الأسباط العشرة اليهودية المفقودة بين أحمد سوسة والكتّاب الآثوريين

يعتبركتاب الدكتور أحمد سوسة ” ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق “الصادر في بغداد من مركز الدراسات الفلسطينية عام 1978 من أهم ما نُشِرَ بالعربية عن الأسباط اليهودية المفقودة الذين سباهم  الملوك الآشوريين بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد والتي قُدِّر عددهم بأكثر من ( 400 ) ألف يهودي ونقلوهم الى شمال العراق وجبال تركيا المنيعة والتي أعتبرت مفقودة منذ القرن الثامن قبل الميلاد لأقتلاعهم من مدنهم وقراهم وأنقطاع أخبارهم عن بقية السبطَين اليهوديين في فلسطين , لأستناده على مراجع تاريخية لا يَرقى اليها الشك حول هذا الموضوع , والجدير بالملاحظة أن الملوك الآشوريون تميّزوا بميزة فريدة هي عدم أكتفائهم بسبي شعوب كاملة ونقلهم الى بلادهم فقط , بل وبأحلال محلهم في بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم مجموعات من شعوب بلادهم ( آشور) بنقلهم من ممالكهم ومستعمراتهم الى تلك الدول , وجاء ذلك واضحا في الكتاب المقدس , سفر الملوك الثاني ( 17 : 24 ) الذي نصَّ     ((   وَأَتَى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَوْمٍ مِنْ بَابِلَ وَكُوثَ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفَرْوَايِمَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ عِوَضاً عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا )).

هوجم الكتاب ومؤلفه من قبل بعض الكتّاب الآثوريين ونفوا صحة ما ورد فيه محاولين أضفاء طابع النقد العلمي والأكاديمي في دحض الأدلّة والبراهين التاريخية التي أستند عليها مؤلف الكتاب في حقيقة مآآل ومصيرهذه الأسباط , وقبل الخوض في تقييم صحة ما جاء به الدكتور أحمد سوسة في كتابه أود أن أشير الى تناقض واضح وقع فيه الأستاذ ابرم شبيرا حينما ذكر أن رقابة المطبوعات في وزارة الثقافة والأعلام الخاصة بشؤون الناطقين ( بالسريانية !!! ) من الآشوريين والكلدان والسريان التي كان يرأسها المرحوم الشماس” يوؤارش وردة ” رفضت طبع الكتاب ( كتاب الدكتور أحمد سوسة ) مدعيّةانه يتناول مواضيع خطيرة عن اليهود ووجودهم القديم في العراق بتعليمات من حزب البعث !!! مما حدا بالمؤلف أن يلجأ الى مركز الدراسات الفلسطينية في بغداد لأصداره عام 1978 . ولكن نفس هذه الدائرة أجازت طبع كتاب ” تاريخ الآشوريين ” الصادر من مطبعة دار الجاحظ في بغداد عام 1970  من تأليف البروفسور ماتييف بار متي ومار يوخنا (الروسيين) والذي ترجمه الى العربية أسامة نعمان .

والدكتور أحمد سوسة رغم تحوله من اليهودية الى الأسلام , الا أن تأثره  بماضيه اليهودي كان ظاهراً بين سطور كتابه حينما أستند الى الكتاب الذي لا يرقى أليه الشك في حقائقه التاريخية التي تثبت صحتها يوما بعد يوم رغم تشكك المشككين وهو الكتاب المقدس – العهد القديم , وأورد آيات واضحة منه لدعم صحة معلومات كتابه  منها :

1 –  سفر الملوك الثاني , الأصحاح 15 , العدد 29 الذي ينص :
((فِي أَيَّامِ فَقْحٍ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، جَاءَ تَغْلَثَ فَلاَسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَخَذَ عُيُونَ وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ وَالْجَلِيلَ وَكُلَّ أَرْضِ نَفْتَالِي، وَسَبَاهُمْ إِلَى أَشُّورَ)).

2 –  سفر أخبار الأيام الأول , الأصحاح الخامس , العدد 26  و نصه :
(( فَنَبَّهَ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ رُوحَ فُولَ مَلِكِ أَشُّورَ وَرُوحَ تَغْلَث فَلاَسَرَ مَلِكِ أَشُّورَ, فَسَبَاهُمُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى وَأَتَى بِهِمْ إِلَى حَلَحَ وَخَابُورَ وَهَارَا وَنَهْرِ جُوزَانَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ)).
3  –  ورد في سفر الملوك الثاني , الأصحاح السابع عشر , العدد 6 ((. فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي)) ., والأصحاح الثامن عشر , العدد 9 , 10 , 11 (( وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، صَعِدَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. وَأَخَذُوهَا فِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ. فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، أُخِذَتِ السَّامِرَةُ.. وَسَبَى مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ، وَوَضَعَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي)) ويجمع المؤرخون أن أعداد اليهود الذين نُقِلوا من مدنهم وقراهم في أسرائيل أثناء الحملات  العسكرية الآشورية بلغ أكثر من ( 000 400 ) يهودي , وهنا يتفق الباحثون أن القسم الكبير منهم أندمجوا في الشعوب الأخرى وكان لهم حضور مؤثر في المنطقة لدرجة أنهم أسسوا لهم أمارة سميت ( أمارة حدياب ) في القرن الأول قبل الميلاد في نفس المنطقة التي نقل اليها اليهود المسبيون في زمن ملوك الآشوريون في القرن الثامن قبل الميلاد , ولعل هذا يضاف الى الأدلة الأخرى على وجود يهود الأسباط المفقودة فيها , وكذلك يعتبر دليلا على قوّتهم العددية التي مكّنتهم من تأسيس مملكة لهم تدوم الى بداية القرن الأول الميلادي ودخولهم المسيحية بعد ظهور المسيح  ( له المجد ) بعد وصول تلاميذه الى مناطقهم , ويتفق معظم المؤرخون أن تلاميذ المسيح الذين وصلوا الى هؤلاء اليهود المسبيين , كانوا على علم مُسبَق بوجودهم في هذه المناطق , وكانوا على أتصال بهم مما سهَّلَ مهمة هؤلاء الرسل, لذلك دخل معظمهم في الديانة الجديدة لسببين : أن تعاليم الرسل كانت قريبة من أعتقادهم اليهودي , كما أن الرسل كانوا يتكلمون معهم بلغتهم التي كان معظمهم قد حافظ عليها وهي ( الآرامية ) لغة المسيح ( له المجد ) ويؤيد هذا الرأي الأب ( أدي شير) فيقول ما نصّه ” أن أول جماعات نصرانية قامت في بلادنا تألفت من اليهود ” وهناك ملاحظة جديرة بالأخذ بها وهي أن الجذور اليهودية للذين تنصّروا على أيدي الرسل في مناطق سبيهم من قِبَل الملوك الآشوريين , كانت عاملا أساسيا في تقبّلهم المذهب النسطوري في القرن الخامس الميلادي ( 428 – 431 ) م .

ويؤكد على ذلك أيضا الدكتور ويكرام ( مُطلِق تسمية الآشوريين على الكلدان النساطرة في القرن التاسع عشر ) في كتابه مهد البشرية , المطبوع سنة 1914 , أن هناك جالية كبيرة في الموصل ظلّت تعيش في حيّها التاريخي منذ أستاق سرجون الآشوري أسلافهم من بلاد السامرة المحتلة في القرن الثامن قبل الميلاد,ويذهب في نفس الأتجاه ايضاً الدكتور هنري فيلد في كتابه ” أنثروبولوجية العراق ” أن شيوخ بلدة صندور الكردية في شمال العراق , يؤكدون ما تناقلوه عن أجدادهم من أن أصلهم من يهود فلسطين الذين نفاهم الآشوريين في زمن سنحاريب ملك آشور الى جبال شمالي العراق , وأن يهود هذه القري
ة يحفظون صلواتهم عن ظهر قلب بالعبرية دون أن يفهموا معناها . ويعترف كذلك المغفور له البطريرك مار بنيامين بطريرك الآثوريين الذي أغتاله سمكو حيث ورد .

“في مخطوطة مذكرات الشماس كيوركيس عوديشو المذكورة؛ فإن الرواة يؤكدون بأنّ هذه العائلة هي من أصل يهودي تنصَّروا، ولم ينْسوا أصْلهم كي يخدموا مصالح اليهود في كل أجيالهم. ويستندون بذلك على ما أفاد به البطريرك مار بنيامين لعم الملك الروسي حينما قرأ الأخير في جنسيته التركية كلمتي (لاوي، وآشوري) مستفسراً كيف ذلك؟ فأجابه البطريرك؛ نعم! نحن أصلنا يهود من عائلة لاوي بن يعقوب (إسرئيل). تنصَّرْنا وإنّ هذه المِلَّة اختارتنا كهنة أباء لخدمتهم الكنسية” (1)الرابط أدناه

والغريب , أن جميع المصادر التاريخية والمؤرخون المحايدون والرحّالة الذين زاروا المنطقة التي نُقِل اليها الأسباط العشرة في شمال العراق وجنوب تركيا , أغفلوا أيّ ذكر لقوم أو أمة تحت التسمية الآشورية قبل منتصف القرن التاسع عشر , أي قبل وصول البعثات البريطانية التبشيرية  , ومنذ القضاء على آخر جيب آشوري للأمبراطورية الآشورية عام 609 قبل الميلاد في منطقة اورهاي (أورفا الحالية ) لم يرد أي ذكر لقوم يُدعَوْن  آشوريون  ولمدة تزيد على ( 2500 ) سنة لحين قدوم المبشرين الأنكليز الأنكليكان عام  1884 الى مناطق أقامة هؤلاء الكلدان النساطرة ,  وحتى زعماؤهم الدينيين (بطاركتهم )كانوا يوقعون ويختمون رسائلهم بختم مكتوب عليه ما يشير الى أنهم مطارنة أو بطاركة الكلدان كالعناوين  (( مطران الكلدان النساطرة الشرقيين , أو المتواضع رئيس أساقفة الكلدان )) ((رويل شمعون بطريرك جاثليق المشرق – مدبّر الكنيسة القديمة للكلدان)). (2)

بطرس آدم
1\4\2012 ميلادية
1\4\7312 كلدانية

(1)
http://www.furkono.com/modules.php?name=News&file=print&sid=5530
(2)
http://www.kaldaya.net/2010/HistoricalChaldeanDocuments/HistoricalChaldeanDocuments.html

You may also like...