الأستاذ نيجرفان البارزاني ثقل الملفات وهموم شعبنا الكلداني

habeebtomi@yahoo.no

احدهم يعاتبني برسالته ويقول ما معناه: غالباً ما تناشد القيادة الكوردية لمنح حقوق الشعب الكلداني في اقليم كوردستان ، لكنك لا تحصد شيئاً في حين الأحزاب الآشورية دون ان يقدموا اي طلب او يكتبوا اي مناشدة فإن حقوقهم مضمومة ، فلماذا تضيع وقتك هباءً وتتعب نفسك في الكتابة والمناشدة وكأنك تحرث في البحر او في الصخر . فأجبته بأني اقوم بواجبي فأنا احمل القلم وأسطّر ما ارى فيه الحق ، وما يميله علي ضميري ، وعلى المسؤول الحريص ان يقرأ ما يُكتب في المواقع والصحف والمجلات لان هذه الأدوات تعتبر المرآة التي تعكس هموم الشعب وإن الحاكم مطلوب منه النظر الى تلك المرآة ليعرف هموم مكونات شعبه لا سيما المكونات الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة ولا تملك الفضائيات ولا ممثلين في الحكومة او في البرلمان ومنهم شعبنا الكلداني الذي يشكل الأكثرية المسيحية الصامتة .

لقد شعر بجسامة المسؤولية وعمقها غبظة البطريرك عمانوئيل الثالث دلي ، الذي ايقن ان شعبه الكلداني يتعرض الى هجمة من الأرهاب لتصفية وجوده في وطنه العراقي ، ويتعرض الى هجمة اخرى ممن يفترض انهم مسيحيون ومن ضمن كوتا مسيحية ويفترض انهم يدافعون عن المكونات المسيحية وعن حقوقهم في البرلمان ، وهم يتقاضون رواتب عالية من الدولة العراقية وأقليم كوردستان باعتبارهم ممثلين للمكون المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين . في حين هؤلاء يعملون لتمزيق الكنيسة المسيحية وإلغاء الهوية الكلدانية الأصيلة من الدستور العراقي والكوردستاني ، فمن له هكذا مدافعين عن حقوقه سوف لا يحتاج الى اعداء لكي يمسحوا كل تاريخه وحاضره ومستقبله  ـ وهكذا انبرى غبطة البطريرك  مار عمانوئيل الثالث دلي ليدافع عن شعبه ضد هذا الإقصاء كما دافع بالأمس ضد القتل والموت والأرهاب بحق شعبه وبحق المسيحيين قاطبة دون تفرقة او تمييز .

عودة لعنوان المقال إذ بتكليف الأستاذ نيجرفان البارزاني لتشكيل حكومة جديدة هي السابعة منذ الأنتفاضة عام 1991 حيث عكف اقليم كوردستان على تطبيق قدراً كبيراً من الأستقلال الذاتي حيث اجريت الأنتخابات عام 1992 وبعدها تشكلت اول حكومة مستقلة عن نفوذ بغداد ، واليوم يشهد الأقليم قيام الكابينة السابعة في سلسلة الحكومات المشكلة بعد الأستقلال الذاتي وهذه هي المرة الثالثة التي يكلف فيها الأستاذ نيجرفان البارزاني بترأس الحكومة .

هذه المرة يجري تشكيل الوزارة الجديدة في ظروف يمر بها العراق في ازمة سياسية خانقة والمنطقة تمر بتعقيدات الربيع العربي وسوريا تقف على فوهة بركان هائج . اما ساحة اقليم كوردستان فتنتظر افقاً سياسياً واقعياً وعقلانياً يتعامل مع تحديات الساحة العراقية والمحيط الأقليمي والساحة الداخلية لأقليم كوردستان .

في هذه الساحة ينبلج النور هادئاً مستقراً لنلاحظ ظاهرة الألتحام باللحظة السياسية المتفاعلة على الأرض لتنسج علاقات متينة متجددة وتجاوز العلاقات التي شابتها الهشاشة وانعدام الثقة ومحطات توتر ، فهل يمكن ان نشهد مرحلة تعززها ثقة عالية من الأوساط الشعبية التي ترفع صوتها لوضع حد للفساد الأداري والمالي ، والذي يعتبر بحق من اقوى التحديات التي تواجه هذه الحكومة وربما الحكومات القادمة ، فالفساد آفة مستشرية لا يمكن الخلاص منها لكن يمكن التقليل منها نسبياً ، فما هو معروف حتى الدول المتقدمة التي تشكل الشفافية اعلى مبادئها ، فيجري العثور على نقاط ضبابية في تلك الشفافية . وفي الحقيقة إن مكافحة الفساد هي مهمة جماعية يساهم فيها المواطن والحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والصحافة .

