مشاعـلُ مؤتمر النهـضة الكلدانية تـضيء 3/30-2011/4/1 ( 4)

أصالة الكـلدان الأمريكان ، تـتلألأ في السيناتور وديع دَدّة عـضو مجـلسَي النواب والأعـيان


بقلم : مايكل سـيـﭙـي / سـدني  michaelcipi@hotmail.com
في صباح يوم الأحـد 3 نيسان 2011 ونـحـن في سان ديـيـﮔـو ، شاء أردوان برفـقة ( كـمال – إبن خاله ) أن نـَـزور إبن عـمته المتـقاعـد حالياً عـضو مجـلسَي النواب والأعـيان في كاليفـورنيا منـذ عام 1966 وإلى 1993 السيناتور وديع دَدّة ، فـذهـبنا إلى داره التي رأيناها أشبه بمتحـف بسيط حـيث صُوَره مع الشخـصيات الأميركـية الرفـيعة معـلقة عـلى الجـدران أمثال رونالـد ريـﮔان ، جـيمي كارتـر ، ورجال كـثيرون مهمّـون في الإدارة الأميركـية ، ومكـتبة صغـيرة عامرة مع تحـفـيات وهـدايا ، ولم تـكـن زوجـته الأميركـية في الدار بل كانـت في زيارة لصديقاتها وهي أم الـثمانية وثمانين ربـيعاً ، ربـيعاً بحـق ، ولاحـظـتُ عـلى الجـدار مزجَّـجة بإطار معـلقة وبداخـلها قـطعة قـماش مطـوية قـليلاً ، لونها بـين القـهـوائي والرماني أشبه ما تـكـون بما يُـعـرَف في ألقـوش بـ ( شالـَـمَه ) وهي قـطعة تـحـفـية ذكـرى من حـماته إلى زوجـته ، تبدو أمام نـظري كأنها زينة للنساء تـوضع عـلى الأكـتاف في الأمسيات الباردة . وديع دَدّة الكـلداني ، لا يـذكـر إسم بلدته تـلكـيف أثـناء الحـوار بقـدر ما يـذكـر إسم قـوميته الكـلدانية مفـتـخـراً بها وحـتى في أيام حـملته الإنـتـخابـية أو في حـفلة عـيد ميلاده التسعـين حـيث يقـول بكـل فـخـر أنا كـلداني ، إلى درجة أنّ أحـفاده وأمّهم أميركـيّة يعـرفـون ويفـتـخـرون بأنهم كـلدانيون ، وكان مدعـوّاً لحـضور مؤتمر النهضة الكـلدانية وإلقاء محاضرة أمام المؤتمرين إلاّ أن ظروفه الخاصة حالتْ دون ذلك .

ويقـول بشأن زوجـته ماري لين الـﭙـروتستانية التي تـعـرّف عـليها : لم يكـن الإخـتلاف في الخـلفـية الثـقافـية لكـلانا عائقاً بـينـنا ، ولكن أهـلها كانوا متـحـفـظين بعـض الشيء تجاه الكاثوليك ، وفي نهاية المطاف تـزوّجـنا في عام 1951 في كـنيسة ﭙـروتستانية ، ولكن بعـد شهـرَين تـزوّجـنا مرة أخـرى في كـنيسة كاثـوليكـية ، فالطرَفان راضيان 100% .
رأيتُ هـذا الرجـل منـتـصب القامة سليم البنية قـويّ الذاكـرة حادّ البصر ، يستمع إلى مُـحاوره بإنـتـباه وإحـترام فائق ويقـول رأيه بكل ثبات وقـناعة ، كما رأيته حـريصاً عـلى كلماته وإخـتـيار عـباراته متجـنباً أية زلة في كلامه ، فـهـو رجـل قـدير لا يقـبل أيّ تشـوّهاً عـليه . حـكى لنا ذكـرياته القـديمة حـين سافـر من تلكـيف إلى بغـداد وسجّـل في المدرسة الإبتـدائية للآباء اليسوعـيّـين ، وفي مرحـلة الدراسة الإعـدادية تـحَـوّل إلى الدوام المسائي كي يعـمل نهاراً وهـو يواصل دراسته في بغـداد حـتى حـصل عـلى شهادة البكالوريوس في الآداب – اللغة الإنـﮔـليزية ، وهـنا في لحـظات كـلامه معـنا ، تـذكــَّـرَ والدته فإغـرَورَقـتْ عـيناه وإمتلأتْ دموعاً وإرتجـفـتْ شـفاهه أمامنا وتوقـف عـن الكلام برهة من الزمن ، فالإنسان لا يسـيطر عـلى مشاعـره العاطـفـية أمام ذكـريات الحـنان العـميقة مهما كان قـوياً . غادر العـراق عام 1947 أعـزباً وعـمره  26 سنة إلى ميناء الإسكـنـدرية ومنها بالباخـرة إلى أميركا . عـمل في محـلات البـيع كي يعـيل نـفـسه وواصل دراسته العـليا فـحـصل عـلى شهادة ماجـستير في العـلوم السياسية وعـمل أستاذاً في سلك التعـليم ، وقـدّم عـلى رسالة الدكـتـوراه ولكـنه لم يكـملها ! لماذا ؟ لأنه إنشغـل بترشيح نـفـسه لإنـتـخابات مجـلس نواب ولاية كاليفـورنيا عام 1966 عـن الحـزب الديمقـراطي وفاز بها وبقي محـتـفـظاً بمقـعـده لمدة 16 سنة ، وفي سنة 1982 إنـتــُخِـبَ سيناتـوراً في مجـلس الأعـيان ولمدة 11 سنة . نعـم إنه سـهـرَ الليالي وضحّـى بأوقات راحـته وبذل جـهـوده فـحـصل عـلى العُـلا في حـياته ، وكل ذلك يعـتـرف  السيناتـور المتواضع والمؤمن وديع دَدّة مراراً ويقـول : أن الفـضل يعـود إلى نعـمة الله وعـونه لي وليس بفـضل مقـدرتي الشخـصية . إنّ أصالة الكـلدان الأمريكان ، تـتلألأ في السيناتور وديع دَدّة ، طيلة مدة عـضويته في مجـلسَي النواب والأعـيان وإلى الآن حـيث يـذكـر بإفـتـخار إنه أميركي ومن الـقـوميته الكـلدانية أينما كان سواءاً مع أعـضاء الإدارة الأميركـية أو مع أبناء شعـبه . عـن قـصة مـرَّ بها أثـناء حـملته الإنـتـخابـية قال : عـنـدما بدأتُ حـملتي الإنـتـخابـية ، أخـذتُ ﭙـوستـراتي وإعلاناتي وصُـوَري ومستلزمات دعاياتي لأعَـرّف الناخـبـين بشخـصيتي ، وإخـتـرتُ أول منطقة كان جـميع سكـنـتها من الكاثوليك عـلى إعـتبار أنـني كاثوليكي فـسيتعاطـفـون معي أكـثر . طرقـتُ الباب لأوّل دار فـفـُـتِح قـليلاً وخـرجَـتْ سـيدة وعـرّفـتـها بنـفسي كمرشح أميركي لمنطقـتهم …. فـردّتْ عـليّ : إرجع إلى حـيث أتيتَ ولا نـريد أن نـراك هـنا ! في الحـقـيقة إنها فاجأتـني بهذا الرد غـير المتوقع وليس لي سلطة عـليها ، ثم أنّ كـياستي كمرشح سياسي تـتـطـلب مني أن أحـتـرمها مهما كان رأيها ، وفي تلك اللحـظات ومن فـتحة الباب الضيقة لاحـظـتُ صورة لمريم العـذراء عـلى جـدار غـرفـتها ومسبحة الوردية معـلقة عـندها فـقـلتُ لها : إذن ، أطلبي من مريم العـذراء ومن مسبحة الوردية هـذه أن تـصلي من أجلي ! وخـرجـتُ . وبعـد أن مشيتُ أربع أو خـمس خـطوات ، نادتـني وقالت : مَن أنتَ وما هي خـلفـيتك ……. ؟ فأجـبتـُها : إنـني كاثوليكي …… فـقالت : إنّ منافـسَـك المرشح الآخـر جاء إلينا وقال عـنك بأنك لستَ مسيحـياً !! وعـليه هات ما عـندك من أوراق ودعايات الآن ، وأنا سأتبنى الموضوع عـوضاً عـنك في كل هـذه المنطقة ، فـشكـرتـُها وإنـتـقـلتُ إلى منطقة أخـرى مواصِلاً حـملتي الإنـتـخابـية .

