أكيتو، العيد القومي للشعب الكلداني

تحتفل كل شعوب العالم برأس السنة الميلادية وتتعامل مع التقويم الميلادي في كافة اعمالها وامورها الرسمية، و بذلك أصبحت رأس السنة الميلادية مناسبة عالمية.

بالإضافة الى رأس السنة الميلادية والتقويم الميلادي، ما زالت الكثير من الأمم والشعوب تحتفظ بتقويمها الخاص وتحتفل به وتعتبره ارثاً قومياً وعيداً وطنياً لها، مفتخرة في ذلك بتاريخها و حضارتها.

وأعياد الشعوب، و منها أعياد رأس السنة القومية، تستمد وترتبط إما باساطيرها القديمة أو حوادث تاريخية مهمة، كتولي أحد الملوك للعرش، او عمل جبار قام به، أو بداية لتقويم قديم، او يوم بناء مدينة ما، او التحرر من الظلم والاحتلال و غيرها.

فمثلاً يحتفل الكورد والفرس و الأفغان بعيد نوروز، ويعتبرهذا العيد عند الشعب الكردي بداية السنة القومية الجديدة 2712 (تقابلها سنة 2012 م) وفق التقويم الكوردي، وتبدأ السنة الكوردية في 21 أذار من كل عام، و يحتفلون به كيوم التحرر من الظلم والإستبداد حسب اسطورة (كاوة الحداد)، كما يعتبر هذا اليوم بداية فصل الربيع ايضاً.

أما الفرس فيعتبرون نوروز رأس السنة الفارسية والتي تبدأ ايضاً في 21 آذارمن كل عام، ويقال ان سبب الإحتفال به هو ان جمشيد (ملك فارسي سمي اول يوم من السنة بنوروز) وفّر ماء الحياة للناس ووعدهم بحياة أبدية، كما يعتبره البعض منهم يوم بداية الخليقة. والسنة الفارسية 2571 تقابل السنة الميلادية 2012.

الصينيون ايضاً يحتفلون برأس السنة الصينية والتي تعرف أيضاً بإسم عيد الربيع، و يقيمون الإحتفالات والمهرجانات الكبيرة، ويعتبرونه بداية لحياة جديدة وموسم الحرث والبذر، و تقابل السنة الحالية السنة الصينية 4710.

ويحتفل اليهود برأس السنة العبرية الجديدة (روش هوشانا)، وستوافق في يوم 19 سبتمبر2012 القادم مع بداية السنة العبرية 5773.

وللمصريين سنتهم الفرعونية او المصرية والتي تبدأ في 11 سبتبمبر من كل عام والتي ستصادف هذا العام السنة 6254 فرعونية، مستندين بذلك على أول شهر توت بحسب التقويم الفرعوني الذي أبتكروه.

كما للأمازيغ (السكان الأصليون لشمال أفريقيا) تقويمهم الخاص، حيث السنة الميلادية الحالية تقابلها السنة 2962 و يطلقون على احتفال رأس السنة اسم (اسكاس أماينو) و تبدأ في 13 من كانون الثاني من كل عام. و تعود بداية هذا العيد الى العام 950 ق.م تخليداً لتولي الضابط الأمازيغي شيشنق على عرش مصر.

والشعب الكلداني، هذا الشعب الرافديني الأصيل، كباقي شعوب العالم الأخرى يحتفل بعيد رأس السنة القومية الخاصة به، و يطلق عليه (أكيتو)، و الذي يصادف في الأول من نيسان من كل عام، والسنة الكلدانية 7312 تقابلها السنة الميلادية 2012.

وكانت الإحتفالات بهذا العيد سابقاً تبدءاً بالأول من نيسان و لغاية 12 منه، ويكون الملك و ألآلهة ورجال المعابد لهم الأدوار الرئيسية في مراسيم وطقوس هذا الإحتفال.

كان فكر الشعب الكلداني في بلاد النهرين في تلك الفترة وتصوره للحياة يتمحور حول ثلاثة عناصر أساسية وهي: الطبيعة والآلهة و الإنسان، و هذا يبدوا واضحاُ من خلال اسطورتي اينوما ايلش و كلكامش، مع ايمانه بوجود قوتين رئيسيتين تسّير الكون، وهما قوى الخير وقوى الشر. لذا نجد ان احتفالات رأس السنة الكلدانية البابلية عبارة عن شعائر وطقوس احتفالية بالطبيعة والآلهة والإنسان معاً، و تتخذ جدلية الموت والإنبعاث عندهم اشكالاً انسانية واقعية وخاصة في علاقات الحب والزواج عند الآلهة ومن خلال تأليه الملوك وهبوط الآلهة الى العالم السفلي حيث يعيش الإنسان.

لذا فقد كان لهذا العيد و طقوسه أهمية كبيرة لدى الشعب الكلداني وكافة الأقوام التي سكنت بلاد ما بين النهرين، بصفته رمزاً عظيماً وتعبيراً عن الفكر الإجتماعي والسياسي و الديني في مجتمعاتهم.

ولما كان الإحتفال بعيد أكيتو، رأس السنة الكلدانية البابلية يمتد لمدة اثنا عشر يومأً، بدءاً بالأول من شهر نيسان والى الثاني عشر منه، فإن الإحتفال به اليوم بنفس الطريقة السابقة يعد من الأمور المستحيلة نظراً لما طرأ على الإنسان من تغيرات فكرية واجتماعية ودينية و علمية غيرت من طريقة تصور الإنسان لحركة الطبيعة وتفسيراته لتركيبة الكون وطريقة الخلق، بالإضافة الى اختلاف اسلوب ومعيشة الانسان وعلاقته الذاتية مع الخالق.

وعليه فإستذكار العيد (أكيتو) والإحتفال به اليوم يعبر عن احترامنا واعتزازنا بتاريخنا وحضارتنا الكلدانية البابلية العريقة وإفتخاراً بمنجزات أسلافنا العظام الذين قدموا للبشرية الكثير من العلوم والفنون، كما هي فرصة لبث الوعي القومي والوطني وتقوية الأواصر الإجتماعية بين ابناء هذه الأمة.

ولما كان تأريخ العراق وبلاد الرافدين يعود الى العام 5300 ق.م حيث الكلدان الأوائل والسومريين، فإن الإحتفال به يجب ان لا يكون مقتصراً على الكلدان فقط، بل لكل الشعب العراقي بكافة قومياته المتآخية، لأن هذا التاريخ يشمل كل الحضارات المتعاقبة على ارض الرافدين من الحضارة الكلدانية والسومرية والأكدية والبابلية والى يومنا هذا، وهذه الحضارات هي ملك كل العراقيين ومصدر فخرهم واعتزازهم.

وفي الختام وبمناسبة حلول عيد أكيتو، رأس السنة الكلدانية البابلية، 7312 أقدم لكل العراقيين ولأبناء شعبنا الكلداني خصوصاً أحر التهاني وأجمل التبريكات، داعياً من الرب ان يعيده على الجميع بالخير و السلام.

سعد توما عليبك

You may also like...