الأعتداءات على المسيحيين في اقليم كوردستان ومخاطر تردّي الأوضاع الى فوضى عارمة

لا يعقل ان تتدهور الأمور الى هذا الدرك في اقليم كوردستان ، الذي كان مثالاً للواحة الجميلة للتعايش بين المكونات  الدينية والأثنية والعرقية ، وحينما طال الأرهاب ابناء شعبنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق في مدن العراق كان اقليم كوردستان هو الملاذ الآمن لأبناء شعبنا حتى ان الأقليم كان يعوضهم عن التوجه الى بلاد المهجر لما ينطوي عليه من الأستقرار والأمان ومن ديناميكية  تطبيق القانون ، ومن ثم توفر مجالات العمل المختلفة كل ذلك كان يجعل من الأقليم ارضاً جاذبة لشرائح كبيرة من مجتمعنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق ، والاقليم بدوره يستفيد من الذين يملكون رؤوس الأموال  فيصار الى استثمارها وتوظيفها في مشاريع البناء الصناعي او العمراني او التجاري او السياحي ، ومن هؤلاء القادمين من يحمل خبرة او شهادة ، فيهم الطبيب والمهندس والمعلم والمهني والخبير … هكذا كان التعايش المبني على مصلحة الجميع دون تفرقة او تمايز بين مسيحي او مسلم او ايزيدي او مندائي .

ومن هذا السياق يكون الأعتداء المبيت قد اطفأت قناديل التعايش في المجتمع ما لم تتخذ السلطات في الأقليم التدابير اللازمة لأيقاف مسلسل الأعتداء على الناس الآمنين وإنهاء مظاهر العنف ، وتحقيق سيادة القانون بمحاسبة من ارتكبوا هذه الأعمال التخريبية وإلا فإن شرارة العنف سوف تتوسع وربما يكون من المستحيل إخمادها وتغرق المنطقة بالفوضى وفلتان الأمن وانعدام الإستقرار وربما يكون هذا الرأي نابعاً من مخاوفي وهواجسي ولا تنطبق عليه الحقائق على ارض الواقع وأتمنى ذلك .

الشرارة الصغيرة هي  التي تخلق الحرائق الكبيرة ، وكثيراً ما تنمو صغائر الأحداث ككرة الثلج إذ تنمو كلما تدحرجت هكذا تحدث عظائم الأمور ومآسي الحروب خاصة حينما يغيب العقل والحكمة .

بالأمس خرج عشرات المتظاهرين في مدينة زاخو بعد صلاة الجمعة ، وجرى شحن المصلين بالعواطف الدينية وضرورة صيانته والعمل على تثبيته وذلك بالنيل من حالات سائدة في المدينة ، منها وجود مراكز المساج المنتشرة في المدينة ، ومحلات بيع الخمور ، وكان عدد المتظاهرين يقدر بالعشرات ثم تطور الى المئات وبعدها ارتفع عددهم الى الآلاف ، من هنا ينبغي الأدراك والحسبان بأن العنف المجتمعي قد يؤدي الى نتائج غير متوقعة وغير محسوبة وقد تصار الأوضاع الى الفوضى العارمة ، كما حدث للأوضاع في العراق بعد 2004 ولحد 2008 وهي مستمرة بشكل ما الى اليوم .

في احداث زاخو التي انطلقت بعد صلاة الجمعة ، اي ان العملية لم تكن تلقائية عشوائية إنما كانت نتيجة لشحذ الهمم وشحن العواطف وإثارة الغرائز اي انها جاءت بمثابة استجابة لدعوات خطيب الجمعة ، فقد بدأ العنف يطال مراكز المساج والتدليك التي يقال انها منتشرة في المدينة ، وبعد ذلك امتدت الى محلات بيع الخمور التي يمتكلها المسيحيون والأزيدية بشكل رئيسي ، ثم امتد العنف الى الفنادق ومنها فنادق من الدرجة الأولى وكانت هنالك محاولة للاعتداء على المطرانية الكلدانية في زاخو ، وبعد ذلك امتدت الشرارة الى خارج المدينة لتمتد الى مدينة قضاء سميل وقرية شيوز ، ويوم امس امتدت الفوضى مدينة السليمانية والى ناحية ديرلوك في العمادية .

يبدو ان المسألة دخلت في إطار التخريب المنظم وهناك من يقف وراءها ، ويظهر ذلك من القيام بإضرام النار في نادي نوهدرا الأجتماعي الثقافي وإضارام النار في محتوياته في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، وفي صباح اليوم ( السبت ) عاودت الجموع بارتكاب اعمال العنف ذات الطابع الطائفي حينما عمد مجموعة تقدر بمئة شاب وبتحريض من معلميهم وأساتذتهم  بالهجوم على الكنيسة ورشقها بالحجارة مع بعض بيوت للمسيحيين في مجمع المنصورية القريب من دهوك والذي يسكن فيه قرابة 180 عائلة مسيحية .

من جانبه الرئيس مسعود البارزاني يقول :

«مع الأسف قام عدد من الشبان وبتشجيع من بعض أساتذة الدين بأعمال تخريبية أثارت الفوضى في مدينة زاخو وتهجموا على مناطق سياحية وخاصة تلك التابعة للإخوة المسيحيين والايزيديين.. وبعد هذه الفوضى قام ومع الأسف عدد من المواطنين وكرد فعل للحادث بالتعدي على مقار تابعة للاتحاد الإسلامي وهذا أيضا عمل غير شرعي». وأوضح بارزاني أن «قوات الداخلية بذلت ما بوسعها للسيطرة على الفوضى لكنها لم تتمكن من ذلك، لذا وفي الوقت الذي أدين فيه كل هذه الأعمال غير الإنسانية واللاقانونية.. أطالب أهالي كردستان بأن يجعلوا من التعايش السلمي القومي والديني والمذهبي هدفا رئيسيا لهم… ».

من هذا الحديث تكون المصالح الأزيدية والمسيحية هي المستهدفة في المنطقة أي تحمل طابع طائفي .

وقبل التطرق الى دور الحكومة الكوردية وقوات حفظ النظام وتطبيقه ، نشير بعقلانية وهدوء الى الحجة المثارة في انتشار مراكز المساج ومحلات بيع الخمور في المدينة ، السؤال هنا يطرح نفسه ، ألا يوجد طرق اصولية من إدارية وسياسية واجتماعية يمكن الوصول الى الهدف المنشود دون خلق الفوضى وإثارة العنف واستخدام اسلوب التخويف والترهيب بين السكان لا سيما بين المسيحيين من الكلدان والسريان وألاشوريين وبين الأخوة الأزيدية وغيرهم من المكونات اللاإسلامية .

لقد كانت ثمة حالة مشابهة في مدينة عنكاوا ، حيث كانت البارات والملاهي منتشرة في المناطق السكنية بشكل غير عشوائي ، فبادر الشباب الى الأحتجاج وبالتعاون مع العقلاء في هذه المدينة ومع مفاتحة الجهات الحكومية المسؤولية بالطرق الرسمية القانونية ، فقد كان القرار الأخير بغلق اعداد كبيرة من تلك المحلات ، ولم يصار الى حرق او خلق فوضى بأي شكل من الأشكال ، فماذا لو توجه العقلاء في مدينة زاخو الى اللجوء الى الطرق الأصولية المرعية طالبين غلق تلك المراكز في المدينة والتي يقولون انها تنشر الفساد بين الشباب .

إن هذه المحلات قد حصلت على رخصة العمل من الجهات المعنية وهي تدفع الضرائب والرسوم المستوجبه لاستمرارهم في العمل وتجديد إجازاتهم ، فلماذا لا يجري التعامل مع هؤلاء الناس بالطرق الأصولية والقانونية ، لماذا يجري التعامل مع هذه الحالة بأسلوب الحرق والتخريب والتهديد وتكبيد الخسائر ومحاربة الأرزاق ؟

إن القضاء على تلك الممارسات غير القويمة بكل القياسات ، إن كان في اقليم كوردستان او في عموم العراق ، لا ينحصر في حشد قوات الأمن والشرطة لوضع الحد لممارسات تخريبية وتهديدية لارهاب الناس الآمنين ، بل يكم بشكل اساسي على ترويج وإشاعة خطاب تسامحي تعايشي ، أي ينبغي العمل على بناء الأنسان الكوردي على ثقافة التعايش والتسامح، وينبغي نبذ الخطاب التحريضي الذي يروجه رجال الدين في عموم العراق واقليم كوردستان ، الدين المتسامح لا يقبل بالتحريض على التخريب وإرهاب الناس ، عليهم نشر المحبة والتعايش بين الأطياف العراقية الدينية والأثنية والعرقية والقومية والمذهبية ، وهذه مهمات تغرس في النفوس حب الخير واحترام الآخر وينبغي على رجل الدين المسلم ان يلتزم بغرس تلك المبادئ الأنسانية ليسود نور التسامح الديني بشكل واقعي مسلموس وليس عن طريق التمنيات وترديد الأقوال دون افعال ملموسة .

حبيب تومي / اوسلو في 05 / 120/ 11

You may also like...