من الذكريات العالقة في ذهني في احدى السنين على الحدود السورية اللبنانية ( كمارك لبنان ) كانت يافطة معلقة تقول القانون يحاسب الراشي والمرتشي ، اجل الصحيح ، الفاسد ليس من يأخذ الرشوة فحسب ، بل الذي يعطي الرشوة ايضاً ، لأنه ببساطة يحاول تجاوز القانون بحفنة من الدراهم ، فالفساد لا ينحصر في الموظف الحكومي بل في المواطن ايضاً ، لكن في كل الأحوال ينبغي ان تكون ثمة حكومة تأخذ على عاتقها مكافحة الفساد ، وليس ترويجه ، ففي العهد السابق صادف ان ركب معي شرطي مرور الذي كان راتبه الشهري لا يصل الى خمس دولارات ، فيقول ان الحكومة تقول لي بصريح العبارة ( دبّر حالك من المواطن ) فكان يرضى بالرشوة من السائق مقابل تغاضيه عنه حين مخالفته لقواعد المرور .

إن التحديات ليست محصورة في الفساد وطرق مكافحته إنما هناك التنمية البشرية ومكافحة البطالة وتضييق الهوة بين الطبقات الأجتماعية ، وهنالك مسألة مهمة وهي نشر ثقافة التعايش بين المكونات الكوردستانية ، إن تشريع القوانين بحرية الأديان والحريات العامة تحت حماية الحكومة ليست كافية ما لم تكون هنالك منظومة لنشر ثقافة التسامح والتعايش ، ويبدأ ذلك من المراحل الدراسية الأولى في حياة الطفل ، فالكتب المدرسية في مراحل دراسة الطالب تساهم بشكل كبير في تكوين ثقافته ورؤيته المستقبيلة للمكونات الدينية المختلفة .

 إن الأستاذ نيجرفان البارزاني عُرف برؤيته الفكرية المنفتحة على الآخر وتركيزه على قبول الآخر المختلف دينياً ومذهبياً وعرقياً ، فإنه من مناصري العلمانية الليبرالية ، وهذا ما اوقف تفشي الفكر الإسلامي الأصولي ، فالأحزاب الإسلامية في كورستان تتمتع بخصوصية ملحوظة في قبول الأخر وفي التعايش معه . ونتمنى ان تتعزز هذه الحالة التي تضفي على اقليم كوردستان مشهد واحة مزدهرة وغنية بنسيجها الفسيفسائي الجميل المتعايش المتسامح ، ونتمنى ان تكون الأحداث المؤسفة في زاخو وغيرها من المدن في اقليم كوردستان في الشهر الماضي ان تكون الأخيرة وأن يستخلص منها العبر والدروس .

ونعود الى حقوق شعبنا الكلداني في اقليم كوردستان حيث اشرت اليها في مقال سابق وهي :

1 ـ إعادة اسم القومية الكلدانية الى مسودة دستور اقليم كوردستان وبما ينص عليه الدستور العراقي ، وسبق للرئيس مسعود البارزاني ان أفاد بان دستور اقليم كوردستان لا يجوز ان يخالف دستور العراق الفيدرالي في هذه المسالة .

2 ـ منح حقوق الشعب الكلداني بما يستحقه من الثروة والوظائف المخصصة للمكون المسيحي بشكل مستقل وبمنأى عن وصاية الأحزاب الآشورية .

 في الختام نقول ان ثقل الملفات ليس قليلاً إن كان على نطاق الساحة العراقية والملفات المتعلقة بين الأقليم والمركز او مسألة التعامل مع المعارضة فيما إذا كانت هذه المعارضة ستكون جزءاً من الحكومة او تقف الى الجانب المعارض ، وهنالك الحفاظ على لحمة التعايش المجتمعي لكي لا تفلت الأمور كما حدث في احداث زاخو ومناطق أخرى ، او مسالة منح الحقوق للمكونات الكوردستانية بما فيها شعبنا الكلداني .

 ثمة نظرة متفائلة نحو المستقبل في ظل عودة الأستاذ نيجرفان البارزاني الى قمة الهرم الحكومي حيث يسعى مقدماً الى تجسير العلاقات مع المعارضة للعمل في إطار حكومي موحد وهو المعروف بحركته وديناميكية ملحوظة وهو مطلع على كل صغيرة وكبيرة من معضلات اقليم كوردستان الداخلية والعلاقات مع الحكومة المركزية والدول المتآخمة للاقليم ، إنه في الحقيقة الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب .

 حبيب تومي / اوسلو في 31 / 01 / 12

 

 

 

You may also like...