الأنكفاء والأزدواجية وصعوبة الأندماج..نقد.. مسار الجاليات العراقية خارج الوطن

وصف الشاعر – نزار قباني – معاناة الأنسان العربي

مواطنون دونما وطن , مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن , مسافرون دون أوراق , وموتى دونما

كفن ,نحن بقايا العصر , كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن .!!مواطنون نحن في مدائن البكاء ..قهوتنا مصنوعة

من دم كربلاء ,معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا.؟ معتقلون داخل الدين كما فسره أمامنا.؟ حين تلفتنا

وجدنا المخبر السري في أنتظارنا.؟

 

 لهذه الأسباب وغيرها مجتمعة, يضطر الأنسان العربي على الهجرة الى أرض الله الواسعة .!!, كما صرح

تيرينس-أنا أنسان ولا شئ أنساني غريباً عني! ليعيش باقي الحياة حراً, فلاحياة مع اليأس .!

 

 مستبشرين بقوله تعالى-ولاتقنطوا من رحمة الله -لكل منكم شرعه ومنهاجا-وحسب الباحثين منهم د.هاشم

نعمه- فأن ظاهرة هجرة العراقيين الى الخارج ظاهرة حديثة لم يعرف تأريخ العراق المعاصر لها مثيل,

بأستثناء هجرة اليهود العراقيين الى أسرائيل,وتقدربعض الأحصائيات عدد العراقيين الموزعين في بلدان

العالم -حوالي 4أربعة ملايين-شخص منتشرين أغلبهم في قارة أوربا وأمريكا وأستراليا وغيرها, هم نتاج

هجرات متقاربة بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وفي نهاية العهد الملكي في العراق عام 1958 –

وقبلها حيث تشكلت أول نواة للجالية العراقية في بريطانيا عام1952 ثم في ألمانيا وفرنسا وسويسرا

وبلجيكا-, وكانت المجتمعات الأوربية في ذلك الزمان غير منفتحه و غير مستعدة لأستقبال المهاجرين

الأجانب ,كمايعتبرونهم ضيوفاً مؤقتين لابد لهم العودة لبلدانهم.؟ ثم توالت في أحداث 1963و1968 وأستمر

 التهجيروالهجرة خلال السبعينات وزادت في الثمانينات والتسعينيات نتيجة الحروب ونتائجها السياسية

والأجتماعية والأقتصادية حيث شملت الهجرة المواطنين من الطبقة الوسطى وأعداد كبيرة من الكفاءات

المهنية والأكاديمية والعلمية, بفعل فقدان عوامل الأمن وزيادة الحصار والمضايقات السياسيه؟وتعاني بعض

الشرائح العراقية المهاجرة من مشكلة تأهيلهم وتنظيم حياتهم وصعوبة أقامة علاقات وديه مفيده مع الآخرين

 من ثقافات متعددة في دول الغرب.؟ وتشكلت مجالس للجالية العراقية في كل دولة وتسعى جاهدة لتعزيز

أوضاع العراقيين وتهدف لتلبية الأندماج والتنوع بغض النظر عن الخلفية القومية أو الدينية مع فهمنا

للتحديات والمشاكل التي تواجه العراقيين في الغربة.!ويحاول مجلس الجالية ومنظمات المجتمع المدني

الأخرى تذليل الصعوبات من حيث الأستقرار والتوظيف والأجراءات الرسمية ومشاكل الشباب وغرس

الأنتماء الوطني وتعميق أواصر المحبة والصداقة مع الوطن الأم ومع الوطن الذي يقيمون فيه ,والأسهام في

 تعزيز العلاقات بين هذه الدول والعراق وتنشيط الأتصالات لمنفعة الجميع.والقيام بمبادرات ونشاطات ثقافية

 فنيه وأجتماعية ,لأبرازالفهم حول العراق وتأريخه الحضاري المجيد, لقد واجه أغلب المهاجرين العراقيين

في الغرب مشكلة الأنكفاء على ذاتهم وصارأندماج المهاجرين أحد المعضلات ولم يستوعبوا التغيير الذي

حصل فجأة على طراز حياتهم , ولم يحاولوا الأندماج السريع في المجتمعات الأوربية أو الأجادة للغة الدولة

لتمكنهم الأنخراط في مدارس تؤهلهم للعمل أو الأستمرار بالدراسة.! بل فضل أغلبهم تكوين تجمعات خاصة

فيما بينهم , فالأبناء الأحداث يشعرون أنهم أوربيين في الوطن ومسلمون في الدين , ولهذا لم يسجل لهم

حضور فاعل يحسب له حساب! لمجالس الجاليات العراقية ولاحتى الجاليات العربية الأخرى في صميم

المجتمعات الغربية.! بسبب هذا الأنكفاء ؟

 

يفخر أفراد الجاليات العراقية بأنتماءهم للأسلام المتوازن المتسامح ومنهم مسيحيين- بكل الأطياف- وصابئه

مندائين ويزيدين يعتزون بوطنهم ومن قوميات متنوعة كباقة ورد عطرة عربية وكردية وتركمانية وغيرها,

 ويسعون لمشاركة الجاليات الأخرى في مناسباتهم , لكنهم يفضلون الأبتعاد عن المتزمتين المتمسكين بنهج

السلفية الجامدة.! ويعتبرون وجودهم متعباً لكل المسلمين,بسبب تطرفهم وميلهم للتكفيروتهميش الغير؟

وجهلهم بلغة الحوار والنقاش المجدي وتحركهم بذلك عصبيتهم وعدم أعترافهم بالرأي الآخر.؟

 

قالت- السيدة عبير السهلاني -عضو في حزب الوسط السويدي وعضو البرلمان الأوربي,التي نجحت في

الأندماج بالمجتمع الجديد الذي تعيش فيه وتمكنت من تولي مسؤؤليات أجتماعية وسياسية مرموقه,. .أنها

تأسف لعدم تمكن الجالية العراقية في أوربا بشكل عام , والسويد بشكل خاص ,من الأندماج في المجتمعات

التي تعيش فيها, مما خلق لها مشاكل كثيرة وجعل التأثيرات السلبية للمهجر تطغى على أيجابياته.! نحن

لدينا مشكلة أننا نعيش أزدواجية الثقافات وأزدواجية المجتمع,وأيضاً نحن العراقيون لم نستطع أن

نندمج ,وأهم المشاكل التي تواجهها معظم العوائل العراقية في دول المهجر ,عدم أندماج الوالدين في المجتمع

 الذي يترعرع فيه أطفالهم .؟ الأمهات تحس دائماً أنها لاتستطيع أداء واجب تربية الأطفال لوحدها في

الخارج لأن أغلبهن ليس لديهن معرفة باللغة الأجنبية , ولدينا أيضاً بعض حالات تمرد الأحداث على

عوائلهم.! وننصح المهاجرين واللاجئين الجدد أن يلتزموا بقوانين البلد المقيمين فيه, حيث توجد لدينا بعض

العادات والتقاليد تتضارب مع القوانين الأوربية ,أن العادات تشكل عقبات كبيرة جداً, وتسبب مشاكل كبيرة

جداً داخل العائلة العراقية المهاجرة.

 

ننقل بعض الملاحظات عن تجربة بعض مجالس الجاليات التي تشكلت في دول أوربا قبل عدة سنوات أن هذه

 المجالس والجمعيات قدمت بعض الأنجازات الملحوظه لكنها لاترتقي الى مستوى الطموح, مع أن الكثير

منهم يمتلكون الخبرة والتجربة المهنية,غير أنهم لازالوا يعانون من الأنقسام والضعف وعدم توحيد الرؤى

وتناقض الخطاب وتشتت الأهداف وأنانية البعض في الطرح وميل آخرين الى الخطابات الرنانه والمزايدات

في الوطنية على البعض الآخر؟ ومنهم من يعالج الأمور أو الأخطاء بالأحتجاج والأنفعال وينسى أستخدام

الأساليب المتحضرة.!كما يبدو الأبتعاد عن الشفافية والوضوح والأقصاء والمصلحية مع أنعدام الثقة بين

جماهير المغتربين يتخللها قلة المصداقية مع الآخرين الذين ينتظرون تطميناً أكبر,ورفض البعض من

الهاربين من فاقدي السلطة والموالين للنظام السابق ل-التغيير- وعدم الأيمان بعراق ديمقراطي تعددي جديد

 , يؤكد عدم أحترام هؤلاء للخيارات الديمقراطية.! لحد الآن؟

 

    لم تصل الجاليات الى حلول مناسبة لتأسيس مجالس جاليات كفؤءة بأدوات وطنية أصيله, ذلك لأتساع

 القضايا التي يتوجب معالجتها,منها الدفاع عن المصالح الجوهرية – للوطن الأم العراق-وحقوق أبناءه

المهاجرين رغماً أو طوعاً,ولم تستفد هذه المجالس من الدروس السابقة لتصحيح الأخطاء لحصر البعض من

الفوضويين والأنتهازين وحصر تصرفاتهم و الذين لايمثلون رأي وصوت الجالية ولا يشكلون أي ثقل فيها.!

مع ثقتنا وتأكيدنا بالأتفاق مع آراء من سبقنا القول بأن هذه المشاكل والأنقسامات لن تدوم طويلاً ,بل

ستعالج وتخف حدتها مع مرور الزمن ,حيث يستكمل تفهم ونضوج آراء البعض الآخر كلما أزدادت

التوجهات الطيبة للخيرين والمخلصين من أبناء العراق ,ومعالجة ضعف و قصور التواصل المباشر بين

مختلف مجالس الجاليات في كل البلدان التي يعيش فيها العراقيين, عليه يجب أن تنشط الجاليات في أقامة

الفعاليات الثقافية والأحتفالات الموسيقية و المعارض الفنية لنقل صورة ناضجة عن العراق وشعبه

وحضارته العريقه, والأنضمام الى مؤسسات المجتمع المدني المختلفة وزج أكبر عدد ممكن من العراقيين

لتسهم هذه الجمعيات في تطوير قابلية الأفراد وتصقل مواهبهم وتقدم لهم الخدمات في المجالات الحياتية

والأجتماعية والتعليمية .

 

لابد من توطيد العلاقة الطيبة والثقة المتبادلة بين سفارة العراق والبعثات الدبلوماسية والقنصليات

والملحقيات الثقافية والتجارية مع المواطنين وممثلي جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وباقي أعضاء

الأحزاب الوطنية العراقية. حيث أن أغلب العراقيين في دول الغرب غير مقتنعين ولديهم شكوك وفجوة في

علاقة طواقم السفارات مع مواطنيهم ويشعرون بضعف الخدمات المقدمة لهم, ولم يستشعروا قيمة المواطن

 وأعتباره وكيانه المحترم والدفاع عن حقوقه , فالدبلوماسي واجهة ناصعة مهمة, ومرآة عاكسة للبلد..!

 

 

————————————————————————

صادق الصافي -النرويج     

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *