آخـــر الــكــلــدان/ثــامــر صــبّــاغ

إحدى أقدم الحضارات في العالم وعلى الكرة الأرضية تكاد تندثر بعد أن صار أناسها في شَـذر مَــذر والمعنى في مصطلح شذَر مَــذَر هنا لا يعبر عن تواجد هؤلاء القوم في بقاع مختلفة على الكرة الارضية فحسب بل يصل بهم الوضع الى الدرجة التي تفرقوا بها مبدئياً ومذهبياً وحتى فكرياً والأخيرة هي الاخطر وألاصعب ،فأن كنا متفرقين على بعد شاسع بلا نهاية من حيث المسافات فلا بأس بذلك فقد يكون لنا أمل في اللقاء واللألتقاء من جديد وعلى مساحة صغيرة من ألارض تجمعنا وتلم شملنا وفيها نداوي جروحنا ، ولكن المسافات التي هي أكبر حتى من حدود الكرة الارضية والتي أصبحت بيننا ليس من السهل وقد يكون ألاصح لو قلنا أنه من المستحيل أن نقصرها لنجتمع من جديد ألا وهي تلك المسافات والتي نسميها بمسافات الفِــكــر .

بعدَ أن كنا في خندقٍ واحدٍ أشبه بالسجن الكبير شاءَت ألاقدار أن ننطلق معاً الى خارج هذا السجن ،ونحنُ فيهِ كنا متحدين متفاهمين نخطط ونرتب وننتظر اللحظة التي نجد انفسنا فيها خلف تلكَ القضبان ، وعندما رحلت الطاغية وجاء من كسر لنا ذلك القفل لتنطلق أفكارنا خارجاً وبشكل أوسع بغض النظر إن كان هذا التصرف لمصلحتهم الشخصية أم لمصلحة شعبنا فالنتيجة كانت أننا أصبحنا أحراراً ، نعم أحراراً ، أحراراً بأمور كثيرة وأهمها أحراراً باللسان والقلم وهما المُعَـبّـران الرئيسيان للفكر ، هذه الحرية التي جائت كالرعد علينا لا نستطيع أن نعتبرها ألإيجابية الخالصة التي تخلو من أية سلبية والتي كنا ننتظرها سيما وأن البعض منا بدأ يستعملها أي الحرية بشكلٍ خاطئ في التعبير عن الفكر فصارَ أولاً يضربِ بعضهم البعض من خلالها وقبل كل شيء متناسين أنهم بذلك يضربون أنفسهم بأنفسهم ،والشغل الشاغل الذي شغل هذا وذاك وللأسف الشديد هو الوسيلة التي يمكن أن يصلو بها لأنهاء أو محي قومية معينة لخدمة قومية أخرى وكأننا لازلنا نعيش العصور الوسطى أو حتى ما قبلها في الوقت الذي يسير العالم وبأتجاه آخر تماماً تاركاً لنا مثل هذه الأمور ولننشغل بها ومن دون التفكير الى أية مرحلة وصل العِلم بهم وهل لنا أن نتعلم شيئاً من عِلمِهم أم ألأوان لم يحن بعد .

لو أراد أحدهم أن يمحي إحدى الحضارات القديمة والتي صنعت التاريخ والكثير من ألانجازات لأمم كثيرة والتي لازلنا نحن نفتخـر بما صنعته لربما لأننا نفتقــر إلى الكثير من المقومات التي تجعلنا رأساً برأس مع أمم العصر الحديث ولكننا نبقى الذين يمتلكون تلكَ الحضارة التي وما أقدمها والتي تفقدها الكثير من هذه الأمم ، أقول لو أراد أحدهم أن يمحي هذه الحضارة فعليهِ أولاً أن يسأل نفسه إن خضعَ هو اليوم لسؤال موجه له مِن قِبل أحدهم عن أصله وإستطاع ألأجابة فبماذا سيجيب غداً أبنائه وأبناء هذه ألأمة كلدانية كانت أم غيرها ، وإن أراد أن يمحي هذه القومية كتابة حبر على ورق لتمشية أمور مادية أو سياسية أو غيرها من ملذات الوقت الحاضر فهل سيمحيها أو يستطيع ذلك من خلال التداول بين الأفراد أنفسهم وبين أبنائهم وهل سيكون هذا وذاك أقوى وأكثر تسلطاً من العرب الذين أستحلونا وأجبرونا على حمل الهوية العربية ,, كتابةً ,, وعلى مدى عصور أمدها مئات من السنين وبالرغم من ذلك فأننا وأبنائنا لازلنا نعلم بأننا كلدان ولازلنا نرددها ونقولها ولربما اليوم أكثر من ألامس ونحن على علمٍ ويقين بأننا سنبقى الكلدان الذين يحبّون قوميتهم ويعتزون بها ولن يستغنوا عنها وأنهم الكلدان الذين يحبّون القوميات الأخرى ويعتزون بهم كأخوة لهم ولن يستغنوا عنهم أيضاً وأننا سنبقى الكلدان الذين لم ولا ولن يسمحو لأحدٍ ما ، أن يكتب عنهم قصة ( آخـــــر الــكــلــدان ) .

بِــقَــلَــمــي

ثــامــر صــبّــاغ
thamersabbagh@yahoo.de

You may also like...