إن الأحـداث المحـزنة والمتـسارعة التي ألمَّـتْ بأبناء شعـبنا المسيحي في الأيام الماضية الأخـيرة ، هي تـكـرار لِما عانى مثـلها أجـدادنا منـذ 1400 سنة والتي كانت مؤلمة ومثيرة ، فالإضطهادات عَـبر التأريخ كـثيرة ، راح ضحـيتها مئات الآلاف بل وأكـثر من المسيحـيّـين الأبرياء والقـيادات الكـنسية الـقـديرة ، ورغـم أنّ العـين كانت ولا تـزال بصيرة والـيـد قـصيرة ، لكـن الحـياة إستـمرَّت مع الناجـين منهم بإيمان راسخ وهـمة كـبـيرة .
الحـل المسيحي : لا تـقاموا الشر بالشـر …. إذا إضطهدوكم في مدينة ، فأهـربوا إلى غـيرها .
الحـل الشخـصي : يصعـب إملاء الحـلول والتوجـيهات والإقـتـراحات عـلى مَن يعاني من هـذا الشر وتبعاته ، ولكـنكل مرء حـسب ظروفه يخـتار الحـل الأفـضل له ، وما بـوسعـنا لا نـقـصره معه .
في سـياق آخـر : سألني البعـض إنْ كـنـتُ أعـرف مسبقاً المطران المرشح لأبرشية أستراليا ! فأجـبتُ : لا أكـتب دعاية له كي أرفع من شأنه ، ولستُ ضده لأعـبِّـر عـن كـرهي له ، ولا أتملق إليه لأستـفـيـد منه ، كـل ذلك لأني لا أعـرفه ، وإنما بحـسن نية أسلط الضوء عـلى مساره ، عـساه أنْ :
يتجـنب تعـثـره بحجـر لا يتـوقـعه أمامه
سيادة المطران القادم إلى أستراليا ……… أهلاً بك في أبرشيتـك
الكـرسي الأحـمر الأقـدر ، يتحـمّل مسؤولية أكـبر ، ويتخـذ القـرارات بصورة أيـسر … فلا تهـتم إنْ لم تكـن لـديك خـبرة أسقـفـية تليـدة !! فإن سنين كـهنـوتك المحـدودة ، ومعاضدة كهـنة أبرشيتك الجـديـدة ودعـم أبناء الجالية الودودة ، ستكـون معـك في خـدمة إيمان ومؤمني الكـنيسة الكاثـوليكـية الكـلـدانية المجـيـدة ، بصورة رشـيـدة في مطرانيتـك العـتيـدة ….. واضعاً نـصب عـينيك أنَّ صاحـب المنـصب الأرفع واللقب الأسطع والنـفـوذ الأوسع ـ يتوازن بصورة أنجعـ إذا كان ذا قـلب يخـشع وعـين تـدمع ….
حـين نـتأمل إنجـيل الرب وهـو يقـول ــ صلوا ولا تملواــ ليس يعـني تـكـريس 24 في 7 في 12 من سنين حـياتـنا ، للصلاة كما يحـلو لبعـض الواعـظين حـين يعـلِّمونـنا ، فـيـزرعـون مشاعـر الـذنب في نـفـوسنا ، فـنحـس بالـتـقـصير مـدى عـمرنا … بل الأجـمل أن يكـرزوا فـينا بأنها توصية شـكـر للرب وراحة لـنا ، بنموذج رائع للصلاة …. أبانا .
إنّ المسيح نـفـسه ما كان يقـضي كـل حـياته بالـتـضرع إلى الله عـز وجـل ……. وإلاّ ما كان يجـد فـرصة لإمتهان النجارة في العـمل ، ولا مع تلاميـذه في البحـيرة والحـقـل ، ولا لموعـظته عـلى الجـبل ، ولا لتعـليمه في الهـيكل لزرع ثـقة الخلاص في نـفـوس فاقـدي الصبر والأمل ……
ولا كان يتـوفـر له وقـت لإخـراج الشياطين من أجـساد ضحاياها ، ولا قـبول دعـوات الضيافة من أصحابها وحـفلة عـرس قانا وأفـراحها ، بل كان مصير الـبشرية محـتـوم إنـقـراضها في غـضون 100 سنة من عـمرها .
وماذا عـن أبـينا إبراهـيم في العـهـد الـقـديم ! إنه يعـتـز بكـلـدانية أور جـذوره وهـو في ديار مهجـره ، بـدليل إصراره عـلى أنْ يخـطب لإسحاق إبنه فـتاة من آرام النهـرين أرض آبائه ! وهـكـذا فـعـل إسحاق ليعـقـوب فـتاهُ … أما كان ذلك تمجـيـداً لأصله ؟
من جانب آخـر نـقـرأ عـن أعـمى أريحا المستـعـطي والمؤمن بقـدرة المسيح الإلهـية ، صرخ طالباً منه الشفاء : يا يسوع إبن داود إرحـمني ! ….. أما المسيح وهـو يـدخـل هـيكـل أروشليم ، والجموع تعـرفه آتياً بإسم الرب هـتـفـوا له : أوشعـنا لإبن داود ! …… إذن رغـم معـرفـتهم به مسيحاً إلهاً وبإسم الرب آتياً !! نادوه بإسم ــ داود ــ منبعه فـخـراً له وإفـتخاراً به ، دون إحـتـساب الـزلات مع أوريّا في ماضيه ، ولا الباقي من أخـطائه ، وهـو القائل : قال الرب لـربي ….
ثم مار ﭘـولص الرسول في معـرض دفاعه عـن نفـسه في القـلعة بأورشليم قال : أنا يهـودي ومواطن روماني ! ولم يقـل أنا مسيحي أبشـر بالمسيح !! …. فـتلك لها أوقاتها .
نعـم إن الأولـوية هي التأمّل في أبـدية خلاصنا ، والإقـتـداء بالمسيح خـط مشع أملـنا ، ومن أجـله نجاهـد جهاداً حـسناً فـهـو هـدفـنا …. ولكـن طالما مُـنِحـتْ الحـياة لـنا ، أليس جـديراً أن نـتخـذ من تلك الأمثـلة عـبرة تـدعـونا إلى مواصلة خـلودنا عَـبر الأجـيال من بعـدنا ، أليس الواجـب يقـتـضي أن نـشيِّـد بـيتـنا بأيـدينا عـلى الأرض التي خـلقها الله وخـلقـنا ؟ ألا تـرى أن الفـكـرة الجـميلة تـناسـبنا : إعـمل ليومك كأنـك تعـيش أبـداً وإعـمل لآخـرتـك كأنك تموت غـداً ؟ .
أنت تـدري بأنَّ أصلـنا ومنبعـنا وتراثـنا وكـيانـنا ، متلألـئة في حُـذرتـنا حـين تـذكـر الكـلـدان شعـبنا منـذ القـرن الرابع من ميلاد مخـلصنا ، واقـفـين مُـنبهـرين في مساء الجـمعة من صلواتـنا ، بالإضافة إلى فخـر ﭘـطريركـية بابل حاملة إسمنا ، وغـبطة ﭘاطريركها يرأس كـنيستـنا الكاثـوليكـية للكـلـدان شعـبنا …… فـما رأيك بعـد إستلام مهامّـك كـمطران في أبرشيتـنا ، وصوتك محـترم بـينـنا … هـل ستـقـول إنّ الموضوع لا يخـصنا ، نـتـركه لعـلمانيّـينا ….. ولكـن من خـلفِـنا تهَـيمن عـلى سـذاجة جـمعـيات وتجـميعـيات لغايات مجـهـولة عـلينا ، يا سيادة أسقـفـنا ؟
ألا تستحـق هـويتـنا الكـلـدانية رفع رايتها تمجـيـداً لها منك ومنا ، دون أن تعـني نشاطاً سياسياً كالـذي يـروّج الـبعـض من القادة لـتبرير تجـنبهم المشاركة في هـذا الـنـشاط معـنا ، ولكـنهم يمارسـونه بطرق أخـرى في غـيابنا فـيستحـوذون عـلى ما تمنحه ! دوائر فـرص الـتعـددية في عـصرنا….. ولا يكـتـفـون بما لله لله بأيـديهم ، وإنما حـتى الـذي لـقـيصر وأبناء قـيصر مشـفـوط عـنـد اللاهي ! وعـنـدهم! ؟ .
وبـودّنا الإفـصاح عـن أنـنا لا نهـدف إلى إسترجاع المنـدثـر من ماضينا ولا إعادة بناء النافـورات والمعـلقات من جـنائـنـنا ، ولا أن نحـيي عـظام نبوخـذنـصر الـرميم في مقابرنا ، ولا أن نـنحـت مجـدداً أوثان أجـدادنا ، بل الغاية هي الإعـتـزاز بلغـتـنا وإحـياء تـراثـنا وحـضارة آبائـنا والحـفاظ عـلى إسمنا لتـكـون محـفـزاً لتـقـدمنا في عـصرنا الحالي نحـو مستـقـبلنا ، فـهـل أنت معـنا أم معاكـساً لـنا ؟ ….. وإنـتـظر مكـرّماً الحـلقة الرابعة من سلسلتـنا .
***********
الحـلقة الثانية : مَرحباً بك قـبل أنْ نعـرفك… مطراناً قادماً إلى أستراليا أبرشيتك