مَن المسئول الحقيقي عن واقعة بشتاشان؟ محمد مندلاوي

أولاً: يجب أن يعرف كل من يقيم في كوردستان بصورة دائمة أو مؤقتة؟، أنها وطن الشعب الكوردي منذ عصور غابرة، حين كان الإنسان يخطو أولى خطواته على الكوكب الأرضي لمواجهة ثورات الطبيعة والسيطرة عليها، وهذا الوجود مثبت نصاً في بواطن كتب التاريخ وفي الخرائط القديمة والحديثة، فلذا يحتم على الجهات السياسية غير الكوردية، التي في ضيافة الشعب الكوردي، إن أرادت تتحرك على أرض هذا الوطن يميناً أو شمالاً يجب أن تكون تحركاتها وتحالفاتها بعلم ومعرفة وترخيص من السلطات الكوردية الحكومية أو الحزبية، وهذا يشمل حتى التنظيمات السياسية وغيرها للأقليات العرقية والدينية التي تعيش في كنف الشعب الكوردي في عموم كوردستان، كالأقلية التركمانية في كركوك وتوابعها أو المسيحية في دهوك وأربيل الخ، أكرر، يجب على أحزابهم ومنظماتهم أن تُعلم الجهات الأمنية الكوردية أولاً بأول عن جميع نشاطاتهم السياسية والاجتماعية، وإلا تتعرض للمسائلة القانونية الشديدة فيما بعد، ربما السلطات الكوردية بعد عام 2003 صارت تغض الطرف عن هذا الأمر لظروف معروفة تمر بها كوردستان والمنطقة، لكن الأمر لا يستمر هكذا إلى ما لا نهاية، كبعض من السياسيين التركمان تجدهم في كل صغيرة وكبيرة يذهبون إلى تركيا الطورانية التي تحتل شمال كوردستان لاستشارتها أو لاستلام أوامر منها، لقد بات معلوماً لدى القاصي والداني أنها تستخدمهم علناً لخدمة مصالحها السياسية التوسعية في المنطقة، وتحديداً ضد الشعب الكوردي. لكن قبل الخوض في تفاصيل المقال، اسمح لي عزيزي القارئ أن أخبرك بقصة حدثت قبل قرن من الآن في شرق كوردستان، حيث كان هناك رجل سياسي مسيحي متلبس بعباءة الدين اسمه مار “بنيامين شمعون” كان يقيم هو وطائفته المسيحية في كنف الشعب الكوردي في كوردستان، لكنه دون علم ودراية زعيم الثورة الكوردستانية حينها (إسماعيل آغا شكاك) المعروف اختصاراً بـ”سمكو” الذي كان يتمتع بالشرعية الثورية والوطنية، الذي علم فيما بعد إن هذا الرجل المسيحي اتصل سراً برجال مخابرات بعض الدول الأوروبية المعادية للشعب الكوردي، واجتمع معهم على أرض كوردستان، لذا كقائد للثورة الكوردستانية دعاه إلى مقر قيادة الثورة، وعند حضور المومأ إليه فوراً نفذ به حكم الشعب العادل، لأن تحركاته واتصالاته المعادية للشعب الكوردي وعلى الأرض الكوردستانية اعتبر خيانة عظمى بحق الشعب الكوردي ووطنه كوردستان، الذي آواه هو وطائفته في أيام المحن، فلذا لا يستطيع أي زعيم كوردي أن يغض الطرف عن أية ممارسة خيانية أو عدائية ضد الكورد وكوردستان ولا يتخذ إجراءات صارمة ضد من لا يحترم سيادة هذا الوطن الجريح، حتى في زمن الاحتلال العربي التركي الفارسي البغيض. لكي يستسيغ القارئ الموضوع جيداً، أرجو أن يسمح لي أن أضرب له مثلاً عن هذا الأمر الهام، يا ترى،هل يستطيع شخص مسيحي أو مجموعة مسيحية أو من أية فئة أخرى تقيم  في الضفة الغربية أو في قطاع غزة (فلسطين) أن يتصل بدولة إسرائيل أو بغيرها دون علم ودراية وترخيص من القيادات الفلسطينية بشقيها العلماني والإسلامي؟.

عزيزي القارئ الكريم،حقيقة لم أرد أن أكتب يوماً ما عن تلك الواقعة التي جرت على أرض كوردستان في قريتي “قرناقا و بشتاشان” (Qrnaqa and Psht-Ashan)، إلا أن المحاولات الخبيثة لبعض من الإعلاميين العراقيين، وبعضاً من الشيوعيين الحاليين والشيوعيين الذين يذيلون أسمائهم بالشيوعيين السابقين بتحريف حقيقة ما جرى في قرناقا و بشتاشان للمتلقي العربي وكأنها مجزرة مخطط لها مسبقاً من قبل الاتحاد الوطني الكوردستاني، ومن ثم تم إلصاقها بطريقة كيدية بالشعب الكوردي المضياف. إن هذه الأكاذيب الملفقة، التي توضع على الورق أو تبث على الهواء هي التي حفزتني لكتابة هذا المقال التوضيحي بأسلوب منطقي سليم لا لبس فيه ولا تزوير للحقائق، وهدفي الأول والأخير منه، أن أضع أمام القارئ اللبيب حقيقة ما جرى هناك من أفواه قيادات الحزب الشيوعي العراقي ومقاتليه.. الذين تجحفلوا مع قوات أخرى متحالفة معهم في “جود” وبدؤوا بهجوم كبير على المركز الرابع للاتحاد الوطني الكوردستاني في “باليسان= Balisan” واحتلوه وحدث هذا الاعتداء.. قبل بدء معركة بشتاشان بثلاثة أيام، وبعدها شارك مقاتلو الحزب الشيوعي العراقي مع قوات بعض الأحزاب الكوردية المتحالفة معه في (الجبهة الوطنية الديمقراطية) المعروفة اختصاراً بـ”جود” ضد قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني في معركة “قرناقا و بشتاشان” التي دحرتهم فيها قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولم يكن أمامهم سوى اللجوء عبر الحدود المصطنعة بين جنوب وشرق كوردستان إلى جمهورية إيران الإسلامية. كما أسلفت، وكالعادة، سوف أكون دقيقاً وأميناً في نقل وسرد كل ما يأتي في هذا المقال.

دعونا نتوسع في الموضوع، ونلقي نظرة فاحصة على ما قالته قيادات وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الأخرى في هذا الموضوع الحساس لما يتضمنه من اتهامات خطيرة بارتكاب جرائم حرب.

عام 1980 تشكلت في دمشق (الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية) المعروفة اختصاراً بـ(جوقد) وضمت في صفوفها كل من: 1- الاتحاد الوطني الكوردستاني (أوك). 2- الحزب الشيوعي العراقي (حشع). 3- حزب البعث العربي الاشتراكي (قيادة قطر العراق) الموالي لسوريا. 4-الحزب الاشتراكي في العراق .5- الحزب الاشتراكي الكوردستاني (حسك). 6-التجمع الديمقراطي العراقي. 7- منظمة الجيش التحرير الشعبي لتحرير العراق. 8- بعض الشخصيات المستقلة. إبان توقيع على وثيقة الجبهة المذكورة كان سكرتير الحزب الشيوعي العراقي (عزيز محمد) خارج كوردستان والعراق، فكان (كريم أحمد) مسؤولاً عن قيادة الحزب (سكرتير الحزب بالوكالة) لكن بعد أن علم (عزيز محمد) بانبثاق الجبهة المذكورة اتصل بـ(كريم أحمد) وقال له: “نحن نريد أن ندخل في جبهة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة (مسعود البارزاني)” وما كان من (كريم أحمد) إلا أن يدير ظهره لجبهة “جوقد” وبعد أسبوعين فقط دخل في جبهة أخرى مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني سموها (الجبهة الوطنية الديمقراطية) المعروفة اختصاراً بـ(جود) وأنضم معهم الحزب الاشتراكي الكوردستاني (حسك) ونتيجة للعملية العدائية التي قامت بها الأحزاب الثلاثة أعلاه جمدت الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية (جوقد) عضوية الحزب الشيوعي (حشع) والحزب الاشتراكي الكوردستاني (حسك) في  (جوقد)  وأصبح ذلك العمل العدائي أحد الأسباب للصدامات المسلحة في كردستان بين الاتحاد الوطني الكوردستاني (أوك) من جهة والحزب الديمقراطي الكوردستاني (حدك) والحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الكوردستاني من جهة أخرى، والتي أدت لاحقاً إلى كارثة بشتاشان (بشت آشان). للعلم، أن واقعة بشتاشان لم تكن هي الأولى ولا الأخيرة تحدث بين الأحزاب المتواجدة على الساحة الكوردستانية، حتى أن بعضها قام بها في البدء الأجهزة الأمنية والمخابراتية العراقية، هذا ما ذكره أنوشيروان في كتابه المشار إليه أدناه ص 464 حين عرض نصوصاً للبرقيات التي أرسلها الأجهزة العراقية لرؤسائها، لاحظ إحدى البرقيات ماذا تقول:”سري للغاية  نفذت منظومتنا الشمالية عملية خاصة ضد مقر المخرب حاجي حاجي إبراهيم عضو (م.س) الحزب الاشتراكي في قرية توتمه – قاطع كويسنجق وذلك بالساعة ٢١٠٠ يوم ١٦ نيسان ٨٣ أدت إلى جرح المخرب المذكور و (٤) آخرين وتم الترويج في حينه بأن العملية مدبرة من قبل مخربي المركز الرابع للاتحاد الوطني الكردستاني فتجدد الصدام بين الطرفين. وتستمر البرقية في فقرة هـ: زودنا أحد المتعاونين برمانتين يدويتين وكلفناه بضرب مجموعة من المخربين الشيوعيين في قرية مَلكان – قاطع خليفان بضمنهم آمر الفوج نجم الدين .. يوم ٢٦ نيسان ٨٣ كان المتعاون في القرية بانتظار الفرصة في الوقت الذي كانت فيه المجموعة من الشيوعيين تحاول نصب كمين لمخربي الاتحاد الوطني الكردستاني. قذف المتعاون رمانة واحدة عليهم فقتل أربعة منهم وحدث فوضى في صفوفهم ففتحوا النار على مخربي الاتحاد الوطني ونشبت مصادمة بين الطرفين. انتهى. هناك العشرات من هذه البرقيات التي تتحدث عن دور الأجهزة الأمنية العراقية بإشعال فتيل القتال بين الفصائل المنضوية تحت راية الحركة التحررية الكوردية، أو بينها وبين التي في ضيافتها كالحزب الشيوعي العراقي. ونتيجة للأدوار التي لعبتها أجهزة المخابراتية للدول المحتلة لكوردستان حدث عدة مرات قتال عبثي بين قوات البيشمركة التابعة للأحزاب الكوردية  كمعركة قنديل الأولى، وقنديل الثانية، ومعركة كويه، ومعركة جبل كوسرت، ومعركة شارباژير الأولى والثانية، الخ.

دعونا نعود لصلب الموضوع،هنا نتساءل، هل يجوز أن تدخل في جبهتين في آن واحد وفي رقعة جغرافية واحدة محصورة بين عدة الجبال؟ أليس ما قام به الحزب الشيوعي عمل عدائي موجه ضد الحليف الذي تحالف معه في “جوقد” إلا وهو الاتحاد الوطني الكوردستاني قبل تأسيس “جود” التي كانت مدعومة من جمهورية إيران الإسلامية؟. بهذا الصدد يقول القيادي في الحزب الشيوعي العراقي (بهاء الدين نوري):”عام 1980 اشتركنا في جبهة “جوقد” مع الاتحاد (الاتحاد الوطني الكوردستاني) وبعده بأسبوعين فقط دخلنا في جبهة أخرى باسم “جود” مع “البارتي= Al-parti” وهذا واحد من أخطائنا؟” إن (بهاء الدين نوري) بصفته قيادي في الحزب الشيوعي، وقائده العسكري لمنطقتي السليمانية وكركوك وقع اتفاقاً مع الاتحاد الوطني الكوردستاني يقضي بعدم الدخول في معارك بينهما في المنطقة المذكورة. لكن للأسف أن الحزب الشيوعي العراقي قبل عام 1980 وقع في عدة أخطاء أخرى مماثلة، تحديداً عام 1974 حين استلم السلاح من نظام حزب البعث المجرم وقاتل به الحركة الكوردية، هذا ما قاله  في لقاء تلفزيوني المفكر (عبد الحسين شعبان). ومن ثم شارك الحزب الشيوعي في مؤسسات الحكم الذاتي الكارتوني، الذي أقره حزب البعث المجرم بمعزل عن القوى الكوردستانية الشرعية، وهذه أسماء كوادره التي شاركت في المجلسين الصوريين التنفيذي والتشريعي كما ذكره (أنوشيروان) في كتابه ص 27: “يوسف حنا، شيروان علي أمين، أحمد حامد قادر،أحمد دلزار، إبراهيم حاجي محمود، حمه سعيد حبيب، قادر رشيد،خيري عبد الحميد قاضي، محمود فقي خضر،سامية شاكر”.

في لقاء تلفزيوني أجراه الدكتور (حميد عبد الله) مع نائب أمين العام للاتحاد الوطني الكوردستاني (أنوشيروان مصطفى) قال هذا الاخير:” في ذلك الوقت كانت هناك جبهتان جوقد و جود، وهذه الأخيرة كانت تتألف من (الحزب الديمقراطي الكوردستان) و(الحزب الاشتراكي الكوردستاني) و(الحزب الشيوعي العراقي). بينما جوقد كانت تتألف من مجموعة أحزاب مؤتلفة والحزب الشيوعي في البداية كان مع جوقد، وكانت هناك قتال مع جود، التي كانت مدعومة من قبل الحكومة الإيرانية، وكان في ذلك الوقت قتال دائر بين الاتحاد الوطني والحكومة الإيرانية”. ويضيف:”إن المعركة لم تكن بالأساس مع الحزب الشيوعي العراقي، للعلم، أن الحزب الشيوعي كان عضواً في جبهة عسكرية”، وأضاف أنوشيروان وهو يتحدث عن بشتاشان: “إن الأحزاب الأخرى تكبدت خسائر أيضاً، لكن إعلام الحزب الشيوعي كان أقوى وأكثر تنظيماً من الآخرين لذلك قاموا بضجة كبيرة في العالم وضخموا المسألة”. هذه حقيقة،لقد حاول الحزب ولا زال يحاول استثمارها بصورة دراماتيكية ضد الكورد. وفي رده على سؤال وجه إليه من الدكتور (حميد عبد الله) قال أنوشيروان: “ماذا نفعل، عندما تتعرض لهجوم لا تدافع عن نفسك؟” ويستمر أنوشيروان: “إن جبهة جود حاولت إجبار الاتحاد الوطني ترك الساحة السياسية لهم، والاتحاد لم يكن مستعداً لترك الساحة السياسية لهم، حاولوا طرد الاتحاد من ساحة النضال” تعليقاً على كلام أنوشيروان بأن جود كانت مدعومة من قبل إيران أقول كما رأيت، لقد رأيت أنا محمد مندلاوي بأم عيني عشرات المقاتلين من الحزب الشيوعي العراقي يأتون لقضاء إجازاتهم في طهران، وتحديداً في “کوچە مَروي” المعروفة عند الإيرانيين بـ”کوچەی عَربها” وهكذا سكرتير الحزب (عزيز محمد) كانت كل سفراته إلى الخارج تتم عن طريق إيران؟. الشيء الآخر، يوجد في إيران في مدينة (أراك) تحديداً شارع باسم أحد قتلى الشيوعيين في بشتاشان وشقيقه يسكن في نفس الشارع، السؤال هنا، كيف يسمى شارع باسم قتيل شيوعي في دولة إسلامية متزمتة مثل إيران إذا ليس وراء الأكمة ما ورائها؟. في لقاء تلفزيوني تحدث شيوعي سابق آخر عن توجه قيادة الحزب الشيوعي إلى إيران؟ وهو (محسن الجيلاوي): يقول: “علمنا فيما بعد أن قيادة الشيوعي اجتمعت وقررت الانسحاب – من بشتاشان- قبل بدء القتال دون أن تخبر مقاتليه!” ويضيف الجيلاوي:” أنهم – قيادة الشيوعي- أرادوا منا أن نقاتل لحين وصولهم بأمان إلى إيران، واجتمعت فيما بعد في إيران؟”. وهكذا يقول شيوعي سابق آخر وهو (خالد صبيح): إن قادة المكتب السياسي واللجنة المركزية انسحبوا من أول يوم لم يشتركوا في القتال ولا أي شيء آخر، ويضيف: “تماماً مثل سنة 1978 حين قالوا لقواعدهم رفاق دبروا حالكم؟؟!!”.

لقد تحدث (أنوشيروان مصطفى) في كتابه الذي ألفه باللغة الكوردية (پەنجەکان یەکتری ئەشکێنن = الأصابع تكسر بعضها بعضا) عن واقعة بشتاشان (پشت ئاشان) بشيء من التفصيل، يقول في ص 314: “أن هجوم “جود” علينا كان متزامناً مع هجوم إيران على منطقة (حاجي عمران)” ويضيف: “إن (بهاء الدين نوري) قائد منطقة السليمانية للحزب الشيوعي إنسان ذكي، عرف أن ميزان القوى ليس في صالحه إذاً لماذا يحشر نفسه في قتال معروف نتائجه مسبقاً أنه يخسره؟” وفي ص 288 يضيف: “وصلتنا أخبار من المركز الرابع من قوات وتنظيمات المنطقة ومن الأصدقاء جميعهم أخبرونا: “إن جود بارتي، حسك،حشع، باسوك، جمعوا حول المركز الرابع في باليسان ويتهيئون للهجوم، لقد تكلمت مع (مام جلال) بجهاز اللاسلكي ومع المكتب السياسي وجدت أن لديهم علم بما يجري، فعليه نحن من جانبنا جمعنا قواتنا واستعدنا لأي طارئ يحدث” ويقول: “ذهب (آزاد هورامي) لينظم القوات المتبقية للمركز الثالث. وأنا – أنوشيروان- أخذت معي قسم من قوات مركزي الأول والثاني إلى ناوزَنك (ناوزەنگ) كان الهدف، إذا هجمت “جود” على المركز الرابع عندها نحن نهجم على مقر قيادتهم في “قرناقا وبشتاشان”. يقول أنوشيروان:” كنا في الطريق إلى ناوزَنك سمعنا أن قوات “جود” هجمت على باليسان واحتلت وادي باليسان ووادي مَلَكان ووادي آكويان ويحاولون احتلال وادي خانقاه ووادي شهيدان، وكان هدفهم من هذا الهجوم فصل ناوزنك نهائياً عن مناطق أربيل ومحاصرة قوات الاتحاد في دەرەشێر ومَلَكان كانت الحصيلة النهائية لهجوم “جود” على باليسان والمركز الرابع 7 قتلى من قوات الاتحاد بينهم: 1- (نامق محمد شكر) المعروف بـ(پێشرو) 2- (أحمد قمبري) وكان هناك عدد من الجرحى منهم 1- (علي نبي) 2- (شاخوان) 3- (دلزار حويزي)” وفي ص 289 يقول أنوشيروان: “بسبب دعم الاتحاد الوطني للحزب الديمقراطي الكوردستاني – إيران، كانت إيران غاضبة من الاتحاد، فلذا لم تدع “جود” تتصالح مع الاتحاد، وأغلقت أمامها الحل السياسي”  وفي ص 294 يقول: “في عصر نفس اليوم انتهت المعركة بانتصار الاتحاد، لكن كلفنا هذا دماء 2 من قوات البيشمركة (Al-peshmerge) هما (عثمان كاژاوي) و(غفور بشتاشاني) وأمرنا قواتنا أن لا يتابعون القوات المندحرة ويتركوهم يذهبون أينما يشاؤون” ويضيف: “حقيقة أن قوات الاتحاد كانت ممتعضة من جود، لكن قوات كوسرت كانت ممتعضة أكثر من البقية، وذلك بسبب قتل قائد المجموعة ونائبه و3 من البيشمركة” وتكلم أنوشيروان عن هذه الجريمة في ص 393 في كتابه المذكور أعلاه: ” لقد قام الأنصار الشيوعيون مع حلفائهم في يوم 15 04 1983 باغتيال (محمد شمال) قائد قوات كوسرَت ومعاونه (سرباز أحمد) بينما كانا يستقلان سيارة مع أربعة من البيشمركة، مروا بقرية “باداوه” لاحظوا عدد من الشيوعيين فنزلوا للسلام عليهم فكان الجواب صليات الرشاش التي أودت بحياتهم، ويضيف أنوشيروان: “مما هو جدير بالذكر أن الشهيد (محمد شمال) كان قد خدم الحزب الشيوعي كثيراً، هو الذي كان ينقل لهم الأسلحة والأعتدة”. ونشر أنوشيروان في كتابه المشار إليه أعلاه نص البرقية المؤرخة بتاريخ 30 04 1983 والمرسلة من الرفيق (أبو سرباز) – القيادي في الحزب الشيوعي أحمد بانيخيلاني- إلى الرفيق (رسول مامند) سكرتير الحزب الاشتراكي يقول فيها:”الرفيق المحترم العم رسول، تحية ثورية حارة، آمل أن تكونوا محفوظين وموفقين.. لقد توجه إليكم الرفيق الملازم هشام والرفيق أبو خالد لتنسيق الأعمال معكم ثم يعودون لتتولى أنت الأعمال بعدهم.. آمل أن تكون هجماتكم كانقضاض الأسود وأن تلحقوا بهؤلاء المتخبطين أسوأ مما جرى لهم في باليسان. أبرقنا إلى أربيل لتتحرك قوتهم نحو هذه المنطقة، وقد أجابونا: أننا مستعدون وها نحن اتجهنا نحوكم ” أي نحو منطقة سران” وكذلك أبرق لنا الأخوان في البارتي بأنهم سيصلون هذه المنطقة خلال يومين. وكذلك تحركت قواتهم من بهدينان باتجاه منطقة أربيل. وكذلك قمنا بدورنا بالإبراق إلى بهدينان ليبدؤوا بالتحرك نحو هذه المنطقة. تحياتي واحتراماتي لكل الرفاق، ومن المستحسن إعلام الأخوة في رەزکە ليلتحقوا على العجل بهذه المنطقة وأن تمكنتم من إعلامهم فمن الممكن لهم التوجه إلينا مباشرة من الداخل.. أسعدتم  رفيقك المخلص أبو سرباز. انتهت البرقية. ونشر (أنو شيروان) في ص 402 برقية أخرى وهي كل الآتي: “خاص وفوري، الحزب الاشتراكي الكردستاني – العراق المكتب السياسي إلى الرفيق أحمد فەقی رەش ولجنة محلية بالەک المناضلة، تحية حارة، كما تعلمون أعلن الجلاليون بتحريض من النظام الحرب على (جود). بعد مقتل سرباز وشمال على أيدي بيشمركة قوة ئاسوس وتحطيم قواتهم في سهل أربيل واستسلام البعض منهم في مناطق كويسنجق أخذوا بالتحرش عدة مرات في منطقة باليسان فاجبروا قوات (جود) يوم أمس 27/4 كل قوى جود مجتمعة أن تضربهم وتحطم مركزهم الرابع وتلاحقهم باتجاه وەرتی وتكبدهم الكثير من القتلى أما نحن (جود) تكبدنا أربعة شهداء، لم يبق ولا جلالي واحد في وادي باليسان ومنطقة خوشناو وسهل أربيل ومناطق كويسنجق. كانت مواقف جود موحدة جداً في معارك منطقة أربيل. ولأجل ضمان طريق آمن ومنطقة آمنة لجود يجب أن نخرجهم من وەرتی وحواليها  أيضاً يجب أن تتوجه كل قواتكم مع قوة الأخوة في الحزب الشيوعي إلى لبوەزی دون تأخير. لقد أرسلنا لكم رسالتين أخريتين بصدد مجيئكم ويبدوا عدم استلامكم لهما. يرجى الاهتمام جداً بهذه الرسالة وأن تتحركوا دون تأخير مع قواتكم. وفي حالة عدم مجيء الأخوة في الحزب الشيوعي أو كونهم قد تحركوا قبلكم، يجب عليكم المجيء، ولعلمكم هناك (7) مسلحين جلاليين في الوادي الواقع خلف قصرى كونوا على حذر منهم يجب أن تسلكوا طريقاً آمناً في المجيء لأن تأخيركم سيفسد علينا الخطة المعدة لهذه المنطقة. ننتظركم أن تصلوا عندنا بسرعة وسلامة أنشاء الله. ملاحظة/ طريق دەرگەلە وخانقاه فيها جلاليون، للعلم. المكتب السياسي 28 04 1983. للعلم، أن أحمد فقي رەش عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الكوردستاني وآمر القاطع السابع لمسلحيهم كان هذا تلخيص شديد لما ذكره (أنوشيروان مصطفى أمين) في كتابه المذكور أعلاه، أترك الحكم عليه للقارئ الكريم.    

في لقاء تلفزيوني مع الدكتور (حميد عبد الله) مقدم برنامج “شهادات خاصة” من قناة الفلوجة، قال (جاسم الحلفي) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: في 5- 6 شباط عام 1983 حضر إلى مقر الاتحاد الوطني الكوردستاني (كريم أحمد) – سكرتير الحزب بالوكالة- ومعه (عبد الرزاق الصافي) -عضو المكتب السياسي للحزب- في ذلك اللقاء كُتبت اتفاقية إستراتيجية للتعاون والتنسيق بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي.

وفي سياق حديثه في ذات الحلقة التلفزيونية يتحدث (جاسم الحلفي) عن الفترة الزمنية بعد الاتفاق الاستراتيجي: “نصبنا كميناً اعتقلنا بعض قيادات الاتحاد الوطني منهم ملازم (فؤاد) و(قادر خبات)، كانوا في طريقهم إلى “ناوزنك = Nawzeng” حيث مقر (جلال الطالباني)”، ويضيف الحلفي: “لكني أصريت أن أنزع أسلحتهم – هم نزل هم يدبج على سطح- ويصطفون أرادوا التفاهم قلت لا، تتفاهمون مع قيادة الحزب فصعدتهم إلى فصيلنا، فصيل”بولنك = Boleng” اتصلوا بـ(كريم أحمد) وهو لامنا؟ قال كيف تأسرونهم؟ إذا هؤلاء قياديين وأصدقائنا. وأكد هذه الحادثة الشيوعي السابق أيضاً (محسن الجيلاوي) قائلاً: “مر أحد القيادات الاتحاد الوطني قرب فصيل “بولي” الذي هو فصيلنا نزلنا فأسرنا هذه المجموعة في شهر الرابع 1983 وصعدنا بهم إلى “بولي” وكان قائد الحزب في وقتها (كريم أحمد) أمر بإطلاق سراحهم”.

عزيزي القارئ، ماذا يسمى هذا العمل العدائي من قبل جهة أجنبية عن كوردستان ضد بيشمركة كوردستان؟ لقد استضافها فصائل الشعب الكوردي ووفر لها كل مستلزمات النضال السياسي والكفاح المسلح في مرحلة الثورة ضد الاحتلال العراقي؟ أليس هذا تأكيد على الانفصام الموجود بين قيادة الحزب الشيوعي ومقاتليه، حيث لم يخبرهم من هو العدو ومن هو الصديق؟ أم يعرفون ويحرفون لغاية في نفسي عزيز؟.

لاحظ ماذا يقول السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي وعضو اللجنة المركزية حينه ومسؤول قاطع السليمانية وكركوك (بهاء الدين نوري) في لقاء تلفزيوني موجود على اليوتيوب، يقول: “هاجمت في 28 نيسان 1983 قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني (بارتي) والحزب الشيوعي العراقي وحزب الاشتراكي قوات الاتحاد الوطني في قاطع أربيل – في باليسان- احتلوا مقرهم – مقر الاتحاد الوطني- ولاحقوهم، لكن بعد ثلاثة أيام هاجمت قوات الاتحاد بقيادة (أنوشيروان) بشتاشان ثأراً لهزيمة باليسان التي حدثت قبل ثلاثة أيام، وحطموا مقرات الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي في بشتاشان وقتلوا عدداً من الشيوعيين من ضمنهم أسرى”. ويضيف بهاء الدين: “إن الشيوعيين انهزموا، خسروا معركة بشتاشان فعليه بحثوا عن مبرر. إن (كريم أحمد) و(أحمد بانيخيلاني) قبض عليهم وغيروا مواقفهم 180 درجة ودعوا إلى الكف عن اقتتال الأخوة والتعاون مع مسلحي الاتحاد الوطني، لقد غيروا خطهم 180 درجة”. وفي لقاء آخر مع (بهاء الدين نوري) كرر نفس الكلام بشيء من التفصيل: “في بداية الثمانينات عقد الحزب الشيوعي العراقي اتفاقية إستراتيجية مع الاتحاد الوطني الكوردستاني وبعدها بشهر جاءتنا برقية من الحزب تقول نسقوا مع البارتي ضد الاتحاد الوطني، كان هذا بسبب، أن (كريم أحمد) بعث بنص الاتفاق مع الاتحاد إلى (عزيز محمد) في موسكو إلا أن (عزيز محمد) قال لـ(كريم أحمد) في رسالة بعثها له، اتفق مع بارزاني أحسن من طالباني، فما كان من (كريم أحمد) إلا أن يخضع لأوامر سكرتير الحزب ويتحالف مع البارزاني ضد الطالباني. وبعد ذلك الاتفاق هجمت قوات الحزب الشيوعي والبارتي والاشتراكي على قوات الاتحاد في باليسان وأخرجوهم منها، وأبرق حينها (كريم أحمد) لحزبه برقيات التهنئة والتبريك بمناسبة هذا النصر على الاتحاد، وبعد هذا لم يكن أمام الاتحاد سوى الهجوم الكاسح على مقرات قيادة الشيوعي والاشتراكي والباسوك في قرناقا و بشتاشان”.

عزيزي المتابع،لاحظ اتهام(بهاء الدين نوري) لقيادة الحزب الشيوعي يقول: “عند استقرارنا في بشتاشان قررنا منذ البدء أن نكون حياديين بين (جلال طالباني) و (مسعود بارزاني) وكنا هكذا إلى سنة 1982 حين عاد سكرتير المكتب السياسي وتولى القيادة مباشرة مكان مكتب الإقليم ومنذ ذلك التاريخ ضيعنا الاستقلالية والحياد”. للتاريخ، يقول (بهاء الدين نوري): “عام 1974-1975 حاربنا نحن وحزب البعث الحركة الكوردية؟؟!!”. في اجتماع للحزب الشيوعي – المكتب السياسي- عام 1984 تم طرد (بهاء الدين نوري) دون أن يدعوه للاجتماع ويستمعوا إليه!!”. السؤال هنا، لماذا لم يدع إلى الاجتماع ويمنحوه فرصة ليدافع عن نفسه؟؟ يظهر أن هناك أموراً خطيرة يعرفها (بهاء الدين نوري) لا يريدوا أن تثار علناً ويسمعها أعضاء الحزب وغيرهم؟. بلا شك أن انتقادات القيادي في الحزب (بهاء الدين نوري) كانت صريحة ومنطقية، أنه يسمي دخول الجبهة مع البعث بالاتفاق الذيلي. ويتهم قيادة الحزب الشيوعي بأنهم دراويش القيادة السوفيتية. وقال بهاء الدين:”سنة 1975 حل الحزب الشيوعي العراقي المنظمات الديمقراطية التابعة له بطلب من حزب البعث وهي: 1- رابطة المرأة. 2- اتحاد الشبيبة. 3- اتحاد الطلبة، ويستمر بهاء الدين: علماً أن غالبية الطلبة والشباب والمرأة كانت ضد القرار، لكن قيادة الحزب مارست ديكتاتورية في قمع الآخرين، وزعمت أن الجبهة أهم من هذه المنظمات، وفيما بعد قبل الحزب بتجميد الخط العسكري أيضاً”. لا تستغرب عزيزي القارئ، أن الحزب الشيوعي العراقي بعد مرور خمسة أعوام فقط على قتل تسعة من لجنته المركزية على رأسهم سكرتير الحزب (سلام عادل) ومئات من كوادره وأعضائه على أيدي جلاوزة حزب البعث، لكنه رمى كل تلك المجزرة التي ارتكبت ضدهم خلف ظهره ودخل مع قتلتهم في جبهة.. دون أن يقدم البعث اعتذاراً عن تلك المجزرة.. التي نفذها ضد خيرة قياداته وكوادره وأعضائه عام 1963!! وعند دخوله الجبهة مع حزب البعث المجرم قبل الشيوعي بدور ثانوي.. ورضي لنفسه أن يكون البعث هو “الحزب القائد” وكان شعار مؤتمره الثالث إبان الجبهة: “تدعيم المسيرة الثورية للعراق نحو بناء الاشتراكية”. وقال سكرتير الحزب الشيوعي (عزيز محمد) حينه: “يد بيد إلى الأمام نحو الاشتراكية في العراق”. إنما يدمي القلب ويحزن النفس ذلك الكلام غير المسئول الذي ذكره (أنوشيروان) في كتابه في ص28 كما جاء في التقرير الذي أعدته اللجنة المركزية للحزب  وألقاه سكرتيره (عزيز محمد) أمام المؤتمر الثالث للحزب، أنه بهذه الطريقة السمجة تحدث عن الحركة الكوردية:” ويقف في مقدمة منجزات الجبهة وضع قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان وتصفية التمرد اليميني الرجعي فيها”. ويستمر: “إن انهيار التمرد الرجعي المسلح خلق إمكانية موضوعية أفضل لتطبيق الحل السلمي الديمقراطي للمسالة الكردية”. نحن نتساءل من الشيوعيين: هل أن كوردستان منطقة؟ أم وطن محتل؟. على أية حال، بعد كل هذا.. منح (عزيز محمد) قبل وفاته بفترة وجيزة وسام البارزاني من قبل الرئيس (مسعود البارزاني). للأسف لم يستوعب الحزب الشيوعي الدرس جيداً، هاهم في الانتخابات الأخيرة تحالفوا مع كتلة إسلامية يمينية تريد تطبيق الشريعة بينما هم كشيوعيين يريدون فصل الدين عن الدولة، هل توجد نقطة التقاء بينهما؟. ألا يعلم الشيوعي أن حليفهم الجديد خريج نفس المدرسة العقدية التي كفرتهم عام 1960 حين قالت:”إن الشيوعية كفر وإلحاد” وهذا هو الذي مهد الطريق لقتلهم عام 1963 على أيدي البعث، لقد قيل أن البعث كان وراء إصدار الفتوى.

للأسف أن هذا داء مصاب به الأحزاب الشيوعية؟  وهكذا فعل الحزب الشيوعي الإيراني المعروف باسم “توده = الجماهير” عندما تحالف مع نظام الإيراني الإسلامي وبعد انتفاء حاجته منهم ضربهم ضربة قاصمة واعتقل جميع قيادة الحزب وعلى رأسهم منظر الحزب (إحسان طبري) وعرضهم على شاشات التلفزة في عدة حلقات سميت بـ”ميزى گرد = الطاولة المستديرة” واعترفوا بأمور خطيرة جداً. قال حينها سكرتير الحزب المعتقل (نورالدين كيانوري): “کوربودیم = كنا عميان، فاقدي البصر”. وفي مصر في عهد نظام جمال عبد الناصر العروبي العنصري حل الحزب الشيوعي المصري نفسه وذاب في الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي أسسه جمال عبد الناصر، وكان فيه الصحفي محمد حسنين هيكل وزيراً للإرشاد القومي!! هل أن هذا المنصب.. بهذا العنوان العنصري لم يذكر الحزب الشيوعي بوزير الدعاية السياسية في حكومة “أدولف هتلر” النازية؟. أرجو أن يفهمني أصدقائي في الحزب الشيوعي العراقي، أن هدفي ليس الهجوم والطعن، بقدر ما هو النقد البناء، لربما جارح بعض الشيء في بعض تفاصيله، خاصة عندما تناولت جانباً من تاريخهم في العهد الجمهوري على الساحة السياسية في كل من العراق وكوردستان. لقد تصورت في شبابي أني سأرى الشيوعيين ماركسيين قلباً وقالباً، كما وصفوا في بواطن الكتب وصفحات الجرائد،  وكما قال معلمهم الأول: الدين أفيون الشعب. لكني وجدت فيما بعد أن المنتمين إلى الأحزاب السياسية بكل توجهاتهم الفكرية معروفين بين الجماهير ومنهم العديد من الشيوعيين كانوا معروفون بين الناس لكن بمسميات إسلامية بحجي محمد، أو السيد أحمد، ووجدت الكثير منهم يؤدون صلاتهم في أوقاتها ويصومون الرمضان ولا تفوتهم أداء الطقوس والشعائر الدينية الخ. أقول لأصدقائي الشيوعيين، أن تغيير الأقنعة في كل موسم سياسي يضر ولا ينفع، وخير دليل الأصوات التي حصلوا عليها في عدة انتخابات أجريت في العراق بعد عام 2003 لم يحصلوا سوى على مقعد واحد وهذا بشق الأنفس أيضاً. في المقابل هناك شاب ملتحي عمره الزمني أقل من عمر الحزب الشيوعي السياسي حصل على 40 مقعد. يا ترى، بعد هذه النكسة الانتخابية درس الحزب أين يكمن الخلل؟.

هل يعقل تطبيق الاشتراكية مع المجرمَين أحمد حسن البكر وصدام حسين؟!. هل يعقل أن تدخل في جبهة مع النظام.. بوزيرين! أحدهم وهو (عامر عبد الله) وزير بلا وزارة (وزير دولة)، والآخر (مكرم الطالباني) وزير الري، إذا لا تخونني الذاكرة، عند عرض الاسمين على البعث لم يكونا عامر ومكرم عضوان في اللجنة المركزية للحزب، فلذا رفضهما حزب البعث، قالوا لهم لا نرضى بتوزير أحد منكم درجته الحزبية أقل من عضو اللجنة المركزية، ونزولاً عند طلب البعث منحهما الحزب الشيوعي عضوية اللجنة المركزية. وقبل الحزب الشيوعي أيضاً، أن لا يقوم بتشكيل تنظيمات سياسية في الجيش، الجيش الشعبي، الشرطة، الأمن، سوى حزب البعث؟! وقبل أيضاً أن يحكم العراق ما سمي بمجلس قيادة الثورة الذي كل أعضائه من حزب البعث؟!. إن تقديم هذه التنازلات الخطيرة من قبل الحزب الشيوعي لحزب البعث المجرم هي التي أطلقت يد حزب البعث الدموي أن يحكم العراق كيفما يشاء، وهذا التخاذل هو الذي مهد الطريق لحزب البعث أن يصدر حكمه القرقوشي على 31 من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي بالإعدام بتهمة تشكيل تنظيمات داخل الجيش.   

في هذا المضمار يقول المفكر (عبد الحسين شعبان): “أصبحنا بطريقة ذيلية جزءاً من النظام القائم” – أي جزءاً من نظام حزب البعث المجرم- يتحدث شعبان منتقداً الحزب الشيوعي: “إن جريدة “طريق الشعب” طالب في مقال لها البعث بالتشدد وبمزيد من الحزم الثوري ضد انتفاضة “خان النص”.

نعم، بهاء الدين، بلا شك لا يجوز قتل الأسير، لكن لا تنسى كان قتال تأر بسبب الطعن الذي طعنه الحزب الشيوعي العراقي من الخلف للاتحاد الوطني في هجوم باليسان؟ وغيره وقتلهم للقيادي الاتحادي الذي ترجل من سيارته للسلام عليهم إلا أنهم ردوا عليه بوابل من الرصاص. تأكيداً على كلام بهاء الدين، في حديث تلفزيوني قال الكادر المتقدم في الحزب الشيوعي سابقاً (أحمد الناصري): “قبل يومين من أحداث بشتاشان هجم البارتي والحزب الشيوعي على مقرات الاتحاد؟”.  وقال:” قبل أحداث بشتاشان كان لدى الحزب الشيوعي معتقلين من الاتحاد الوطني الكوردستاني؟”. وتحدث الناصري عن القتال قائلاً: “لا يمكن أن نعفي الأحزاب الأخرى من هذه العملية تماماً.. الخ. وشاركه (بهاء الدين نوري) في الرأي ذاته قائلاً:” إن الشيوعي والاتحاد مسئولين عن ما حدث في بشتاشان أن 50% من المسئولية تقع على الحزب الشيوعي.

عزيزي القارئ، في ذات اللقاء تحدث (أحمد الناصري) عن جريمة قام بها الحزب الشيوعي ضد أعضائه في 5 آذار 1984 حيث قتل أحدهم أثناء التعذيب على أيدي رفاقه وهو (مشتاق جابر عبد الله) الاسم الحزبي “منتصر” مواليد 1958 كان خريج إعدادية. يضيف الناصري: “إن الحزب خبر أهله في مدينة الثورة في بغداد بأنه استشهد في بشتاشان؟؟!!”، ويستمر الناصري:” إلا أن الناس الشرفاء خبروا أهله بأن الحزب الشيوعي هو الذي قام بقتله”. مسكين الشعب الكوردي يُحمل زوراً وبهتاناً وزر جرائم الآخرين!!. شهيد الغدر الرفاقي كما قال عنه (أحمد الناصري)، إلا أنهم كالعادة اتهموا الكورد بقتله دون أدنى خجل..؟؟!!. يقول أحمد الناصري (أمين):” هناك شخص آخر قتله الحزب وهو (أحمد لطيف أبو الدجاج) من الناصرية”. ويتحدث (أحمد الناصري) في قنوات تلفزيونية عن تعذيبه على أيدي رفاقه في الحزب الشيوعي بطريقة وحشية كما قال في عدة لقاءات تلفزيونية. وأكد على ما تعرض له (أحمد الناصري) ورفاقه  المفكر (عبد الحسين شعبان) في لقاء تلفزيوني في برنامج “خطى” تقديم (علاء الحطاب) حيث قال: “جاء (أحمد الناصري) إلى سوريا وكشف لي عن الجروح التي في ظهره، وأراني مكان التعذيب، قال هذا الذي في ظهري نتيجة تعذيب الرفاق، وهذا في رقبتي من بقايا تعذيب نظام حزب البعث”. وقال شعبان: “قُتل وعذب عدد من الرفاق الشيوعيين على أيدي الحزب الشيوعي كسامي حركات، ومشتاق جابر عبد الله، الخ”.

في لقاء مع تلفزيون “رووداو” الفضائية الكوردية في برنامج “پەنجەمۆر= Penjeor” أي: البصمة. قال سكرتير الحزب الاشتراكي الكوردستاني (محمد حاج محمود): “إن جود احتلت المركز الرابع للاتحاد الوطني ومنطقة باليسان، ثم هجم الاتحاد على قرناقا وبشتاشان وقتل منا 14 بيشمركة حيث قتل 7  منهم في الأسر. – إن كلام حاج محمود يفضح كذب وتدليس الذين يزعمون فقط العرب يقتلون في الأسر- ويضيف حاج محمود: “كان عندنا ضيفين من حزب العمال الكوردستاني المعروف اختصاراً بـ” PKK” قتلا أيضاً وقبريهما لا زالا هناك”.

دعونا نرى ماذا قال سكرتير الحزب بالوكالة، المسئول المباشر عن عموم تنظيمات وقوات الحزب الشيوعي في العراق وكوردستان وهو الأستاذ (كريم أحمد) الذي استضافه (علاء الحطاب) في برنامجه “خطى” الذي يبث من قناة العراقية، قال كريم في الحلقة الثالثة: “قبل هجوم بشتاشان نحن – الحزب الشيوعي- والبارتي هجمنا على قوات الاتحاد الوطني وأخرجناهم من المنطقة، بعد هذا الهجوم بفترة جمع الاتحاد قواته وهجم علينا”. ويضيف كريم أحمد: “لم يكتف الحزب بهزيمته الأولى في بشتاشان قام بهجوم على الاتحاد وسماه بشتاشان الثانية”. ويقول: “أيضاً خسروا عدة مقاتلين منهم أخو زوجة (سلام عادل)”. لكن (كريم أحمد) لم يقل أن في ذلك الهجوم على الاتحاد كانت معهم قوات إيرانية؟ أو تدعمهم من الخلف. يقول (أحمد الناصري): “في بشتاشان الثانية انهزمنا من جديد”. واتهم الناصري أحد قياديي الحزب الشيوعي، مسؤول قاطع أربيل وهو “يوسف حنا” القس (أبو حكمة) بالتجسس لنظام البعث، ويقول: “خرجت وثائق بعد الاحتلال أنه كان جاسوساً للنظام”. وهكذا يقول (جاسم الحلفي): “أن الحزب قاد هجوم بشتاشان الثانية”. ويقول: “خسرنا وأعطينا شهداء، غسان عاكف حمودي. أبو سحر. عادل. أبو ليلى”. السؤال هنا: “لماذا لم يقتل أحد من قيادة المكتب السياسي أو اللجنة المركزية في هذه المعارك؟”. لماذا الهجوم من قبل حزب الشيوعي على بشتاشان سمي تسلسلاً ببشتاشان الثانية..؟. لكنهم كما في بشتاشان الأولى هزموا في بشتاشان الثانية أيضاً، وخلفوا ورائهم 25 قتيلاً دمائهم برقبة حزب الشيوعي، الذي تحالف عن طريق حزب كوردستاني مع إيران الخميني ضد حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، الذي آواه بعد هروبه من بغداد وقدم له كل أنواع الدعم والمساندة. عزيزي القارئ،هناك عدة أمور في هذا الموضوع يستوجب أن يقف عليها المتابع، منها، لماذا لم نسمع يوماً ما عالم الاجتماع (فالح عبد الجبار) تكلم عن بشتاشان، وهو كان حاضراً في بشتاشان مع الحزب الشيوعي إبان القتال؟.

وقال (كريم أحمد): عن لجوئهم إلى كوردستان: “بعد أن ضربنا حزب البعث قدم لنا  الاتحاد الوطني أسلحة”. ويؤكد هذا (أحمد الناصري) أيضاً يقول: “في البداية قدم لنا المساعدات الاتحاد الوطني الكوردستاني”.

لنرى ماذا قال سكرتير الحزب (عزيز محمد) في لقاء تلفزيوني بعنوان: عزيز محمد .. رجل السنوات الصعاب. قال: “إن مجزرة بشتاشان عام 1983 بالحقيقة بالنسبة لي باعتقادي ما كان من الضروري أن نقطع علاقاتنا مع الاتحاد الوطني الكوردستاني، وندخل بمعارك معينة ضدهم، وعندما نتحدث عن الخطأ فكان لدينا نحن بعض الأخطاء أيضاً، ففي بعض المعارك تحالفنا مع البارتي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) فلا أريد أتحدث حتى لا أجرح أحداً أو أطرق باب الخصوصية. فلقد دخلنا بعض المعارك بالضد من الاتحاد الوطني الكوردستاني، وحدثت قطيعة ولم نكن مهيئين لهذه المعركة. ويضيف: عندما أتحدث عن الخطأ لابد يكون عندنا بعض الأخطاء”. ويقول: “نتحمل جزءاً من أحداث بشتاشان”. ويضيف (عزيز محمد): “كنا نريد أن نهاجم الاتحاد – بشتاشان الثانية- لأن الاتحاد لا يعطينا هدف، والبارتي خسر (40) قتيل لقد باغتهم الاتحاد”. وقال: “ونحن خسرنا خسارة كبيرة. وقال: منتقداً الحزب أن قوتنا ليست بمسلحينا، نحن قوتنا بخطابنا السياسي، بالموقع الذي نحتله بين الأحزاب”. انتهى حديث (عزيز محمد).  لكن للأسف (أبا سعود) أن تفكيرك السليم ونقدك الذاتي هذا جاء متأخراً.

هناك شيوعي سابق آخر اسمه (خالد صبيح) أيضاً يعترف بطريقة غير مباشرة بأن الحزب الشيوعي لم يك بريئاً في بشتاشان حيث يقول: “إن الحزب الشيوعي كان جداً منحاز إلى جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لأنه جزء من “جود” التي كانت أكثر فاعلية ونشاط من “جوقد” فلذا الحزب أولاها اهتمام أكبر فعليه حدث نوع من التوترات وحدثت نوع من الاشتباكات والقتال وحوصرت مواقعهم – يعني مواقع الاتحاد- في باليسان فأثرت عليهم..”. عزيزي القارئ لاحظ اللعبة الخطيرة التي لعبها الحزب الشيوعي على لسان شيوعي سابق آخر وهو (سبهان چياد) الذي قال: “كان القتال بين الاتحاد والبارتي، والحزب الشيوعي دخل في جبهة مع البارتي باسم “جود” وكان قبل هذا في جبهة أخرى مع الاتحاد باسم “جوقد”.

للأسف يتناسون أنهم هجموا على الاتحاد في باليسان وغيرها قبل بشتاشان بأيام ويزعمون في تصريحاتهم أن الاتحاد هجم علينا بتحريض من النظام العراقي، ويزعمون بدليل أنه بعد هذا الهجوم تفاوض مع بغداد. لو نقيس الأمور بهذا المقياس، أن هجومهم الذي عرف ببشتاشان الثانية تزامن مع الهجوم الإيراني على منطقة (حاج عمران) وهذا يدل على أنهم نسقوا مع إيران لضرب الاتحاد، لأنه كان ضد إيران في ذلك التاريخ بسبب مساندته لثورة شرق كوردستان. الشيء الآخر، حتى أن دخولهم الجبهة مع نظام حزب البعث تزامن مع الاتفاق الاستراتيجي بين حكومة البعث والاتحاد السوفيتي، وهذا أيضاً دليل على أن أنهم دخلوا الجبهة بأمر من السوفييت، وهذا يؤكد ما قاله (بهاء الدين نوري) بأنهم دراويش السوفييت.  

نحن هنا نتساءل، هل سأل نفسه يوماً ما عزيز محمد، أو كريم أحمد، أو أحمد بانيخيلاني، أو قادر رشيد، أو جمال الحيدري، أو عمر علي الشيخ، أو أي كوردي آخر منتمي للحزب الشيوعي العراقي، كيف بمواطن كوردستاني ينتمي لحزب يحمل اسم الدولة التي تحتل وطنه كوردستان وتستعبد شعبه الكوردي؟؟!! كيف بمواطن كوردي،يقبل لنفسه أن ينتمي لمؤسسة سياسية أو عسكرية أو أمنية تحمل اسم وهوية بلد الاحتلال العراق؟.

حقاً يتعجب المرء من عقلية هؤلاء الشيوعيين العرب،الذين يزعمون أنهم يناضلون ضد جميع أعمال وأفعال الرأسمالية، لكنهم في نفس الوقت يقدسون الحدود المصطنعة التي خطها حراب دولة الاستعمار الغربي الرأسمالي للكيان العراقي المصطنع، وذلك بإلصاقه  قسراً عام 1925- 1926 جزءاً من الوطن الكوردي، إلا وهو جنوب كوردستان. ليس هذا فقط، هناك من الشيوعيين يستكثرون على الشعب الكوردي أن يكون له حزبه الشيوعي الخاص به، يذيل اسمه باسم وطنه كوردستان كـ” الحزب الشيوعي الكوردستاني” الطامة الكبرى أنهم يعتبرون هذه خيانة لحزب الأم وانحراف عن الخط الماركسي؟؟!!. يا ترى ما الفرق بين هؤلاء الشيوعيين وأي حزب عنصري عروبي بغيض يرفض الآخر وينظر إليه نظرة عنصرية استعلائية مقيتة؟. أتساءل، هل يجوز أن هؤلاء الشيوعيين لا يعرفون ما قاله (لينين) عن حقوق الشعوب في مؤلفاته؟ وتحديداً في كتابه الذي بعنوان: مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية ؟!.  

ملاحظة: أنا منذ عدة أعوام تركت الاتحاد الوطني الكوردستاني، لست عضواً فيه وأمقته أيضاً، وهذا المقال ليس دفاعاً عنه قط، بقدر ما هو دفاع عن الشعب الكوردي، الذي تعرض إلى التشويه والتقبيح على ألسنة بعض الذين حماهم وأطعمهم هذا الشعب المضياف في سنوات العجاف التي مر بها هؤلاء الغرباء عن الشعب الكوردي ووطنه كوردستان. والسلام على من ناصر ويناصر الكورد وكوردستان.

“الخيانة تنشأ من الثقة”

محمد مندلاوي

19 03 2019

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *