أساس الأزدهار الثقافى الكردى/بقلم جودت هوشيار


تتردد في أوساط الكتاب والشعراء الكرد أراء وتلميحات خافته ومستترة حينا وصريحة ومباشرة حينا أخر تنادي بعدم الالتفاف كثيرا الى التراث الثقافي الكردي وتزعم بأن هذا التراث في معظمه يتسم بالتقوقع والجمود وهو من مخلفات الماضى واثاره الثقيلة التي تمنعنا من التطور السريع في شتى مجالات الفنون والاداب نحو افاق التجديد والمعاصرة ؟

وحين تقرأ نتاجات بعض هؤلاء الذين يطلقون مثل هذه الدعوات تجدها مقطوعة الصلة بتراثنا الثقافي وواقعنا المعاش وبعيدة عن هموم وتطلعات الانسان الكردي وما يشغل فكره ووجدانه , ومعظم هذه النتاجات التي تتلبس بثوب الحداثة والعبث , أن هي الا الاعيب شكلية تفتقر الى أي قيمة فكرية أو جمالية وأصداء باهتة ومتأخرة لتيارات فكرية ومذاهب أدبية وفنية ظهرت على هامش الثقافة الغربية في النصف الاول من هذا القرن .

كانت تلك التيارت والمذاهب افرازات طبيعية لمجتمع صناعي متطور في مرحلة انتقالية من تأريخه , افرازات تتوالد وتطفو على السطح ثم سرعان ماتختفي . ومعظم هذه التيارات والمذاهب ليس لها اليوم قيمة تأريخية ولايهتم بها سوى مؤرخو الفنون و الآداب , ذلك لأن شجرة الثقافة الأوربية العظيمة كانت وما زالت في نمو وازدهار وتتخلص باستمرار من أورقها الصفراء الذابلة لتنمو مكانها أوراق خضراء جديدة ويانعة.

أن مشكلة بعض (المجددين) في وطننا تكمن في القنوات الثقافية التي يعتمدون عليها وهي في المقام الاول قناة اللغة العربية التي تصل اليهم عن طريقها شذرات ونتف مبتورة ومشوهة عما يحدث في الساحة الثقافية في الغرب عموما وفي أوربا على وجه الخصوص . ولما كانت الترجمة من اللغات الاوربية الى اللغة العربية يعتمد على الاجتهادات الفردية فأن ما يترجم الى اللغة العربية من النتاج الغربي عشوائي ولا يمكن أن يشكل تواصلا حقيقيا مع الثقافة  العالمية والاوربية منها على وجه الخصوص .

و لا شك أن التجديد الحقيقي لا يبدأ من نقطة الصفر وانما يولد من رحم الاصالة ، التي تكمن في ادراك مقومات الثقافة وفي مقدمتها التراث بشقيه الشفاهى والمدون.

والتراث الشفاهى غير المكتوب والمجهول المصدر  ليس من صنع فرد وأنما من ابداع  الشعب خلال تأريخه الطويل وتتداوله الاجيال وكل جيل يحذف شيئا ويضيف اشياء بما يوافق نظرته الى الحياة والعالم .

ويتسم التراث الشفاهي الكوردي بخصوصيته وتعدد الوانه ووسائله التعبيرية وثرائه البالغ ¸وقد قام عدد كبير من المستشرقين والكتاب والشعراء الكرد بجمع وتسجيل وتحقيق ونشر جزء لا بأس به من هذا التراث . بيد أن الجزء الاعظم منه مايزال غير مدون ولعل أهم خطوة تمت لحد الان في هذا التجاه هي تلك التي قامت بها نخبة رائدة من مثقفي شعبنا في مناطق ما وراء القفقاس في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن حين منح البلاشفة الحقوق الثقافية للاقليات القومية وبضمنها الاقلية الكردية , حيث توجه عدد من المثقفين الرواد (عرب شمو , حاجي جندي , جاسم جليل , وغيرهم) الى أعماق الريف الكردي فى مناطق ما وراء القفقاس ، لجمع وتسجيل النصوص الفلكورية وكانت نتيجة هذا العمل الجليل عدة كتب ضخمة تضم خيرة ما فى التراث الشعبي الكردى من أساطير و حكايات و قصص شعبية و ملاحم  شعرية و قصائد لشعراء شعبيين و حكم و أمثال .   , وقد أسهمت هذه الخطوة في تطوير الاداب والفنون الكردية  .

أما التراث الكوردي المدون فلايزال القسم الاكبر منه مخطوطا يقبع في زوايا النسيان ولولا جهود المستشرقة الرائدة (مرجريت رودينكو) لما تسنى لنا التعرف على جزء ثمين للغاية من المخطوطات الكوردية التي تضم خير ما انتجه قرائح العلماء والشعراء الكورد .

أن العلاقة بين فرعي التراث الثقافي – الشفاهي والمدون –  وثيقة جدا , حيث أن العديد من الاعمال الادبية البارزة وخاصة في الادب والفن الكرديين فى المناطق الكردية فى  ما وراء القفقاس و فى تركمينيا و خراسان و غيرها،  تستمد مادتها من معين الابداع الشعبي .

لقد ان الوان – ونحن نمتلك اليوم زمام امورنا وارادتنا وامكانيات مادية وكوادر علمية لا يستهان بها – اقول آن الاوان لتشكيل فرق متخصصة لجمع وتسجيل النصوص الابداعية الشفاهية تمهيدا لدراستها وتحقيقها ونشرها مع ما يتطلب هذا العمل من فرز و تصنيف وتعليق , كما  آن الاوان أن نجمع مخطوطاتنا المبعثرة لتحقيقها ونشرها  مع ما  يتطلب هذا العمل من من شرح و دراسة . ولا يقتصر الامر على الابداع الشعبي والمخطوطات فأن التراث الادبي الكلاسيكي الكردي المدون غير متاح للجمهور الواسع من القراء و ينبغى أعادة نشرها من قبل دور النشر الكردية . و كخطوة أولى فى هذ الأتجاه  ، حبذا لو قامت وزارة الثقافة فى أقليم كردستان  بأعادة طبع أمهات الكتب وعيون التراث الكلاسيكي الكردي وأعني بذلك دواوين الشعراء الكرد وروايات الرواد  وأعمال الكتاب والمؤرخين الكورد .

أن هذه الخطوات الثلاثة (جمع التراث الشعبي , تحقيق المخطوطات , أعادة طبع أعمال جيل الرواد) ليست بالمهمة السهلة ولكنها ضرورية لاي أزدهار ثقافي

جودت هوشيار

jawhoshyar@yahoo.com

You may also like...