البطريرك الكلداني يطلب الحد الأدنى لشعبه من المجتمع الدولي

 

غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو يطرق كل الأبواب عند المسؤولين في الدولة العراقية وفي اقليم كوردستان ولدى رجال الدين المسلمين، ويجري المقابلات في الفضائيات ومع وكالات الأنباء والصحف ومع الشخصيات والوفود الأجنبية، كل ذلك أملاً في ان يجد بارقة امل في تخفيف معانات شعبه الكلداني وبقية مسيحيي العراق، انه وقت العمل، وقت التضامن، وقت نسيان الفروقات الدينية والمذهبية، إنه وقت الشدة والمحن يلقي بظلاله على كاهل هذا الشعب، وإن الصديق الصدوق هو من يمد يد العون والمساعدة اثناء الشدة.

لقد كانت قرى وبلدات ومدن كبيرة عامرة هادئة يسكنها شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين، يسكنون بمحبة في احياء ومحلات مدنهم: القوش، شرفية، تلسقف، باقوفا، باطنايا، تلكيف، بغديدا، برطلي، كرملش.. ويسكنون الى جانب جيرانهم من الإزيدية والتركمان والشبك والأكراد والعرب، ولا يكدر صفو هذا التعايش، إلا حوادث طفيفة بين آونة وأخرى، وهذا طبيعي، حيث ان افراد العائلة الواحدة معرضة الى مثل هذه الحوادث. المهم كانت الحياة تسير بنمط طبيعي مألوف، الفلاح متجه لحقله والطالب لمدرسته او معهده او كليته، والتاجر مشغول بتجارته والمرأة لتربية اولادها والأطفال منطلقين في عالمهم البرئ البعيد عن كل منغصات الحياة…

ذلك الروتين كان سائداً ويمكن التعايش معه، فبشكل عمومي ان الوضع السياسي والأمني لم يكن مرضياً، لكن كان يمكن التعايش معه، وربما كان العيش في هذه الأحياء افضل من العيش ببعض المدن من ناحية الأمن والأستقرار.

وإذا نظرنا ابعد سوف نلاحظ ان الخلل يكمن في العملية السياسية نفسها المبنية على قواعد البناء الطائفي، مما قسم العراق الى احزاب وتنظيمات وتكتلات طوائف متناحرة يسودها الأحتقان والكراهية والأنتقام، في ظل تلك الأوضاع كانت الأقليات الدينية تعاني الأمرين من دكتاتورية الأكثرية، ورغم ان الظلم والتهميش والعنف طال جميع المكونات العراقية بشكل وبآخر، إلا ان المكونات الدينية من المسيحيين والإزيدية والمندائيين كانت حصتهم من الضرر اكثر من غيرهم، إذ انهم تعرضوا بمدنهم الى التغيير الديموغرافي الخطير الذي هدد ويهدد بقلع جذورهم من وطنهم، حيث انهم السكان الأصليين بهذا البلد الذي اصبح اسمه العراق بعد الفتح الإسلامي وكان اسمه بلاد ما بين النهرين، ميسوبوتاميا قبل ذلك.

حكم صدام حسين تميز بالعلمانية، ولم نشعر بوجود تفرقة دينية، إذ كان النظام يسعى الى بناء وتعزيز سلطة، وكان صدام حسين هو الحكومة وهو السلطة وهو الدولة، ومن يعارض السلطة يصار الى تصفيته وليس مهماً من يكون هذا المعارض إن كان مسلم او مسيحي او ايزيدي، وتغيرت الأمور بعد الحرب مع ايران والدخول الى الكويت، حيث ضعفت السلطة وبدأ خطاب جديد تحت يافطة الحملة الأيمانية، ومن هناك بدأت بوادر الإقصاء الديني حيث تقرر في وقتها تدريس القران لغير المسلمين، واستطاعت الكنيسة إبطال القرار بحق المسيحيين، وعلى العموم لم يكن ثمة اي ضغط محدد ضد المسيحيين.

لقد فشل الفكر القومي، وبرز بعد سقوط النظام في 2003 حكم الأحزاب الدينية ذات الصبغة الطائفية، ومع ضعف السلطة وطغيان سيطرة الميليشيات، وفقدان الأمن اصبح مصير المكونات الدينية على كف عفريت، وفعلاً كان هنالك افعال إرهابية وتهديد وخطف وابتزاز بحق المندائيين والمسيحيين في مدن العراق مما سبب في الهجرة شبه الجماعية من تلك المدن إن كان الى مدن اقليم كوردستان او الى الدول المجاورة كمحطات الى دول الهجرة الدائمة.

وقع مسلسل طويل ورهيب ملخصه تفجير الكناس، وقتل المصلين في كنيسة سيدة النجاة واغتيال المطران فرج رحو واغتيال الأب رغيد كني ورفاقه ووو… والحديث يطول عن قصة الرعب هذه، ليبدأ فصل جديد من هبوب إعصار تسونامي المتمثل بمسلحي المجاهدين الذين عرفوا بمسلحي الدولة الأسلامية في العراق والشام، وعرفت اختصاراً بداعش، وبعد ذلك تحولت الى الخلافة الإسلامية، التي تسعى لأسلمة المسيحيين والأزيدية، او تصفيتهم وطردهم من المنطقة لكي يأتي اليها المهاجرون المسلمون من دول العالم.

في هذا الواقع المرير وفي هذه الغابة الوحشية يرسل البطريرك الكلداني نداءه الى الضمير العالمي لنجدة نحو مائة الف شخص هم ضحية الزلزال البشري المتمثل في الهجمة الإرهابية التي سبب بهجرة عشرات الآلاف من 13 بلدة مسيحية من سهل نينوى توزعوا في مدن وقرى في اقليم كوردستان إنهم يعيشون في مجموعات في اماكن عامة ليست مخصصة للسكن. ولا يلوح في الأفق بوادر حل لمشكلتهم.

إن وضع الحكومة المركزية الحالي لا يعول عليه، ولكنه يناشد الجهات المجتمع الدولي فيقول:

ننادي الولايات المتحدة الامريكية التي لا ينكر العالم نفوذها ويرى تحمـّلها الجزء الكبير من مسؤولية هذا الفراغ، ونحضّ الاتحاد الأوربي في مواقفه المتزايدة، وننتخي فروسية المواقف لدى زعماء الجامعة العربية، للتكاتف ضدّ شبح الإرهاب، والتحرك السريع لتحرير بلدات سهل نينوى من المقاتلين الجهاديين لتتمكن هذه العائلات من العودة الى بيوتها واستعادة ممتلكاتها والمحافظة على خصوصيتها الدينية والثقافية والتراثية من خلال تأمين حماية دوليّة فاعلة لحين استقرار المنطقة وتتمكن الحكومتان المركزية وحكومة اقليم كوردستان من فرض القانون.

ويختم نداؤه:

ويؤلمني ان اقول ليفتح باب الهجرة لمن يشاء، وما لم يتغير هذا الواقع، فإننا جميعا أمام وقوع مأساة ابادة بطيئة لمكّون أصيل بكامله وخسارة بلداتنا وتاريخنا وارثنا الثقافي!

علماً ان النداء كان باتفاق مع اساقفة الموصل.

حسب الرابط:

http://ishtartv.com/viewarticle,55580.html

اجل بعد آلاف السنين من العيش في هذا الوطن لم يطلب غبطته سوى الحد الأدنى لشعبه، فلم يطلب الحقوق القومية او السياسية، لقد طلب لشعبه الكلداني ولكل مسيحيي العراق حق الحياة وحق المأوى (السكن) اي ان الإنسان من حقه ان يعيش في بيته وأن يكون له املاكه. وأن يكون له حرية المعتقد والعبادة.

وأنا اختم هذا هذا المقال فاذا بالخبر السار عن تحرير تلسقف، فأقول شكراً لأمريكا وشكراً للبيشمركة.

http://www.ankawa.com/index.php?option=com_jfusion&Itemid=139&jfile=index.php&topic=749761.0

تحياتي

د. حبيب تومي
اوسلو في 18/08/2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *