الثقافة والشعوب الاصلية/ بقلم عبدالاحد قلو

ويمكن اعتبار هذه المقالة، مكملة للأجزاء التي تكلمنا فيها عن هوية الثقافة الواحدة ام متعددة الثقافاة في البلدان، والتي تعتمد على سياسة الحكومة ان كانت ذات ثقافة وحدوية متسلطة او تحوي الثقافات الاخرى في ادارتها لحكم بلدها. وكما قلنا في تعريفنا سابقا عن الثقافة التي تعتبر عاملا رقيا ومفهوما اساسيا في علم الانثروبولجيا والذي يشمل كل الظواهر البشرية. والتي فيها نبوغ القدرة الانسانية التي تبين الخبرات والتجارب وبطريقة ابداعية خلاقة والتي تشير ايضا الى الطرق المتباينة للذين يعيشون في ارجاء مختلفة من المعمورة والتي توضح وتصنف بدورها خبراتهم والتي تميز ابداعاتهم في مجمل القضايا التي تخص ذلك المجتمع.

حقوق الانسان في مجتمع رقيّ

وهذا الكلام ينطبق على المجتمعات التي تستوعب حقوق الانسان والتي تفهم بأن الانسان مهما كان من اختلاف في قوميته وتاريخه ومذهبه وكينونته فهو متساي مع الاخر ومع من يتولى زمام امور الحكم في بلد ما. والجميع يبقون على مسافة واحدة من تلك الحقوق والواجبات المطلوبة في ذلك المجتمع.

ومن هذا المفهوم الذي نأمل ان يصل الى مجتمعاتنا الشرق اوسطية ومنها بلدنا العراق وذلك للمحافظة على مكوناته الذي يحوي مختلف الثقافات ذات القوميات التي لها ميزات تخص كل منها من ارث وعرق وتاريخ وحضارة ومنها الكيان ذات الشأن الكلداني الذي تمتد جذوره الى اكثر من سبعة الاف سنة من وجوده وان لم نقل الاقدم من القوميات الموجودة في البلد والذي يعتبر من السكان الاصليين فيه.

تواجد الشعوب الاصلية

وفي هذه الحالة سنجد الصفاة التي تمتلكها الشعوب الاصلية في بلدان متعددة والتي يشترك معها المكوّن الكلداني العريق في تاريخه وفي بلده الام (العراق).

ان تعريف الشعوب الاصلية في بلد ما، هو الذي يعود الى قِدم وجودها في بلدانها والتي حافظت على بلدها بكل الوسائل المتاحة من صراعات او حروب طاحنة للمحافظة على تربة بلدهم، والتي أغنت بلدانها بالتاريخ والحضارة وألارث، وقبل ان تغزو عليها ثقافات اخرى استلمت زمام امور ذلك البلد منهم. ومن هذه الشعوب الاصيلة المتعددة والموجودة في دول متعددة ايضا ومنها: الهنود الحمر (Indians)والإنويت (Inuit) في كندا، والسكان الأصليين)(Aboriginalفي استراليا، والشعب الماوري Maori)) في نيوزيلندة، والشعب السامي(Sami ) في اسكندنافيا، وشعب الإنويت( Inuit) في غرينلاند، وقبائل الهنود الحمر في الولايات المتحدة.

سلوك الحكومات قبل وبعد

ففي الماضي، كانت حكومات هذه الأقطار(للدول المتطورة حاليا) والتي كانت منتهجة لسياسة الثقافة الوحدوية التسلطية في حينها، والتي كان لديهما نفس الهدف والتوقع في اِن هذه الشعوب الأصلية، لابد أن تختفي في النهاية كجماعات متمايزة نتيجةً للموت، أو التزاوج مع الآخرين، أو الاستيعاب. ولذلك تم تبني سياسات متنوعة لتسريع عملية الاختفاء هذه، مثل تجريد الشعوب الأصلية من أراضيها، والتضييق على ممارسة كل من الثقافة التقليدية واللغة والدين الخاص بهم، وإضعاف مؤسسات الحكم الذاتي الممنوحة لهم وبدون قناعة الجهة الحاكمة.

ولكن لم تتحقق رغبات هذه الحكومات، في فناء هذه الشعوب الاصلية وذلك لتطور مفهوم الحياة وحقوق الانسان والقوانين الدولية التي وضعت لحماية البشرية من الطغيان، وحلت محلها سياسة تقبل الاخر وضمان كينونته وثقافته.

لذلك، فقد حدث انقلاب مثير في هذه السياسات، ابتداءً من باكورة السبعينيات من القرن العشرين الماضي. وأصبحت جميع هذه الدول المشار إليها ان تتقبل على الأقل من حيث المبدأ، فكرة أن هذه الشعوب الأصلية ستبقى حتى في المستقبل الغير محدد كمجتمعات متمايزة ضمن البلد الأكبر، وبأنها يجب أن تحصل على أراضيها المزعومة، وتتمتع بحقوقها الثقافية أينما وجدت في طول البلاد وعرضه، وان تطلّب الامر منحها حقوق الحكم الذاتي اللازم وفي البقعة التي تعيش فيها من ذلك الوطن لكي تدعم أنفسها كمجتمعات متمايزة.

وهل الكلدان من الشعوب الاصلية للعراق؟

ولما لا يكونوا كذلك، وجذورهم ممتدة في ارض العراق لأكثر من سبعة آلاف سنة وحتى الكتاب المقدس يشهد على ذلك عندما دعى الله (جلّ جلاله) أبينا ابراهيم من مدينة أور الكلدانية للرحيل الى أرض كنعان والتي تدل على وجودهم وقبل دعوة جلالته. ان الشواهد التاريخية من مدونات أثبتت بأننا من السكان الاصليين للبلد، لكوننا من الكلديين او الكلدان الرافديين الاوائل في وطننا ما بين النهرين. ولم يكونوا كأي شعب، واِنما وضعوا الأسس العلمية المختلفة وفي شتى المجالات اِن كانت زراعية او فلكية او عمرانية والتي شواهدها موجودة في آثارهم المتروكة ليومنا هذا، والتي تدعونا فخرا لأمتلاكنا لهذا الأرث العظيم. ونحن الكلدانيين الذين لنا الشرف بحمل هذه التسمية، علينا بوجوب التحرك نحو الكتل السياسية صاحبة القرار في بلدنا العراق، بأشعارهم بأننا لسنا باقلية ولا يمثلنا احد من مسميات اخرى دخيلة على أمتنا. وانما نحن الكلدان نمثل الشعب الاصيل ذي التاريخ والحضارة العريقة في بلدنا، مطالبين بحقوقنا اسوة بالشعوب الاصلية ووفق القوانين والشرعة الدولية التي اجازت بتميزها واعطاء حقوقها ومنها المنبر الدائم للشعوب الاصلية التابع للامم المتحدة.

بالاضافة الى اتفاقية المنظمة العمل الدولية ( رقم 169) بشأن حقوق الشعوب الاصلية والقبلية في البلدان المستقلة. والتي تعد أول اتفاقية دولية لحقوق الإنسان تخص الاحتياجات والأوضاع الخاصة للشعوب الأصلية. وقد قامت الاتفاقية بتحديد الخطوط العامة لمسؤولية الحكومات في حماية ودعم حقوق الإنسان للشعوب الأصلية.

وكذلك إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية (1992)ويعنى هذا الإعلان بحقوق وأوضاع مختلف الأقليات بما في ذلك العديد من الشعوب الأصلية.

وهنالك ايضا الفريق العامل التابع للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للنظر في مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

والذي يجتمع هذا الفريق العامل لدورة واحدة كل عام وذلك للنظر في ومناقشة مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية. وإن كان مشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية لن يشكل بعد اعتماده وثيقة قانونية ذات طبيعة ملزمة إلا أنه سيشكل مرجعية للمعايير الدولية المقبولة عموما فيما يخص حقوق الشعوب الأصلية خاصة فيما لو حظي اعتماده بالإجماع أو بأغلبية كاسحة مما يضفي عليه أساس قوي لحماية حقوق الشعوب الأصلية ومرجعية للتشريعات المحلية ذات الصلة.

انبثاق (الهيئة العليا للتنظيمات السياسية الكلدانية)

وقد استبشرت خيرا، عند كتابتي لهذا الموضوع وذلك عن خبر تشكيل الهيئة العليا للتنظيمات السياسية الكلدانية وذلك اثناء اجتماع معظم كوادرنا السياسية المتقدمة والمعنية في الشأن الكلداني في 23/07/2012 في مدينة سان دييكو الامريكية.والتي من خلالها تعهد الحضورببذل الجهود للتنسيق والعمل المشترك من اجل بناء موقف سياسي كلداني موحد في الوطن والدول المتواجدة فيها جاليتنا الكلدانية.

وكذلك التنسيق لتوحيد المواقف لأنجاح المؤتمر المزمع عقده في مشيكان الامريكية في الشهر التاسع من هذه السنة لتحقيق اهدافه، والذي يدعوا ايضا الى الوحدة الوطنية والقومية لأمتنا الكلدانية وبالعلاقة مع الشرائح والمكونات الاخرى من مجتمعنا.

انها تباشير الخير، ابتدأت ملامحها تظهر للعيان في الجهود المبذولة للخيرين من أبناء الكلدان الغيارى لتحقيق الهدف المنشود. بأخذ حقوقنا والحفاظ على تواجدنا في ارض الوطن وبحقوقنا المشروعة اسوة بالسكان الاصليين لوطننا العراق التي نستحقها وعن حق. ومن الله التوفيق.

عبدالاحد قلو

You may also like...