إستـشهاد فـؤاد شمعـون ﮔـردي ( ألقـوش – موسـكـو الصغـيرة )( 4 )

قـبل البدء بمقالي أقـدّم شكـري لِمَن تـجاوب معي وزوّدني بتأريخ مقـتـل المرحـوم نوئيل جـجـو كـوزا ( إبن إبن خال والدتي ) والذي حـضرتُ عـنـد جـثـته في وقـتها عـصر يوم 26 آب 1967 قـريـباً من حافة البئر خـلفَ رومـْــتا د مُـشِـلـْـمانِ – ألقـوش ، وكـذلك شكري الخاص لأخٍ كـبـير زوّدَني بمعـلومات عـن بدايات نسائم الثورة الكـردية الواصلة إلى سفوح جـبل ألقـوش في عام 1962 وتأريخ إستـشهاد المرحـوم حـميد ياقـو حـنو في 24 أيلول 1963 وكـنا نحـن كافة طلاب الثانوية ومن بـينـنا أخـيه نجـيـب السعـيد الذكـر الذي كان في صـفي قـد حـضرنا جـبراً لحـظات إعـدامه في ألقـوش – جـنوب خِـﭙَـرْتا – وكـنا عـلى بُـعـد حـوالي 20 متراً من المشنـقة والجـلاّدون من الصلافة والإستـخـفاف والشماتة بحـيث عـلـّـقـوا لافـتة كـبـيرة أمامنا مكـتوب عـليها (( قال السيد المسيح : بالكـيل الذي تـكـيلون يُـكال لكم – إنجـيل متى 7 : 2 )) وطلبوا منا التصفـيق فـنـفـَّـذنا شـئنا أم أبَـينا ومعـنا جـمعٌ من الأمهات والرجال ، وأعـتـقـد أن الكـنيسة تـدخـَّـلتْ – أو قـد يكـون المرحـوم هـو الذي طلبَ – في مسألة تقـليدية دينية بحـتة وقـبل الشنق بدقائق تـقـدّم أمامنا المرحـوم الأب هـرمز صنا إلى العـجلة التي كان بداخـلها وناوله القـربان المقـدّس بعـد إعـترافه حـسب النظام الكـنسي ، حـقاً إن إنهاء حـياة خـلق الله بـيـد شخـص آخـر مثله لهُـوَ أمرٌ فـظـيع .

إن مَن كان يرضع من أمه في نهاية الخـمسينات وبداية الستينات أو ربما لم يكـن مولوداً أصلاً ، لماذا يزعـل من كـتاباتـنا ، هـل من جـواب ؟ أم أنّ مبدءَهم هـو : رغم أنـنا لم نكـنْ مخـلوقـين ، نـنـصُـر جـماعة جـدّنا ووالدنا وعـمنا و خالنا ظالمين كانـوا أم مظـلومين الذين تركـوا بإرادتهم ! مهَـنـَهم ومدارسَهم ومعاهـدَهم ومزارعـهم ووظائـفهم ومشاريعهم وعـوائلهم وإلتحـقـوا كـمقاتلين في الجـبال ، من أجـل ماذا وما هي النـتـيجة – لا ندري ! شـوَية عـلى كـيفـكم وَيّانا يا شباب يا أولادي ( لا شوقـوتون خِـنّْ دْ أخـْـلي خـَـنـْـوِ بكاكوخـون – لا تسمحـوا للآخـرين أن يأكلوا الخـرنوب بأسنانكم ) بل قـولوا لهم أن يردّوا بأقلامهم الحادة ونحـن منـتـظرينهم برحابة صدر كي نجـيـبهم بأخـوّة مثـلما أجـبنا فلاح قـس يونان الذي أرَدنا أن نـقـبِّـله فـرفـض ولكـن غـيرَه قـد تكـون عـنده كِـياسة وذوق فلا يرفـض ، أما أنتم الشباب أتـركـوا تعـليقاتكم في الـﮔهاوي لِـمَـن يهمّه الأمر ممن كانـوا بالغـين في تلك الأيام كي يكـتـبوا آراءَهم ويهـيّـئوا لنا فـرصة مناقـشتهم أو الإعـتذار لهم ولكـنـنا لا نـنساق وراء شباب اليوم وعـنـفـوانهم الشبابي وحـماسهم الأعـمى فـتلك مسألة ليس فـيها وجهة نـظر عـلى الإطلاق ، بل يجـب عـليهم أن يُـبـيِّـنوا لنا كـيف يعـترضون عـلى ما يجـهلون وفي يومٍ لم يكـونوا مولودين ؟ ومن جانب ثاني ألا تريدون الإطلاع عـلى ما جـرى في الماضي والكِـبار لا يُـحَـدّثونكم به في الحاضر عـسى أن تستـفـيدوا منه في المستـقـبل ؟ ثم مَن منا لم يُـخـطىء ، إنْ كان بالنـظر حـين تـزيغ أعـينـنا بدون قـصد أو ربما بقـصد ، أو بالسمع حـين نستـرقّ السمع ، أو بالفـكر حـين نـخـطط للشر ، أو بالقـول حـين نشتم هـذا وذاك ، أو بالفعـل حـين نـقـتل أو بالكـتابة حـين نـشهر أو حـتى بالإيمان حـين نشك ؟ و لا تستـغـربوا من الإنـتـقاد فـفي أحـد الأيام عاتب أحـد الأساقـفة المرحـومَ الأب يوحـنان ﭽـولاغ عـلى قـصيدة نـقـدٍ لاذعة كان قـد كـتبها ، فـردّ عـليه الأب قائلاً : هـل إيمَن ﭙـيشِـخ بكـناشا وْ مْـطـَـشوي زبلا خـو قـنـﭙات – إلى متى نبقى نـكـنس النفايات ونـُـخـفـيها تـحـت القـنـﭙات ؟ طيّـب ، أنا الآن شخـصياً جاهـز لأي لقاء أو ندوة أو مناظرة بهذا الشأن ومع مَن يريد بدون إستـثـناء ولكـن يجـب أن نسجّـلها بالـﭭـيديو ، لماذا ؟ كي لا يقـول أحـد منا يوماً أنا قـلتُ كـذا ولم أقـل كـذا ، وإلاّ خـلـّـيهم يـﭽَـقـْـﭽـقـون بالدومنه ويطـقـطـقـون بالطاولي ويسحـبون الدخان من الفـلتر و وَراها مَـصّة ﭙـيك ثم ينامون ، وأبو جـميعـنا الله يرحـمه .

المرحـوم فـؤاد أكـبر مني وأعـرفه جـيّداً بحكم الصداقة العائلية في كـركـوك وكم مِن مرة ذهـبْـتُ عـصراً عـنده بتوصية من والدي كي أمارس الرياضة ( السويدية ) أمامه في حـديقـتهم وكان يـبدو وسيماً بملابسه العـسكـرية ، أما ما هـو مصيره بعـد إنـتـقال سكـنهم إلى ألقـوش وإنخـراطه في صفـوف المقاتـلين؟ كـيف قـُـتِـل وأين ؟ ما الذي حـدّثـنا به رفاقــُه مِن قـصص ؟ إنها أسئلة كـثيرة طـُـرحَـتْ ، أجـوبة عـديدة رُوّجَـتْ ، حـكايات بل دعايات متـنوّعة نـُشِـرَتْ ، وذقـون كـثيرة عـليها ضـُـحِـكـَـتْ ، ووجـوه رفاقه الذين خـذلوه إصْـفـَـرّتْ ، ومن خجلهم رؤوسـهم إنكـبّـتْ ، ومبادىء النضال نـُـسِيَـتْ ، والرفاقـيّة الحـمراء والتباهي بها نـُـبـِذَتْ ولكـن الحـقـيقة هـل قـيلتْ …….؟ كـلاّ ، فالرجالات من أرض المعـركة إنهـزمتْ ، دون أن ينبـِّهَهم ضميرهم لأيّ ذنبٍ جُـثــّـة فـؤاد تــُـرِكـَـتْ ، وفي أرض مجـهولة دُفِـنــَـتْ ؟ وهـنا مَربـط الفـرس !!! لأنها نقـطة سوداء في سجـلّ رفاق الآيديولوجـيات ودكـتاتورية الـﭙـروليتاريّات وروح النضالات وقِـس عـلى ذلك من طـنين المصطلحات ، التي أصبحـتْ من مخـلفات عـهودٍ ما قـبل البائدات . فـكم مِن فـتاحي الفال ذهـب إليه أفـراد أسرته أملاً في الحـصول عـلى وميض نور يقـودهم إليه دون نـتيجة مقـنعة والجـماعة الأشاوس الذين كانوا معه يعـرفـون ويُـخـفـون الحـقـيقة المُـرّة عـن الجـميع ، إلاّ أنّ الصدفة لعـبَـتْ دورها فـجـعـلتـْـني أفـكّ رموز مقـتله وأسـرارَها بعـد حـوالي عـشرين عاماً ، وقـد ( أبالغ إذا قـلتُ ) أن مَن يـدّعي اليوم بمعـرفة تلك الأسرار – عـدا مجـموعة فـؤاد والقـيادة المحـلية – إنما إستـقاها مني في مقال كـتبته قـبل بضعة سنين بعـد طـلب عام من السيد داود برنو في إحـدى مقالاته ( قـراءات في أوراق المرحـوم توما توماس ) بالإنـتـرنيت يقـول فـيها : (( – وبعـد عـدّة أشهر إلتقـيتُ بالسيد سيدو بك الذي كان يعـمل فـراشاً للمدرسة في القـرية وهـو أيضاً شخـصية بارزة في قـرية جـراحـية فسألته عـن الحادث لأنه حـصل في منطـقـته فـقال لي : في ذلك الليل يوم الحادث لم يخـمد لي جـفـن ولن أنسى ذلك اليوم لأن أنينه كان في أذني حـتى الصباح الباكر ، وإستغـربتُ من تلك الحالة كـيف أن الحـيوانات المفـترسة في المنطقة لم تـتعـرض له وهـو قـرب عـين للماء تـتردد إليها تلك الحـيوانات . أكـتـفي بهذا القدر من المعـلومات لربما تـفي بالغـرض ولا أريد أن أتـطرق إلى تـفاصيل أخرى ……. أتمنى أن يرد عـليّ من الذين رافـقـوا المرحـوم فـؤاد بتلك المهمة أو من الذين لهم إطلاع دقـيق عـلى هـذه القـضية –  تعـليق عـلى مقالة داود برنو : هـل يمكن لشيخ اليزيديّـين أن يعـمل فـراشاً في مدرسة ؟ أنا أعـرف سـيدو بك كـشخـص فـقـط طـويل القامة وأعـرف أخاه الأصغـر أقـصر منه قامة وأكـيداً كان فـرّاشاً في مستـوصف الجـراحـية حـين كـنتُ في نزهة صيفـية إليها لبضعة أيام 1964 . جاء إلى ألقـوش يوماً لأخـذ النـفـط فـتأخـر ولم يستـطع الرجـوع إلى قـريته بسبب الظروف الأمنية في حـينها ، وفي تلك الأيام كان والديَّ كلاهما في بغـداد وأنا كـبـير البـيت في المرحـلة الثانوية ـ في 1965 ـ فـطلب مني جـيرانـنا المرحـوم ( أبو ثائر ) بـيلو وزي الحـدّاد أن أسمح لهذا الرجل الفـرّاش أن ينام تلك الليلة في دارنا لضيق المكان عـندهم وللظروف العائلية أيضاً ووافـقـتُ ، فـنام في غـرفة خارجـية وأنا وإخـواني الصغار في غـرفة داخـلية وأشعـل مدفأتـنا بقــُربـِه طوال الليل ومن نـفـطه لأن الموسم كان شتاءاً بارداً قارساً جـداً ولم نكـن نملك النـفـط )) إنـتهى .

كما قـرأتُ في موقع Al-nnas.com الإلكـتروني الفـقـرة التالية : (( كان يتحـتم عـلى هـذه المجـموعة الصغـيرة إجـتياز أرض مكـشوفة ( دشت ) مروراً بقـرية – ألمَـمَـنْ – والتي تسكـنها عـشائر عـربـية معادية ، وهـناك تـصـدّتْ لهم مجـموعة معادية إسـتـُـشهـِـدَ في الحال الرفـيق فـؤاد شمعـون ، وإنسحـب عادل صبحة وصديقه دون أن يُـطلقا طلقة واحـدة ، تاركـين الشهـيد في مكانه . وكان أول شهـيد يسقـط لنا )) إنـتهى .

إنّ مقـتل فـؤاد أخـفِيَ حـتى عـن أقـرب الناس إلى العائلة المفجـوعة وعـن الأهالي ولسنين طـويلة لا بل حـتى عـن أولئك القـريـبـين من بـؤر السياسة في ألقـوش عـلى إخـتلاف ألوانهم ، ولستُ أدري لماذا الإحـراج فـقـد كان بإمكانهم إقـناع الناس بالقـول أن المعـركة كانت شديدة جـداً وتباين القـوى كان كـبـيراً وأنّ أيّة مجازفة بالإقـتراب إلى مكان الجـثة كانت شبه مستـحـيلة وتعـني الإنـتحار (*) وإعـطاء المزيد من الضحايا والمبدأ العـسكـري يقـرّ الإنسحاب بخـسائر أقـل ، وهـذه الحالة حـدثتْ في أشـدّ المعارك العالمية لا بل يذكـر القائـد الإنـﮔـليزي مونـْــتـْـﮔــَـمـْـري في مذكـّـراته عـن الحـرب العالمية الثانية أنه كان يتـفـقـدّ الخـطوط الأمامية وهـو داخـل مصَـفـّـحـته ولمحـتْ عـيناه جـنـدياً إنـﮔـليزياً جـريحاً مرميّاً عـلى الطريق وملـوّحاً بـيده طالباً النجـدة ، فـلم يأبه به للأسباب العـسكـرية المعـروفة ، أقـول لو أنّ الرفاق الأنصار إعـتـرفـوا بشيء من هـذا القـبـيل فإن ( بعـضاً من ماء الوجه كان يُـحـفـَـظ ) بدون غـموض ولا إخـفاء وأنّ الذي حـدثَ حـدثَ وإنـتهى وعـندئذ لن يـبقى الناس حَـيارى أو متـشكـّـكـين بل سيقـتـنعـون وإنْ كان عـلى مضض ، وإليكم القـصة البسيطة جـداً :

دُعـيَـتْ مواليدي إلى الخـدمة العـسكـرية / إحـتياط  فإلتحـقـتُ في 24/8/1982 في معـسكـر التاجي ومن هـناك نـُـقِـلتُ بتاريخ 6/11/1982 إلى جـبهات القـتال / قاطع الشرهاني / حـوالي 45 كـلم عـن الشارع الرئيسي بغـداد – عـمارة . وفي إحـدى إجازاتي الخاصة خـرجـتُ من المعـسكـر ووقـفـتُ عـند الشارع الترابي منـتظراً أية عـجـلة عـسكـرية مارّة بالإتجاه الذي يُـفـيدني كي تأخـذني مسافة لأستـقـلّ غـيرها وهـكـذا حـتى أصل إلى الشارع العام المبلـّـط . مرّتْ عـجـلة ( إيفا ) وأشـّرتُ إلى سائقها فـوقـف وأخـذني معه ، ولما عـلم أن إتجاهي هـو إلى نقـطة السيطرة / عـمارة ، قال إطمئن فـطريقي إلى هـناك ، وهـذا يعـني أن مدّة لا تقـل عـن الساعة سأكـون بصـحـبته . سألني في الطريق قائلاً : إلى أين ذاهـب ، ومن أية بلدة أنـتَ ؟ قـلتُ : أنا ذاهـب إلى بغـداد ومرجَعي هـو الشمال ومن ألقـوش . قال : أنا مِن بخـديدا ، ( كـيذتْ سورث ؟ أتعـرف اللغة الكـلدانية ؟ ) قـلتُ : نعـم ! وعـندها تحـوّل الحـديث إلى اللغة الكـلدانية أنا بلهـجـتي الألقـوشية وهـو بلهـجة بخـديدا . ولما رأيتــُه من مواليد متـقـدّمة بعـض الشيء خـمّـنـتــُه عـسكـرياً إحـتياطياً مثـلي فـسألتــُه : متى دُعـيتَ إلى الخـدمة العـسكـرية ؟ قال : أنا متـطوّع في الجـيش ومخـتص في الآليّـات ( الميكانيك ) . وسألني عـن عـملي خارج الجـيش فأجـبْـتــُه ثم سألني : مَن تعـرف من الألقـوشيّـين ؟ قـلتُ : أنا ألقـوشي أعـرف الكـثيرين منهم ولكن أنت مَن تعـرف منهم ؟ قال : هـل تعـرف ألقـوشياً إسمه ( فـؤاد ) ؟ فأجـبتــُه : أعـرف واحـداً أصغـر مني عـمراً وليس صديقي ولا يوجـد بـينـنا أي تعارف . فـقال : هـل تعـرف شخـصاً آخـراً شـيوعـياً أكـبر منك إسمه فـؤاد ؟ قـلتُ : نعـم ولكـنه متوفي ، فـقال : كـيف توفى ؟ قـلتُ له : في الحـقـيقة قــُـتل بطريقة غامضة أخـْـفِـيَـتْ عـنـّا حـتى اليوم ، قال : أنا أعـرف وسأحكي لك القـصة … كـنتُ في أحـد المعـسكرات في أوائل الستينات في الشمال ، وذات ليلة هـجـمَـتْ عـلينا مجـموعة مِن الـﭘـيشمرﮔـة وتبادلـنا إطلاق النار معهم فأصبـْـنا أحـدهـم ولم يتجـرّأ الآخـرون عـلى الإقـتراب منه رغـم صياحه طالباً منهم الإنـقاذ ولكـنهم تركـوه وإنهـزموا ، وعـند الفـجـر إستطلعـنا المكان فـرأينا قـتيلاً فـتـّـشناه فـعـرفـنا أنه فـؤاد شـمعـون ألقـوشي ، فـحُـمّل عـلى عـجـلة ودفـن في مكان ما . هـذه هي القـصة الغامضة والبسيطة جـداً لإستشهاد فـؤاد والتي عـرفـتــُها عـن طريق الصدفة . إن كلام الشيخ اليزيدي سـيدو والعـسكري البغـديدي الذي كـلـّـمَـني يتـطابقان ولا يتـناقـضان ، أما ما قـرأتــُه في موقع Al-nnas.com الإلكـتروني بشأن مقـتل فـؤاد فإنه لا يرتـقي إلى مستوى الوضوح لكـونه مـمَـوّهاً بعـض الشيء كما أن فـؤاد لم يمـتْ في الحال ، ثم لماذا – وبعِـلـْـمِهـِم – تــُـرِكـَـتْ جـثـته المقـدسة وأهـمِلتْ كي تـدفـَـن في مكان مجـهـول وبدون وقار . وإن كان لأحـد معـلومة أكـثر دقـة مما ذكرتــُها عـن إستشهاده فـلـيذكـرها لنا و يُـبـيّـن لنا اللغـز المهم : أين إخـتـفـتْ جـثــّـته ونحـن له شاكـرون .

(*) ….. مثال التـضحـية في الحـرب العـراقـية الإيرانية

إنّ لواء 24 الملقـب بالبطل كـما يعـرف السيد داود برنو الذي خـدم فـي أحـد أفـواجه كـضابط كان في قاطع الشرهاني /عـمارة وقـد خـدَمـتُ فـيه عـنـد الخـط الثاني من المعـركة الذي كانـت تـصلنا إليه قـذائف العـدو فـقـط ولمدة سنـتين ، حـدثـتْ معـركة حامية إستـُـشهـِدَ فـيها مَن إستـُـشهـِدَ وإنسحـب الباقـون وبقـيَـتْ جـثة أحـد جـنودنا في الأرض الحـرام لإستحالة الإقـتـراب منها في المفهوم العـسكـري فـلم يأمر القائد في حـينها أيّاً من جـنودنا بالمجازفة لإخلائها وكان أمراً واقعاً لا خـَـيارَ بديلاً له . إلاّ أنَ أحـد الجـنود الذي لا تربطه بالشهـيد أية علاقة دموية أو رفاقـية أو قـروية سوى الغـيرة الإنسانية التي تشـدّه بالجـندي في اللواء ، فإنبرى وتقـدّم إلى الآمر طالباً منه السماح له بإخلاء الجـثة من الأرض الحـرام بواسطة عـجـلة ( إيفا ) العـسكـرية ! فـتردّد الآمر الذي ليس مُـخـوّلاً بالتضحـية غـير المجـدية والعـلنية بالجـندي قائلاً له أنّ مِن يحاول ذلك سنسجّـله في عـداد الشهـداء المفـقـودين ، لكـن الجـندي ألحَّ بطلب الموافـقة عـلى المجازفة قابلاً بكـل الإحـتمالات السلبـية وكان له مثـلما أراد . فإستـقـلَّ العـجـلة وتـقـدّم مخاطـراً في وسط الأرض الحـرام والطلقات النارية تـنهال عـليه حـتى وصل إلى الموقع وأوقـفها بـين الجـندي الشهـيد والعـدو الذي لا يـزال يـطلق نيرانه عـليه فـنزل من مقعـد سيارته ورفع الجـثة الكـريمة ودفـعـها إلى داخـل مقـدّمة العـجـلة ثم وبسرعة خاطفة قادها بسلام إلى المواقع الآمنة بعـد أن أصبحـتْ كالمنخـل بثـقـوبها الغـزيرة وكان محـظوظاً عـندما لم تـصِـبه أو خـزان وقـود العـجـلة أياً من تلك الطلقات . أ ليس صحـيحاً بحـق الجـندي صاحـب الغـيرة هـذا إذا قـلنا : ( هـكـذا أحَـبّ المقاتل رفـيقه في المعـركة حـتى إنه جازف بحـياته من أجـل إنـقاذ جـثـته ……….. ) هـذا للشهـيد الميّت ، طـيـب فـكـيف بنا بالجـريح الذي لا يزال حـياً ويستـنجـد برفاق النـظريات ؟؟؟؟؟؟ إخـوان : إﮔـعـدوا أعـوَج وإحـﭽـوا عـدل .

(*) ….. وفي تلك السنين شاهـدنا من عـلى شاشة تلفزيون العـراق إعـتراف الرئيس السابق صدام بأن أحـد الجـنود وضع صدره درعاً أمامه يصد الإطلاقات النارية عـنه حـين زار الخـطوط الأمامية في جـبهة المعـركة ، وإذا كان ذلك في نـظر البعـض تـمَـلـّـقاً و تـلـَـوّﮔاً ! فـليـكـن ، لكن ماذا كـنا سنـقـول عـنه لو أن رصاصة إستـقـرّتْ في قـلبه ؟

بقـلم : مايكل سـيـﭙـي / سـدني –  2011

You may also like...