من كمب كنكال في تركيا الى مائدة وزير الهجرة


ملبورن- استراليا
25 تموز 2010
اتذكر قبل حوالي عشرين سنة حينما كنت جالسا على سرير حديدي ذات طابقين في قاعة كبيرة كان فيها حوالي 300 لاجيء مع مجموعة من الشباب الذين، هربوا من الموت الاتي من لهيب عاصفة الصحراء (1) في كمب كنكال في محافظة سيفاس التركية الشهيرة التي لازالت قصص واثار دماء اخوتنا الارمن على جدران ازقتها اثناء مذابح الحرب العالمية الاولى. كنا نسأل بعضنا البعض الى متى نكون تحت رحمة الشرطة التركية وجبنتهم الصباحية اليومية وصياحاتهم على اللاجئين وهم متراصين امام ابواب الحمامات او المطبخ او الباب الخارجي  كيج …كيج…. كيج! . الى متى ننتظر ساعت طويلة في الليالي الباردة  قرب بدالة التلفون، لا لكي يتصل بنا احد من اقاربنا او اصدقائنا او اخوتنا من الخارج ويرسل حوالة مالية، بل لربما نسمع خبر من الذين يتصلون بهم اهاليهم عن مصيرنا المجهول في هذه الكمبات التعيسة البعيدة المنسية.
قبل عشرين سنة، كنا نقسي على اقاربنا واصدقائنا ومعارفنا في المهجر، ونتهممهم بشيء من قليلي الذمة واحيانا الخيانة لانهم كانوا قد فقدوا شوقهم وشيم عراقيتم المعهودة المتواصلة التي تتراصف في الظروف الصعبة. فحينما كنا ننظر الى حالة بعض من اخوتنا في الكمب ونراهم في ملابسهم القديمة، ممزقة واحيانا مرقعة والبعض الاخر لا يمللكون دينارا واحدا في جيبهم كي يشتروا حتى موز الحلاقة فبقت لحية البعض شهور وشهورغير محلقة، كنا نقول واحد للاخر يا هل ترا نحن ايضا سنكون مثل هؤلاء الذين نسوا كل شيء ؟!!
امام هذه الصعوبات الذي تكررت علينا وعلى ابائنا وعلى اجدادنا وعلى اجداد اجدانا كنا نقول بين انفسنا،هل سوف ننسلخ من جلدنا، وننسى الماضي والواجب بإتجاه اهلنا واصدقائنا كالذين الان في الخارج ولا يسألون عن مصيرنا ؟! كيف نساعد الالاف المؤلفة الباقية في العراق الذين لا يملكون لقمة العيش، ماذا عن الايتام الكثيرة الذين فقدوا ابائهم في الحروب، الامهات واباء المعمرين الذين لم يبقى لهم احد في ارض الوطن؟
عاهد بعضنا البعض منذ تلك الدقيقة  ان لا ننسى الاخرين وسنعمل المستحيل لاجل تخفيف معانات اخوتنا، واذا وصلنا الى احدى الدول او حتى الى انقرة او استنبول سوف لن ينسى الباقيين في الكمب، سيعمل من اجلهم كي يصلون حيث ما كنا. عاهدنا على العمل الجماعي بعد وصولنا الى الدول الغربية  وبناء مؤسسات كبيرة مثل الاتحاد الكلداني الاسترالي او غيره ، يكون لها نفوذ في الدول كي ترفع قضية شعبنا والمظالم التي تتكررعلينا مع حركة شبه بندولية في كل قرن .
مرت اشهور ومرت سنة وفتحت السفارات والامم المتحدة ابوابها لقبول اللاجئين، فوصل بعضنا بعد سنة ونصف الى ملبورن او سدني او تورنتو او امريكا او سويد او فرنسا او المانيا. وبدات الرحلة الجديدة للتكيف مع القوانيين الجديدة وتعلم اللغة معادلة الشهادة والعمل من اجل تامين الزواج وبناء العائلة بالاضافة الى التخطيط  ومساعدة الاهل والاقارب والاصدقاء لسحبهم  للوصل الينا.
هكذا قد قاربنا اليوم من عشرين سنة على هذا العمل بموجب هذا العهد الذي كنا قطعناهم على انفسنا كجماعة، على الرغم من قلة عدد الذين وافوا بعهدهم، بل تخلوا عنه وعنا منذ سنوات طويلة وانزلقوا في متاهات الحياة الغربية ونسوا ما كانوا قد وعدوا،فوقعوا تحت سلطة الدولار والمظاهر سواء برضائهم او عدم رضائهم، الا ان البعض من عمل المستحيل في اتمام المهمة وذلك العهد، ولا زال العمل من اجل الاخرين يسري في دمهم. بل زادت شرارة روح الشعور القومية والبحث عن الهوية عند البعض في المهجر.
 

بالامس اقامت الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا حفلة عشاء على شرف السيد وزير الهجرة الاسترالي ورئيس السنتاور لحزب العمال الحاكم  كريس ايفين مع عدد كبير من المسؤولين السياسين الاستراليين وموظفي الدوائر الحكومية، وكنت احد من هؤلاء الاخوة  في الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا الذين عملوا سنين طويلة كي نصل الى هذه الهدف. كي نوصل هموم جاليتنا في الداخل ودول الجوار والعراق بلد الام الى مسامع السياسين الاستراليين. وعلى الرغم من كثرة الصعوبات واحيانا طعنات الخدر في الظهر التي اتت قريبين منا ويوما ما كانوا عاضدين لنا ، وعلى الرغم من كثرة المناقشات والجدالات الكثيرة بيننا لتفادي الاخطاء في التحضير والتنفيذ،  الا ان هذه المناسبة كانت رائعة بكل معنى الكلمة، وكان نجاحها منقطع النظير بدليل التقيم العالي اعطته الاوساط  السياسية للحكومة المحلية والحكومة الفدرالية والضيوف الحاضرين.
لكن لي شخصيا ربما  كانت هذه المناسبة  اكثر اهمية ومعزة من اي شخص اخر، لانني  شعرت فيها وفيت بعهدي الذي قطعته قبل عشرين لاخوتي واقاربي واصدقائي على تلك السريرة الحديدية في كمب (كنكال) مع اصدقائي، وتذكرت تلك الايام التعيسة وتذكرت اصدقائي الذين كانوا معي واليوم بعضهم في الشتات لم اسمع منهم اي شيء منذ زمن طويل، وكذلك تذكرت الذين قطعوا العهد على انفسهم وخابوا في عهدم وسقطوا في اول عتبة من مصاعب الحياة.  هنا الواجب الاخلاقي يفرض علي  بان لا انسى دور الاوائل هنا في استراليا الذين عملوا من اجل مساعدتنا والدفاع عن قضيتنا ونحن كنا لا نعلم بهم.

 
مبروك لاعضاء الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا على العمل المشرف لتنظيمهم هذه المناسبة الكبيرة ولرفعهم شأن جاليتنا الكلدانية بين الجاليات الاثنية  الاخرى التي تفوق عن 200 جالية . والى الامام من اجل بناء الانسان والعائلة والتوازن بين الذات والمجتمع واضرام روح الشعور بالمسؤولية اتجاه الوطن الام العراق الذي شربنا من مياه دجلته وفراته والوطن الجديد استراليا ومجتمعه الذي قبلنا بكل معزة وتقدير بين احضانه بدون اي نوع من تفرقة او تمييز.
………..
1-    اطلق على حرب الخليج عاصفة الصحراء.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *