التحالف الكوردستاني ساهم بفعالية في إضعاف التيار الديمقراطي / بقلم : فلاح علي

 

تأريخياَ تعمقت روابطن نضالية تضامنية وطيدة وعلاقات تحالفية وتنسيق وعمل مشترك بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني وعمدت هذه العلاقة في ظروف النضال الصعبة وتجذرت في مرحلةالتحررالوطني من السيطرة الاستعمارية البريطانية وفي فترة النضال ضد الانظمة الدكتاتورية وكانت لهذه العلاقة النضالية المتميزة بين الحزبين قد أعطت بعد عراقي وأممي لدعم حق نضال الشعب الكوردي في نيل حقوقة القومية , وخاض الحزبان أساليب نضال متنوعة ومشتركة ومع بقيةالقوى الوطنية الاخرى على الساحتبن الكوردستانية والعراقية من أجل الديمقراطية ونيل الحقوق القومية للشعب الكوردي .

 

دورالحزب الشيوعي العراقي في دعم نضال الشعب الكوردي في العراق :

الحزب الشيوعي العراقي أول حزب سياسي في العراق يتبنى حقوق القوميات المكونة لشعبنا العراقي ومنها الشعب الكوردي وهذا نابع من موقف ومن سياسة وفكر وأممية الحزب الشيوعي العراقي , وكان مؤسس الحزب الشيوعي العراقي الخالد فهد قد جسد هذه المواقف والسياسات في خطوات عملية , منها ثبت حقوق الشعب الكوردي في برنامج الحزب الشيوعي العراقي , وأسس الفرع الكوردي لتنظيم الحزب الشيوعي العراقي في كوردستان وخاض نضالات جماهيرية في الاربعينات من القرن الماضي في مدن السليمانية وأربيل وكركوك من أجل الدفاع عن حقوق جماهير هذه المدن وتبنى مطاليب الفلاحين والعمال والكادحين ودافع عنها وتبنى الحقوق القومية للشعب الكوردي , وحارب الشوفينية وضيق الافق القومي وهيئ الرأي العام العراقي لدعم نضال الشعب الكوردي , نشرت الثقافة الجديدة لاحقاَ مذكرة الخالد فهد موجهه للحكومة آنذاك والرأي العام العراقي والعربي والعالمي ومن ضمن ما جاء فيها تدعوهم للوقوف مع الشعب الكوردي وتبني حقوقة القومية , وشعار الحزب الشيوعي في تلك الفترة ( على صخرة الاتحاد العربي الكوردي تتحطم كل مؤامرات الاستعمار والرجعية) لا يزال يحتفظ بأهميته وضرورته .

وفي عام 1957 عندما تشكلت جبهة الاتحاد الوطني رفض البعثيون وحزب الاستقلال والوطني وغيرهم إنضمام الحزب الديمقراطي الكوردستاني لجبهة الاتحاد الوطني إلا أن الحزب الشيوعي أكد على ضرورة وجود الحزب الديمقراطي الكوردستاني في جبهة الاتحاد وأقام تحالف ثنائي معه .

مواقف الحزب الشيوعي العراقي من الحرب في كوردستان في عام 1960 -1961 لا تزال صفحة مشرقة مجيدة للشيوعيين العراقيين ودخل في تلك الفترة المئات من الشيوعيين للسجون والمعتقلات بسبب المظاهرات التي شاركوا فيها والتي تطالب  ( بالسلم في كوردستان وتدعوا لحق الشعب الكوردي في نيل حقوقة القومية) وفي عام 1963 شارك الحزب الشيوعي في الثورة الكوردية وشكل قوات الانصار الشيوعية وخاض معارك بطولية للدفاع عن الشعب الكوردي وحقوقة القومية , ومن المعارك التي خاضها الانصار الشيوعيون آنذاك على سبيل المثال معارك جبل هندرين لا تزال حيه عبقة يتذكرها من عاشها ومن سمع عنها من أبناء شعبنا الكوردي .

وبعد جفوة عام 1973 العابرة عادت وتعمقت الروابط النضالية الكفاحية ففي أواخر عام 1979 خاضى الحزبان الكفاح المسلح ومعهم قوى كوردية جديدة على الساحة ( مثل الاتحاد الوطني الكوردستاني والاشتراكي وباسوك وغيرهم ) وتشكلت آنذاك تحالفات ( جوقد وجود) .

وفي تلك الفترة إنخرط في الكفاح المسلح ضمن قوات الانصار الشيوعية المئات من الاعضاء شابات وشباب الحزب الشيوعي العراقي والكثير من أصدقاء الحزب , ومن مختلف القوميات والاديان ومن كافة محافظات العراق , وبوجود هؤلاء الانصار في كوردستان أعطت للحركة المسلحة الكوردية بعداَ عراقياَ , وشهدت جبال كوردستان ووديانها وسهولها معارك بطولية خالدة خاضها الانصار الشيوعيين دفاعاَ عن كوردستان العراق وعن قراها وجماهيرها ودفاعاَ عن حقوق الشعب الكوردي العادلة ومن أجل الديمقراطية للعراق . والمئات من الشيوعيين إستشهدوا وضحوا بحياتهم وروة دمائهم الزكية أرض كوردستان الطاهرة لا تزال قبورهم في قرى وسفوح وديان وسهول  كوردستان شواهد على تضحياتهم لن ولن ينسى الشعب الكوردي مواقف الانصار الشيوعيين وبطولاتهم وتضحياتهم .

شعارات الحزب الشيوعي التي صاغها خلال مراحل النضال والمتعلقة بالقضية القومية للشعب الكوردي قد تطورت تبعاَ لتطور المرحلة من الحكم الذاتي لكوردستان إلى الحكم الذاتي الحقيقي لكوردستان إلى شعار الديمقراطية للعراق والفيدرالية لكوردستان .

كان الحزب الشيوعي العراقي يحرص على تهيأة الرأي العام العالمي للتضامن مع قضية الشعب الكوردي العادلة ففي تلك المحافل والمؤتمرات الاممية كان الشيوعيين العراقيين يبرزون نضال الشعب الكوردي العادل من أجل نيل حقوقه القومية ويدعون للتضامن معه ومع قواه الوطنية وتمكن الحزب الشيوعي العراقي من إضفاء بعداَ إممياَ للتضامن مع الشعب الكوردي وقضيته العادلة .

إني ليس هنا بصدد إستعراض مواقف ونضالات ودور الشيوعيين العراقيين من دعم وتبني والتضامن والتضحية من أجل حقوق الشعب الكوردي العادلة فهذه المواقف النضالية هي صفحات مشرقة ومجيدة للشيوعيين العراقين ودورهم في صنع تأريخ العراق السياسي الحديث فهي في ذاكرة الوطنيين والمناضلين وذاكرة الشعبين الكوردي والعراقي . ليس بصدد شرح التأريخ النضالي الطويل الحافل بالعطاء والتضحيات للشيوعيين العراقيين من أجل دعم نضال الشعب الكوردي وتبني حقوقة القومية العادلة ولكن ما أود طرحة هنا هو تقديم حالة نقدية لبعض مواقف  التحالف الكوردستاني بعد عام 2003 .

 

التحالف الكوردستاني قوض دور قوى اليسار والديمقراطية :

بعدسقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003 من خلال الحرب وإحتلال العراق ظهرت إستقطابات في المشهد العراقي غريبة على الشعب العراقي , فبدلاَ من أن تكون هذه الاستقطابات بأتجاه  تحالفات تيارات  سياسية أختير لها بأن تكون إستقطابات طائفية وقومية , وتجلت بشكل أكثر في تقاسم المناصب والصراع على السلطة وتقسيم الغنائم .

تعمقت هذه الاستقطابات قبل وبعد عام 2005 عندما تم التهيئ لاجراء الانتخابات البرلمانية آنذاك , فبدلاَ من تشكيل كتلة واحدة للاحزاب الوطنية والديمقراطية العراقية الممثلة لقوميات شعبنا المتآخية لخوض الانتخابات من أجل  بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد , نرى أن القوى الكوردية إنساقت وراءالمخطط الاميركي- الايراني , هو أن الشعب العراقي يتكون من السنة والشيعة والاكراد وبهذا بدأت الاستقطابات الطائفية والقومية وتشكلت الكتل الانتخابية على هذا الاساس وظهر التحالف الكوردستاني .

نتيجة إنتخابات عام 2005 وضعت اللبنة الاساسية للمحاصصة الطائفية والقومية في إدارة السلطة السياسية وفي تقاسم المناصب السيادية . رغم إنها سميت بالديمقراطية التوافقية ولكن من الناحية العملية إنها كانت محاصصة طائفية قومية بين الكتل الفائزة.

نتج عنها إختلال في الرؤية السياسية و الفكرية من قبل التحالف الكوردستاني , فهذا الاختلال تجسد في تقديم الرؤية القومية والمحاصصة الطائفية القومية على الرؤية الديمقراطية لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي .لقدتوهم قادة التحالف الكوردستاني بأن بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد يتم من خلال نهج المحاصصة بين الكتل الفائزة في الانتخابات .

ما أكدته تجربة السبع سنوات الماضية أن التحالف الكوردستاني كان طرف أساسي في الازمة السياسية وتعقيداتها التي مر و يمر بها البلد بسبب تمسكه بنهج المحاصصة الطائفية .

 

ما يؤكد تخلي التحالف الكوردستاني عن النهج الديمقراطي أذكر بعض الامثلة:

إن كان نهج المحاصصة الطائفية والقومية هو أحد المعطيات الاساسية التي تميزبهاالتحالف الكوردستاني رغم إدراكهم لخطورة هذا النهج  الذي ساهم في تعقيد أزمات البلد ومنها الازمة السياسية وعامل إضعاف للقوى الوطنية والديمقراطية و بنفس الوقت عرقل تطور العملية السياسية و لكنهم لم يتخلوا عنه وتأكد خلال السبع سنوات أن هذا النهج  خدم و يخدم مصالح فئوية ذاتية بدلاَ من تلبية مصالح الشعب ومستقبل الوطن وتطور العملية السياسية .

و حتى التطبيقات العملية للديمقراطية الحقة وقوانينها إخضعت للمحاصصة الطائفية والقومية والمساومات وإن كان من مثال أذكره هنا هو إقرار قانون الانتخابات البرلمانية , الذي أدخلوه في صفقة ذاتية بعيدة عن مصالح الشعب الكوردي و مصالح الشعب العراقي والتوجه الديمقراطي لبناء البلد , عندما صوتوا لهذه الصفقة لقانون الانتخابات اللاديمقراطي بتحويل العراق إلى دوائر وأن تكون المقاعد التعويضة للكتل الفائزة , هذا الموقف الذاتي البعيد عن  تعميق الديمقراطية وترسيخها جاء ليس في صالح قوى اليسار والديمقراطية في العراق والعملية السياسية وتطورها ولبناء المؤسسات الديمقراطية في العراق . وبهذا أعتقد أن التحالف الكوردستاني قبل غيره يفترض قد أدرك أن نهج المحاصصة الطائفية والقومية لايؤسس لنظام ديمقراطي فيدرالي في العراق . فهل يتخلى التحالف الكوردستاني عن هذا النهج ويتبنى النهج الديمقراطي ؟

وافقت قيادة التحالف الكوردستاني على أخذ المقعد التعويضي من الحزب الشيوعي الكوردستاني الذي حصل على 22 ألف صوت في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وتم إعطائة للقيادي في الاتحاد الوطني  الذي حصل على 4000 صوت أو أكثر بقليل . إذا كان الحزب الشيوعي الكوردستاني هو ضمن التحالف الكوردستاني ودخل الانتخابات كعضو في كتلة التحالف , وساهم بقوة في الدعاية الانتخابية للتحاف الكوردستاني وصوت أعضائه وأصدقائه وجماهيره للتحالف الكوردستاني . فلماذا عند توزيع المقاعد يعامل كطرف آخر أو كتلة أخرى وكأنه ليس مكون من مكونات التحالف الكوردستاني ؟ هل هذه ممارسة ديمقراطية؟ من يقف وراء هذه العملية ؟ ألا تعني أن هذه اللعبة إنها تعبر عن لغة القوة والهيمنة والاستئثار إضافة لكونها ممارسة غير ديمقراطية وتصرف غير واضح ؟

 

التحالف الكوردستاني أمام إختبار جديد :

القرار العادل الاخير الذي إتخذته المحكمة الدستورية في يوم 14-6-2010 الذي يستند للدستور و القاضي بعدم دستورية النص القانوني بمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة في إنتخابات مجلس النواب , وإعتبار النص الوارد في الفقرة ( رابعاَ) من المادة (3) من قانون تعديل قانون الانتخابات الرقم 26 لسنة 2009 نصاَ غير دستوري وبالتالي يعتبر باطلاَ , وتشير المحكمة الدستورية في حكمها إلى عدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور , وإستناداَ إلى أحكام المادتين (20) و(38/أولاَ) من الدستور قضت بعدم دستورية الفقرة آنفة الذكر (1)

الشعب العراقي بكافة قومياته ومعه كل قوى التيار الديمقراطي ينتظرون الآن الموقف الواضح من التحالف الكوردستاني ليؤكدعلى صدقيته في تبني النهج الديمقراطي , بأن يتخذ قراره الحاسم في إحقاق الحق وإرجاعة لاصحابه وفق الدستور , وذلك بأن ينتصر لقرار المحكمة الدستورية , ويقف مع كل قوى التيار الديمقراطي في المطالبة بتنفيذ قرار المحكمة الدستورية على إبطال نتائج التوزيع الغير عادلة والغير دستورية للمقاعد الشاغرة على القوائم الفائزة وإعادة توزيعها على القوائم والمرشحين الذين سلبت منهم ,تلك هي الترجمة العملية الجديدة لموقف التحالف الكوردستاني , هل يترجم موقفه العملي المنتظر لانتصارة للقانون والدستور والديمقراطية ويطالب الكتل الاخرى بتنفيذ قرار المحكمة الدستورية في هذه الدورة الانتخابية .

في الايام القادمة سيتعرف الشعب العراقي وقواه الوطنية والديمقراطية على موقف التحالف الكوردستاني من هذه القضية . فهل سينجح التحالف الكوردستاني في هذا الاختبار الجديد وينتصر للديمقراطية ؟

(1) المصدر . موقع الطريق الالكتروني التابع للحزب الشيوعي العراقي .

26-6-2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *