إقرار كوتا برلمانية للشعب الكلداني يشكل خطوة مهمة لتحقيق العدالة والمساواة

habeebtomi@yahoo.no
الغريب ان صدام حسين في موقف عابر من محاكمته كان يجادل القاضي الذي يحاكمه ويقول له بالحرف الواحد :
انا عراقي اصيل أنا كلداني ، ومهما كان رأينا ضد حكم ومواقف صدام حسين ، لكن هذا لا يمنع ان نعتبر شهادته دلالة على عراقة وإصالة الشعب الكلداني المسالم في وطنه العراقي ، وإن اية محاولة لمسح تاريخ وقومية هذا الشعب من الخارطة الوطنية والقومية العراقية سوف يعتبر جريمة تصنف مع جرائم التطهير العرقي التي تتباين طرق تطبيقها .
الكلدانيون شريحة اصيلة من مكونات النسيج المجتمعي العراقي ، ويمتاز هذا الشعب ( الشعب الكلداني) بنبله ووداعته وابتعاده عن التعصب ، وهو اكثر المكونات العراقية تمسكاً بتربة الوطن العراقي ، وهو يقطن هذه الديار منذ أزمنة غابرة ، فساهم في بناء حضارات إنسانية رائعة على تراب الوطن البيثنهريني ( بلاد الرافدين ، او ميسوبوتاميا ) ، فتفنن في العلوم الإنسانية والرياضية والطب والفلك والزراعة والهندسة المعمارية ، وساهم وأتحف التراث الأنساني في الفلسفة والأفكار العملية والدينية ، فقد استنبط اجدادنا الكلدانيون القدماء النظام الستيني في الرياضيات وقسموا الوقت الى اجزاء منها السنة التي قسمت الى اشهر والشهر الى ايام واليوم الى 24 ساعة والساعة الى 60 دقيقة والدقيقة الى 60 ثانية ،. ويقول الصديق الدكتور يوسف حنا شبلا <1> انه على ايام نابوخذنصر ( 604 ـ 561 ق . م ) تقدم علم الفلك تقدماً كبيراً ، ويعود الفضل الى الكلدانييــــــــــــــــــــــــن في حساب طول السنة الشمسية بدقة عالية حيث حددت بـ 365 يوم و 6 ساعة و 15 دقيقة و 41 ثانية اي بزيادة طفيفة تساوي عشرات الثواني على مدار السنة . وإن هذه الدقة اذهلت فلكيي القرن العشرين ، الذين حددوا طول السنة الشمسية ، بمساعدة الأجهزة التكنولوجية الحديثة بـأنها تبلغ ( 365.2425) يومًا .
إن التقسيم الذي وضعه الكلدان القدماء هو المعمول به في كل انحاء المعمورة حتى الساعة ، كما ان اطلال الجنائن المعلقة لا زالت شاخصة تتحدى عوائد الزمن وأن اسرار رفع المياه الى الطبقات العليا للجنائن المعلقة لا زالت سراً مطموراً لم يجر التوصل الى فك رموزها واسرارها ، وكلنا نتذكر في المسابقة التي وضعت في عهد صدام للمسابقة بين المهندسين العراقيين للتوصل الى الطريقة التي استنبطها المهندس الكلداني قديماً لأيصال الماء الى اعالي الجنائن المعلقة في عهد نبوخذ نصر الكلداني .
لقد استفاد اليونانيون وهم رواد الحضارة الغربية ، استفادوا من علوم الكلدانيين وبهذا المجال يكتب ادي شير <2> في كتابه (كلدو وآثور ) وليس ( كلدوآثور ) كما يكتبها مزوروا التاريخ المسيّسين اليوم ، فقد كتب في صفحة ( هـ) من المقدمة يقول :
(.. وأما بيروس وأصل اسمه برحوشا فهو كلداني بابلي وطناً وكان كاهن بيل وتعلم اللغة اليونانية ودرّس العلوم الكلدانيــــــــــــــــــة في اثينة سنة 341 ق . م . وأحبه الأثينيون حتى انهم نصبوا له تمثالاً لسانه من ذهب ، وكتب تاريخ ملوك بابل وجميع ما كتبه عنهم اخذه عن الألواح التي كانت محفوظة في بابل .. ) . هؤلاء هم الكلدانيون العظماء بعلومهم وفنونهم ومدارسهم وفلسفتهم … وهنالك من يريد مسح هذا التاريخ العراقي العظيم بجرة قلم لأهداف سياسية مقيتة .
دعونا نتجاوز دورة زمنية مقدارها عشرات القرون لنصل الى نيسان عام 2003 حيث سقوط النظام ومع هذا السقوط غمرنا الأمل والتفاؤل بأننا سوف نتمتع في وطننا العراقي بحقوق المواطنة منها السياسية والقومية والأنسانية على وجه العموم . لكن الذي حدث كان جلياً للجميع ولا نريد تكرار ما اصبح بديهياً اي ما طال الكلدان وبقية مسيحيي العراق بل وبقية اتباع الديانات غير الأسلامية كالإيزيدية والمندائيين وما لحق بهم من العنف من الأسلام الأصولي . والحق يجب ان يقال ان اقليم كوردستان كان قد شكل في هذه الفترة الحرجة ملاذاً آمناً لهذه المكونات الدينية التي شردها واقتلعها من جذورها الأرهاب .
من الناحية السياسية رغم كل التحفظات على الآلية الطائفية التي سوقت بموجبها العملية السياسية ، لكن النتيجة تمخضت عن قبول المكونات الكبيرة لهذا السياق الطائفي حيث قبلت واستمرأت اللعبة وأقبلت على الطعم ، واشتركوا في اللعبة الديمقراطية المتركزة على اسس طائفية واضحة ، وارتضى كل منهم بالمقسوم في البداية ثم بدأت عملية المطالبة بالمزيد ، حتى القوى المسيحية التي كانت ولا زالت تدعي الأنتماء القومي فإنها قد استمرأت الحصة الدينية وابتلعتها برمتها ، لأنها تضمن لهم الهيمنة على حصة الآخرين بحجة ان ما يجمعنا هو الدين الواحد ، لقد شعر الأخوة الأرمن بهذه الحيلة فطالبوا مؤخراً بتمثيلهم بشكل مستقل ومباشر بعيداً عن هيمنة الأحزاب الآشورية التي تتبجح بالدفاع عن حقوق المسيحيين عامة .
اما نحن الشعب الكلداني فقصتنا غريبة عجيبة في العراق بلاد الكلدان ، فإن طالبنا بتدوين اسمنا القومي في الدستور العراقي انتفض من نصبوا انفسهم اوصياء علينا وأتحفونا وقالوا :
ان الكلدان مجرد تسمية مذهبية كنسية ولا ترتقي الى مستوى القومية ، ولم نسمع او نقرأ عن مذهب مسيحي كلداني ، لكن الأحزاب الآشورية تريد ان تمرر هذه الخرافة شئنا ام ابينا ، واكثر منهم تشدداً هم الكلدان المنتمين او الموالين للاحزاب الآشورية .
وإن قلنا نريد حصة الكلدان من المناصب والثروة ، قيل لنا :
انكم تركضون وراء الكعكة، وإن قلنا نريد كوتا كلدانية تضمن حقوق الشعب الكلداني في الأنتخابات قيل لنا :
انكم انقساميين ومقسمي شعبنا المسيحي ،
وإن كتبنا للقيادة والساسة الأكراد بأننا نطالبهم بتطبيق مواد الدستور العراقي في ذكر اسم القومية الكلدانية في مسودة الدستور الكوردساتي وطالبنا بحقوقنا السياسية قيل لنا :
انكم تتوسلون وتطلبون الصدقة من الأكراد ، في حين نحن نكتب بأسلوب المطالبة وهذا حق مشروع ولا نطلب في كتاباتنا طلب الرحمة او الأحسان او استدرار العواطف ، كما يزعم منتقدونا .
وإن قلنا ان الشعب الكلداني هو كبقية شعوب الأرض له حقوقه الأنسانية في الحرية وفي الأنتماء السياسي والقومي . قيل لنا :
ان حقوقكم مضمونة بفضل الله وبفضل وجود الأحزاب الآشورية المتنفذة والتي يقف في مقدمتها عضو البرلمان العراقي المنتخب السيد يونادم كنا ، الذي لا يؤتمن جانبه إذ ان هذا النائب المسيحي لا يترك شاردة او واردة الا ويتهجم على القومية الكلدانية وعلى التاريخ الكلداني وعلى التراث الكلداني واللغة الكلدانية .. حقاً من له هكذا مدافعين وهكذا اصدقاء فهل يحتاج بعد ذاك الى اعداء ؟
وأذا قلنا شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن ، قيل لنا :
انكم تضعون الواو بين مكونات شعبنا لتفريقهم ، وإذا جادلناهم بأن الواو تجمع الأقانيم في واحد كقولنا باسم الأب والأبن والروح القدس ، كما ان الواو تجمع بين عشرين وخمسة في قولنا خمسة وعشرين قيل لنا : ان الحزب هو حريص على وحدتنا وعلينا ان حذف الواو ، لأن الحزب الآشوري قرر في اجتماعه السياسي حذف الواو ومزج اسماءنا على شكل عربات القطار وعلينا التلسيم بهذه التسمية وعلينا ان ننفذ ولا نناقش .
وإن من يقرأ خطاب هؤلاء السادة يستنتج :
انهم من الرهبان الزاهدين والمجردين من اي منافع او مطامع شخصية او حزبية وان المساعدات التي تصلهم يبادرون حالاً لتوزيعها على الفقراء ، وإنهم لا يلهفون منها شيئاَ ، وإنهم لا يتزاحمون على المناصب . حقاً انه واقع مضحك وشر البلية ما يضحك .
نحن نزرع افكارنا بين ابناء شعبنا الكلداني وإن نشر الوعي القومي الكلداني كفيل بأن يحرك شعبنا لنيل حقوقه ، ولا تضيع الحقوق حينما يكون وراءها طًلاّب ، وإن العدالة يجب ان تأخذ مجراها في الوطن العراق وفي اقليم كوردستان عاجلاً او آجلاً ، وإن الفباء العدالة والمساواة هذه تنطلق من إقرار حقوق جميع المكونات الدينية والقومية والعرقية والمذهبية دون ان يكون هنالك وصاية حزب او شخص على مقادير الشعب الكلداني او غيره من المكونات .
إن تطبيق العدالة والمساواة هي منح الحقوق للجميع بشكل عادل ومتساوي بضمنها شعبنا الكلداني إقرار حقوقه القومية والسياسية بشكل كامل ومستقل ، مع ضمان كوتا مقطوعة للتمثيل في البرلمان العراقي وفي برلمان اقليم كوردستان للشعب الكلداني وأخرى للاشوريين والسريان والأرمن وبقية المكونات ، إن الإقرار بمنح الحقوق السياسية والقومية سوف تشعر هذه المكونات بما فيها شعبنا الكلداني بالأستقلالية والكرامة وهو في وطنه العراقي ، وعندها سوف نعترف بأن الدولة العراقية وحكومة اقليم كوردستان تتفهمان معنى المواطنة ومعنى حقوق المواطن وبذلك تكون حقوق شعبنا الكلداني وحقوق كل المكونات الصغيرة مضمونة دون ان تكون هنالك وصاية من طرف من الأطراف على الآخرين .
نتأمل من القيادة الكوردية والقيادة العراقية ان تتسما بالشجاعة وتقرر حقوق هذا الشعب الذي طاله القهر والظلم بعد نيسان 2003 م ، فهل نشاهد تطبيق العدالة والحرية والمساوة لكل المكونات العراقية ؟ إن شعبنا الكلداني ينبغي ان يتحرك وأن يطالب بحقوقه فالحقوق تؤخذ ولا تمنح ، هذا هو مبدأ الحياة ، ومن يريد حقوقه عليه ان يطالب الجهات المعنية بهذه الحقوق .
حبيب تومي / اوسلو
ــــــــــــــــــــــــــــــ
<1> ـ يوسف حنا شبلا : “قراءة جديدة لأسماء رافدينية قديمة ” في ص505 من بحوث مؤتمر السرياني الخامس عام 2008 ، سليمانية .
<2> ـ ادي شير ” تاريخ كلدو وآثور ” مقدمة الكتاب ، طبعة بيروت سنة 1912 م .

 

 

You may also like...