إنّ السيد وديع أخـذنا بسيارته وهـو يقـودها بنـفـسه إلى مقـر مكـتب الولايةState Office Building   الذي بُـنِيَ وإفـتــُـتِحَ في 29 آذار عام 2006 فـترجّـلنا ووقـفـنا عـنـد أحـدى واجـِهاته وعـليها لوحاً منقـوراً بهذا العـنوان وإسم وديع دَدّة عـليه إكـراماً له ولخـدماته الأمينة والمخـلصة ، لقـد إخـتبر المحـن وعـجـنـته التجارب فإمتلأ ثـقافة وكـياسة ورزانة . وبعـد ذلك خـيَّـرنا في وجـبة غـداء من ثلاث : مكسيكي ، إيراني ، صيني ، فـوقع إخـتيارنا عـلى الطبق المكـسيكي وكان قـريـباً جـداً من البناية المذكـورة ، ولما دخـلناه فإن أجـواءاً مكـسيكـية شاهـدناها بحـق ، من ديكـورات وأرائك وأزياء المضيِّـفات والمضيِّـفـين فـرأينا أنـفـسنا وكأنـنا في غابة أمزونية صغـيرة ، بالإضافة إلى التـدفـئة الإصطـناعـية في الحـديقة الخارجـية ، ثم غـذاءهم كأنه يحـكي ويقـول أنا مكـسيكي ، كان طبَـقاً شـَـهـِـياً فعلاً تـناولناهُ بـينما نحـن مندمجـون بالإستماع إلى حـديث السيناتـور وديع الذي ينـضح حـكمة ، إنها نِـتاجُ سنين طويلة من العـمل السياسي والإجـتـماعي والأكاديمي ، شبعـنا أكلاً وإرتـوَينا شراباً وشكـرنا نعـمة الرب ولكـنـنا لم نكـتـفِ من مجالسته . وعـند مغادرتـنا المطعم ومن كـثر محـبّـته بلقائه بنا نـحـن أبناء قـومه ، أبى إلاّ أن يأخـدنا مرة أخـرى إلى داره التي حـين وصلناها كانـت قـد رجـعَـتْ إليه زوجـته الأنيقة والرشيقة جـداً وكأنها بنت العـشرين في قامتها المستـقـيمة ، وسلمْـنا عـليها فـرحـبَـتْ ، وعـرّفـَها بنا واحـداً فـواحـداً ، أما هـو فـبدَوره عانـقـها وطبع قـبلة عـلى ثغـرها فإرتأيا أمامي إثـنين من طـيور الكـناري في غاية الإنسجام .
إن الأستاذ وديع دَدّة واحـدٌ من أبناء شعـبنا الكـلداني ، خـدمَ أميركا بإخـلاص ، ولهـذا أخـتيرَ أكـثر من مرة كـمفاوض أميركي مع الحـكـومات العـربـية ، فـقـد سبق أن إلتقى حـسني مبارك لمدة 38 دقـيقة ، وغـيره …….. ، ولكـنه فـخـورٌ بتـراثه القـومي الأصيل ويذكـره حـيثما يكـون وأمام الجـميع من رفاق السياسة والمجـتمع ، ويتألم حـين يسمع بنكـبات شعـبنا ، ولما عَـلِـمَ بأنـني مزمع عـلى كـتابة مقال عـن لقائـنا به ، صار حـريصاً عـلى إخـتيار عـباراته كي لا يكـون سـبـباً في إستـفـزاز الغـير ضد أبناء شعـبه الكـلداني والمسيحي بصورة عامة . ونـحـن كشعـب كـلداني منـتشر في أرجاء العالم لا يسعـنا إلاّ أن نـفـتخـر بهذا الرجـل الشهم ، الكـلداني الأصيل ، والتي لا تـفي كـلماتي وصفه ، فـلنا شرف اللقاء به ، نـطـلب من الله أولاً أن يهـب له الصحة والعافـية مثـلما رأيناه ، ثم العـمر المديد ليهـنأ مع زوجـته وإبنه وأحـفاده ، ولتـتاح لنا فـرصة اللقاء به مرة أخـرى إنْ شاء الرب ، إنه مُغـتـبط جـداً بإبنه ( ﭙـيتـر 56 عاماً له إبن وبنـتان توأمان ) ، فهـو يشغـل منـصب رئيس محـكـمة منـطقة ( ألكاهـون ) وتـحـت أمرته 18 حاكماً . ونـحـن في أستراليا نوجّه دعـوتـنا إلى السيناتـور وديع دَدّة لزيارة سـدني والإطلاع عـلى معالمها ، وسأقـدّمه في محاضرة أو نـدوة أمام أبناء أمته الكـلدانية إنْ يكـون مستـعـداً ، ثم للقاء أصدقائه قـبل أقاربه ، فأهلاً وسـهلاً .

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *