الانهيار المالي العالمي…! الارضية الخصبة لترهيب الشعوب؟! بقلم سليمان يوحنا

مؤخرا وصلتني عدّة رسائل الكترونية تعبر عن القلق لما يجري من المستجدات والتطورات المتسارعة حول الانهيار المالي العالمي والذي بدت ملامحها اكثر وضوحا للاغلبية من الذين ساروا مع ” التيار السائد في تصديق كل ما كان يقال في الاعلام والتصريحات الحكومية حول عدم وجود اي أزمة اقتصادية ….”؟! ،  وبالذات في ضوء ما يجري من تسارع الاحداث مؤخرا في “اوربا- الولايات المتحدة “وما سيتبعه عالميا ! وكالعادة ومنذ سنوات في محاولة وضعكم بالصورة الممكنة بما يجري وراء الكواليس الاقتصادية / المالية والسياسية  والاعلامية !! أرسل لكم ادناه بعض المعلومات بصورة مختصرة وتعقيبا لما ارسلته قبل حوالي ثلاثة اشهر حول احتمال انهيار الدولار الامريكي بخطوات هي في طور التصاعد حاليا ما لم يتم تشريع مشروع قانون كلاس ستيكل (Glass Steagall Act) المطروح حاليا للتصويت في الكونغرس الامريكي والذي وصل عدد الذين تعهدوا بتبنيه من اعضاء الكونغرس في حال طرحه للتصويت بما يكفي لإقراره ولكن ” اوباما” يحاول كل جهده في منع طرحه للتصويت وكما فعل في السنتين الماضيتين ؟؟؟!! حاليا، هناك صراع سياسي داخل الكونغرس والمؤسسات الحكومية من جهة وبين ادارة اوباما من جهة اخرى ! ستتوضح معالمها علنا في الاسابيع القادمة ـــــ  إما تبني الحلول الجذرية والتي طرحت من قبل الاقتصادي والسياسي” ليندون لاروش” منذ عام 2007 وبخلافه فلا مفر من حتمية أستمرار الانهيار الاقتصادي والمالي والمزيد من سياسات التقشف الصارمة والفوضى واللجوء في ظل الايدولوجية السياسية السائدة في الدول الغربية نحو انظمة لا تختلف عن الانظمة الدكتاتورية لفرض المقاييسس التي لن تخدم الا طبقة النخبة المالية الذين يسيطرون على ما يقارب ال 75% من مقدّرات المصارف العالمية ” انتر الفا كروب Inter Alpha Group  “ـــــــــــ  ” لقد وجّه لاروش تحذيرا في إجراء” إستباقي” في الاسبوع الماضي بالمضمون التالي:  ليس من المستبعد حصول اغتيالات سياسية وتغيير انظمة وحدوث عمليات ارهابية نوعية كما حصل في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لأجل الدفع نحو اعطاء الحكومات التي هي رهينة المصارف العالمية غطاء قانوني وصلاحيات تنفيذية لإمرار قوانين طوارىء بحجج الارهاب او التهديد لأجل كبت الاصوات او المؤسسات المدافعة عن حقوق شعوبها المحتجّة على اجراءات التقشف الصارمة !  ـــ  قبل 3 ايام اصدر الرئيس الامريكي امرا رئاسيا يعطي لنفسه الحق ويخوله اصدار قوانين تنفيذية طارئة ضد اي تهديد تنظيمي، سياسي، اقتصادي ….؟! ”

ان جميع محاولات الانقاذ والتجميل والانعاش والترقيع للمصارف العالمية الخاصة ” النظام المالي” وبدأ من عام  2008 في اكبر عملية سرقة  لاموال دافعي الضرائب “العامة” في التاريخ الحديث واضطرار الدول لطبع المزيد من السيولة النقدية باءت بالفشل كليا وادت الى التضخم “Inflation ”  مما افقد ويفقد اغلب العملات الرئيسية وبالذات ” عملة الاحتياط العالمية” قيمتها الفعلية والشرائية واذا ما تم الاستمرار بنفس النهج حينها سنواجه وضعا شبيها بما جرى في المانيا عام  1923بحيث تصبح النقود لا قيمة لها نتيجة التضخم الشديد “Hyperinflation ” مما يعني فقدان الناس لمدخراتهم وجهود السنين كما حصل في العراق في عام 1990 وصاعدا!  وهذا بالضبط ما يحاول اوباما فرضه على الكونغرس الامريكي حاليا في المفاوضات الجارية للحظة بين الجمهوريين والديمقراطيين. علما ان اي اجراء او رتوش مهدئة تتخذ من قبل الكونغرس في محاولة لانقاذ هذا الانهيار سوف لن تستمر الا لعدة اسابيع او بالكاد اشهر قليلة لأن القانون الطبيعي يحتّم الانهيار الحالي ! لا شيء ولا أحد بمقدوره انقاذ هذا النظام، لكن بمقدور النظام أن يجر الجميع معه نحو الهاوية. وهذا ما يجب وقفه.

الازمة اليونانية

لقد سمعتم بمصطلح “ أزمة اليونان”  وهذا المصطلح زائف ومضلل لأن كل دول اليورو وحتى باقي دول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة مفلسة مثلها مثل اليونان وربما أكثر لأننا رأينا مؤخرا دولا تفوق ديونها السيادية  أكبر من اليونان مثل ايطاليا التي تعد ثامن اكبر اقتصاد في العالم  والتي اضطرت قبل اسبوعين على فرض  إجراءات تقشفية بمقدار “54 بليون يورو” في محاولة يائسة لمنع إنجرارها الى المصير اليوناني؟ أما اسبانيا فهي على المحك والتي ستقصم ظهر المصارف البريطانية  المرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنوك الاسبانية، وذات الامر ينطبق على البرتغال وايرلندا التي تحتاج كميات هائلة من النقد قريبا لدفع الديون المترتبة عليها. لقد تحولت أزمة الديون السيادية هذه منذ مدة إلى أزمة مصرفية، وفي نهاية المطاف إلى ازمة انهيار لعملة اليورو ذاتها. إننا أمام أزمة انهيار نظام برمته وليس أزمة دولة أو مجموعة دول !! علما  أن العلاج المطروح حاليا من قبل صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الاوربي ستؤدي إلى موت المريض الذي هو الاقتصاد العالمي. فحزم الانقاذ النقدي التي هي عمليات طبع نقود ستؤدي إلى تضخم فائق كما ذكرت اعلاه ، وأما حزم التقشف الاقتصادي فستؤدي إلى انهيار الاستثمارات في القطاعات الانتاجية للمجتمعات وهي القطاعات التي لا بد من إحياءها في أية عملية إعادة بناء لاقتصاد. وحسب بيان لاروش، يشكل التفكير الاقتصادي بين قيادات اوربا حاليا عدم كفاءة وغباء يصعب تصديقه. فسياسة التقشف المفروضة على اليونان الآن تعني قطع المستوى المعيشي بنسبة 30% !!  لقد فرض الاتحاد الاوربي على الحكومة اليونانية  شروطا قاسية لأجل إقرار حزمة انقاذ مالي لليونان قدرها 104 مليار يورو، ليتم تمريرها عبر صندوق النقد الدولي ومؤسسات الاتحاد الاوربي. في ذات الوقت كان المتظاهرون في شوارع اليونان يعلنون أنهم لن يتسامحوا مع الشروط الاجرامية القاتلة التي فرض على الحكومة اليونانية قبولها لإقرار حزمة الانقاذ. وتشمل هذه الشروط قطع الانفاق الحكومي في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم بنسبة 10% أو أكثر وخفض مرتبات الموظفين والمتقاعدين ورفع سن التقاعد وغيرها مما يؤدي إلى سحق الطبقة المتوسطة والاقتصاد عموما إلى أجل غير مسمى.؟ اليس هذا دليل على ان ما يسمى بحزم انقاذ الدول ليس إلا خديعة لأاجل انقاذ المصارف الخاصة مؤدية الى تدمير قدرة خلق فرص العمل، ناهيك عن عدم قدرة البلد في الاستثمار في أي من مشاريع البنية التحتية والصناعة على مدى سنين. إن هذه السياسة، تشبه سياسة التقشف التي فرضت على ألمانيا من قبل الحلفاء لدفع تعويضات الحرب العالمية الاولى، وهي تشابه سياسة التقشف التي اتبعتها حكومة برونينج الالمانية في بداية الثلاثينات وأدت إلى تزايد السخط الشعبي وشعبية الحزب النازي.

حتمية انهيار النظام الماليالنقدي

ليس نظام اليورو هو وحده الذي أفلس، بل النظام المالي العالمي بأسره !وإفلاسها أصبح امرا واقعا منذ صيف عام 2007. لكن حزم الانقاذ من حكومات الولايات المتحدة واوربا هي التي أبقت هذه الجثة الهامدة في غرفة الانعاش. إن أزمات الافلاس السيادي لدول مثل اليونان والبرتغال واسبانيا وايرلندا وايطاليا (وقبلها دبي التي تعيش حاليا بحبل سري مالي من أبوظبي) هي مجرد أعراض الانحلال النهائي للعبة الامبراطورية البريطانية المالية ونظامها المصرفي.
نظام العولمة والمضاربات الذي خلق كل أنواع الاوراق المالية الزائفة لبيعها للمغفلين من الافراد والحكومات، كما تشهد على ذلك فضائح المصارف الامريكية مثل جولدمان ساكس مؤخرا. النظام كله كان في العقود الثلاثة الأخيرة مجرد عملية نصب واحتيال كبرى وها هو ” اوباما ” يحذر علنا من ان امريكا ستحذوا حذوا اليونان وغيرها في ما بعد الثاني من اغسطس القادم! ويطالب الكونغرس برفع سقف الديون الى 20 تريليون! عجبا، ان لم تستطع دفع ديونك الحالية كيف تطالب بالمزيد من الديون وقطع شرايين الحياة للشعب عن طريق امرار سياسات التقشف ” الاستقطاع” بقيمة ما يقارب 3 تريليون ” 3000 بليون دولار” من القطاع الصحي والخدمات الاخرى..
وقد شدد ليندون لاروش في الاسابيع الماضية على ضرورة نقل هذه الصورة عن الواقع الفعلي للوضع العالمي مرارا وتكرارا حتى يفهمها الجميع فهما جيدا. الامبراطورية البريطانية “المالية” قد انتهت، كل عملية الاحتيال المسماة “الاتحاد النقدي الاوربي” قد انتهت، وهي لعبة فرضت على المانيا واروبا فرضا على يد مارجريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا سابقا، والعوبتها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وأيضا الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الأب، وذلك لمنع ألمانيا الموحدة عام 1989 من لعب دور ايجابي في باقي اوربا واوراسيا اقتصاديا عن طريق تكبيلها بصخرة العملة الاوربية وشروط المعاهدات الاوربية المرتبطة بها. واليوم تحاول لندن ابتزاز المانيا لدفعها لانقاذ العملة الاوربية، لكن هذا لن يحصل، وحتى وإن حاولوا فلن تنجح عملية الانقاذ على أية حال. إن لندن تحاول تدمير المانيا بينما بقية اوربا تنغمر في مستنقع الانهيار. وطالما بقيت فكرة أن الامبراطورية البريطانية هي التي تنهار غير مفهومة في أوساط السياسيين الاوربيين، فسيتم أرتكاب الاخطاء.
حتى بعض رجالات المؤسسة السياسية الامريكية بدأوا يدركون بعض جوانب هذا الواقع. فمثلا كتب ديفيد اجناتيوس (عميل المخابرات المركزية الامريكية سي آي أي الذي أصبح كاتبا) مقالة مذعورة في صحيفة واشنطن بوست مؤخرا يحذر فيها من أن عجز حكومة اليونان عن سداد ديونها، وهو أمر حتمي، قد يطلق عدوى وذعرا شبيها بما حصل في وول ستريت عندما انهار مصرف ليمان براذرز عام 2008. أما انتشار الأزمة إلى البرتغال واسبانيا ايرلندا وايطاليا فهو امر محتم أيضا، ونتيجة ذلك ستكون هناك هجمة مذعورة لسحب الودائع من البنوك الاوربية الحاملة لهذه الديون المسمومة. ويحذر اجناتيوس من أن تتحول أزمة الديون السيادية إلى أزمة مصرفية. أما صحيفة نيويورك تايمز فقد كانت أكثر دقة، حيث قدمت رسوما بيانية عن انكشاف جميع البنوك الاوربية الكبرى امام العجز عن سداد الديون السيادية (أي مقدار ما يحمله كل بنك من ديون هذه الدول) لدول جنوب اوربا. فعجز أي بلد سيؤدي إلى إحداث هزات زلزالية في باقي الدول، حسب وصف الصحيفة. ووفقا لتقرير نيويورك تايمز، المبني على إحداثيات من بنك التسويات العالمي (BIS) حول الديون السيادية المشتركة عبر حدود مجموعة الدول هذه، فإن الدول الخمسة لديها ما يساوي 3.9 ترليون دولار من الدولار لدى بعضها البعض، ولكنها أيضا مدينة بشكل أساسي لالمانيا وبريطانيا وفرنسا.
إن ما جرى في الحادي عشر من الشهر الحالي ليس عملية انقاذ لليونان. بل عملية انقاذ لنظام اليورو، حسب ما قاله ايريك فاين مدير إحدى صناديق التحوط لصحيفة تايمز. لكن في الواقع إن ما ينهار الآن قطعة فقطعة في ماراثون الافلاسات هو ليس نظام اليورو. إنها الامبراطورية البريطانية.

البديل للبقاء

لذلك، ليس هناك امل لإعادة بناء اقتصاد الامم مالم يتم استبدال نظام الامبراطورية البريطانية ” النظام النقدي”، حسب رأي ليندون لاروش، بنظام سيادي ” الائتماني” من خلال تطبيق برنامج قانون جلاس ستيجال عالمي الذي يطالب لاروش بإعادة العمل به في الولايات بعد ان تم إلغاؤه عام 1999 في الكونجرس الامريكي لفتح الباب حينها أمام المصارف والمؤسسات المالية الأخرى للانخراط في المضاربات المالية العالمية بأموال المستثمرين والمودعين وكل ما وصلت إليه أيديهم وأيضا مكن هذه البنوك من إصدار الاوراق المالية الزائفة والمتاجرة بها.
وكان قانون جلاس ستيجال (Glass-Steagall) قد تم سنه في عام 1933 في عهد الرئيس فرانكلن روزفيلت كوسيلة لإعادة العمل بالنظام المصرفي الامريكي الأصلي وهو نظام أليكساندر هاملتون (Alexander Hamilton) المبني على أساس تحمل الدولة مسؤولية السيطرة على العملة والإئتمانات وتوجيهها نحو تطوير الاقتصاد الفيزيائي للأمة وليس جني الارباح لثلة من المصرفيين والتجار والمضاربين الذين دمروا اقتصاد الولايات المتحدة بالتعاون مع مصرفيي لندن في العشرينات من القرن الماضي وادخلوا الولايات المتحدة والعالم في الكساد العظيم. وكان قانون جلاس ستيجال قد فرق بين المصارف التجارية (commercial banks)  والشركات المالية أو المصارف الاستثمارية (investment banks) ووضع المصارف التجارية التي يودع فيها المواطنين اموالهم وتقرضها البنوك للافراد والشركات لنشاطات اقتصادية فعلية تحت حماية الدولة وضماناتها وتعويضاتها، بينما لا تحضى الشركات المالية المضاربية بتلك الحماية لأن نشاطاتها مضاربية تخريبية. وقد وفر هذا القانون الاستقرار المالي والمصرفي للولايات المتحدة الذي مكن الرئيس روزفيلت من شن حملته الاعمارية الكبرى في ذلك العقد وأحيا اقتصاد الولايات المتحدة كأكبر وأقوى اقتصاد صناعي في العالم، وكل ذلك عن طريق إئتمانات حكومية طويلة الامد وبفائدة منخفضة موجهة نحو بناء مشاريع بنى تحتية عملاقة كالسدود وسكك الحديد والطرق وقنوات المياه والمستشفيات والمدارس وجلب الطاقة الكهربائية للريف الزراعي الامريكي.
وقد كان إلغاء ذلك القانون عام 1999 في الكونجرس بتحريض ودفع من وول ستريت وعميلها في إدارة كلنتون وزير المالية لاري سامرز ورئيس بنك الاحتياط الفدرالي الان جرينسبان، خيانة للولايات المتحدة وتراثها القومي الاقتصادي والسياسي الفريد، حسب رأي ليندون لاروش. واليوم يخدم سامرز كمستشار اقتصادي أول للرئيس باراك اوباما الذي يطالب لاروش بعزله هو أيضا.
ولكن اليوم تتعالى الأصوات في الكونجرس والشارع الامريكي بإعادة العمل بذلك القانون في ظل الانهيار المالي والاقتصادي الجاري وأيضا انكشاف النظام المصرفي الانجلوامريكي باعتباره عملية احتيال كبرى لم يشهد التاريخ لها مثيل.
ويقترح لاروش وضع جميع البنوك والمؤسسات المالية الامريكية تحت إجراءات افلاس حيث يتم التحقيق في جميع حساباتها وبحيث يتم عزل الاوراق المالية المضاربية الزائفة عن الأصول المالية ذات العلاقة بعمليات اقتصادية أو تجارية مشروعة. أما الزائف فيجب إلغاؤه أو تجميده إلى أجل غير مسمى، وأما الصالح فتتم المحافظة عليه وحمايته بضمانات من قبل الدولة لضمان عدم انهيار كل النظام المصرفي، عن طريق إزالة الورم السرطاني المضاربي. ولا يتم تعويض مالكي الاوراق المالية الزائفة إطلاقا حسب هذا القانون. ولكم مني كل المحبة والاحترام.
يرجى المراسلة على البريد الالكتروني في حال وجود اي استفسار .

اخوكم
سليمان يوحنا
29/ 7 /2011
sy@cecaust.com.au
الرابط ادناه باللغة الانكليزية والعربية لمؤسسة لاروش العالمية:
www.larouchepac.com
http://arabic.larouchepub.com/

You may also like...