أسرار الله تُكشَفُ للبسطاء

” في ذلك الوقت تكلم يسوعُ فقال: أحمُدُكَ يا أبتِ، ربَّ السموات والأرض، على أنَّك أخفيتَ هذه الأشياء على الحُكماء والأذكياء وكشفتها للصغار. نعم يا أبتِ، هذا ما كان رضاك. قد سلَّمني أبي كُلَّ شيء، فما مِن أحدٍ يعرف الإبنَ إلا الآب ولا مِن أحدٍ يعرف الآبَ إلا الإبن ومَن شاءَ الإبنُ أن يكشفهَه له. تعالوا إليَّ جميعاً أيها المُرهقون والمُثَقَّلون، وأنا أُريحُكم. إحمِلوا نيري وتَتَلمذوا لي فإنّي وديعٌ متواضِعُ القلب، تجدوا الراحة لأنفسِكم، لأنَّ نيري لطيف وحِملي خفيف “.(متَّى11: 25- 30).

” في تلك الساعة تهلَّل بدافعٍ من الروح القدس فقال: أحمُدُكَ يا أبتِ ربَّ السماء والأرض، على أنَّكَ أخفَيتَ هذه الأشياء عن الحكماء والأذكياء، وكَشفتها للصِغار. نعم يا أبتِ، هذا ما كان رضاك. قد سلَّمني أبي كُلَّ شيء، فما مِن أحدٍ يعرفُ الإبن إلا الآب، ولا مَن الآب إلا الإبن ومَن شاءَ الإبنُ يكشفه له. ثمَّ التفتَ الى التلاميذ، فقال لهم على حِدة: طوبى للعيون التي تُبصِرُ ما أنتم تُبصِرون. فإنّي أقولُ لكم إنَّ كثيراً من الأنبياء والملوك تمنّوا أن يروا ما أنتم تُبصِرونَ فلم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون فلم يسمعوا ” (لوقا10: 21-24).

يُخبِرُنا القديس لوقا البشير بأنَّ الربَّ يسوع تهلَّل بالروح فرحاً لدى رجوع الإثنين والسبعين تلميذاً م، إتمام رسالتهم التي أوكلهم بها، جاءَ؟ وإخبارهم إياه بأن الشياطين كانت تخضع لهم باسمِه. ألم تكن هذه رغبته ومن أجلها جاء؟ فكيف لا يتهلَّل يسوع بالروح وتلاميذه ينقلون له بفرحٍ نجاحَ رسالته؟ كيف لا يتهلَّل ويبتهج  بنجاح بشارة الخلاص، وانصياع الشياطين باسمِه لتلاميذه؟ لم يُطلعنا الإنجيل بتهَلُّل يسوع بالروح إلا بهذه المناسبة التي جعلت الخطأة ينبذون الضلال ويفوزون بالخلاص!

رفع يسوعُ الحَمدَ للآب مُعرباً عن فرحِه بمشورتِه، وكأنَّه يُخاطب أباه على جميل صُنعِه بإعلانه الإنجيل للإثنين والسبعين وإخفائه عن المتكبِّرين. وإذا قارنّا هذه الآيات التي أوردها البشيران متَّى ولوقا. فنرى أنَّ متَّى يقسم البشر الى فئتين: الفئة الأولى هم مُبَرِّرو الله المُبتهجون بمشورتِه وأحكامِه التائبون عن خطاياهم كالذين اعتمذوا عن يد يوحنا المعمذان. والفئة الثانية هم رافضو مشورة الله المتذَمِّرون على أحكامِه وتدابيره أمثال الفريسيين وأهالي مُدُن البحيرة الذين طالهم تعنيف يسوع. فكلام يسوع يُفيد بأنَّ الله يُعلنُ حِكمتَه للمؤمنين بالمسيح ومُبرِّري الله الذين تسود البساطة في تصرّفاتهم التي تصدر عن قلوبهم النقية والمتواضعة، أما الذين يعتبرون أنَّهم حكماءُ في قرارة أنفسهم، الرافضون لمشورة الله ولا تواضع لهم في سلوكهم، من العسير عليهم فهم إرادة الله فلن يحصلوا على الفرح، هؤلاء هم الذين تُحجَبُ عنهم أسرار الله!.

ما أجمل الذين يقبلون المسيح ببساطة القلب، ويحملون صليبَهم بتواضع وفرح، هم الذين يقبلهم الآب في حضنه، لا ينتقمون لأنفسهم بل يسألون الآب أن يغفر لهم، هؤلاء يُشبهون الصبيان الأبرياء الذين أشار إليهم الربُّ يسوع وكشف لهم الأشياء وأخفاها عن الحكماء! مِن بسطاء الشعب اختار يسوع رُسُلَه وتلاميذه وليس من الذين يَعُدّون أنفسهم حكماء هذه الدنيا (1قورنتس3: 18-19) لأنَّ الأخيرين هم أسرى لِلأنا الذاتية، لا مَيلَ لهم ولا قدرة لسلوك الدرب المؤدية الى معرفة الله  الحقيقية. إنَّ مسرّةَ الآب السماوي تكمن في إعطاء الحكمة للمتواضعين. قال يسوع لتلاميذه: ” كُلُّ شيءٍ دُفِعَ إليَّ مِن أبي وقصده إفهامهم بأنَّ سلطانه لا يقتصر على إخراج الشياطين بل هو غير محدود، وهو مُساوٍ للآب في الجوهر، وقد جعله وارثاً لكُلِّ شيء وبه أنشأ العالمين. هو شعاع مجده وصورة جوهره يحفظ كُلَّ شيء بقوة كلمته.(عب1: 2 -3).

فما مِن أحدٍ يعرفُ الإبنَ إلا الآب، ولا مَن هو الآب إلا الإبن: إنَّ طبيعة الإبن الإلهية غير المحدودة لا يعرفها سوى الآب غير المحدود، فالآب والإبن يعرفان واحدُهما الآخر من خلاا وحدة الجوهر، وهي غير قابلة للمعرفة مِن أيِّ مخلوق ملاكاً كان أو إنساناً.

ومَن شاءَ الإبنُ يكشفه له: ولهذا كان لِتجسُّد الكلمة الإقنوم الثاني هدفان رئيسيان أولهما: افتداءُ البشرالخاطئين ومصالحتهم مع الله الآب، وثانيهما:كشفُ الله الآب لبني البشر. إذ بما أنَّ الله الآب مُحتَجَبٌ عن مرأى الإنسان، والإنسان بطبيعته البشرية غير قادِر على رؤيته أو الإقتراب منه. وهذا الأمر إتَّضح لبني اسرائيل على عهد موسى، حين أراد الله أن يظهر لهم أخذ الرُّعبُ منهم مأخذه، وطلبوا من موسى أن يرجوَ الله أن لا يظهر لهم ثانيةً لكي لا يموتوا، وإنَّ موسى ذاته انتابَه الرُّعبُ (عب12: 18-20 و تثنية18: 15-19). ولهذا قال يسوع جواباً على طلب فيلِبُّس: مَن رآني فقد رأى الآب وإنّي في الآب والآب فيَّ، بل الآب المقيم فيَّ يعمل أعمالَه (يوحنا14: 9 – 10). إنَّ الإقنوم الثاني الكلمة الإبن الذي اتَّخذ طبيعتنا البشرية دخل بنا الى معرفة الطبيعة الإلهية، وهو يسوع المسيح الذي به نُدرك الله ونتعرَّف على عظمته إذا اتَّحدنا به!

تعالوا إليَّ جميعاً أيها المُرهقون والمُثَقَّلون، وأنا أُريحكم، احملوا نيري وتتلمذوا لي فإنّي وديع متواضع القلب، تجدوا راحةً لأنفسكم، لأنَّ نيري لطيف وحِملي خفيف (متَّى11: 28 – 30) المسيح يدعونا نحن الخطأة للتوبة ليُريحنا من ثقل خطايانا التي تُرهقنا. لا تتساءَل أيها الخاطيء عن: كيف تستطيع  الخلاص من خطيئتكَ؟ فالأمر ليس مستحيلاً! ولا تَقُل كيف يُزيل المسيح عني همَّ الإضطهاد الذي أعاني منه؟ كيف يُعزيني المسيح وأنا أتألم من مرضٍ خطير؟ لا تيأس أيها الخاطيء، أيها المُضطهَد أيها المريض. إنَّ المسيح هو المخلِّص والمعالج لكُلِّ مَن يؤمن به ويسأله بصدقٍ وقلبٍ منكسِر وبلجاجةٍ وندامةٍ حقيقية، هو الذي يدعوك لتُقبِل إليه لترمي عليه كُلَّ همومك وأحزانك وأسقامك، فلماذا لا تفعل؟ أليس هو القائل : بمعزلٍ عنّي لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً! فلماذا نراه صعباً الإرتباط به وطلبِ عونِه؟ يا حبيبي نحن أبناء الرجاء، ورجاؤنا هو المسيح! هو الذي يعمل كُلَّ شيء لكُلِّ مَن يتقدم إليه بايمان صادق وقلبٍ تائبٍ، كن واثقاً واقترب من المسيح وهو المُجيب لطلبات المُستغيث! نيرُالمسيح هو حِفظ وصاياه وتعاليمِه فهي ليست حِملاً ثقيلاً بل هي لطيفة وخفيفة وأداةٌ للراحة والخلاص! يقول بولس الرسول: ” فإذا شهِدتَ بفمك أنَّ يسوع ربٌّ، وآمَنتَ بقلبِكَ أنَّ الله أقامَه من بين الأموات، نِلتَ الخلاص. فالإيمان بالقلب يؤدي الى البِر، والشهادة بالفم تؤدي الى الخلاص، فقد ورد في الكتاب: مَن آمنَ بي لا يُخزى ” (روما10: 9-11) الإيمان الراسخ بالمسيح المصحوب بالتواضع والوداعة هو طريق الخلاص!.

“طوبى للعيون التي تُبصِرُ ما أنتم تُبصِرون. فإني أقول لكم: إنَّ كثيراً من الأنبياء والملوك أن يروا ما أنتم تُبصِرون فلم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون  فلم يسمعوا” (لوقا10: 23-24) ما أكرمكم أيها الرُسُل والتلاميذ بنيلكم الطوبى من معلمكم الإلهي الرب يسوع، فقد اكتحلت عيونكم برؤيته ومعاشرته عن كثب، فكان نصيبكم أكبر من مُشتهى الكثير من الأنبياء وأبرار العهد القديم والملوك ليروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا، بالتأكيد آمنوا بالمسيح وتنبأ الأنبياء عن مجيئه ولكنَّهم لم يروه، عاش الأنبياء في ظِلال الوحي، أما أنتم فعاينتموه وعشتم معه عيشاً واقعياً حقيقياً على مدى السنوات الثلاث الأخيرة التي استغرقتها رسالته، لا أقصد الرؤية الجسدية فحسب لأنَّ هذه الرؤية كانت مُتاحة للفريسيين وعموم الشعب اليهودي ايضاً، ولكنَّ الفرسيين والقسم الأكبر من الشعب المُوالي لهم رأوه ولم يؤمنوا به، فحقَّقَت فيهم نبوءة إشعيا حيث قال:”تسمعون سماعاً ولا تفهمون وتنظرون نظراً ولا تُبصِرون. فقد غَلُظ قلب ُهذا الشعب وأصمُّوا آذانهم وأغمضوا عيونهم لِئلاَّ يُبصِروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبِهم ويرجعوا أفأشفيهم “(متَّى13: 14-15)ولذلك فإنَّ رؤيتكم الجسدية كانت تصحبُها رؤية روحية جعلتكم تعرفونه معرفة حقيقية فآمنتم به! ونحن مؤمنو اليوم نرى ونسمع المسيح الفادي من خلال الإنجيل الذي هو كلام الله المكتوب، ونرى جسده بالكامل في القربان، ودعانا لنتناوله ونتقدس به!

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *