الايزيديون والمسيحيون.. بين الباندا والكركدن..!! / خدر خلات بحزاني

طباعة

إرسال إلى صديق

alt

 

بصراحة، كان من المغري جدا لي ان أعنون موضوعي هذا تحت عنوان “محمية طبيعية للايزيديين والمسيحيين” ولكن بسبب حذري من جهل بعضهم، وضعت له عنوان اقل ابتذالا واكثر بعدا عن الواقع الاليم..!
قبل فترة اتصلت بنائب ايزيدي في مجلس النواب العراقي لاجل اعداد تقرير اعلامي لاحدى وكالات الانباء التي اعمل لها، فقال لي ما معناه ان “الايزيديين في العراق امسوا الديانة الثانية في العراق، وباعتراف النواب المسيحيين، بسبب الهجرة الواسعة للمسيحيين خلال العقد الماضي الى خارج البلاد”.. وتابع بالقول “بحسب ارقام النواب المسيحيين انفسهم، فان عدد المسيحيين كان بنحو مليون ونصف المليون قبل 2003 وان اكثر من نصفهم غادروا العراق، وبما ان عددنا يربو عن الـ 700 الف نسمة فقد اصبح عددنا نحن الايزيدية اكثر من عددهم، وتبوءنا الترتيب الثاني في عدد اتباع الديانات ف
ي العراق”..!!
هذه المعلومة، ومهما كانت تحمل من الدقة من عدمها، فهي لم تفرحني كايزيدي ابدا، وانا لم احلم ان ننال الميدالية الفضية في سباق عدد نفوس واتباع الاديان في العراق.
وزاد حزني لان لغة وارقام التاريخ والجغرافية في بلاد الرافدين بعيدة جدا جدا عن مساحات الفرح والاحتفال بهذه الارقام البائسة..
لا ادعي انني املك اية ارقام لاعداد الايزيديين او المسيحيين، لا سابقا ولا حاليا، ولكن الذي اعرفه ان هناك عشرات ومئات وربما الاف القرى والبلدات التي تتناثر في العراق وبضمنه اقليم كردستان، تحمل اسماءا ايزيدية (كردية) ومسيحية صرفة، لكن لا يقطنها سوى اقلية منهم الان او انها تخلو منهم تماما.
ولكنني اعرف، مثلا، ان اسم البصرة القديم هو اسم سرياني، وكانت تسمى (ترادن) اي بوابة ارض عدن، وقبل اشهر قليلة اكتشفت مديرية الاثار العراقية اثارا مسيحية في محافظة النجف.. ووو الخ.
وقبل قرن ونصف كان الايزيديون يقطنون في سهل اربيل وفي قلب كركوك واطرافها، وكان عشرات او مئات الالاف منهم في تركيا وسوريا.. والان ليس هناك سوى بضع مئات او اقل ربما..
اليوم، انكمشنا معا ايزيديين ومسيحيين، في اضيق نقطة جغرافية محاطة بمختلف المكونات التي تزحف علينا، تارة غزوا، واخرى بحكم الاخوة، وثالثة لا اعرف ماذا اسميها، لكن التضييق والزحف علينا جغرافيا امسى واقعا، وواقعا اليما ومرّا..
وها نحن نعيش، اليوم، في بضعة عشرات من الكليومترات التي ليست صافية، بينما كنا نعيش ونعمل ونزرع ونحصد ارض آباءنا واجدادنا التي مساحتها مئات من الكليومترات الصافية.
اكبر مشكلتنا كايزيديين وكمسيحيين مع جيراننا الذين لا يطيب لهم الا الاستيطان بيننا وفي عقر ديارنا هو ان امالنا تتطابق احيانا مع القيادات فقط، ولكنها تصطدم دائما في القاعدة ( لا اقصد تنظيم القاعدة، الله يبعدنا ويبعدكم عنهم) بل اقصد القاعدة الشعبية..
والمصيبة، انهم يحلون بيننا كضيوف في البداية، ثم يتكاثرون، ثم يفرضون قراراتهم علينا.. ثم تنتهي المسرحية اياها منذ عدة قرون باحدى النتائج التالية التي تنتظرنا: نهجّ اي نشلع، او نهاجر، او ننقلع، او نولي الادبار الى مكان ما ياوينا.. اي اننا ننكمش او نتلاشى او نذوب، وبتعبير المدافعين عن حقوق الحيوان ” ننقرض او نوشك على الانقراض”.. الم اقل لكم انني كنت اريد تسمية المقال “محمية طبيعية للايزيديين والمسيحيين”..؟
وعند وقوع اي اعتداء علينا، نطالع وجوههم الحزينة في الفضائيات، بدءا من بسطائهم وصولا الى اعلى القيادات تشجب وتستنكر وتدين ولسان حالها يقول (خطية الايزيدية والمسيحيين من اهل الله، والله ما يقبل بالاعتداء عليهم كلهم مسالمين ووو الخ) ونبكي على انفسنا ونكاد نصدق اذاننا ونكذب عيوننا ونتصور او نعتقد ان الذين اعتدوا و يعتدون علينا اتوا من كوكب المريخ او نبتون..!!
في مجاهل افريقيا المتخلفة والجائعة يسوّرون مئات الكليومترات حفاظا على انواع محددة من الحيوانات، باعتبارها ارث وطني.. بينما نحن الذين نعتبر انفسنا جزءا مهما من الفسيفساء الاثني والوطني في العراق لا يلتفت لنا احد، والاضطهادات والاعتداءات تقع علينا بين حين واخر، وننكمش جغرافيا حتى اقتربنا من نقطة التلاشي.. اخشى ما اخشاه ان يتم التخلي عن فكرة “محمية طبيعية” والتمسك بوضع “كم نموذج منا في حديقة عامة داخل اقفاص” للدلالة على وجودنا في مكان ما، في زمن ما، بوطن ما..
 
 
Khederkh2008@yahoo.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

You may also like...