أين التصـدّي للتحـدّي؟

في الأحد الدامي 31 تشرين الأول 2010 ارتكب التنظيم الأرهابي مجزرة وحشية ضدَّ جماعةٍ مسيحية مؤمنة جاءَت الى كنيسة سيدة النجاة في بغداد لتأدية الصلاة لله ، متضرعة ً إليه تعالى إسمُه ليُحلَّ السلام في العراق الجريح ويُلهم قادته السياسيين ال ىسلوك درب التفاهم والمصالحة لكي يتفقواعلى رأي موحد وسديد، لتشكيل حكومة وطنية بعد انتظار طال أمدُه أكثر مِن اللازم. ولم يكتفِ التنظيم الإجرامي بما قام به من فعلٍ مشين يندى له الجبين بل الحقه بتهديد صارخ بأنه سيواصل إجرامه بحق المسيحيين ويُلاحقهم في كُلِّ مكان متحدياً وغير مبال ٍ بكُل ما صدر مِن تنديدات وردات استهجان، وقـد قرن تهديده بالفعل فهاجم سبعة منازل للمسيحيين في أماكن متفرقة من بغداد يوم الأربعاء العاشر من تشرين الثاني 2010 ألا يعني هذا بأن هذا التنظيم يمتلك القدرة الفعلية والتجريبية بأنه قادر على القيام بشن حرب إبادةٍ على المسيحيين؟

وهنا يتبادر السؤال الى الأذهان، أين التصدي لهذا التحدي؟ ومِن واجب مَن القيامُ به؟ بالتأكيد إن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة في أيِّ بلدٍ في العالم لحماية شعبها من الإعتداء مهما كانت أشكالُه ومن أية جهة كان مصدرُه! فأين الحكومة العراقية مِن هذه المسؤولية؟ إن واجب الدولة الأساسي هو حماية مواطنيها جميعاً وبدون استثناء! لقد سمعنا الشجبَ والإستنكار بعد كُلِّ مأساةٍ تقع على رأس المواطنين مِن قبل اكثر المسؤولين في الدولة وعلى أعلى المستويات، ولكن ما فائدة الشجب والإستنكار إذا لم يُقرن بعمل فعّال؟ إنه تقصير وعجـز وقد يكون عدم المبالاة من قبل النظام القائم. ولكن هناك وضعاً غير طبيعي يجب أن يُؤخـذ بنظر الإعتبار هو تأخر تشكيل حكومة جديدة رغم مرور نحو ثمانية أشهر على الإنتخابات البرلمانية مما سهل على الجهات المعادية استغلال هذا الفراغ الحكومي الدائرة فيه صراعات داخلية على مراكز النفوذ والإستحواذ على المناصب السيادية،ولا شكَّ أن هذا الوضع أربكَ عمل حكومة تصريف الأعمال وقلَّـل من رقابتها على تحركات الزمر الإرهابية.

كيف يستطيع الأصولي القادم من الجزائر والمغرب والصومال واليمن ومصر والسعودية الدخول الى العراق إذا لم يكن هناك مَن يُسهِّل مهمتَه ويباركها في الخفاء؟ وكيف يمكن لهذا المتسلِّل تحت جنح الظلام مِن تحديد أماكن المسيحيين، إذا لم يكن هناك من داخل العراق مَن يُرشده ويدعمه ويُوفـر له الحماية ويتستَّر عليه؟ مَن يملأ قلبَه بالحقد والكراهية والبغضاء، مَن يمُده بالسلاح والمؤن والخرائط والمعلومات؟ أليست هذه أسئلة مشروعة أين الأجوبة لها؟ ألا يشكِّل هذا مؤامرة ًوعملية تطهير عِرقي وديني لإجبار الشعب الكلداني المسيحي بكُلِّ انتماءاته المذهبية لهجر دياره التاريخية في بلاد النهرين؟ وإلا لماذا بات هذا الشعب هدفاً للإرهاب؟ إننا سنكون مغفلين إذا نفينا وجود أطرافٍ سياسية في الحكومة العراقية واقفة ً وراء مسلسل العنف ضِدَّ الشعب المسيحي العراقي بدعم من جهاتٍ اقليمية ودولية عربية إسلامية تقوم بمد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح .

سمعنا الكثير مِن أئمة المسلمين يقولون، إن هؤلاء المجرمين ليسوا بمسلمين،إذاً مَن هم! كيف يمكن تصديق ذلك والمجرمون أنفسهم يصرحون بأن أعمالهم هي جهاد يفرضه الإسلامُ عليهم؟ وهل الجهاد يُمارس ضدَّ اناس عُزَّل مسالمين؟ ماذا تعني دولة العراق الإسلامية؟ ماهو موقف الحكومة العراقية مِنها؟ وكيف تسمح بقيامها على أرض العراق؟ وهل قيام مغامرغربي بعرض رسوم لرسول الإسلام هي مسيئة للإسلام ليهتزَّ العالم الإسلامي لها ويعتبرها أكثر إساءة ً الى الإسلام مِن أعمال هؤلاء السلفيين سفاكي دماء الأبرياء باسم الإسلام؟ إني أسأل ، كيف سيُقنع المسلمون العالم بأن الإسلام دين سماح وسلام، في الوقت الذي يلفهم الصمت تجاه مرتكبي الجرائم باسم الإسلام! إن شيوخ الإسلام بإمكانهم ردع هؤلاء المجرمين لو أرادوا! أليس بإمكانهم لو أرادوا إصدار الفتاوى ضدَّ مرتكبي الأعمال الإرهابية؟ أليس السكوت على الإجرام نوعاً مِن المشاركة به؟

ومِن ناحيةٍ اخرى أعـتبر ما يجري في العـراق صراعاً مريراً بين القِـيَم الحضارية والأفكار التحررية والمباديء الديمقراطية وبين السلوك الهمجي والشذوذ الفكري والتخلُّـف العقلي المسيطر بقوة على مجموعات بشرية صغيرة رضيت أن تكون العوبة بأيدي جهات حاقدة على العراق وأهله، لا تريد أن ينعم بالخير والإستقرار، تُسيرها حسب أهوائها بهذا المضمار، جاعـلة ً من الدين ستاراً ودافعاً لخوض المغامرات البشعة والتي ستكون حتماً في النهاية خاسرة .

واليوم وبعد أن استطاع السياسيون من حسم أمر انتخاب رئيس للبرلمان ورئيس للدولة الذي كلَّـف الأخير رئيس الحكومة السابقة بتأليف حكومة جديدة، تجدَّدَ الأملُ لدى العراقيين، بأن الوضع العراقي الداخلي المتزعزع سيعود الى الإستقرار وستتمكن الحكومة الجديدة من ضبطه بيـدٍ من حديد ومحاسبة المسيئين والمخربين الذين عاثوا فساداً في أوساط المجتمع العراقي، ندعو للقيادة الجديدة بالنجاح لمهمتها لتصل الى وضع حدٍّ فاصل لكسر شوكة الإرهابيين ومسانديهم من داخل العراق وخارجه فـينعم بذلك الشعب بالأمان والسلام .

 

 

 

الشماس د. كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية

في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

في 11 / 11 / 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *