إغلاق عقل المُسلِم / الجزء الأول

 

The Closing of The Muslim Mind

How Intellectual Suicide Created the Modern Islamist Crisis

By Robert R. Reilly, Paperback edition, February 2011

Wilmington, Delaware

 

 

بالعنوان أعلاه أصدر الباحث الأمريكي الدكتور” Robert R. Reilly ” كتابَه القيِم في شهر شباط لعام 2011 وقد عثرتُ به  منذ زمن قصير. ما كان للغربيين اهتمامٌ بالإسلام إلا نادراً وكان محصوراً ببعض المستشرقين الأكاديميين الذين يأتون الى ذِكره في مؤلفاتِهم البحثية. ولكنَّ قيام المنظمات السلفية الإسلامية كالقاعدة والإخوان المُسلمين والمنادين بالخلافة الإسلامية وغيرها التي ارتكبت أعمالاً إجرامية بحق السكان غير المسلمين المواطنين في البلدان التي تقطنها الغالبية الإسلامية، وكذلك في البلدان الأُروبية وأميركا وكندا واستراليا التي وافقت على قبول المهاجرين والمُهجَّرين المسلمين، حصل لدى شعوب هذه البلدان ردُّ فعل واهتمامٌ بالغ للتعرّف على الإسلام كدين وفهم تعاليمه ليس من قبل الطبقات المثقفة فحسب بل من قبل العامة ايضاً ولا سيما بعد جريمة 11 ايلول النكراء التي نفَّذها 19 شاباً من العرب المُسلمين حاملي الشهادات العليا من جامعات الغرب وينتمون الى عائلاتٍ ميسورة، وسبب هذا الإهتمام هو الوقوف على الدواعي والأسباب التي دفعتهم الى ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء مُضحين بأنفسهم ومسببين الموت لنحو ثلاثة آلاف نفس بريئة ما عدا ما خلَّفته من الجرحى والمعوَّقين، تُرى، كيف يستطيع الإنسانُ السويُّ هضمَ هذه الظاهرة المُرعبة، وبالأحرى الإنسان الغربي الذي يُعطي اعتباراً مطلقاً لحياة البشر!

 

ولدراسة ظاهرة الإرهاب هذه اضطرَّت حكومات الغرب لتكليف مسؤولي جامعاتها ومراكز البحث التابعة لها طالبة من مُنتسبيها بذل أقصى ما بوسعهم من طاقات لتحليل أسبابها هادفة من ذلك ايجاد وسائل لصدِّ وقوعِها مستقبلاً حماية لحياة شعوبها وصونا للحضارةِ البشرية مِن مساويء الإرهاب الإسلامي الذي يُرتكب باسم إله الإسلام.

 

والهدفُ الآخرُهو تقييم الإسلام كدين، ولماذا يدعو الى القتل والإرهاب؟ ولماذا يدفعُ معتنقيه للإستهانةِ بالحياة وتفضيل الموت؟ ولماذا يُروِّجُ شيوخُ الإسلام ويُشجِّعون الشبابَ المُسلمين للتضحية بأنفسهم وقتل المختلفِ عنهم بالدين او المذهب؟ بينما يمنعون أولادَهم عن القيام بمثل أعمال التضحية هذه، ألا يتمنون لهم الجنّة مُقابل التضحية التي يخدعون بها الشباب الذين لا صِلة لهم بهم؟ إذاً هم كاذبون ومخادعون وعن الحَقِّ ضالون!

 

هذه الظاهرة اللاإنسانية المُرعبة دفعتْ عدداً لا يُحصى من الكتاب والباحثين لكتابة المقالات والقيام بالدراسات وإصدار الكتب التي تُحلِّل المسارَ السيءَ الذي يسلكُه الإرهابيون المُسلِمون وما يدفعهم الى ذلك آياتُ السيف والقتل التي يحتويها قرآنُهم وإليكم بعضاً منها وأهمّها:

 

< وقاتلوا في سبيل الله (سورة البقرة2: 190) وقاتلوهم حيث ثقِفتموهم (سورة البقرة2: 191) كُتِبَ عليكم القتال (سورة البقرة2: 216) وقاتِلوا في سبيل الله (سورة البقرة2: 244).

 

فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كُلَّ بنانٍ ذلك بأنَّهم شاقّوا الله ورسوله (سورة الأنفال8: 12-13) وقاتلوهمْ حتى لا تكونَ فِتنة ويكونُ الدينُ كُلُّه لله (سورة الأنفال8: 39) أعِدّوا لهم ما استطعتُم مِن قوَّةٍ ورباط الخيل تُرهِبون به عَدوَّ اللهِ وعَدوَّكم (سورة الأنفال8: 60) يا أيها النبيُّ حَرِّض المؤمنينَ الى القتال (سورة الأنفال8: 65).

 

فليُقاتِل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا (سورة النساء4: 74) فقاتِلوا أولياء الشيطان (سورة النساء4: 76) فقاتِل في سبيل الله… وحَرِّض المؤمنين (سورة النساء4: 84) وقاتلوهم حيث وجدتموهم (سورة النساء4: 89). >

 

ولم يَكتفِ القرآن على التحريض بقتال الكافرين فحسب، بل تَعَدّأه الى قتال المؤمنين مِن أهل الكتاب اليهود والمسيحيين بموجب الآيات التالية:

قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحَرِّمون ما حَرَّمَ الله ورسوله، ولا يدينونَ دينَ الحَقِّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغِرون (سورة التوبة9: 29) وليس قتالهم فحسب، بل نهب ممتلكاتهم وسلب اراضيهم وسبي نسائهم وأولادهم حيث يقول: وأنزَلَ الذين ظاهَروهم مِن أهل الكتاب مِن صياصيهم وقذفَ في قلوبِهم الرعبَ فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثَكم أرضَهم وديارَهم وأموالَهم (سورة الأحزاب33: 26-27).

 

أقتلوا المُشركين حيث وجدتموهم (سورة التوبة): 5) فقاتِلوا أئمة الكفر إنَّهم لا ايمانَ لهم (سورة التوبة9: 12) قاتلوهم يُعذِّبوهم الله بأيديكم ويُخْزِهم… ويشْفِ صدور قومٍ مؤمنين (سورة التوبة9: 13) ألا تُقاتِلوا قوماً نكثوا ايمانَهم (سورة التوبة9: 14) وقاتِلوا المُشركين كافة (سورة التوبة9: 36).

 

وجزاء الذين يُحاربون الله ورسولَه ويسعون في الأرض فساداً أنْ يُقتَلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلُهم (سورة المائدة5: 33)

 

بالإضافة الى ما تحويه كُتبُ ما يُسمّى بصحيح مسلم والبخاري وغيرها الكثير، وكُلُّها تدعو الشبابَ المُسلِم الى القتل والإرهاب، فيسلكون هذا الدربَ الشائكَ دون وعيٍ مُضحِّين بأنفسهم تشبُّثاً بوعودٍ سرابية كاذبة حشوها بأذهانِهم عُتاة شيوخ الإسلام.

 

وبعد كُلِّ ما تقدَّم ذِكرُه كيف يقبل عقلُ وضميرُ المُسلِم أن تكون أوامرُ القتل والإعتداءات الوحشية وأعمال السلب والنهب والسبي تعاليم دينية مِن الله؟ وكيف يجرأ ويدَّعي المُسلمون بأنَّ الإسلامَ لا يأمر بالإعتداء ولا بالسلب والنهب ولا بسفك الدماء ولا بسبي النساء والغلمان! وكيف يتفق هذا الإدِّعاء مع واقع القرآن والسِّيَر والأحاديث الزاخرة بمثل هذه الأوامر الجُرمية الخطيرة بحق أبناء البشرية لا لشيءٍ إلا لعدم ايمانهم بهذا الدين الذي يعتمِد هذه الأوامر المُجحفة والظالمة!!!

 

ولنأتي الآن الى الكتاب المعنون ” إغلاق عقل المُسلِم ” لمؤلِّفِه الباحث الأكاديمي الدكتور روبرت رايلي، فإن مَن يقرأ هذا الكتاب، يكتشف في مؤلفِه اطلاعَه الواسعَ على تاريخ الإسلام وسعةِ فهمِه وبعُمقٍ للعقل العربي والإسلامي المُغلق، ولذلك فلا بُدَّ مِن عرض محتوى كتابِه لكي يستفيدَ منه كُلُّ مَن ابتلى بظاهرةِ الإرهاب مِن المُسلمين أولاً وأبناءِ العالَم الآخرين ثانياً.

 

مِما تبيَّنَ للمؤلف بأن الإرهابَ الإسلاميَّ في أيامِنا الراهنة ليس بجديد، ولا تُمليه عواملُ اجتماعية كالفقر والبطالة والعوز… بل هو نتيجة خللٍ أصابَ عقل الشباب المُسلِم مِن جرّاء التطورات التي انتابت الفكرَ الإسلامي منذ القرن التاسع الميلادي فأوصلتْه هذه العقلية الى الواقع الحتمي المُعلن والمَرير. ويسعى المؤلفُ الى متابعة أسُسِ هذه الظاهرة التي تعرَّضت لمنعطفاتٍ تاريخيةٍ منذ ظهور الإسلام ولا سيما تلك التطوراتُ الفكرية التي حصلتْ في العصر العباسي.

 

وفي مُقَدمة كتابِه يقول روبِرت رايلي بأنَّه يخوضُ في تفاصيل أعقدِ وأعظمِ دراما في تاريخ البشرية ” مسرحُها عقل المُسلِم المُغلق ” متتبعاً الطُرُق التي استخدمَها فقهاءُ المسلمين وبالتحديد السنَّة بتعامُلِهم مع العقل، وبخاصةٍ بعد تأثُّره بالأفكار الفلسفية اليونانية على عهد الخليفةِ المأمون العباسي. والأبرز بينها الفكرُ الفلسفي لآرسطو الذي تغلغلَ في الثقافة الإسلامية على غِرار ما جرى للمسيحية في أُوروبا. ولدى مقارنتِه بين الحضارةِ الغربية والحضارة الإسلامية، يؤكِّدُ مؤلف الكتاب بأنَّ الحضارة الغربية اعتمَدتْ في نَشأتِها على أربعة مصادرهي:< الديانة المسيحية والديانة اليهودية والفلسفة اليونانية والقوانين الرومانية > وتمَّ لها الإزدهارُ ولكنَّها اضمحلَّت في العصورالوسطى، وفي عصرالنهضة والتنوُّر نهضت من جديد واستمرَّت بالتطورحتى بلغتْ مستوى متقدِّما من حيث التفوُّق العلمي والفلسفي والتقني والفني واحترام حقوق الإنسان ومُمارسة الحرية والديمقراطية، ويُضيفُ بأن هذا التطوُّرما كان له أن يحصل لو لم يهتمَ فلاسفة الغرب باستخدام العقل على أوسع نطاق.

 

وبالرغم مِن أنَّ الإسلام برز في أوائل القرن السابع الميلادي في منطقة الجزيرة العربية، فقد حقَّق بفضل أهل الكتاب نهضة سريعة وفي غضون ثلاثة قرون انتشرت حضارتُه الإسلامية التي اكتسبها عن طريق قيام مسيحيي بلاد الشرق التي استولى عليها المسلِمون بقوة السيف، فشملت منطقة الشرق الأوسط التي حدَّد امتدادَها “الفريد تايرد” مِن ايران الى المغرب، فشيَّدوا المدن وأسَّسوا المعاهد العلمية وفتحوا المكتبات، ولم تلبث هذه الحضارة حتى انهارت كُلِّياً في القرن الثاني عشر، وانغمس العالَمُ الإسلامي في ظلام حالكٍ ولم يَستطع النهوض كما استطاعت اوروبا استعادة حضارتها وتطويرها.

 

وهنا يسأل المؤلف روبرت رايلي: لماذا لم يستطع العالم الإسلامي استعادة حضارته بعد كبوتِه  كما استطاع الغرب؟ فيعزو ذلك المؤلف مُرَكِّزاً على ما طرأَ على الفكر الإسلامي من تطوُّرٍ في العهدِ العباسي، وتحديداً في فترة خلافة المأمون التي غمرتها الأحداث السياسية والإجتماعية التي تمحورت حول قضايا الصراع السياسي ولإيديولوجي المتستِّر بغطاء المسميات الدينية. حيث ظهرت على شكل مدارس الكثير من تيارات ومذاهب وآراء فكرية منطقية وفلسفية ووجدانية مُدَّعِياً كُلٌّ منها امتلاكَه للحقيقة الربانية، والأبرز بين هذه المدارس الفكرية كانت:

 

مدرسة أفكارحركة “المُعتزلة” العقلانية، أي أنَّهم تبنّوا إعطاء الأولوية للعقل لا للنقل، وتركَّزت فلسفتُهم على أنَّ الإنسانَ مُخيَّرٌ وذو إرادةٍ حُرّة، إذْ يمتلك العقل وبواسطته يتمكَّنُ من التمييز بين الخير والشر وهو المسؤول عن  أعماله وتصرُّفاتِه. وبدون هذه الإرادة الحرة في الإختيار لن يكون الإنسانُ مسؤولاً عن أعمالِه، وليس من العدل معاقبتَه إذا ارتكب جُرماً!

 

وبخلاف مدرسة المُعتزلة العقلانية، ظهرت مدرسة اخرى مناهضة لها أُطلق عليها “الجبرية” تدَّعي أن الإنسان مُسيَّرٌ، لا يحُقُّ له أخذَ قراراتِه والقيام بأعماله، باعتبار أنَّ كُلَّ ما يعمله ويتعرَّض له، هو مكتوبٌ عليه من الله منذ الأزل وقبل مجيئه الى الحياة، وقد انتهج خلفاء بني أُمية أفكار هذه المدرسة لتبرير ظُلمهم، إذْ لو قاموا بالظلم فالمسؤول هوالله الذي سلَّطهم على حكم الشعب، فالظلم برأيهم يتِمُّ بإرادة الله!!

 

أما الخليفة العباسيُّ السابع عبدالله المأمون، فكان نصيراً للعقل ومُحباً للفلسفة فتبنَّى أفكار حركة المعتزلة، فازدهر عصرُه بالثقافة والحركة الفكرية الحرة، فكان اكثر خلفاء العباسيين تشجيعاً لترجمة الكُتُب مِن مُختلف الثقافات اليونانية والفارسية والهِندية. إنَّ سَبَبَ ميل المأمون الى المُعتزلة هو تيقُّنُه بأنَّ العقل هو أهَمِّ المصادر بل المصدر الأمثل للوقوف على الحقيقة، وما يُفرِّق الإنسان عن الحيوان هو العقل، ومن هذا المنطلق أيَّد المُعتزلة ودعمَ حركتهم، وأسند إليهم أهمَّ المناصِب وبخاصةٍ في القضاء.

 

وباعتبار أنَّ أفكار وآراء مدرسة حركة المُعتزلة تُمثِّل الفعل التنويري في تاريخ الإسلام والمُسلمين، وهم الذين رَوَّجوا لنظرية “خلق القرآن” وآمن المأمون بها بقوة بحيث فرضها كعقيدةٍ رسمية للدولة، وسمح للمُعتزلة بامتحان الناس، فمَن كان لا يُقِرُّ بفرضية خلق القرآن كان يتعرَّض للعقاب. لذلك نود أن نُلقي نظرة سريعة على أفكار واعتقادات المعتزلة فهي:

 

تعتمِد العقل في شرح وتفسير العقائد الإسلامية، وتتمحْوَر أفكارُهم حول خمسة أُسُس هي: التوحيد، العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد، والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر. ويبدو أنَّ جماعة المعتزلة في اتِّجاههم العقلاني برزوا في فهم نصوص” الكتاب والسنّة وتعني الأحاديث النبوية ” ووصلوا  في ذلك الى الذروة في عهد الخليفة المأمون بحيث غدا المذهب الإعتزالي المذهب الرسمي للدولة، ورُفِضَت كُلُّ الإتجاهات الأخرى القائمة على منطِق”الجبرية” الذي يعني أنَّ الإنسانَ مُسَيَّرٌ وليس مُخَيَّراً. وبسبب الخلاف بين نظرية خلق القرآن التي جاهرَ بها المُعتزلة، وبين نظرية الوعاظ والمشايخ بأنَّ الله هو مُنزل القرآن. سُمِّيَ ذلك العصر “عصر المِحنة” وعُرفَ ما دار بين الفريقين جدالاً سفسطائياً، وقد أثار فتنة كبيرة آنذاك. وما يجدر ذِكرُه بهذا الصدد بأنَّ الشيعة يُقِرون بخلق القرآن، فالمعتزلة إذاً لم يكونوا من مذهبٍ واحدٍ بل من السنة والشيعة. والى الجزء الثاني مِن إغلاق عقل المسلم قريباً.

 

الباحث والمؤرخ

الدكتور كوركيس مردو

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *