هل تركنا الله أم نحن تركناه؟ على هامش وضع مسيحيي الشرق الأوسط

العديد من المرتادين الى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، وفي وقتٍ من الأوقات الفاصلة بين القداس والآخر، وجَّه إليَّ البعض منهم السؤال التالي: يا شماس، لماذا نتعرَّض نحن المسيحيون الى المصائب والمِحَن، هل تخلّى الله عنا حتى يُصيبُنا الألم؟

فقلت لهم: لا يا إخوان، إنَّ الله لم ولن يتخلّى عنا، وإنما نحن الذين تخلّينا عنه! لأنَّ محنتنا نحن البشر اليوم تكمن بعدم إدراكنا، بأنَّ الشرَّ المُستحكم في العالَم يتأتى منا بالذات وليس من الله! إذ لما منحنا الله الحرية جعلنا أحراراً في استخدامها للخير أو للشر، والشر لم يوجِدهُ الله، لأنَّ الله لا يُريد الشَرَّ للإنسان، وإنما الإنسان نفسه مَيّال الى اقتراف الشر وارتكاب الخطيئة. إنَّ الله هو ملءُ المحبة، ومحبته تشمل جميع البشر، ولا يريد الهلاك لأحدٍ منهم بل يرغب بخلاص الكُل، ولذلك يتمتع الأخيار والأشرار بإشراقة شمسه!

وإذا شعر الإنسان عندما يُجابههُ ضيقٌ من أيِّ نوع، بأنَّ الله قد نساه وابتعد عنه، فيعود ذلك الى فكره المحدود الذي يدفع به الى الإنغلاق والبعدِ عن النضوج، مِمّا يجعله يُطالب الله بالنزول الى مستوى فكره وينتقم له من جور ظالمه، وهذا الطلب بحدِّ ذاته ليس حلاً للمشكلة أو إنهاءً لها! ففكر الله اللامحدود ليس كفكر الإنسان المحدود. وبالرغم من فكر الله المشبع بالمحبة اللامحدودة، والرغبة الكبيرة في خلاص الإنسان، فإنَّ هنالك في المقابل العدالة التي تفيض في فكر الله!، فإذا طلبنا من الله تنفيذ العدل بحق الأشرار الذين نُبغضهم بسبب كونهم قد أخطأوا بحقنا بالقتل والتهجير والسلب وعلى الله أن يُعاقبهم بالفناء، فماذا يكون جزاؤنا نحن لقاء بُغضنا لهم ومطالبتنا الله بإفنائهم، أليستا أيضاً خطيئتين ضِدَّ وصية الله تستوجبان العقاب من قبل الله؟

حيث قال الرب:<أحِبّوا أعدءَكم، وصلوا من أجل مضطهديكم… متى 5/ 44> وفي لوقا البشير <أحِبّوا أعداءَكم، وأحسِنوا الى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم، وصلّوا من أجل المفترين الكذِبَ عليكم/ لوقا 6/ 27- 28>. فإذا أنزلَ الله العقاب في الأرض فبالتأكيد سيشمل المُعتدين والمُبغضين، وبهذا الإجراء لن يبقى انسان يعيش على الأرض، لأنَّ البشر جميعاً خطأة وبحاجةٍ الى مجد الله!

فالجواب لعنوان هذا المقال القصيرهو: إنَّ الله لم يتخلَّ ولن يتخلّى عن خليقته البشر على الإطلاق! وإنما البشر هم الذين تركوا الله! ولذلك فإنَّهم بابتعادهم عن الله لا يشعرون بحضوره ولا يسمحون لمشيئته أن تعمل في حياتهم. والإبتعاد عن الله يعني قلة الصلاة وتلاوتها تجري في الغالب عندما ننعم بالراحة والطمأنينة، أما في حالة الضيق والألم، فإننا ننزعج ونتذمَّر وينتابنا الشك بوجود الله! أيها الإخوة، إنَّ الصلاة والصوم هما أقوى سلاح لمجابهة شياطين اليوم المتمثلين بأعداء الإنسانية، المتلذذين بشقاء أبنائها وهما الوسيلة المُثلى للتقرُّب من الله، وهو بدوره يتدخَّل في مسيرة حياتنا وهو منقذنا الوحيد له كُل المجد.

الشماس د. كوركيس مردو

في11/ 6/ 2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *