية ، بل أن مَن فاتـته محاضرة أستاذه في الجامعة أو المدرسة يمكـنه متابعـتها في بـيته عـلى الإنـتـرنيت !.

إن الـقـراءة والرسالة والإنجـيـل ، في الـقـداس الإلهي تهـدف إلى تـقـوية إيمان السامعـين ، وعـليه فإن دَور الشماس والكاهـن ليس فـقـط قـراءة نصوص الـكـتاب بَـبغائياً ( Copy and Paste ) ، وإنما تـلـمذة الحاضرين من أجـل تـثـبـيت إيمانهم الـذي أوصى به الرب المسيح ! فإنْ لم يـنـقـل الأفكار المرجـوّة من الكـتاب بأمانة ، لن يحـقـق هـدفه برصانة ، وستكـون قـراءته كـمَن يصيح في وادي ، فـيـرتـدّ صوته من الحجارة إليه متـوهماً أنّ غـيره ينادي ! … ويـصبح حـضور الناس مجـرد عادة موروثة عـن الأجـداد لـيضعـوا في التبسية ــ الصينية ــ بعـضاً من الـنـقـود .

أمثلة واقـعـية عـن الأسباب الموجـبة :

(1) في صباح يوم أحـد من الزمن الماضي / سـدني ، سألـتُ سيادة المطران جـبرائيل كـساب عـن تـفـسيره لـفـقـرة لم أفـهـمها من كـتاب الرسائل كـنـتُ مزمعاً عـلى قـراءتها في الـقـداس ، فـلما إطـّلع عـليها أفاد بأن مفـرداتها متـناثرة وصياغـتها ركـيكةولم يعـرف المقـصود منها … فـقـرأتها كما هي دون أنْ أفهمها ! وأكـيـداً فإن الحاضرين في الـقـداس لم يـفهـموها ؟ . (2)موقـف ثانِ ، قـبل أشهـر سألـتُ الكاهـن في كـنيستـنا عـن معـنى مصطلح ( مُركــّـب من كـلمتين ) ورد في نـفس الكـتابفأجاب قائلاً : لا أعـرف . (3) أكـتـفي حالياً بهـذين المثالـين .

إنّ العـلة ليست بالكاهـن ولا بالمطران في المثالين السابقـين ، مثـلما ليست فيّ ! حـين لم أستـطع هـضمها ، وإنما بالمترجم ــلا أعـرفه ــ قـد تـرجَم من النسخة العـربـية إلى اللهجة الكلـدانية الـمَحـكـية بـدليل أن واحـدة من تلك الكلمتين بعـد تـرجـمتها (لم تعـد مفهـومة ولا تـوجـد في القاموس ) ! والكلمة الثانية لها معـنـيَـين إثـنين في اللغة العـربـية مخـتـلـفـَـين ــ وﮔـلـبه ﮔـلـب الـسـمـﭼـة ــ المتـرجـم إخـتار المعـنى غـير المناسب ! فـتـرجمه ودوّنه في الكـتاب فـصار كلاماً مُـبهَماً لا معـنى له إطلاقاً ، والعـتب عـلى مَن يقـرأ ولا يسأل عـنه ! كان الأفـضل للمترجـم لـو إعـتمد عـلى النسخة باللغة الكلـدانية الفـصحى ــ ﮔـوشما ــ الأقـرب إليـنا ، كي لا يقع في هـكـذا الإشكال .

هـذا عـدا أنّ المترجم ( أو الطـبّاع ) قـد صاغ بعـض العـبارات بلهجـته الخاصة الضيقة !! متجاهلاً أو عاجـزاً عـن إيصال فكـرتها بأسلـوب مفهـوم إلى غالـبـية الناس ، مما يـدل عـلى لاأباليته أو محـدودية كـفاءته فجاء الكـتاب ضبابـياً . إذن كـيف سيـفهـمها الحاضرون حـين تـُـقـرأ لهم ، دون تـصحـيحها أو إيضاحها ؟

إنّ الحاضرين في الـقـداس ــ متمكـنـون ولـيسوا قاصرين ــ ولكـني أستغـرب صَمتهم حـين ( لا يستـفـسرون عـن غـموض في القـراءة ولا عـن وضوحها وكأن الأمر لا يعـنيهم !! ) ، ربّ أحـد يسأل : لماذا الناس لا يستـفـسرون ؟ … يا عـيني عـليهم .. تجـدون نـصف الجـواب بـين هـذه السطـور ، والـنـصف الآخـر  عـساكم تعـرفـوه بكـل سـرور .

إنّ كهـنة الجـيل السابق الموقـرين أحـياء مقـتـدرون لغـوياً ، يـقـرأون مباشرة من النسخة الكـلـدانية الـفـصحى ــ ﮔــُـشـما ــ لأنهم يثـقـون بها وليس بغـيرها ، أمثال الأب كمال بـيـداويـذ / ملبـورن ، والأب ﭘـولس خـمي / أميركا …. أما الـيـوم فلا نـقـول سوى ، حـسبنا الله ونِعـم الوكـيل عـلى مُـبـرمِج المعـهـد الكهـنـوتي الحَـميل في أيام لـويس البطرك الجـليل ! ………….للموضوع صِـلة ..

فإلى الحـلـقة الثالثة … تهـذيـب وصياغة نـصوص الكـتاب المقـدس تخـدم المؤمنين   

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *