الجرائم الدولية وانتهاكات حقوق الإنسان /سهى بطرس هرمز

الجرائم الدولية هي جرائم كبرى Crimes high وجنايات خطيرة Infamous Crimes ، ترتكب مع وجود القصد الجنائي للفاعل Criminal Intent. مُخلفة ضحية أو مجموعة من الضحايا، ومُخالفة قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية، ومُضرة بالمصالح الدولية والأساسية التي يحميها هذا القانون، في نطاق العلاقات الدولية. ويرى “بلاوسكي”  إن الجريمة الدولية هي كل فعل غير مشروع يقترفهُ الأفراد ويُعاقب عليه القانون الدولي الجنائي، كونهُ يضر بالعلاقات الدولية في المجتمع المدني.
في عام 621 قبل الميلاد، صدر في (اليونان- أثينا) قانون سمي بــ (قانون درا كون) وصفه أرسطو بأنهُ:” القانون الذي يكشف عن القوة المتناهية والعقوبات القاسية والصعبة”، وذلك لأن الملك اليوناني درا كون Dragon كتب نصوصه من دم الضحايا والأبرياء، ليكون مثالا للقوانين القاسية التي تدل على الوحشية والقسوة ضد الإنسان والإنسانية، وكانت التبريرات لذلك هو بناء حكم ونفوذ قوي يخدم الملك درا كون، تحت ذريعّة بناء الوطن والدفاع عن مصالح الشعب وترسيخ التقاليد اليونانية.
ويبدو إن التاريخ يعيد دورته، ولكن في بلاد أخرى وزمن آخر وناس آخرين! زمنًا باتْ فيه الإنسان أرخص حاجة ويباع ويشترى فيه، رغم كل ما شرعته الأديان السماوية وخصت بها الروح البشرية، وأيضا رغم كل ما سنتهُ البشرية من قوانين صيغت لتكون مع الإنسان وتنصفهُ! ولكن لا حياة لمنْ تنادي. الحقوق أهدرت والحريات قُيدت، والالتزامات الدولية  خُرقت، وشهد الإنسان من الإيذاء والتعذيب والقتل وعدم المساواة والإنصاف ما لا يقدر ولا يحصّى.
ونظرا لما عاناه الإنسان وتعانيه الإنسانية، من ويلات والآلام نتجت عن حربين عالميتين، فقد بدء اهتمام القانون الدولي بالفرد، من خلال صيغ وأشكال مختلفة، وخصوصًا فيما يتعلق بتفاصيل الحقوق والحريات التي تخصهُ.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ، شهد العالم ظهور حالات صريحة لانتهاك حقوق الإنسان بحجة الإرهاب، وكشفت بعض الجرائم الدولية التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان، مما سبب تهديداً بالغًاً للأمن والسلم الدوليين، نتيجة سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها القوى الكبرى في سياستها، التي فرضت وبشدة قضية العلاقة بين الإرهاب وحقوق الإنسان، على الساحة الدولية والمحافل الوطنية.
بعد هذه الأحداث، غرق العالم في مستنقع العدوان والأنانية والانتهازية والانتقائية، وقامت الدول العظمى  بربط هذه الأحداث بين العراق والإرهاب. وأظهرت في العراق عن وجهها المتخفي خلف قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكلمت وخاطبت الإنسانية بلغتها التي هي الإرهاب نفسه. ومارست سياستها على الصغير والكبير، والتي تتناقض تناقضًاً تامًا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وحقوق الطفل. زارعةٍ  بذرة الظلم والطغيان والاستغلال والنهب والسرقة والقتل العشوائي والتشريد والدمار والتهجير والعنصرية والطائفية، والعراقيين وحدهم هم من جنوا وذاقوا من كل ما غُرس، مع فراغ السلطة والصراع الطائفي وانهيار النظام المدني وتردي الأوضاع الاقتصادية والمدنية والسياسية.
فالحرب التي شنتْ على العراق، حولت حضارتهِ وتاريخهِ وشعبهِ العظيم إلى بلد مُنهار نتيجة سنوات الحروب والحصار، التي فرضت لسنوات طوال، والتي لم يكن سوّى ذريعّة واهية، لمُحاولة السيطرة على المنطقة من خلال البوابة العراقية والسيطرة كذلك على ثرواتهِ النفطية. وتحت ذريعّة إحلال الديمقراطية وترسيخ العدالة والمساواة وحماية حقوق الإنسان تارة، وتارة أخرى تحت ذريعّة حفظ السلم العالمي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وما بين هذا وذاك أهدرت حقوق الإنسان العراقي.
كما لا يخفي على الشاهد أن نشوب الحروب المتكررة تؤدي إلى نزاعات وصراعات مسلحة بين الدول، والى صراعات داخلية، فعندما يفقد الناس وظائفهم، وتسوء حالتهم المعيشية والاقتصادية، ومع تردى الأوضاع الأمنية، يزداد ضيقهم بأوضاعهم ويصبحون أكثر عرضة للانخراط في صفوف المتمردين، وما يعنيه ذلك من صراعات داخلية. كما إن ضعف هيكلية الدولة المالية والاقتصادية، يجعلها تفتقر إلى الإمكانيات التي تؤهلها على مواجهة مشكلاتها، مؤدية بالتالي إلى خلق فرص لنشوب صراعات ونزاعات داخلية. وهذا ما يحصل اليوم في العراق.
إن استمرار العنف المنظم وانتشار الجريمة بكافة أشكالها، وانتشار الإمراض وقلة الأدوية، إضافة إلى صعوبات المعيشة للمواطن العراقي رغم ثروات بلاده. جاءت نتيجة لغزو العراق وبهدف تعزيز إستراتيجية الدول العظمى، وتحقيق اطماحها، لهذا يمكن القول إن القانون الدولي يتداخل مع المصالح السياسية للدول الكبرى المتحكمة بالنظام الدولي، ومع ازدواجية المعايير عند تطبيق الشرعية الدولية. في ظل عالم متغير وقضايا دولية معاصرة غير معهودة.
وأخيراً نقول:
حقوق الإنسان من المواضيع الحيوية والفعالة في حياة الأفراد والمجتمعات الإنسانية، والتي من المفروض أن ينظر إليها نظرة واقعية بعين الحقيقة وبتعمق، وليس مجرد قراءة كلمتين كعناوين! وأيضا لابد وأن تحظى بالأهمية والأولوية والاحترام وذلك لأن للإنسان قيمة عليا في هذا الوجود، ويجب أن تسخر كل الإمكانيات لرقيه وتطوره، من أجل أن يكون إنسان كما خلق إنسان.
ونقول أيضا تنتهي الحرب، ولكن لا تنتهي المآسي والمصائب والنكبات التي تخلفها، والآثار المتبقية التي تتركها الحروب على البشرية والبلد، والناظر إلى مخلفات الحروب يرى مناظر تُندى لها جبين الإنسانية. وصمة عار تبقى على جبين كل مُحتل مُتحمس لخوض حروب تهدد وجود الإنسان وأمنه، بذريعّة القضاء على الإرهاب أو بذريعّة حقوق الإنسان. مُتخطين أبسّط القيم الحضارية والإنسانية، وبوسائل أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قذرة، ولكن نتيجتها مُدمرة.
فالذرائع التي جاء بها الاحتلال بغية تبرير الحرب على العراق، لم تكن إلا تتويجًا للسياسة التي تنتهجها في البلد، ولتحقيق مصالح إستراتيجية في المنطقة. فإذا كان المحتل يرى إن الشعب كان مُنتهك الحقوق، وان النظام الذي كان فيه دكتاتوريًا، فهذا ليس مبرراً بفرض الحصار على العراق وشعبه ومعاقبته بشن الحرب عليه عام 2003، والتسبب بكل الفوضى والخراب، والصراعات، والأحقاد وكل الدمار الذي تركته فيه من جميع النواحي الصحية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وهنا نتساءل؟
هل الحرب على العراق كانت الحل الأمثل والوحيد؟!  وهل كانت الحرب مشروعة وعادلة؟! وإذا كان العراق قد جرت معاقبته مثلما يدعون على امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وبسبب انتهاكه حقوق الإنسان، إذن كيف تعالج حقوق شعب فلسطين المنتهكة ؟!
إن ما يرتكب بحق الإنسانية من حروب وغزو تحت شعار ” الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحرر”. هي جرائم مُخلة بالأمن والسلم الدوليين، وهي انتهاكات صريحة وخطيرة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، واستهانة بالحياة البشرية وبقيمتها وجوهرها. والمثل العراقي يقول عند حدوث  كارثة ( بالمال ولا بالعيال) وذلك تقديراً وتقييمًا للقيمة العليا التي خصها الله للإنسان، والإنسان للإنسان نفسه، لأنهُ في الأول والأخير هو من يأتي بالمال ويستطيع أن يعوضهُ عند خسارتهِ، لكن النفس إذا فقدت لا تعوض، ولكن هذا المثل يفقد قيمته في ظل سياسات تنتهج من أجل مصالح لا تدوم، ووقتية!
سهى بطرس هرمز  
 

You may also like...