آل بابانا في ألقـوش لم يصـونوا الأمانة بل شـوّهـوا حـقـيقة المطـران بابانا ( الحـلقة الأولى )



تـرجع بيذكـرياتي إلى أوائل الستينات عـنـد فرصة وحـيدة شاهـدتُ فـيها ( الأب ) المرحـوم المطران يوسف بابانا وخـدمتُ معه قـداساً أقامه عـلى مذبح هـيكل مريم العـذراء في كـنيسة ألقـوش في أحـد أيام الصيف رأيته هادىء الطبع بـدين الجـسم بعـض الشيء ، ولما إنـتهى من قـراءة الإنجـيل واصـلتُ معه صلوات طـخـس القـداس الكـلـداني مباشرة بطـبقة صوتية عالية فإستـجاب لها وتـناغـمتْ حـنجـرته معها كـثيراً ولكـن بجـهـدٍ فـكان صوته شـجـيٌّاً ، ولما إنتهى القـداس كانت قـطـرات عـرق غـزيـرة قـد إرتـسمـتْ عـلى جـبـينه ولم يستـطع إخـفاءَها أمامي فـإسـتـفـسر عـن هـويتي أولاً ثم قال لي : إبني ، إن العـرق يتـصبَّـب مني صيفاً ( وأعـتـقـد قال ذلك بدلاً من : إبني ، لقـد أتعـبتـني ! ) وهـذه خـصال الرجال العـظام .
إنّ المرحـوم المطـران بابانا كان من بـين أبناء ألقـوش البـررة الكـثيرين عَـبر تأريخـنا المعاصر وستـبقى ذكـرياتهم خالدة ليس فـقـط عـنـد أجـيالنا اليوم ولكـن عـلى مـدى المـقـبل من أجـيال الأحـفاد أيضاً . لقـد تـرك لنا سِـفـراً جـميلاً خالـداً عـن تأريخ ألقـوش ، كان قـد أكـمل أوراقه الأولية وأصبح جاهـزاً للطـبع وأوكـل مهـمة إنجاز طبعه وحـقـوق نـشـرِه إلى ورثـته قـبَـيل أن تـفاجـئه المنية التي زاحـمته فـسلبته حـياته الأرضية ليـكـملها في الملكـوت الأبـدي ، فـظهر الكـتاب في عام 1979 بعـنـوان ( ألقـوش عَـبر التأريخ ) وثيقة صادقة هي ثـمرة جـهـوده المتواصلة مستـنـداً إلى 31 مصدرٍ وكـتبٍ أخـرى أجـنبـية وعـربـية وكـلـدانية ( هـذه الصيغة وردتْ في السـطـر الأخـير من الصفـحة الأخـيرة من كـتابه الأصلي المشار إليه ) بالإضافة إلى إستعانـته بذكـريات ومعـلومات كـبار السن الألقـوشيّـين ومخـطـوطات وقـعـتْ بـين يـديه من هنا وهـناك .
وإعـتـزازاً بـبلـدتـنا وبأسقـفـنا وتأريخ كـلـدانيتـنا إقـتـنينا نسخـتـنا منه ، ومما جاء في كـلمة عائـلة المرحـوم في مقـدمة الكـتاب المذكـور ( طبعة 1979 ) عـلى لسان زميلي في الدراسة يوحـنا حـسقـيال بابانا إبن أخ المؤلـف المطـران (( نعاهـدك بأنـنا سـنعـمل دوماً بتوجـيهاتك القـيمة ونستـرشـد بإرشاداتك النيرة ونـقـتـدي بمثـلك الصالحة ونعـمل بآرائـك السـديـدة الراجحة ….. )) ولكـن سـبحان مغـيِّـر الأحـوال ، للذين يـبـيعـون تـراثهم بالمال ، دون أن يكـتـرثـوا بأنه تـراث الألقـوشـيّـين أيضاً لا يمكـن التلاعـب به إلاّ بالحلال ، ولم يتحـسّـبوا لِـما سـوف يُـكـتب عـنه ويُـقال ، تـراثٌ سـوف يصرخ من عـلى فـوق الجـبال ، فالوقائع الحالية أثـبتـتْ تـنصّلهم عـن تعـهـداتهم تلك ! حـين غـضـّـوا النـظـر عـن تلك الأمانة الموكـلة عـنـدهم ، فـبـدلاً من أن يستـشيروا الألقـوشـيّـين النجـباء – ولا أقـول يستـنـجـدوا – وكـلهم أصحاب غـيـرة لمشروع إحـياء تـراث كـهـذا ، أقـدمـوا عـلى تسليم تلك الأمانة الثـمينة إلى مَن تـنـكــَّـر للكـلـدان ـ أكـيـد ماكـو شي بَّـلاش ـ وإنحـرفـوا عـن تـوجـيهات المرحـوم عـمهم المطـران الوقـور بابانا والتي وصفها الأخ يوحـنا بالـ ( قـيِّمة ) فـتـراكـضوا وإرتـموا في أحـضان ناكـري خـصائصنا القـومية ، ولم يستـرشـدوا بنور فـكره بل إرتـضـوا السـيـر في ظلام مُـزوّري أمانـته ، ولم يقـتـدوا بمـُـثـلِه الصالحة ليتمثــَّـلـوا بنزاهـته وإخـلاصه لتأريخ أمته الكـلـدانية بل إتخـذوا ممن يهـمـّـش إسمنا القـومي التأريخي قـدوة لهم فـساروا وصاروا ضمن رتـلهم .

بقـلم : مايكل سـيـﭙـي / سـدني


You may also like...